رُوح الكَلِم

عبد الله عيسى السلامة

"نبضُ الشِعر في الحياة، ونبضُ الحياةِ فيه"

شعر: عبد الله عيسى السلامة

كَـمْ قَـدْ تأَمَّلْتُ فَجْرَ الدَهْرِ والغَسَقا     فمـا  تَبيَّنْتُ فـي الآفاقِ لـيْ أُفُقا

مُسافرٌ .. وبَنـاتُ الفِـكْرِ تَصْحَبُني     فـي غُـربَتيْ .. وتَؤُزُّ الهَمَّ والقَلَقا

والشِعْرُ يَخْطَفُني مِنّـيْ، ويَرْحَلُ بيْ     عَـنّي .. ولَوْلاهُ كانتْ مُهْجَتي مِزَقا

في الصَدْرِ ثاوٍ، على الأضلاعِ مُتّكِئٌ     يُـعانِقُ الحِـلْمَ فـيْ جَنْبيَّ والنَزَقا

يَحْلُوْ هَـوايَ، وأحْـلاميْ، وأَخْيِلَتيْ     ما عَفَّ مِنْها.. ويُقصِيْ عَنْهُ ما فَسَقا

إِخـالُهُ .. بَلْ أَراهُ، الغَيـثَ مُنهَمِراً     والسَيْـلَ مُندفِعـاً، والرّعْدَ مُصطَفِقا

هُـوَ الحـقيـقَـةُ، إلاّ أنَّـهُ حُـلُمٌ     وَمْضٌ يُسابقُ لمـحَ البرقِ  إنْ بَرَقا

يَجـوبُ أفـلاكَ نَفسيْ نحـوَ غايَتِهِ    لـوْ عـاقَهُ فَلَـكٌ لانقضَّ واختَرَقـا

الـرُّوحُ مَـوقِـدُهُ، والقـلبُ مَوْردُهُ    لَـوْ أنكراهُ  لـكانَ الزَيـفَ والمَلَقا

         

ما إنْ رَمَى بيَ سَهماً –إذْ رَميتُ بهِ-    حتّـى تَـمازَجَ سَهْماناـ فما افتَرَقا

إنْ رامَـني فارِساً ، أوْ رُمتُهُ فَرَساً     رَوَّى ، ورَوَّيْتُ.. حتى نَخْبُرَ الطُرُقا

إنْ شِئْتُهُ الفَلَكَ الدَوَّارَ دارَ على  الـ     دُنـيا، ولَملَمَ منهـا النُـورَ والعَبَقا

وإنْ أُثـيرَ أحـالَ الـكونَ  مَلحَمَةً     والـريحَ ناراً، وأنوارَ الضُحى شَفَقا

يُضْري الحروبَ إذا شَبَّتْ، ويُوقِدُها     إنْ أُطفِئَتْ، ويَهُزُّ السَيْفَ إنْ نَـطَقا

يُـفلسِفُ المـوتَ إنْ لَمْ يلقَ فلسفةً      تُـحيي الوَرى.. فَيُحلّيْ بالدَّمِ العَرَقا

أنـفاسُهُ مَـوْقِدُ الألبـابِ مَنبعُهـا      ولَـوْ خَطا في كُهوفِ الجَهْلِ لاخْتَنَقا

إنْ جـاعَ أطعَمتُهُ مِنْ مُقلَتي  مِزَعاً      ومِنْ عُروقيْ دَماً، يَجْلو الصَّدى غَدَقا

يَغـذو بـأرماقِ نـفسيْ نَفْسَه، فإذا     لـمْ يَـكفِهِ رَمَـقٌ ألْقَتْ لـهُ رَمَقـا

لَوْ لَمْ يكُنْ وَهَجاً في الصَدْرِ أو رَهَجاً    فـي العَيْنِ، ما هَمَّني أنْ نامَ أو أَرِقا

إلى امرئِ القَيْسِ يُسريْ بيْ لِيُسلينيْ    بالصَيْد ِ.. عنّيْ.. وبالمُلْكِ الذي سُرِقا

يَمـرُّ بابـنِ أبـيْ سُلمى  ليسألَـهُ    عَمَّنْ ألمَّ بـ  "وادي الـرسِّ" وانطلَقا

وعَـنْ مـكارمَ غُـرٍّ شادَها "هَرِمٌ "     واجتـازَ فيهـا صَعيـداً دامِياً زَلَقا

يَـنسلُّ فـي  مُقَـلِ الأيّـامِ  مُتَّئِدا      يُـخالطُ الهُدبَ، والأجفانَ، والحَدَقا

يَقفُـو البَدائِعَ، أو يَجلو الروائعَ في      لُطـفٍ، يُـمازِجُها مُستأنساً، لَبِقـا:

