وأصبت في الموت مقتلاً

كتب وإصدارات

clip_image002_d6ad0.png

عام مضى على رحيلك, وما زالت ذاكرتنا تحمل أدق تفاصيل النقاشات بيننا, تحملها من دون أي جهد وكأنها في موضعها الطبيعي وهذه النقاشات وما زالت مستمرة حتى الآن بحضورك ولم تنتهي أبداً . . .  بتاريخ 15 أكتوبر 2017 أهديتني ديوانك الأخير والذي لم توفقني الرأي بكتابة أي نص عنه, فعدلت عن رأيي كما شئت, لأسباب لن أتطرق إليها ها هنا ولكنها محفورة على لوحات ذاكرتي الحادة التي تحمل كل ما يمر أمام عيني وفي ذهني لأعوام وسنوات طويلة, الزمن يا أخي وصديقي لم يوفقني الرأي في استمرار تخبأة هذه الكلمات عن هذا الديوان الفلسفي الجميل الرائع, ليعلم القراء مدى فكرك وعمق كلماتك التي لا نهاية لها, وتبقى ضبابية حتى تسدل الستائر وتحل طلاسمها.

أخي في مثل هذا اليوم قبل عام, ترجلت عن جوادك الجامح وتركت لنا سيرورة الكلمات, ومسارب الروح لنرتقي في سماء الفكر والعلم والمعرفة من دونك, تركت لنا كل ما هو جميل ورائع من فكر لن ينتهي أبد الدهر حتى لو انتهينا جميعاً وترجلنا عن أحصنتنا التي تسابق الريح, لكننا لم نسبق جوادك وسرعة فكرك وعمق كلماتك وفلسفتك غير المكشوفة إلا لمن حمل الروح في تجدد أبدي من جيل إلى جيل, اليوم فقط تتوجه روحي مع فكري وعقلي منصبون, إلى حيث أشرت منذ أعوام وأعوام, 35 عاماً من الصداقة والأخوة التي لا مثيل لها في عالمنا, صداقة في صدق اللسان ووفاء الضمير وإخلاص الأصدقاء والإخوان في التقديم والتضحية والعطاء من دون انتظار المقابل . . . أخي وأستاذي الشاعر الكبير الفيلسوف الفنان الراحل معين محمد حاطم , ابن دالية الكرمل, قدمت لي كتبك الجديد بعنوان: وأصبت في الموت مقتلاً, وكنت الأول في استلامه منك, وخطط بقلمك المتواضع عللا صفحته الأولى بعض كلماتك التي جالت في خاطرك في حينه, لينضم لحديقة كتبك الثمينة التي أثرت عالمياً على الأدب العربي والثقافة والفلسفة والفكر بشكل عام, إصدارك الأخير ميلوديا فلسفية رائعة في تجدد العالم والكون بدون انتهاء في كل لحظة تمر وكل لحظة آتية فالموت يأخذ الروح وقبورنا تحوي أجسادنا بعد الموت إلا أن الفيلسوف معين حاطوم العملاق يدقق في هذه القضية ويمعن النظر فيصبح الموت حياة لا نهائية متجددة عبر الزمن الآتي لا يستطع الموت برحيلنا إيقافها.

الشاعر الكبير الفيلسوف معين يتحدث عن عشرين حالة إنسانية فلسفية مختلفة إلا أنها ملتصقة ومرتبطة الواحدة بالأخرى وتكاد تكون استمرارية وتواصل بين كل حالة وحالة بخيط مجدول بالكلمات والمفردات التي تدل على حكمة واضحة بين السطور وهذا ما يزيد في جمال هذه الميلوديا التي تتميز وتتزين بآراء وأفكار الفيلسوف ولغته الخاصة, الكامنة في عمق روحه, ليؤكد لنا الفيلسوف في صفحة 48 في الحالة الثانية عشرة:

clip_image004_a8368.png" وأدركت روح الكون * أن ميكانيكية الوجود

بما هو * يستحيل أن تبقيه على ما هو *

فزجرته * ونبهته معلنة في باحات التكوين :

سأبدأ من جديد !

