قلب و قلوب
قلب و قلوب
هذا يصفو أبداً والكل مشوبٌ
شعر: علي فهيم الكيلاني
في ظمأ الدنيا
ينسابُ النورُ من القلبِ
الطافح بالإيمان
يُشعلُ شمسَ الحبْ
يملأُ كون النفسْ
يتدفّق في أرجاء الدنيا
تتدافع أمواجُ النورْ
فتروِّي عطش الأشواقْ
بنجيعِ شهيدٍ يتفجَّر
* * *
يا نهرَ الشوقِ أغثني
روِّ ظمأ غَدَقا
يا نهرَ الشوقْ
املأ خابيتي بالنورْ
املأ قلمي ألقا
ليشنِّفَ أسماعَ الدنيا
بترانيم الحب العلويهْ
تعزفها أوتارُ القلبِ
لهذا الكونْ
أنشودةَ حبٍ وفداءٍ
وشهادهْ
فالروح يبابْ
والنفسُ خرابْ
والأفقُ ضبابْ
وأنا مسكون فيَّ أنا
طينٌ وترابْ
مشحونٌ شَبقا
من قمَّةِ قدمي
حتى أخمصِ رأسي
تسجنني نفسي
تحجبني
عن عالم الضياءْ
عن حقيقتي
لا أطالعُ السماءْ
فكيف أقرأُ الكتابْ
يوم الحسابْ
ولم أعلّمْ أحرفَ الهجاءْ
يا ويلتا أين المفرّ
* * *
قلبي مملوك للدنيا
من غير قَوَدْ
من غير عَمَدْ
ينهارُ أمام الموتْ
يتناثر أشلاءً أشلاءْ
يتبعثرُ أشواقاً وأماني
ورؤىً ورواءْ
لم يبقَ سناء
فالقلبُ ترابْ
والعمرُ سرابْ
مشوارُ سَفرْ
* * *
نمشي على القلوبْ
من غير زاد
تأكلنا الدروبْ
ونأكلُ الزّمن
نمضي على المدارْ
إلى النهاية البدايهْ
نعدو إلى الحقيقه
نُفضي إلى المقرّ
* * *
على مدى اختلاف الليل والنهار
نظل سائرينْ
على رؤوسنا منكَّسينْ
نظل سادرينْ
على عقولنا حُفاهْ
يسَّاقطُ الشُّعورُ
شعرةً فشعرةً وينحسرْ
تبدَّلُ الحياةُ
قشرةً فقشرة وتستمرْ
على مضضْ
شؤونها غَرَضْ
شجونُها عَرَضْ
تُبدِّدُ الآمالَ والأحلامَ والفِكرْ
يَزَّعزعُ الثَّباتْ
تَقلَّبُ الأهواءُ والقلوبْ
تجيء بالعجائبِ الأيامُ بالعِبَرْ
لكنَّ قلباً واحداً
يظل بالإيمان عامراً
بالحب بالفداء نابضاً، وبالحياه
مهما تغيّر الزمن
أو لفّهُ الكفنْ
وضَمَّهُ الثَّرى
أو كان في سديم الكون
أو في برزخ العَدَمْ
لأنه
(من عنصر الإخلاصِ والفِدا
من جَوهرِ الكرمْ)
أوفى من الوفا
أندى من النّدى
أسخى من المطرْ
* * *
نَفحُهُ الهُدى والطيبْ
والحبُّ نَهجُهُ
فيه من النار جذوةُ اللهيبْ
ووَهْجُهُ
ومن الخضمِّ الرَّحبِ
عُمقُهُ ودرُّهُ وموجُه
ومن الإعصارِ
العنفوانُ والغضبْ
ما استُهدفَ الأثرْ
شغافُهُ يصفو من الكَدَرْ
* * *
قلبُ هذا الفارس المجاهدِ النبيلْ
مُضغَةٌ من نورْ
نبعةُ الإحساسِ والشعورِ
والفِكرْ
* * *
يكادُ من حنانه يذوب
مالجَّ في عُتوّهِ مريبْ
أو اغترابْ
يحومُ في الآفاق
أو يجوبْ
يسكنهُ المدى
وينشدُ الهدى
ويرشف الندى
لدى انبثاق النور
في البكورْ
يغوصُ في البحور
يستخرجُ الدررْ
يُعبئ الحجر، يستنطق الشجر
* * *
مُحالُ أن يحول أن يميل
قلبُ هذا الفارس المجاهد النبيل
بل إنه يظل سائراً
على السراطِ وحدَهُ
وفوق حدِّهِ
مرابطاً
في خندقِ اليقينِ
ورابضاً
كالليث في العرين
عند حدِّ الحقِّ لا يحيدْ
قيد أُنمله
ينالُ موقعَ الشهيدْ
أو يبلغُ الوطَرْ
* * *
لا يعتري طُموحَه الكللْ
لا يعرفُ الكسلْ
ولا الضياعُ والقنوطُ والملل
لا يشلُّهُ الغرورْ
لا يَهدُّهُ الوَهَنْ
لا تُريبُهُ الشكوكُ والظنونْ
فيُرتهنْ
لا تفلُّهُ المحن
لا تنالُ من إيمانِهِ الغِيَرْ
* * *
مهما الظلامُ أسودَّ حوله
وامتدَّ يقهر المدى
واشتدَّ يحجب الهدى
ويُجهض الأحلام والمنى
ويطفئ السّنا
في قلوبنا وفي البصر
