العميد حسن قاسم في ذمة الله
العميد حسن قاسم في ذمة الله
شريف قاسم
كعادته ــ يرحمه الله ــ توضَّأ ، واتجه إلى المسجد لأداء صلاة الظهر ، ثم عاد ليجد زوجته تحضر طعام الغداء ، وجلس يسبح الله ، وكان الأجل قد حان ، نقله بعض أولاده إلى المستشفى ، ولكنه فارق الحياة قبل وصوله إليها كما أخبر الطبيب الذي أشرف على المعاينة ، أعادوه إلى البيت ، ليغسل ويكفن ، تقول زوجته ومَن حضر من أسرته بأن النور يغشى وجهه وسائر جسده ، وأن رائحة طيبة كأنها رائحة المسك تفوح منه وقد ملأت البيت ، وهذا ماخفَّف من وقع المصيبة عليهم . واحتشد جمع غفير من الناس رغم الحصار المضروب على أحياء مدينة ديرالزور ــ كما هو معلوم ــ محبة للفقيد وتقديرٍا لمكانته الاجتماعية بينهم ، وتم تجهيزه للقاء ربه سبحانه وتعالى . لامجال للإفاضة في الحديث عن فقيدنا الغالي في هذه الأسطر ، إلا أننا نحمد الله عزَّ وجلَّ أنه كان من روَّاد المسجد ، وقد أدَّى فريضة الحج ، وعاش يخرج زكاة ماله لمستحقيها ، وكانت له مواقف كريمة متعددة ، ومزايا حميدة تحدث عنها مشيعوه ، نسأل الله له الرحمة ولجميع أموات المسلمين ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، متفائلين في ظلال قول الله تبارك وتعالى : ( إنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ *جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ * )7/8/ البينة.
لصرفِ الزمانِ الجموحِ العجيبْ فمِنْ كَمَدٍ بِتُّ أقتاتُهـا وليس حبابًا طفا ، إنَّمـا أيا نفسُ : كأسُ الأسى مُـرَّةٌ فللهِ في كلِّ حالٍ صنيع أُخَيَّ وصرف الليالي أليم وغبْتَ كبدر السَّماءِ الجميل فشَبَّ الحنين بصدري الجريح فقلبي حزينٌ ، وإنِّي الصَّبور أخي وابنَ عمِّي وصهري الذي وعشْتَ غنيًّا سخيًّا على فكم أسرة زرتَها بالهِبات وعشْتَ بِخُلْقٍ كنفحِ النسيم وكنتَ الشُّجاعَ الأبيَّ إذا ومركبَ وُدٍّ تسافرُ فيه يمينُك في الخيرِ كانت تُتَاح وغبتَ وغابت ليالي الهناء فراقُ الأحبةِ يكوي الفؤاد وحبُّكَ إرثُك أرسى جناه هو العمرُ رحلةُ نفسٍ سمتْ وبئسَ الذي قد قضاها بلهوٍ فبوركْتَ شهمًـا نقيَّ الخصال تركتَ وراءَك أهلَ الوفاء وزوجةَ بِـرٍّ براها النَّوى بكتْكَ بدمعٍ سخينٍ على تناجي صحائفَ عمرٍ مضى وأغلى الشَّبابِ وأغلى البنات وكربُ الشَّقيقاتِ كربٌ ثقيل فتلك نعتْكَ بصبرٍ جميل يعانين من لذعِ سوطِ النَّوى فلا حول إلا بربي الودود له الحمدُ في كلِّ حالٍ فمـا فمنهم هنالك في ( ديرِنا ) وفي الغربةِ اليومَ منَّـا كثير وفيها اختفتْ بسماتُ الصَّباح فتلك الصروفُ الجِسامُ التي وتنزف فيها دماءُ القلوب فكم