عبد الله الطنطاوي أديب في زمن الربيع العربي 3

حوارات عبد الله الطنطاوي

مئة من نجوم الإسلام (الصحابة الكرام)

مشروع عبدالله الطنطاوي

حاوره الدكتور حسن علي دبا         مدير تحرير جريدة الراية القطريّة

22/10/2005                                                              - مع أنه يمتلك أربعة وسبعين كتاباً، فإن مشروعه الطموح للكتابة عن مائة من الصحابة الكرام رضي الله عنهم تحت اسم (مئة من نجوم الإسلام) هو المشروع الأهم الذي يهتم به الأديب الإسلامي السوري عبد الله الطنطاوي فقد ولد عام 1935 في بلدة إعزاز من أعمال حلب، وتلقي تعليمه الأولي فيها، ثم انتقل الى دمشق، ودرس في معهد العلوم الشرعية -الجمعية الغراء، ونال شهادتي المعهد، كما حصل على الثانوية العامة، ودرس في جامعة دمشق -كلية الآداب- قسم اللغة العربية، ونال شهادة الليسانس منها، ثم نال شهادة دبلوم الدراسات العليا من الجامعة اليسوعية في بيروت. وعمل في تدريس اللغة العربية مدة عشرين عاماً. أديب متعدد المواهب، يكتب القصة والرواية، والنقد الاجتماعي، والنقد الأدبي، والسيرة، ويكتب للأطفال، وللإذاعة والتليفزيون، وله جولات في الكتابة السياسية.. إلا ان ذلك كان مدخلاً لحوار ثري معه، تناول أعماله واهتمامه بأدب الطفل المسلم والسيرة النبوية خاصة، وموقع رابطة أدباء الشام الذي يشرف عليه، الي غير ذلك من القضايا التي أثرناها معه.. الي الحوار:

نبدأ بأعمالك الأدبية ماهي صورة تلك الأعمال؟

- لي أربعة وسبعون كتاباً توزّعت بين القصة القصيرة، والرواية، والنقد، وأنا أكتب للكبار، وأكتب للأطفال.

نبدأ بالكبار.. ماذا قدمت لهم في مجال القصة والرواية؟

- أصدرت مجموعتي القصصية الأولي (ذرية بعضها من بعض) عام 1977 وطبعت مرة ثانية عام،1982 ثم صدرت المجموعة الثانية (أصوات) بالاشتراك عام 1978 والطبعة الثانية عام 1982 وصدرت روايتي الأولي (القسام) عام 1993 و(الوادي الأحمر) عام 2004.

وفي النقد الأدبي؟

- كتابي الأوّل كان بالاشتراك مع الأستاذ محمد الحسناوي بعنوان (في الإنشاء الأدبي) عام 1974 والثاني (في الدراسة الأدبيّة) عام 1974 و(تذوق النص الأدبي) عام 2003 ولدي الآن كتابان تحت الطبع هما: (شاعر وما شعر) و(كاتب وماكتب).

وفي السيرة الأدبية؟

- كان أول كتاب لي هو: (محمد منلا غزيل في ظلال الدعوة) صدر عام 1977 وأعيد طبعه عام 1982 وهو من سلسلة (دراسات أدبية هادفه إلاّ الذين آمنوا) التي صودرت المخطوطات التالية لهذه الدراسة أثنا"ء اعتقالي عام 1979 ولم يعيدوا الي المخطوطات الأربع عشرة التي أخذوها من بيتي مع غيرها.

وكان من هذه المخطوطات: (الأميري شاعر الإنسانيّة المؤمنة)، وآخر عن محمد الحسناوي، وآخر عن محمد المجذوب، و(ظاهرة الحزن في الشعر النسائي المعاصر: هند هارون نموذجاً).

والكتاب الثاني (منهج الإصلاح والتغيير عند بديع الزمان النورسي) عام 1997.والثالث بعنوان (مصطفي السباعي: الداعية الرائد، والعالم المجاهد) عام 2001.والرابع بعنوان (اللواء الركن محمود شيت خطاب المجاهد الذي يحمل سيفه في كتبه) عام 2001.