بـدرٌ أسـالتْ إلى حِطّينَ نهرَ سَناً      أهـدى حَبيبـاً بعمُّـوريَّـةَ السَبَقا

ومُـزنُ مُـؤْتَةَ أهدى مَيسلونَ حَيَاً     -أزجاهُ حَسَّانُ-.. حَيَّى رَوْضَها وسَقى

وقـائعُ ابنِ أبي الهَيْجاءِ ما ائتَلَفتْ     لـوْ لَـمْ يُـبارِ السيوفَ الشِعرُ مُؤتَلِقا

برُقْيَةِ الشِعرِ ليلى في السَّماءِ سَمَتْ     ورُبَّ شَمسٍ هَوَت.. إذْ لا قريضَ رَقى

لولا  القَريضُ لما ظلَّتْ بُثينةُ فـي     سِفـرِ البَريَّةِ  تَـجلو اللحـظَ والعُنُقا

إذنْ لضاعتْ، كما ضاعَتْ نظائِرُها     لـو فـاقت النُورَ خَلْقاً، والندى خُلُقا

         

وظـلَّ بَعْـدُ، سِـلاح الصّائِلينَ بهِ      جَمْراً لمنْ ثارَ ، أو زَهراً لمنْ عَشِقا

         

ثُمَّ استوَتْ –لا على الجُوديِّ- مُثْقَلةً     سَفينةٌ منـهُ، حَيـرى، تَحذَرُ الغَرَقا

ظَنَّتْ –وخَفقُ الرياحِ الهُوجِ في دَمِها    مـنْ كُلِّ نَكباءَ- قلبَ الكونِ قدْ خَفَقا

حتّـى نَصَتْ مَرفأً كالشمسِ ناصعةً     فيـهِ المسالكُ، لا وَكْـراً ولا نَفَـقا

يَـنسابُ منـه ، وفيهِ السِّحرُ مُتَّقِداً     بالرُّوحِ.. إنْ مَسَّ سِحراً باطلاً زَهَقا

فنّـاً هـوَ الفَنُّ ، لا مُستغْلِقاً  وَعِراً     أو جَـلْمَداً يـابساً ، أو بـالياً خَلَقا

يَعـلو ويَحْلو .. فَتَعلو المُكْرُماتُ بهِ     والـوِرْدُ مُصْطَحباً يَحـلوُ، ومُغتَبَقا

أضـلاعُـهُ كَـلِمٌ ، أنَّـاتُـهُ نَـغَمٌ     نهـرٌ إذا سَـالَ شَـلاّلٌ  إذا اندَفَقا

الشمسُ تُشرقُ منهُ في الدُجى.. جَذِلاً     ويُلبِسُ الظُهرَ ثَوبَ الليلِ ، إنْ حَنِقا

رُوحُ النَسيمِ لَـهُ رَوْحٌ، وإنْ شَهَقَتْ     هَوْجاءُ أو صَرْصَرٌ، في حَومةٍ، شَهَقا

سَهْـم المـنِيَّةِ ، أو نبضُ الحياةِ بهِ     فـي حـالَتيهِ .. إذا ما اشتدَّ أو رَفَقا

         

نَـرْنو بـه، نحـوَ فجرٍ لا يُفجِّرُهُ    شَهْداً سِوى الحُبِّ رُوحِ الفَنِّ إنْ صَدَقا

تُـسابقُ الخَيـلَ نحو العِزِّ أحرُفُهُ     ولا تُـجرِّدُ إلاّ الحبْـرَ والـوَرَقـا

يُـنازِعُ السَيْفَ في تاريخِ مَجدِهِما     ولَوْ نَضَا ريشَـةَ التأريخِ لاحتَرَقـا

يـُبادرُ الظُـلمَ فـي أعماقِ دَولتِهِ     فـلا يُـغادِرُ مـنْ أنسـاقِـهِ نَسَقا

يَـهُزُّهُ هَـزّ إعصارٍ ، فلوْ مُحقَتْ     بالشِعرِ صِرفاً صُروحُ الجَوْر لانْمَحَقا

فيُـزهِرُ العَـدلُ فتّاناً.. سَناً وشَذاً     ويُوأَدُ البَغـيُ مَخـذولاً ، متى انبَثَقا

         

فـأيُّ فَـنٍّ يُسـاميْ سامِياً  بَسَقَتْ     فيـهِ الحيـاةُ ، وفيهـا دَوْحُـهُ بَسَقا

خَليقَـةُ اللهِ لـمْ يُخلَقْ بهـا ، وَلَها     كالشِّعرِ، يُعْجِزُها في الخَلْقِ.. لَوْ خَلَقا

إنْ لَمْ يكنْ يَصعَقُ الدُنيا.. فيَصْعَقُها     ألاّ يَـخِرَّ عـلى أقـدامِهـا صَعِقـا