ثلاثونَ عاماً في الغُربَة
خالد
البيطار
مُـنْذُ اغترابي وبُعدي عن ثرى وطني
إذا سـمـعـتُ بـركبٍ زاره خفقتْ
وهـل رأوا بـيـتيَ المهجورَ دامعةً
وهـل رأوا كُـتبي غبراءَ قد يَبِسَتْ
وهـل رأوا أحـداً مِـنْ جِيرتي فَهُمُ
وهـل رأوا مسجدي أو هل رأوا أحداً
* * *
مَـرَّتْ ثـلاثـون عـاماً والفؤادُ على
فـأسـتـريـحُ لـما يُبْدِيه من شغفٍ
مـرّتْ ثـلاثـون من عُمري ولم أره
ولَمْ أَرَ النهرَ يجري في الحقول ضحىً
ولا الـبـحـيـرةَ تـرويهِ وتُخْصِبُه
ولـم أَرَ الـروضَ يزهو في نضارته
ولا الـمـسـاجـدَ تسمو وهْيَ حافلةٌ
* * *
أمـضـيتُ عمري في الأسفار مغترباً
إلـى عـواصـمَ شتّى لستُ أذكرُها
فـقـد وقـفـتُ طـويلا في مداخلها
وقـام يـعـبثُ في أحشاءِ محفظتي
* * *
مَـرَّتْ ثـلاثـون والأيامُ تقرِض مِنْ
وتـسـتـمـرُّ ... ولـكـنِّي أغالبُها
وأسـتـعـيـدُ شريطَ الذكريات فلا
* * *
كـم كـنـتُ أروي الحكايا للحفيد وكم
مـتـى نَـعُـودُ إلـى سـاحاتِه فلقد
فـقـلـتُـ: دربي إليه لستُ أَجْهَلُهُ
مـهـمـا يَـطُلْ عهدُه فالأرضُ تَنْبِذُهُ
لا بُـدَّ مِنْ عَوْدَةٍ تشفي الجراحَ وهلْ مـا زلـتُ أرعاه في سِرّي وفي عَلَني
لـه الـجوانحُ، هل مَرُّوا على سَكَني؟؟
عـيـونُـه، وقد ابْيضّت من الحَزَن؟؟
بَـعـد الإهـابِ الجميلِ الرائقِ اللَّدِن؟؟
في الشوقِ مِثْلي وفي الَّلأْواءِ والمِحَن؟؟
مـن الـمُـصَـلِّين فيهِ ليس يَذْكُرُني؟؟
* * *
شـوقٍ يَـهِـيـجُ فـأُخْـفِـيه فيغلبني
ومـن حَـنـينٍ إلى الماضي فيُسْعِدُني
إلا بِـعَـيْـنِ خـيـالي وهْوَ لم يَرَنِي
ولا الـعـصافيرَ من غُصْنٍ إلى غصُن
فـيـكـتـسـي وجهُه بالمنظر الحَسَن
يـشـفـي النفوسَ من الأسقام والوهَن
بِـكُـل داعٍ إلـى الـرحـمـن مؤتَمَن
* * *
مـن الـعـراق إلـى عـمّان واليمن
فـذِكْـرُهـا الـيـوم يؤذيني ويؤلمني
وصـار يـسـألـني مَنْ ليس يجهلني
مِـنْ بَـعْـدِ تـفـتيشه للثوب والبدن
* * *
عـمري وتَنْهَشُ مِنْ جسمي وتُضْعِفُني
وأسـتـعـيـنُ بـآمـالـي فتؤنسني
تَـخـفـى حناياه عن عَيْنِي وعن أذُني
* * *
كـان الـحـفـيدُ من الأشواق يسألني
شَـوَّقْـتـني، وابتعادي عنه أظمأني؟؟
لـكـنَّ شـوكَ قَـتَـادِ الـظُلْمِ يَمْنَعُنِي
جـسـمٌ غـريـبٌ نما في غفلة الزمن
دام الـزمـانُ لـنـمرودٍ وذي يَزَن؟؟!