مجال الطفل المسلم وفي مجال الأطفال الذي برزت فيه في ساحة الأدب الإسلامي؟

- اهتمامي بالأطفال، وتربيتهم، والكتابة لهم، والعناية بصحافتهم، قديم، فقد عرفت غيرنا سبقنا في هذا المجال، فحرصت أن أملأ شيئاً من الفراغ كفرض كفائي، في البداية، ثم عشقت الكتابة للأطفال عامة، وللفتيان والفتيات (12-16سنة) خاصة.. كانت الدكتورة سناء عبداللطيف -من مصر- نالت شهادة الدكتوراة بأطروحتها المتميزة (الاتجاهات الأيدلوجية في أدب الطفل العبري) من جامعة عين شمس في القاهرة، وهي أطروحة ضخمة فخمة، فاتفقنا على تلخيصها وطبعها، فلخّصتها، وكتب الأستاذ الكبير عبدالتواب يوسف مقدمة لها، وكتبت للكتاب تقديماً، وطبعت الكتاب دار القلم بدمشق في 224 صفحة من القطع الكبير.. والذي يقرأ هذا الكتاب، ناهيك عن الأطروحة الكبيرة، يدرك مدي تقصير العرب والمسلمين عامة، في مجالالكتابة للأطفال، وقد أصدرنا الكتاب الجديد بعنوان (هكذا يربي اليهود أطفالهم) عام 1997، في مجال السيرة كتبت عشرة كتيبات للفتيان والفتيان.. منها: الإمام الشهيد حسن البنا« -طُبع عدة مرات وفي عدة أماكن -الإمام حسن الهضيبي - الشهيد سيد قطب- الدكتور الشيخ مصطفى السباعي -الشيخ محمد الحامد - الإمام أبو الأعلى المودودي -مروان حديد: القائد الشهيد.. إلخ ولدي الآن مشروع طموح هو (من نجوم الإسلام) وهذا المشروع مؤلف من مائة كتاب، كل كتاب يتحدث عن شخصية من بناة الإسلام في عهد الصحابة الكرام، وحتى العصر الحديث.

هل طُبع شيء من هذا المشروع الكبير؟ حدثنا عما أُنجز منه وتحدثت عنه مواقع إسلامية هامة..

- طبعنا ستة وعشرين كتاباً، ثم جمعناها في أربعة مجلدات كبيرة، استجابة لرغبة القراء، والبقية تأتي إن شاء الله تعالى. والجدير بالذكر أنّ بعض النقاد والمخرجين السينمائيين والتفزيونيين اطلعوا على هذا المشروع، واقترحوا تحويله الي أعمال دراميّة.. سهرات تلفزيونية.. كل شخصية ساعة تلفزيونية، واستجبت لهذه الرغبة، وكتب سيناريو لشخصية الشيخ سليمان الجوسقي، القائد الأعلى الذي تحدي نابليون، ومثله مجموعة من الإخوة العميان في بغداد، وكان الباكورة لمسلسل ما لبث أن توقف باجتياح القوات الأمريكية لبغداد، فقد تكفل صاروخ بتدمير الاستوديو، وتوقف العمل في هذه الظروف الصعبة، وأنجزنا -حتي الآن- كتابة ثمانية سيناريوهات لثماني شخصيات، في انتظار الفرج. وعندما نشبت الانتفاضة الأولي في فلسطين المحتلة سنة 1987، كتبت عشر روايات لأطفال الحجارة، تراوحت صفحاتها ما بين (140 ـ 160) صفحة من القطع الوسط.. منها: (القدس لا تؤمن بالدموع) و(السياج) و(أبطال من جباليا) و(ذبيح القدس)، وصدرت في عام 1993م، طبع منها خمسون ألف نسخة بيعت كلها خلال بضعة أشهر.

أكل وشرب وماذا عن الأعمال الإسلامية الأخري؟

- نعم.. صدرت لنا ستة كتب بعنوان: (أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم) في تأليف مبتكر، كما ان سلسلة (من نجوم الإسلام) كانت بأسلوب مبتكر، ومشوق وجذاب جداً، علي حد تعبير من كتب عنها، ومن قرأها من النقاد.. ولله الحمد علي توفيقه.. طبعت هذه السلسلة طبعتين، الأولى في بغداد، والثانية في الجزائر.. وهناك عشرة كتب أخرى تحت عنوان كبير (حكايات الآنسة إعراب) وكتابان آخران في سلسلة حكايات العم حكيم بالاشتراك.

صحافة الأطفال:

وماذا عن صحافة الأطفال التي أصدرتها منذ عدة سنوات؟

- رأست تحرير ثلاث مجلات للفتيان والفتيات: (فراس - الرواد - سلام) وكانت من المجلات الرائدة في وطننا العربي، استكتبت لها عدداً من كبار الكتاب المتخصصين بالكتابة للأطفال، واسترسمت عدداً من أمهر الرسامين وكلها ما يسمى أدباً إسلامياً.

هل تطلق على هذه الأعمال مسمى الأدب الإسلامي؟

- أنا - العبد الفقير القليل- كاتب ملتزم، وكل ما أكتبه، أو أشرف عليه من كتب وصحف ومسلسلات تلفزيونية وإذاعية يأتي في هذه البابة.. بابه الالتزام.

