طوق الحمامة

احمد بهجت*

هاتِ الحصارَ معي وغنّّي يا حمامةُ في الجليل

جاء الحبيبُ إليَّ من قصفٍ طويلْ

عيناهُ في عرشِ الغبارْ

عبّارتانِ من الرجالْ

أو فرقتانِ تحاصرانِ المستحيلْ

وبصفحةِ الوجهِ الحزينْ

 تاريخُ شعبٍ في ولادهْ

من يَراعِ الفاتحينْ

قد جاء يحملُ لي قلادهْ

من شموسِ البرتقالْ

ويقولُ يا أحلى الصبايا

ها هو الميزانُ مالْ

من زرقةِ البحرِ حبيبي

لا ولا من صمتِ غارْ

ما كان في لحنٍ سيغفو

في أناشيد الصغارْ

لا, لا تقولي يا حمامةُ إنه رؤيا نبي

لا، لم تقولي يا حمامةُ إنه ربُّ الحصارْ

نظر الحبيبُ إليَّ وحدي

عبر أسوارِ الدروعْ

عيناه قاذفتان، أسرعُ

مارشقتُ من الدموعْ

متراسُه الوقتُ الطريُّ

وكومةٌ من أصدقاءْ

دمُه رسائلُه إليَّ

حبيبتي حانَ اللقاءْ

ويجيء نحوي ـ

كالمسيح لألف طفلٍ نازفٍ ـ فوق المياه

ويسير نحوي يا حمامةُ، يا عبارةُ، يا إلهْ

ـ بركانَ حبِّ ؟

ـ.  كان أكبرْ

ـ شلالَ ضوءٍ ؟

ـ. كان أغزرْ

لا تسأليني ياحمامة

في السماء عن الفضاء

لا تسأليني يا حمامةُ

ما بفاكهتي أثارْ

ما عاد لي شجرٌ ولا ورقٌ

ولا سرُّ الثمارْ

حتى سهولي أو جبالي

غزوةٌ مما أغارْ

قد كان لي ما كان زهرٌ للربيع

ماكان متنٌ للهوامشِ

والحليبُ إلى الرضيعْ

مانابه جَهْدُ المُقلِّ

ولا رصاصُ الترَّهات

قد كان أوضح يا حمامةُ في الحياة من الحياةْ

هاتِ الحصارَ معي وغني يا حمامةُ في الجليل ْ

حوتٌ صغيرٌ يبلعُ الحوتَ الكبيرْ

ويجيء حِبِّي مثلَ يُونُسَ

مضغةً من متعبينْ

ويشد خصري بالدعاءْ

على نظام الميتين

ـ إلى متى تبقى السجونْ ؟!

ـ ( من أين يأتي المعتدون

سوف يمضي المعتدون )

ما كان يبكي إذ يرى الحق القتيلْ

لا ولا كانتْ يداهُ فراشتينِ بلا حقولْ

 قد كان ينظرُ في الرمادِ

 ويستضيءُ بما يقولْ

كم كان يدركُ ياحمامة أنه جسدُ الطريقْ

وأنه ماءُ الوضوءِ وأنه رملُ الجدارْ

لذا  إذا جاء الحصارْ

يعيد غربلةِ الخليط ِ         ++ < الخليج + المحيط >

من الشمال إلى اليسار

ويشد ساقية الزمانِ

لمجد فاكهة النهارْ

يأتي ويأتي كالصلاة على النبي

يمضي ويمضي كالدعاء إلى الإله

هذا حبيبي يا دوالي يا كرومْ

خمرُ الجنان يسيلُ في فمِهِ الشهيّ

وأنا جفافُ الملح من عهد سَدُومْ

وأنا الصحارى  

ما بها شِبَعٌ ورِيّ

هذا حبيبي يا حمامة فلْتطيري

لا وقتَ عندي للحديث مع الطيور

طيري إلى حيثُ انحسارُ الصخر في ظلِّ النسورِ

وتجسّدي ضوءَ المنارْ

وتلألئي نجمَاً يَحيك الصوفَ

في ليلِ البحارْ

وتذكري رأسَ النعامه

وتذكَّري طوقَ الحمامه

وتذكَري وطن الحصار. 

              

*شاعر فلسطيني مقيم في برلين