سأبدأ وسأكون جميلة !

سأبدأ وستلحق من تهادي أنفاسي اللحون

الأبدية * تصيب الطير فيشدو مغرداً يرقص

نوابض الحياة , * فتسمو إلى ناطحات الأحلام

* يصيب الريح * فينفث هدير زئير * فتتواثب

النسمات * مخبئة * من عصبه الموتور , *

سأبدأ من جديد * سأصوغ أجزائي من جديد "

يؤكد لنا الفيلسوف معين المرة تلو الأخرى أن العالم والكون والتكوين يتجددون في كل لحظة في مسار مرتب, خال من الفوضى وبتدريج من الأسفل للأعلى وبالعكس كي يحافظ هذا الكون على نفسه من الدمار, ومن تلاعب يد الإنسان فيه, وعي الإنسان وإدراكه وفهمه لهذا التكوين البديع هو الغاية في النهاية كي يتنشط عقله, بترك الجهل والبدء في النشوء والارتقاء إلى مصافي الذهن الحاد, والاستيعاب لكل ما يدور من حوله وهو لا يستطيع التأثير على هذه الطبيعة الأم, الرائعة الراقية المرتبة, التي يدور كل شيء فيها بنظام متناهي لا يوقفه شيء, يا للهول حين يكتب في صفحة 66 في الحالة السادسة عشرة :

 " أعتمر الإدراك * فلا تتسرب إلى زخات

الغضب * ولا رَذاذ الجهل * الهاطل من كل مكان .

أتغلغل إلى مخابئ الوعي الذاهل من عيبٍ

لا ينقشع سره * أستجدي بحشرجة غافلة *

وإرادة زاهدة ".

الحالة الأخيرة, الحالة العشرون, ومقطعها الأخير, يغمرنا الفيلسوف معين بسر الخلود معلناً أن الروح هي السر منغمسة بالخلود والتكرار من جيل إلى جيل حتى نعي ونفقه كنهها في الألم والسعادة والمتعة والابتعاد عن الكراهية والحقد والحسد, حتى نصاب بحب الحياة الخالص من العيوب من أجل هذا الوجود الراقي الثمين الذي يحملنا نحو الفكر والترتيب الكوني الذي نحن جزء منه.

" دسم الشغف * وزغاريد النزوة *

نطلي بها أنفسنا * فتقينا * من شر الكساد *

وشر الإحباط * وشر أن نكره أن نكون *

يغازل الخلود هذا الحضور * المنغمس بترياق

المتعة * وحنظل الألم * فيضحي قرص وعي *

يصوِّبنا ويدفعنا لحب الحياة ."

  

كم تمنت في العام الذي مضى للشاعر الكبير الفيلسوف الفنان الراحل معين حاطوم, مواصلة هذه الحيات للنجاح في متابعة إصداراته الفكرية المتميزة الجميلة, فمثل هذه التداعيات الفلسفية يطرقها الفيلسوف معين ولأول مرة في عالمنا, فمنذ عصر فلاسفة اليونان الإغريقي ومصر القديمة, لم نسمع عن أفكار كهذه, ويذهلنا الفيلسوف معين, بطرح متميز جديد للفكر والعقل والروح والحياة الروحانية الأبدية المتجددة, المنغمسة في ترتيب بارع للكون, الذي نعيش فيه من الأزل, وبإذنه تعالى سنواصل هذه الحياة إلى الأبد, كم تمنيت لو أني أستطيع مطالبتك الآن بالمزيد من العطاء الفلسفي الأدبي الثقافي الفكري الذي يؤثر على الجنس البشري في كل أنحاء المعمورة من أجل فهم كنه الروح والمحافظة على كوننا البديع, إلا أن يد القدر والمنون قطعت هذه المسيرة لتواصلها يا أيها الفيلسوف الرائع, وفي مكان آخر تتجدد في مراحل النشوء والارتقاء.

وسوم: العدد 863