ماذا يعني الالتزام؟ هل يعني الالتزام إلزام الأطفال بفعل كذا، ونهيهم عن فعل كذا؟

- لا.. نحن نبشر بالإسلام، وأخلاق الإسلام، وسلوكيات المسلمين بنعومة، بلا وعظ وبلا مباشرة.. نقدم القصة أو القصيدة أو السيناريو، ونترك للطفل أن يستخلص منها العبرة بلا غموض، ولا تعقيد، ولا مباشرة، ولا وعظية ثقيلة.

هل الأعمال التي قدمها الأدباء الإسلاميون وافية كافية في تقديم صورة واضحة للأدب الإسلامي؟

- لقد قدم الأدباء الإسلاميون كثيراً من الأعمال المتميزة في الشعر (عمر بهاء الأميري، وجمال فوزي، ومحمود حسن اسماعيل، وانور العطار، وعصام العطار، ومحمد المجذوب، وعبد الله عيسي السلامة، وحسن الأمراني، وجابر قميحة، ومحمد الحسناوي، ومحمد منلا غزيّل، ومحمود كلزي، ومصطفى عكرمة، وصالح بوريني، وصالح جيتاوي، وعلي زيد الكيلاني، ونبيلة الخطيب، وشريف قاسم، وحيدر غديّر، وكمال الدين شبير، وبراء الأميري، وغيرهم كثير)، وفي القصة والرواية (محمد المجذوب، وباكثير، ونجيب الكيلاني، والسحار، وعماد الدين خليل، وسواهم..) وفي المسرحية (علي أحمد باكثير) وفي النقد: (سيد قطب، ومحمد قطب، وجابر قميحة، وعباس المناصرة، وعماد الدين خليل، ومحمد الحسناوي، وغيرهم. وفيما قدمه هؤلاء صور يحيى الحاج يحيىى شرقة للأدب الإسلامي ولكنها غير كافية، وخاصة في مجالات النقد والتنظير فلم تُرزق (الإسلامية) ناقداً فذاً تجاوز الرائدين العظيمين سيد قطب، ومحمد قطب، لا تزال أعمالنا تتخذ الأوعية الغربية للأجناس الأدبية، وتصب أعمالنا القصصية والروائية والمسرحية فيها، وحتى القيم النقديّة يأخذها كثير من نقادها من قيم النقد الغربية، وهذا لا يبشر بانطلاقة حقيقية لمذهب الإسلامية.

تغييب وعبء كبير:

أين نجد كتابات هؤلاء الأدباء؟ ونحن لم نسمع بكثير منهم؟

- للأسف.. هؤلاء مغيبون عن الساحة، والمجلة التي تصدرها رابطة الأدب الإسلامي ومجلة المشكاة (المغربية) تنهضان ببعض الدور، أما موقع رابطة أدباء الشام  ـ على الإنترنت- فينهض بالعبء الكبير في التعريف بأدباء الإسلامية، وبكتبهم ودواوينهم، وينشر نتاجاتهم التي بلغت حتي الآن عشرات الآلاف من الصفحات، وقد تعرفنا واكتشفنا من خلال هذا الموقع، عشرات الأدباء والشعراء والنقاد المبرزين، بالرغم من قلة الإمكانات، وعدم تعاون بعض الهيئات الأدبية (الإسلامية) من الموقع، التعاون المطلوب.

هل رابطة أدباء الشام غير رابطة الأدب الإسلامي؟

- طبعاً.. نحن أعضاء في رابطة الأدب الإسلامي، ولكننا وجدنا الرابطة تنوء بالحمل، فبادرنا الي تشكيل رابطة أدباء الشام عام ألفين، وأطلقنا لها موقعاً على الإنترنت في 1/8/2003 وقدمنا خدمات لا ينكرها أحد، لأدبائنا في كل مكان.

ليست مسجدا ضراراً:

هل هي كمسجد الضرار؟

- معاذ الله أن نكون كذلك، وكثير من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي أعضاء مؤسسون، وأعضاء عاملون، وأعضاء شرف في رابطة أدباء الشام من المغرب إلى مصر، إلى العراق، إلى سوريا ولبنان، وفلسطين، والأردن، واليمن، وسواها من الأقطار.

إذن.. منطلقات الرابطتين واحدة؟

- طبعاً واحدة.. ولكننا نترك هامشاً جيداً للأدباء الآخرين الذين ليسوا من أدباء الإسلامية.. ننشر لهم، ونرحب بهم وبنتاجاتهم، ونسعي لاستئناف الديباجة الشامية التي عُرف بها أجدادنا الشعراء من أمثال أبي تمام، والبحتري، والمتنبي، والصنوبري، وديك الجن، وسواهم من الشعراء العمالقة.. والذي يطالع ما يُنشر في موقع أدباء الشام، يلاحظ هذا، ونكتفي الآن بهذا الموقع الذي يرتاده المئات كل أسبوع، من أمريكا، وأوروبا، والمغرب، والجزائر، وموريتانيا، وليبيا، ومصر، والسودان، واليمن، إلى فلسطين، والأردن، وسوريا، ولبنان، والعراق، وتركيا، وماليزيا، وأندونيسيا.

