كلمات شعرية

كلمات شعرية

عن الوطن وحكامه في العهد الأسود

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

لا خلاف في أن الشعر هو أرقى ألوان الإبداع، لذلك كان من العادات الراسخة عند العرب أن القبيلة تقيم الأفراح، وتذبح الذبائح؛ إذا ظهر فيها شاعرٌ؛ لأنه سيكون لسانها الناطق، الذي يدافع عنها، ويكبت أعداءها، ويسجل مفاخرها، ويحمس مقاتليها.

ولسمو الشعر على الأساليب الأخرى من خطابة وكتابه وحكايا، وتفوقه عليها في التأثير، وانبهار العرب بأسلوب القرآن، رأينا الكافرين يشبهون القرآن بأرقى ما سمعوا ونظموا وهو الشعر (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (الأنبياء: 5). (أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (الصافات: 30).

وقد نفى الله سبحانه وتعالى عن النبي محمد أن يكون الوحي شعرا، وأن يكون هو شاعرًا:

(وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ) (الحاقة: 41)، (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ) (يس: 69).

وقد شهد رسول الله  صلى الله عليه وسلم  للشعر وسموه، فقال: "إن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكمة".

*  *  *

ويتسم الشعر الأصيل بسمتين واضحتين هما:

1 سهولة حفظه وترديده لما فيه من موسيقى الوزن، وانضباط القافية.

2 قوة التأثير لما فيه من براعة التصوير، وحرارة العاطفة.

فلا عجب إذن أن يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ارووا الأشعار فإنها تدل على الأخلاق. كما قال: خير صناعات العرب أبيات من الشعر يقدمها الرجل بين يدي صاحبه، يستميل بها الكريم، ويستعطف بها اللئيم. وحينما أعجب بشعر متمم بن نويرة: قال له: ليتني كنت شاعرًا، حتى أرثي أخي زيد، كما رثيت أخاك مالك بن نويرة...

*  *  *

وقد أعانني الله ونظمت عشرات من القصائد في أكثر من خمسة دواوين، أغلبها في القيم الإسلامية والوطنية، وأحوالنا السياسية والاجتماعية، وتطلعاتنا بالإيمان لمستقبل حي متحرر منفصل.

ورأيتني في أغلب هذه القصائد مسوقًا  بالوعي واللاوعي  إلى تصوير أبعاد "الحكم الثوري" ... أي الحكم العسكري ابتداءً من قيام الميمونة سنة 1952م، والحظ الأكبر كان من نصيب "الحكم المباركي"، وواقع مصر المطحونة تحت وطأة هذا الحكم الأسود المنكود، الذي يجر مصر إلى مستقبل مفلس، مضيع، مستضعف، مهين.

وفي العهد المباركي أصبحنا نعيش ما يمكن أن نسميه "مأتم القيم والقانون والحرية"، فنحن نرى:

كيف صالت عصابةُ الإفك  بالغد
فـحـضرنا  جنازةَ النصرِ والقا
يـومـها  مصر يُتِّمتْ، iiوتجلت
...  إذ تـولى القيادَ ظُفْر iiونابٌ
فتعالى: بنوك  يا مصر  iiأضحَوا
ويـح  قلبي لم تعد مصرُ iiمصرًا
قـطـع الـمنسرُ الطريقَ iiعليها
بـدنـانـيـرَ من نُضار iiكذوب
والـظلام  الكئيب يروي iiالحكايا








رِ  عـلـى الحق صولةَ iiالثعبانِ
نـونِ والـوعي والعلا iiواللسان
شـمـسُها  في الحداد iiوالأشجان
وسـيـاط  وصـولـةُ iiالسجان
طـعـمـةً  بـين فكَّي iiالذؤبان
وهْـي  كـانـت كدرة iiالأوطان
وشـرَوْهـا  لـلداعرِ iiالقرصان
بـعـد أن غمِّست بطين iiالهوان
دامـيـاتٍ عـن شرعة iiالغيلان

*   *   *

إنها سياسة التناقض، واختلال المعايير، والتخبط الأعشى، بعد أن ضُيعت الأمانة، ووسِّد الأمرُ غيرَ أهله، نعم.