* * *
لأن قلبهُ المعمورَ بالتُّقى
مِشكاهْ
شغافُهُ فاضت بنور الله
على الذين في قلوبهم مرضْ
أو الذين قد قَسَتْ قلوبهمْ
سبحانه مقلِّبَ القلوبْ
فمرّةً تقسو ومرّةً تصفو
وتارةً تذوبْ
مثل الشموع
بالدموع بالعِبر
* * *
مَنْ ذلك المريبْ
عاشقُ الظلام في الضُّحى
ضحَّى بأُمّةِ القلوبْ
ألقى بها على الدروبْ
تدوسُها حوافرُ الكَفَرْ
* * *
كافورُ ذاكَ الأبيضُ الزّنجي
العَبْدْ
من بيعَ بالدولارِ لا يُرَدْ
قد زجَّنا أخو الدُّجى
في لُجَّةِ الضَّلالْ
وَلَجّ في عُتُوّهِ استبدّْ
مُروِّضاً
بِسوطِهِ بسجنهِ
كلَّ القلوب
غير قلب الفارس المجاهد النبيلْ
مُبدِّلاً
بمبضَعِ الإعلام
نبضَ كل قلبٍ غيرَ نبضهِ الأصيلْ
وما ازدجِرْ
* * *
مُحوّلاً ذاك الزَّنيمْ
سفينةَ الحقِّ والهدى
عن مسارِها القديم
عن سَمتِها القديم
عن سَعيها
إلى شواطئ الأمانِ في قلوبنا
بل إنه من أحرقَ السفينَ كلّه
بنارِ حقدِهِ
فأبحرتْ عُبابَنا بوارجُ الضلالْ
وبُرمجَتْ (بتكنلوجيا) الهدى
فوجَّهتْ دفَّةُ الإذعانِ والخَبالِ
-دون قلبهِ النبيلْ- قلوبَنا
إلى شواطئ المُحالْ
شواطئ الغَرْبِ والشَّمالْ
إلى موطنِ الكَفَرْ
* * *
فحرَّموا
أن تستفيقَ الشمسُ من آفاقنا
وأجهضوا
الخيرَ الذي نحملُ في أعماقنا
وبدَّدوا الأحلامْ
فخلَّفوا فينا خرائبَ الضّميرِ
والوجدانْ
تعجُّ بالشيطانْ
تَنعَقْ فيها البومُ بالشُّؤمِ بالثُّبورْ
وتنعبُ الغِربانُ بالنُّذُرْ
* * *
تفلَّتَتْ كلُّ أفاعي الغيِّ من جحورها
واستوطنت -دون قلبهِ النبيلْ-
قلوبَنا
تصبُّ في شِغافِها السُّمومْ
نصابُ بالدُّوارْ
نُصابُ بالخُوارْ
نُصابُ بالخَدَرْ
* * *
نَهيم كالهوامّ في السَّديمْ
نمضي على وجوهنا في مَهمهِ الحياهْ
تبولُ في وجوهنا الضِّباعْ
نسير خلفَها مهرولينْ
إلى جحورها
أنَّى تَعي مصيرَها التنابلُ الخِصْيانْ
استخفَّ قومَهُ واستبسلْ الجبانْ
فَعَمَّنا البلاءُ والصَّغارُ والهوانْ
واستشرسَ الخَطَرْ
* * *
ذاكَ حصادُ زَرعِنا القديمْ
ها قدْ حَصَدنا الشوكَ والهشيمْ
الويلُ للمستضعفينْ
والويلُ للمطففين
اختلَّ ميزانُ العَدالهْ
فالمسخُ والإنسانْ
في كفّتي ميزانْ
واختلط الموزونُ
ضاعتِ الأوزانْ
فالقاسطونَ استنذلوا
والعالِمونَ استجهلوا
والواعدونَ استخذلوا
والصامدون الراسخونَ هرولوا
فالكل قد تحوّلوا
قد غيّروا وبدَّلوا
تقلَّبتْ تحجَّرتْ قلوبهُمْ
وقلبُهُ النبيلْ
على الثباتِ وحدَهُ
سبحانه مقلِّبَ القلوبْ
مُصلِّبَ الحجرْ
سبحانَه مُفجِّرَ الماء من الحَجَرْ
* * *
فالحالمونَ بالوصولِ بالحصولِ
بالمثولِ لدى المُريبِ
يلهثونْ
خلفَ السَّرابْ
يستمطرونَ خالبَ الضبابْ
ويحرثونَ القَفْرَ
يزرعونهُ ارتيابْ
فيحصدون خيبةَ الرَّجاءْ
في ضيعةِ الرِّياءْ
لا يرشفونَ قطرةً
في قيعةٍ موحشةٍ يبابْ
تعوي بها الرياحْ
والذئابْ
تعجُّ بالأشباحْ
دروبُها حُفرْ
تودي إلى سَقَرْ
* * *
لكن قلبَ الفارسِ المجاهدِ النبيلْ
المؤمنِ الغيورْ
وحدَهُ من يرتوي بالنورْ
في واحةِ الجهادْ
فينتشي بالنصر قيمة الحياةْ
بل قمّةِ السعادهْ
أو ظافراً
بل راتعاً في جنَّةِ الشَّهاده
وهي مُبتغاهُ بل مُناهْ
ويشربُ الحمى من دمهِ
فيرتوي
أو ينتشي بنصرهِ
فيزدهي
لأنه يُقلُّ فوقَهُ إنسانْ
هو وحدَهُ من طينةِ البَشَرْ