لاحظت أنّ موقعكم هذا (أدباء الشام) يهمل الكتابة للأطفال؟

- هذا لأن لنا موقعاً آخر خاصاً بالأطفال، اسمه مجلة (الفاتح) وقد أطلقناه قبل موقع أدباء الشام في سبتمبر2002، ولقي رواجاً كبيراً ولله الحمد، والرسائل التي ترد إلينا من أحبائنا الصغار رائعة جداً.. وهو نصف شهري، تظهر أعداده في الأول وفي الخامس عشر من كل شهر شمسي.

أعمال تلفزيونية:

إذا أردنا الانتقال إلى الأعمال التلفزيونية، فماذا قدم عبدالله الطنطاوي للتلفزيون؟

- قدمت ثلاثة مسلسلات كل مسلسل ثلاثون حلقة، وكل حلقة في 35 دقيقة، الأول بعنوان: أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم، أنتجه وبثه التلفزيون العراقي عام 1988، بالاشتراك مع الأستاذ شريف الراس رحمه الله، والثاني بالاشتراك مع الأستاذالراس أيضاً، وكان بعنوان (سمع وأطاع)، والثالث بعنوان: (نادي العروبة) و(محكمة النحو) (بالاشتراك أيضاً).

والمسلسلان الأخيران من انتاج الأستاذ عبدالله عارف، وإخراج الفنان الراحل الأستاذ الكبير صبحي أبو لغد، وبثها التلفزيون السعودي وغيره من الفضائيات والمحطات الأرضية.

وأشرفت على عدّة مسلسلات تلفزيونية، مثل (حكايات لخالة خليلة) 15 حلقة، ومثل (صندوق المعارف) عشر حلقات، وكلاهما للأطفال، ومسرحية (جدتي) من مسرح العرائس للأطفال أيضاً، و(حديث الروح) 15 حلقة للكبار.. ولي أعمال إذاعية كثيرة.. في إذاعة حلب، وإذاعة بغداد، وقدمت لي إذاعة قطر مسلسلاً إذاعياً عام 1992 -فيما أذكر- بعنوان (بُناة الإسلام) في ثلاثين حلقة.. وكل هذه الأعمال تندرج في أطر مذهب الإسلامية في الأدب والفن.

*   *   *

حوار الزمن مع الأستاذ عبد الله الطنطاوي

اللجنة الإعلامية

حاوره الدكتور عبد الله الخطيب         رابطة الأدب الإسلامي العالميّة 7/4/2012                                                                                                    

في سابقة إبداعية استضافت رابطة الأدب الإسلامي العالمية – مكتب الاردن الإقليمي- في برنامجها " حوار الزمن " الناقد الأستاذ عبدالله الطنطاوي، حيث أجرى الدكتور عبدالله الخطيب معه حواراً شائقاً استذكر فيه الطنطاوي ذاكرة الزمن، وجال في دفاتر الماضي الناصعة.

ابتدأ الحوار بسؤال الطنطاوي عن بداياته الإبداعية، فاستذكر ما جرى معه سنة 1955 يوم أن كان شاباً في الصف العاشر وكان يكتب في جريدة الشهاب الدمشقية، ثم في صحيفة التمدن الإسلامي التي كان يرأس تحريرها الأستاذ أحمد مظهر العظمة، وذكر قصة طريفة حصلت بينه وبين العظمة.

ثم تحدث عن تأسيس رابطة الوعي الإسلامي سنة 1955 مع الأستاذين محمود كلزي ومحمد منلا غزيل، وحازت الرابطة على اهتمام الأدباء، وظنهم أن القائمين عليها أدباء كبار.

ثم سأل المحاور الطنطاوي عن مواقفه مع جيل الرواد فتحدث عن مواقف طريفة  مع علي باكثير وعمر بهاء الدين الأميري.

وإجابة عن سؤال وجه للطنطاوي عما يعنيه له أساتذة الجيل، وماذا يعني له كل من:

مصطفى السباعي: أستاذي وملهمي، وخطيب عصره. 

علي الطنطاوي: تأثرت به كثيراً.

محب الدين الخطيب: عنوان للمعرفة.

أبو الحسن الندوي: قامة من قامات العصر.

بديع الزمان النورسي: مجدد من مجددي العصر.

وعن أكثر الشخصيات تأثيراً في شخصه، قال: سيد قطب، أحب من يحبه وأكره من يكرهه.

ثم انتقل الطنطاوي للحديث عن رابطة أدباء الشام التي رأس تحرير موقعها، وبين أن عدد زوار الموقع شهريا يتجاوز عشرات الآلاف وأن العدد الأسبوعي يحتوي على أكثر من مئتي مادة أدبية.