فـاختلالُ المعيارِ أضْحى iiصوابا
وأنـادي بـلابـلَ الدوْحِ.. iiعَلِّيِ
فـلْـتُـجيبي  بلابلَ الدوحِ iiصبًّا
لا  أرى بـلبلاً على الدوْح iiيشدو
بـاغـيـاتٍ تـعيثُ دوْما iiفسادًا
ونـعـيقُ  الغربان يسْرى iiلحُونا
والـسّـكـارى تميلهم نشوةٌ iiحرّ
وارتـدتْ  لـبـدةَ الأسودِ iiكلابٌ
وذُرا  الـراسـياتِ أمستْ iiمطايا
والـفـقـاقيعُ قد علَتْ قمةَ iiالسي
والخريرالمصدورُ في الجدول الذّا
والتقيُّ  الشريفُ في السجن iiيُلقىَ
والـخـئـون  اللئيم يُدْعى iiأمينا
غـيـرُ مـستغَْربٍ. فهذي iiأمورٌ
فـزمـامُ  الأمورِ في كفِّ iiأعمى
والـعَـمَى ليس في العيون ولكنْ















والـصـوابُ التّمامُ شرَّ iiالشرور
أتـعـزَّى  بـشـدْوِها المسحور
ظـامئَ  القلبِ والهوى iiوالشعور
بـلْ خفافيشَ في رياشِ iiالصقور
بـمـغـانـيه في غيابِ iiالنسور
فـي جـنـازاتِ فكرنا iiالمنحور
َى  لـلـحـنٍ .. ممزَّقٍ iiمخْمور
وقـطـيعُ الحميرِ .. جلدَ iiالنمور
لحصَى  الأرضِ والبغاثِ iiالحقير
لِ،  وصـارتْ أمـيـرةً للبحورِ
بـلِ  يـطغَى على هزيم iiالهدير
بـيـنما اللصُّ في النعيم النضير
والأمـيـنُ الـنـبيلُ جِدّ iiخطير
عـكـسـهـا فتنةٌ وضدُّ iiالمسيرِ
أسـودِ  الـقلْب مستباحِ iiالضمير
فـي قلوبٍ مطموسةٍ في iiالصدور

ومن مظاهر اختلال المعايير ما نقرأه في الأبيات التالية:

وغـايـتهم في العيش مُتعة iiماجنٍ
وكـلّـهمو في الشر والعارِ iiضالعٌ
كـأن عـذاب الأبـريـاء iiلديْهمو
أيُلقى بقاع السجن من عاش مؤمنا



وعـدتـهم في الحكم نابٌ iiومخلب
ولـلـحـقَّ  نّـهاب عُتلٌ iiمخرِّب
ألـذَّ مـن الـشهد المذاب iiوأعذب
ويـطـلق  لصٌّ آثم القلب iiمذنب؟

ومع ذلك يقولون إنه "نظام حكم" وهو في الواقع حكمٌ بلا نظام... وإن شئت فقل: إنه حكمٌ "نظامه أنه بلا نظام"، فهو:

 نظامٌ يقوم على المخزيات              وليس به غير إفكٍ كَذوب

****

وأُذكر بأن أحط ما اتسم به حكام هذا العهد، هو التبعية ... التبعية المتجذرة لبوش أمريكا، وصهاينة إسرائيل، ومناصريها من الملاحدة، وصهاينة العالم. وعاش حكامنا طغاة بغاة، وسائلهم في تثبيت حكمهم الحديد والنار، ومصادرة الأموال، والمحاكمات الملفقة، والتعذيب الذي يقود إلى الموت. ولم يكتفوا بظلم العباد فامتدت أيديهم يعبثون بمفاخر تاريخنا، بالكراهية والتشويه، وفي هؤلاء قلت:

فـقـد  بُـلـينا بحكامٍ غَدَوْا iiأُسُداً
الآمـرونَ بـلا أمـرٍ يُـطاعُ iiلهم
لا تَـذْكُـرَنَّ بِـهِـمْ إلا iiجـبابرةً
قـد أنكروا الحقّ والأجدادَ من سفهٍ
واستعبدوا الشعب واجتاحوا كرامتَه