من شهيدٍ وكم من أسير فذلك ( أحمدُ ) من وِلدِنـا وقبلُ مضى ( حسنٌ ) بالذي وأسرى لنا في ظلام السجون سلام عليهم جميعا إذا سلام عليكم بأرضِ الشآم سلام عليكم بجنَّةِ عدْنٍ لقانا هنالك عندَ الكريم أخي وابنَ عمَِّي رحلْتَ إلى صلاتُك نورٌ وزادٌ لمَن وحجُّـك فيه سُمُوُّ الفؤاد وحُلوُ الصِّلاتِ لأهلِ احتياج وعذبُ السَّجايا التي رفرفتْ ورِقَّةُ كَلْمٍ : حديثُك كان فراقُك أشجى الصديقَ الودود ولكنْ رضينا بحكمِ الإله ومنا الدعاءُ الذي يُرتَجى فربِّي عَفُوٌّ جوادٌ غفور | صبرنا وللسُّهدِ منَّـا رويَّةَ نفسٍ دهتْها خطوبْ (1) هو الثُّكلُ يغلي ، فمنه تلوب فلا تجزعي من رزايا تنوبْ يعودُ على الصَّابرين بطيبْ وللأُنسِ مهما رغبنا غروبْ نأى خلفَ أُفقٍ بعيدِ الدروبْ وفاضت عيوني بدمعٍ خضيبْ على مضضِ الدهرِ يحثو الكروبْ قضيْتَ حياتَك بَـرًّا لبيبْ فقيرٍ يعيشُ بوادٍ جديبْ وأعطيْتَ أيتامَها ما يطيبْ نسيمِ المودةِ عذب الهبوبْ تنادى لفصلِ الأمورِ الوجوبْ حفيًّا كريمًا ، فيحلو الركوبْ لكفِّ البعيدِ وكفِّ القريبْ فوجهُ المجالسِ فيه قُطوبْ فكادَ بجمرِ الفراقِ يذوبْ نديًّا ، وطيفُكَ فيه عشيبْ بغيرِ عيوبٍ ، بغيرِ ذنوبْ وزيفٍ ينافي مزايا الأريبْ وفزْتَ بإذن الإلهِ القريبْ ليومٍ طويلٍ عليهم عصيبْ وأشجى الفؤادَ أساها الصَّبيبْ يَدَيْ وجعٍ في حنايا اللغوبْ وهيهاتَ يرجعُ عمرٌ يغيبْ مباهج بيتِك بيتٍ رتوبْ (2) عليهنَّ هيلَ كسفيِ الكثيبْ وأخرى بكتْكَ بكاء الحبيبْ ومـرِّ المصابِ بسهمٍ يصيبْ له حكمُـه ، وإليه نؤوبْ عـرا أهلَنا جزعٌ أو نحيبْ مع الصَّبرِ صُبْرٌ برغمِ النُّدوبْ عليهم وقد ولجوها شحوبْ فما من سرورٍ ، ولا من نسيبْ تنالُ القويَّ الفتى والقبيبْ (3) وما من رقيبٍ ولا من غَضوبْ وكم من طريدٍ وكم من سليبْ شهيد الجهادِ بيومِ الوثوبْ ( 4) يقرِّبُه عندَ ربٍّ مجيبْ (5) بها لم يُزجُّوا لأمرٍ مريبْ سرتْ نفحاتُ الرضا بالجنوبْ وفي كلِّ أرضٍ عرتْهـا خطوبْ إذا هـزَّ قلبي حنينُ الوجيبْ بدنيا المنى مالها من نضوبْ مآلِ التُّقاةِ بقلبٍ منيبْ يجدُّ ويسعى بعزمٍ دؤوبْ فلم يبقَ من بعده من ذنوبْ دليلُ يقينٍ لقلبٍ كسوبْ حواليكَ بسْماتُهـا لاتغيبْ فليس بقاسٍ وليس سبيبْ وأحزنَ منَّـا شبابًا وشيبْ فحمدًا لربي الرؤوفِ القريبْ لرحمةِ ربي وراءَ الغيوبْ وللمؤمنِ البَـرِّ منه نصيبْ | نصيبْ
هوامش :
(1)رويَّة : الكأس الملأى التي تروي من الظمأ .
(2) رتوب : مرتب ثابت راسخ
(3) القبيب : الضعيف ، الضَّامر
(4) أحمد : ( أحمد قاسم ) ابن أخ الشاعر استشهد في ديرالزور
(5) حسن : ( حسن محمود الحساني ) ابن شقيقة الشاعر