أما المحور الثاني من المقابلة فكانت عن الإنتاج الأدبي للطنطاوي، حيث قارب إنتاجه إلى تسعين مادة أدبية ما بين قصة ومسرحية وأدب أطفال وسيناريو تلفزيوني وإذاعي وسيرة أدبية وكتاب نقد.

وأثناء المقابلة كانت هناك شهادة إبداعية قدمها على الهاتف من دولة الإمارات العربية الدكتور عبد الحكيم الزبيدي مؤسس موقع علي باكثير على الشبكة، أشاد فيها بالدور الذي يقوم به الطنطاوي في خدمة الأدب الإسلامي الحديث.

وفي نهاية اللقاء قدم الأستاذان صالح البوريني شهادة إبداعية والشاعر محمد الخليلي قصيدة مهداة إلى الطنطاوي، ثم قدمت رئيسة مكتب الأردن الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، الشاعرة نبيلة الخطيب، درعاً تكريمياً للأستاذ الطنطاوي تقديراً لدوره في دعم الأدب الإسلامي.

*   *   *

حوار مع عبد الله الطنطاوي

حاوره: أحمد طاهر أبو عمر                   رابطة أدباء الشام 7/5/2015

ج1 ـ ولدت في بلدة إعزاز الواقعة شمالي حلب ـ بالقرب من الحدود التركية ـ عام 1935 في أسرة ميسورة، أبي الشيخ محمود تاجر وشيخ صوفي، وعنده ثقافة دينية جيدة، قاوم الفرنسيين الذين كانوا يستعمرون سورية، جدي علي جاء إلى سورية مع شقيقه مصطفى، في حملة إبراهيم باشا على سورية عام 1832، وبعد فشل الحملة، غادر إبراهيم باشا وكبار ضباطه سورية إلى مصر، وبقي في سورية آلاف العسكريين الذين كانوا معه، ومنهم جدي وأخوه، تزوجا وأنجبا ذرية توزعت بين الريحانية التركية، وإعزاز، وعفرين، وحلب.

درست الابتدائية في إعزاز، والإعدادية والثانوية الشرعية والرسمية في دمشق، في معهد العلوم الشرعية / الجمعية الغراء وحصلت على شهادتي الكفاءة والثانوية العامتين، ودخلت الجامعة ؛ كلية الآداب ـ قسم اللغة العربية ـ جامعة دمشق.

كان أساتذتي في المعهد الشرعي من خيرة علماء دمشق، منهم: عبدالغني الدقر، ونايف عباس، وخالد الجباوي، وعبدالكريم الرفاعي وعبدالوهاب الحافظ المعروف بـ (دبس وزيت) والدكتور أديب الصالح، وكذلك كان أساتذتي في الجامعة من خيرة الأساتذة الجهابذة، منهم: سعيد الأفغاني، والدكتور شكري فيصل، وعمر الحكيم.

وكان ممن أفدت منهم فوائد جليلة: د. مصطفى السباعي، وأحمد مظهر العظمة، وعلي الطنطاوي، وسواهم رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.

خدمتُ العلم في الجيش السوري برتبة مرشّح، وكنت في حرب حزيران 1967 برتبة ملازم، وشاهدت سقوط الجولان، وهروب كبار الضباط من الجبهة، بعد صدور بلاغ وزير الدفاع حافظ أسد بسقوط القنيطرة (مركز محافظة الجولان) قبل سقوطها بأربع وعشرين ساعة، ودعوته العسكر إلى الانسحاب الكيفي من جبهة الجولان المنيعة.

درّست مادة اللغة العربية في ثانويات حلب ثم نقلوني ـ مع ثماني مئة مدرس ـ من وزارة التربية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، (لتطهير) وزارة التربية من المدرسين الرجعيين (الإخوان المسلمين)، وأعتقلت، وأفرجوا عني (1979 ـ 1980) ثم غادرت بلدي سورية الحبيبة، بعد أن أخبرني ضابط كبير من أصدقائي أن أمراً باعتقالي صدر إلى الأجهزة الأمنية، من القصر (الجمهوري) من مخابرات القصر، ونصحني بمغادرة البلاد بسرعة، فغادرتها في أيار 1980 وتنقلت في البلاد، وما أزال في غربتي مع أسرتي وحفدتي وحفيداتي (وعددهم 34 حفيداً) موزعين بين الأردن، والعراق، والسعودية، وألمانيا، وكندا، ولله الحمد.