عـلـى الشعوب نَعاماً في iiأعادينا
فـالأمرُ  أضحى لأمريكا iiوشارونا
مـن الـبـغـاةِ كفرعونٍ iiوقارونا
وحـقّـروا عـينَ جالوتٍ وحطينا
وصـادروا الفكرَ واغتالوا iiالقوانينا

ولم يكتفوا بهذا العبث فادعوا البطولة والعلم الواسع بالسياسة، وموهبة الساسة، والحكام الأفذاذ، فنراهم:

كـيف ازدَهَوْا ببطولاتٍ iiمزيفةٍ
قـالوا  "السياسة فنٌ نحن سادتُه
قالوا "الزعامة فينا" قلتُ "ويلكُمو


بـها  انتكسْنا وعِشنا في iiمآسينا
وقـد  صـنعنا لنا منها iiأفانينا"
سحقًا  لذئب غدا بالنابِ iiراعينا"

مع أنهم ليس فيهم صفة واحدة من صفات الزعامة.

إن الزعامة ليست ادعاءً وعبثًا وهراءً وانتفاشًا، نعم كان عليهم أن يعلموا :

أن الـزعامةَ إصرارٌ بلا iiوَهَنٍ
أن الـزعـامةَ إيمانٌ وتضحيةٌ
أن  الـزعـامة إيثار ومَرْحَمَةٌ


لا  أن تكون بما جمّعتَ iiمَفْتُونَا
وقـدوةٌ بـكـتـابِ الله iiتَهْدِينَا
وأن تجوع لكي تُقْرِي المساكينا

وأقول لهؤلاء الادعياء الذين يدعون العظمة والقدرة، والعلم، والمهابة، وهم مجردون من كل هذه الصفات والملامح، وكل ذلك ادعاء.

يـا كـبـارًا- ولستمو بكبارٍ-
كـم  كبيرٍ في بوله راحَ iiيحبو
وصـغـيرٍ قد عظَّمته iiالمعالي
يـاكـبـارَ المقامِ، هنتم iiوبعتم
فـالـذي  بـاع شعبَهُ iiمستهينًا
هـل أمِـنتُم مكرَ اليهودِ إذَا iiمَا
فـاحذروهم، إن فاجئوكم iiنيامًا
لـستُ أدري ما يفعلونَ iiولكنْ
مَـن يـهنْ يسهلُ الهوانُ iiعليه








إنَّ بـالـعـقلِ يُعرفُ iiالكُبراءُ
زعَّـمَـتْهُ  الأنطاعُ والأغبياءُ!
عَـزْمـةٌ  حـرُّةٌ نَمَاها iiالإباءُ!
لـم يـعد للشعوبِ فيكم iiرجاءُ
هـو والـغاصبُ العدوُّ iiسواءُ
أنـكـروكـم، وحلَّتِ البَغضاءُ
فـي  هناءٍ فَلاَتَ حين نَجاءُ!
يمسكُ البوحَ عن لساني الحياءُ
مـا  لـجـرحٍ بميِّتٍ iiضرَّاءُ

وفي النهاية أتوجه بالحديث إليكم وإلى مصرنا الحبيبة فأقول:

فـاخـسئوا – أيها الطغاةُ- فإنَّا
والـعنيهمْ –يامصرُ- لَعنًا كبيرًا
واسأليهم –إن استطاعوا جوابا-
قـد رأينا الأصفارَ تَهْمِي iiعليكم
فـبـأيدكمُو غدت مصرُ iiصِفْرا
نـزع الله مـن قلوب iiالأعادي
وَشُـغِـلْـتُمْ  بحب دُنياكم iiالعُمْ
و"حـقوقُ  الإنسانِ" كِذْبٌ iiوزرٌ







لا  نـبـالي بما قضى iiالعملاءُ
الـعـنـيـهـم،  فكلهم iiلُؤَماء
فَـلَـكَمْ ضَل سعيُّهم، iiوأساءوا:
ثـم  هُـنـتم كما تهون iiالإماء
فـازْدرانـا الأعداء iiوالأصدقاء
أن  يـهـابـوكمو، وأنتمْ iiغُثَاءُ
رَ ، وعـشـتـم قلوبُكُم iiعمياء
وادِّعـاءٌ ، وَهْـيَ مـنكم iiبراء