دماءٌ في مجاري الدَّمعْ

محمد نادر فرج

ميرلاند - أمريكا

[email protected]

لم يكن والدي الأستاذ الشيخ يوسف فرج رجلٌ لأسرةٍ، فهو أب وعمٌ وخالٌ وأخٌ ينتمي لآل الفرجِ فحسب، ولكنهُ رجلُ أمةٍ بكلِّ المعاني التي تحملها هذه الكلمة، حمل همومها، وعاش قضاياها، وتعلق أحلامها، فجراحها تنزف من دمه، وضرباتها تقسم ظهره، وآمالها رؤى في خياله.

لقد كان المعلِّم والموجِّهُ والمرشدُ والمرجعُ الديني والاجتماعي، وهو الأديب اللبيبُ والشاعرُ المخلصُ في كلِّ ذلك، ولذلك كان فقدُهُ رحمهُ الله تعالى وأسكنه فسيحَ جنانِهِ بهذا القدَرَ من الفاجعة، اهتزَّت له جنباتُ مدينةِ التلِّ التي فُجعت بموته.

لقد فقدتُهُ فوقَ كلِّ ذلكَ أباً حنوناً يحملُ أنبلَ وأرقَّ المشاعرِ الأبوية والإنسانية.

ألقيت هذه القصيدة في ثالث أيام التعزية في الصالة العامة

أبـتـاهُ قـلـبي فاضَ بالأحزانِ
قـدْ راعَـهُ أمـرٌ يُـفَتَّتُ iiمُهجةً
أبـتـاهُ  فـقدُكَ هَدَّ كلَّ iiعزيمتي
عَـزَّ  الـفِـراقُ وإنـهُ لَـمُحتَّمٌ
مـهـمـا  يَمدُّ الدَّهرُ ظلَّ iiسعادةٍ
فـمـصيرُهُ المحتومُ قَطعُ iiوشائجٍ
فـمـفـرِّقُ  الأحـياءِ ذلكَ iiدأبهُ
حـتـى  على الملَكِ الموكَّلِ iiإنها
يـا لائـمـي جزعاً عليهِ iiأُحِسُّهُ
لا  تـعذلنَّ دَمي إذا هوَ قد iiجرى
فـأبـي  لعمرُكَ كهفُ كلِّ iiمُشرَّدٍ
ويـداهُ  بـالبَذلِ السَّخيِّ iiوبالنَّدى
يُـضـفي عليهِ الزُّهدُ أروعَ iiحُلَّةٍ
يـومـانِ  قِسمَةُ دَهرِهِ نهجُ iiالعُلا
يـومٌ  بـهِ لـلجودِ يُشهدُ والنَّدى
خـطَّـتْ تجاعيدُ الزَّمانِ iiبوجهِهِ
وكَـسَـتـهُ  هـالةَ بهجةٍ iiقُدسيَّةٍ
أبـتـاهُ  والـشَّرفُ الرَّفيعُ iiمُتيَّمٌ
أبـتـاهُ والـعـلـياءُ جاثيةٌ iiوقد
أبـتـاهُ  والـمـجدُ الأسيلُ مُيتَّمٌ
أبـتـاهُ والـكـلماتُ عاجزةٌ iiفلا
وفَـمُ الـبلاغةِ عَيَّ عن iiإيضاحِهِ
أبـتـاهُ  والأسـمـاءُ جامدَةٌ iiفلا
أبـتـاهُ والـفُصحى مُروَّعةٌ iiفقدْ
قـد كـنـتَ لُـجَّاً زاخراً بمعالمٍ
عَـلَـمٌ يـقودُ إلى الرَّشادِ iiومَعْلَمٌ
قـدْ كـنـتَ يا أبتاهُ مَنهلَ iiخِبرةٍ
رمـزَ الـهُدى، والبِرُّ في iiأخلاقِهِ
أبـتاهُ  ليتَ جَوارحي iiوحُشاشَتي
مـا بعدَ بُعدِكَ يا أبي غيرُ iiالوَنى
فَـقَـدتْـكَ  بـلدتُكَ التي أوليتَها
عَـرَفـتْكَ  بَرّاً راحماً iiمتواضعاً
شَـهِـدَتـكَ رائـدَ أمَّـةٍ iiمُتعلِّماً
ورأتـكَ شَـيـخاً صالحاً iiومُعلِّماً
عـلَّـمـتَـنا أبتاهُ في أنَّ iiالثَّرى
فـدمُ  الأبـيِّ يـهونُ دونَ iiإبائِهِ
بـالـسِّـلمِ عنوانُ الكفاحِ iiوجُهدُهُ
وإذا دهـى خَـطبٌ يَمَسُّ iiتُرابَها
تـبـكـي عليكَ بيوتُها iiودروبُها
والـمسجدُ المحزونُ يبكي iiشَيخَهُ
ومـسـاربٌ  فـيها تَمُرُّ iiومنزلٌ
ومواضعٌ شهدتْ سجودَكَ أو ثَرىً
وبَـنـوكَ والأحـفادُ فَتَّ iiقلوبَهم
فالحزنُ  يعصرُ كلَّ قلبٍ iiوالأسى
يـا بـلـدةَ الشَّيخِ الجليلِ iiجزاكمُ
وأثـابَـكـم  عـنا جزيلَ مثوبةٍ
أسَـخيتمو أن تدفنوا تحتَ iiالثَّرى
إن كـانَ رَمـساً في مكانٍ iiواحدٍ
لـو  كانَ بالرُّوحِ العزيزةِ iiيُفتدى
















