كتبت ونشرت في الصحف السورية والعربية منذ عام 1953 وطبعت أربعة وثمانين كتاباً في الرواية، والقصة القصيرة، والتراجم، والنقد، والأدب بعامة، ولي ثلاثة مسلسلات تلفزيونية في تسعين حلقة، ولي عدد من المسلسلات والأحاديث الإذاعية، وأشرفت على عدد من المسلسلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وأجروا معي عدداً من المقابلات التلفزيونية والإذاعية والصحفية، ولي عدد كبير من المقالات الصحفية والأدبية والأعمال المسرحية والقصصية والنقدية التي لم تجمع في كتب، ولي ثلاث مسرحيات كبيرة مُثلت على مسارح حلب، وأصدرت ثلاث مجلات للأطفال.

أنشأت مع أخوين شاعرين رابطة الوعي الإسلامي عام 1955 ونحن في المرحلة الثانوية، وكنت رئيس الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون في حلب، حاضرت في العديد من البلدان، وشاركت في العديد من المؤتمرات والمنتديات في البلاد العربية والأجنبية.

ج2 ـ في عام ألفين شكلتُ مع مجموعة من الإخوة الأدباء رابطة أدباء الشام، وفي عام 2003 أطلقنا موقع رابطة أدباء الشام الذي احتل مكانة رفيعة بين المواقع الأدبية، والحمد لله.

الأعضاء المؤسسون، والأعضاء المنتسبون والفخريون حوالي ألف أديب وشاعر من الجنسين، وكثير منهم أدباء وشعراء كبار ومبدعون، وأساتذة جامعات كبار، ومن عدة أقطار.. من سورية، ومصر، والأردن، والسعودية، والعراق، وماليزيا، واليمن، والمغرب، والجزائر، وسواها من الأقطار الشقيقة.

ونشر الموقع عشرات الآلاف من القصائد، والقصص، والمسرحيات، والروايات، والمواد النقدية، والتاريخية، والسياسية، والروحية، والتراجم، والمترجمات الأدبية والسياسية، حتى غدا الموقع مرجعاً لكثير من طلبة الدراسات العليا في مصر والسودان واليمن والأردن ولبنان والسعودية والمغرب العربي، وإيران، وتركيا، وماليزيا، وأندونيسيا وسواها.

الظروف السياسية والمالية حالت دون تحقيق العديد من المشروعات الأدبية والفنية، نرجو من الله الفرج.

وأحبّ أن أنوّه، أن رابطة أدباء الشام هي الشقيقة الصغرى لرابطة الأدب الإسلامي العالمية التي أعتز بكوني أحد أعضائها.

ج3 ـ الأدب الإسلامي أدب أصيل، عريق، تضرب جذوره في أعماق التاريخ، منذ البعثة النبوية الشريفة، منذ نزول الوحي الأمين، على الرسول العربي العظيم محمد، صلى الله عليه وسلم، يأمره بالقراءة (اقرأ باسم ربك الذي خلق) (الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم) فالأدب الإسلامي ظهر مع نزول أول آية، وأول سورة، وكان القرآن العظيم وسوف يبقى ذروة الأدب الإسلامي، ومنطلقه، ففيه القصة، وفيه الرواية (سورة يوسف) وفيه التراجم وفيه النقد، وكل هذا تطور مع الأيام، وفي العصر الحديث، برز الناقد العظيم سيد قطب، صاحب (النقد الأدبي: أصوله ومناهجه) وأخوه الكاتب المبدع محمد قطب صاحب نظرية الفن الإسلامي، كان يكتبان الأدب الإسلامي وينظّران له، ويقعّدان القواعد، ثم تلاهما الدكتور الأديب الرائع نجيب الكيلاني، صاحب كتاب (الإسلامية في الأدب) والعديد من الروايات والقصص والأشعار الإسلامية، ثم تلاهم من الأدباء الإسلاميين من كتب أدباً إسلامياً رائعاً في سائر الأجناس الأدبية، مثل علي أحمد باكثير منشئ المسرح الإسلامي، والروايات الإسلامية، وعبد الحميد السحار صاحب الروايات والقصص الإسلامية، وعلي الطنطاوي، والرافعي، وعشرات الكتّاب والشعراء في الأقطار العربية والإسلامية، ومن هؤلاء الأفذاذ الأستاذ أبو الحسن الندوي مؤسس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وأول رئيس لها..

وبهذه المناسبة، أستطيع أن أقول: إن رابطة الوعي الإسلامي التي أنشأناها عام 1955 قد تكون أول رابطة أدبية تبنّت الأدب الإسلامي، ودعتْ إليه.

الأدب الإسلامي مذهب متميز من المذاهب الأدبية الأخرى، ينتمي إليه مئات الشعراء والأدباء الإسلاميين المتميزين والعالميين.

ج4 ـ النقد مذاهب كما الأدب وسائر الفنون الأخرى، وهو يقوم على التذوق، والثقافة المتخصصة والثقافة الموسوعية، وقد يكون النقد قطعة أدبية بامتياز، كما نراه عند محمود شاكر، والمهم الإخلاص والحيدة والغوص وراء الجوهر، وتمييزه من العرض، والتجافي عن التشوهات، وأكثر الذين نقرأ (نقداً) لهم، ليس بنقد، والذين يمارسون النقد في أيامنا على درجات، منهم الصالحون لممارسة النقد، وأكثرهم دون ذلك. وسيد قطب كان يفضل النقد التكاملي الشامل وأنا معه.

وأنا مارست النقد، وما أزال، وأولي اهتمامي الشعراء والأدباء الموهوبين الواعدين بالكثير، أقدّم أعمالهم للناس على شكل دراسات، وأحياناً مقدمات، أساعدهم في عبور اللجج التي يسبحون داخلها، وأخاف عليهم من (القناصة) المترصّدين على الشاطئ الآخر، الذين يتصيدون الهفوات، ليبرزوا عضلاتهم الواهنة في وجوههم.

أنا لم أتفرغ للنقد ولا لغيره، كنت وما زلت أسعى لسدّ الثغرات في العمل الإسلامي، في كثير من ميادينه.

ج6 ـ الرواية فن بديع، أجد فيه نفسي، وأحيا في الرواية، وأذوب مع أحداثها.. عندما كتبت سلسلة (أبطال الحجارة) وهي عشر روايات للأشبال، كنت أبكي وأنا أكتب، وعندما كانت زوجتي تدخل عليّ وترى الدموع في عينيّ وعلى خدّيّ، تستغرب قائلة: أنت تكتبها من خيالك، وتبكي ؟

وكان هذا في غير هذه السلسلة أيضاً.. في رواية (عينان مطفأتان وقلب بصير) وفي (الوادي الأحمر) وسواهما.

أتحين الفرص الآن لكتابة ثلاث روايات، الأولى عن الإمام البخاري، والثانية: الرجل الإعصار عن أستاذي وشيخي الدكتور مصطفى السباعي، والثالثة عن معلمي وصديقي اللواء الركن المجاهد المؤرخ العسكري العظيم: محمود شيت خطاب، لأنهم يحيون في قلبي وعقلي، وأحياهم، رضي الله عنهم جميعاً.

من خلال الرواية تستطيع أن تبثّ أفكارك ورؤاك التي تؤمن بها وتتبناها وتدعو الناس إلى تبنّيها، دون أن يحسّ قارئك... إنها تتغلغل في النفس الإنسانية دون ضجيج، ولهذا ترى المذاهب الفكرية والسياسية تعكف عليها، كالماركسية، والشيوعية، والوجودية، والإسلامية وسواها.

ج7 ـ كما ذكرت قبل قليل، كل مذهب يسعى إلى ترسيخ مبادئه، من خلال الالتزام بها في أدبه وسبل عيشه، ولهذا، عندما نقول: هذا أدب ملتزم، وذاك أديب ملتزم، للإسلامي، والماركسي، والوجودي، فنحن نعطي التزام كلِّ بما يدعو إليه، فأنا ملتزم بما يدعوني إليه ديني من مبادئ وأهداف خلقية، وروحية، وسلوك إنساني إسلامي، وغيري يلتزم بما يؤمن به. وهذا مغاير لدعاة الفن للفن.

فأولئك ملتزمون بالمبادئ الفنية، بالجمال الفني، والأولون تهمهم الفكرة والمبدأ، وإن اضطرهم هذا إلى الخروج ـ قليلاً ـ عن متطلبات الفن، وقيمه.

ج8 ـ أنصح أدباءنا الشباب بالاجتهاد في هذا الميدان الدعوي الإنساني، بالتمكن من القيم الفنية المتلازمة مع القيم الخلقية والشعورية السليمة، ليكون أدبهم أصيلاً، يعبّرون عن ذواتهم، وعن دعوتهم، وأخلاق دينهم العظيم، أن يرهقوا أنفسهم في دراسة القيم الفنية، ليصبّوا أفكارهم من خلالها دون فجاجة ومباشرة منفرة.

أنصحهم بالتخصص، والتمكن من مقومات كل جنس من الأجناس الأدبية والفنية، وأن يقرؤوا لعمالقة كل فن.. فالناقد والمفكر يقرأ للعملاقين: سيد قطب ومحمد قطب وسواهما من النقاد الإسلاميين، وكاتب القصة والرواية، يقرأ للسحار، ونجيب الكيلاني، وباكثير، وكاتب المسرحية يقرأ لعبقري المسرحية العربية علي أحمد باكثير، وشداة الشعر يقرؤون لشعرائنا الأفذاذ: الأميري، ومحمود حسن إسماعيل، وعبدالله عيسى السلامة، ومحمد نجيب مراد، ومصطفى عكرمة، وحيدر الغدير ويوسف العظم والحسناوي ويحيى حاج يحيى وسواهم من شعراء الإسلامية، فإذا تمكنوا من الأجناس الأدبية والفنية الإسلامية، قرؤوا لأصحاب المذاهب الأخرى.. أقول لهم: اجتهدوا يا شباب، لتكونوا المبرزين، كل في مجاله، في ميدانه، على ألا تغفلوا عن الميادين الأخرى، وعن الأدباء، والشعراء الآخرين، كبدوي الجبل، وعمر أبي ريشة، وأحمد مطر وسواهم، فهؤلاء عباقرة..