وجـرتْ  عـليهِ نوائبُ iiالحَدَثانِ
حَـرّى  وجَـوفـاً ثارَ iiكالبركانِ
وتـصـدَّعَتْ  من وقعِهِ iiأركاني
حَـكَـمـتْ  بذاكَ إرادةُ الرحمنِ
لـمـنـعَّـمٍ  بـالمالِ والسلطانِ
تـمـتـدُّ  بـين الأهلِ iiوالخلاَّنِ
يـمـضي  بأمرِ اللهِ في iiالأكوانِ
سـتـدورُ كـأسُ مـنيَّةٍ iiوهوانِ
ورَقـائـقـاً  فاضَتْ بها iiالعَينانِ
في  مَدمَعي. وأفاضَ في iiوجداني
ومـجـيـرُ مـلهوفٍ أتاهُ وعانٍ
عُـرِفـتْ بـما لم تَجْرِ فيهِ يَدانِ
وتـزيـدُهُ  شَرَفاً رؤى iiالإحسانِ
مُـتـحـاذيـانِ فـليسَ يفترقانِ
وبـهِ  لـيـومِ الـرَّوعِ يومٌ iiثانِ
نـورَ  الـوَقـارِ وزَهوَةَ iiالإيمانِ
عَـكـسَتْ بوَجنَتِهِ رِضا الرَّحمنِ
يـبـكـي  عـليكَ بمدمَعٍ iiهتَّانِ
مـالـتْ بـإجلالٍ على iiالجُثمانِ
مُـذْ  لـفَّـعَـتْكَ شَمائِلُ iiالأكفانِ
تـقـضـي لحقِّ نَداكَ أيُّ iiمعانِ
وكـأنَّـهُ جـوفٌ بـغـيرِ لسانِ
ترقى  لِوَصفِ عُلاكَ في iiالأكوانِ
فـقَـدَتْ بـفَقدِكَ أروعَ iiالأوزانِ
صَـنـعَتْ  جَمالاً زاهيَ iiالألوانِ
مُـتـأصِّـلٌ بـالـعِلمِ iiوالإيمانِ
ومُـحـيـطَ معرفةٍ وبحرَ معاني
وبـهِ فَـخـارُ الأهـلِ iiوالخُلاّن
دُفِـنتْ مكانَكَ في الثَّرى iiالهيمانِ
وبُـكـاءُ  هـتَّـانٍ ونَوحُ iiجَنانِ
كـلَّ  الـوفـاءِ وقِـمَّةَ iiالعِرفانِ
يَـحنو على بؤسِ الوني iiالولهانِ
يـحـكي  السُموَّ ورِفعةَ iiالإنسانِ
يُـهـدي  الـضّياءَ لِتائهٍ iiحَيرانِ
ودمَ  المروءةِ في الورى iiصِنوانِ
وثَـرى الـمروءَةِ رِفعةُ الأوطانِ
لِـبـنـاءِ أجـيـالٍ من iiالفتيانِ
يـرويـهِ مـن دَمهِ الذَّكيِّ القاني
ومـرابـعُ الـزَّيـتونِ iiوالرُّمانِ
والـبـابُ والـمحرابُ iiينتحبانِ
عـطَّـرتَـهُ  بـتـلاوةِ بالقرآنِ
روَّيـتَـهُ مـن دمـعِـك iiالهتَّانِ
لَـذْعُ الـفِـراقِ ولَوعةُ الحِرمانِ
يُـفـضـيـهِ إنسانٌ على iiإنسانِ
ربُّ الـوجـودِ منازلَ iiالرِّضوانِ
أجـرَ  الـوفاءِ وخالصَ iiالعِرفانِ
فـيـضَ  الحَنانِ وجَذوَةَ iiالإيمانِ
فـالـحـزنَ  منشورٌ بكلِّ iiمكانِ
خِـلٌّ  فـديـتُكُ مهجتي iiوجَناني