وأدعوهم إلى التمكن من اللغة العربية، نحواً وصرفاً وأسلوباً، فالأخطاء فيها خطيئات.

ج9 ـ الناقد مثقف مبدع موهوب، ذو ثقافة شاملة، وخاصة في المجال الأدبي أو الفني الذي يمارسه ناقداً للشعر أو للقصة، أو المسرحية، أو سواها، وأزيد:

أن يكون ذا ثقافة موسوعية في سائر شؤون الحياة، في النبات، والحيوان، والفلك والأنواء، وسواها، فهذه روافد تزيده تعمقاً في دراسة النص.

وأزعم أن الأستاذ الهائل سيد قطب ما قدّم كتابه الرائع (النقد الأدبي أصوله ومناهجه)، إلا لأنه كان ذلك المثقف الذي وصفت، وما جاء بكتابه الهائل (الظلال)، إلا لأنه كان ذلك الناقد المثقف اللقف الذي أوتي من الموهبة والعلم والإيمان، ما فتح الله له هذا الفتح المبين في ظلاله الوارفة.

ج10 ـ هذا واجب، ورابطة الأدب الإسلامي العالمية سعت وتسعى، ولكنها تفتقر إلى الموجّه أو الموجهين الذين يتجردون من اهتماماتهم الصغيرة.. الشخصية.. ليكونوا من ذوي الآفاق والرؤى المديدة، الواسعة، متعاونين غير متنابزين ولا متنافسين فيما يضر ولا ينفع.. كنت وما زلت أؤمل منها الكثير لولا القصور والتقصير.

ورابطة أدباء الشام تقف دون تحقيق أهدافها عوائق مادية، وسياسية، فنحن أو كثير منا مطاردون مشردون في البلاد، ولا نملك من المال ما يمكننا من الدعوة إلى مؤتمر، ولا من العلاقات السياسية، ما يمكننا من فتح مقر أو مقار لها نجتمع فيها، لتدارس خطة أو خطط، للنهوض برسالتنا الأدبية الغنية.

نحن متفائلون بمستقبل مشرق، يكون التمكين فيه لأدبنا الملتزم بقيم الحرية والعدالة وقضايا الإنسان، وعلى أرضنا.. نعمل وندأب ونبني، وندعو الله العظيم أن يعيننا على ذلك، ندعوه دعوة المضطر، ونثق برحمته، ونتطلع إلى استجابة سريعة منه سبحانه، والحمد لله رب العالمين..

*   *   *

حوار مع الأديب عبد الله الطنطاوي

حاوره: عبد الله زنجير

4/3/2012

للأستاذ الأديب د. عبدالله الطنطاوي أكثر من ثمانين مؤلفاً في القصة والنقد والسير والسيناريو والطفولة وغيرها، وهو الآن رئيس رابطة أدباء الشام التي تضم مئات الكتاب والمبدعين. كان في السابق رئيسا لتحرير مجلة (النذير) التي صدرت عن جماعة الإخوان المسلمين في سورية، ويتميز بالثقافة المتنوعة والأسلوب النثري الشائق الشبيه بالشعر.

وفي هذا اللقاء نستضيفه ونتعرف على جديده في الفكر والموقف والكلمة..

س 1 / يتهمك البعض بأنك تمثل الكلاسيكية المحافظة، وأن أولويتكم - في مدرسة الأدب الإسلامي - الترويج للقديم، فكيف تفندون هذه الشبهة وتردون على مردديها؟

ج 1- سبق لأحد النقاد أن اتهمني واتهم رابطة الوعي الإسلامي التي أنشأناها نحن الثلاثة: محمد منلا غزيل، ومحمود كلزي، وعبد الله الطنطاوي في مدينة حلب عام 1955 وكنا جميعاً في المرحلة الثانوية اتهمنا واتهم سائر أعضاء الرابطة بالكلاسيكية، واستدل على ذلك، بجزالة أسلوبنا، وبحرص شعرائنا على العروض الخليلي، وبحرصنا على النحو السيبويهي، ومعايشتنا لكتب التراث، وبوضوح أفكارنا، وببعدنا عن الغموض.

وفي سبعينيات القرن الماضي، اتهمنا أحد الصحفيين السوريين بأننا في الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون في حلب، نمثل الكلاسيكية العربية، وأن جمعيتنا هذه هي قلعة الكلاسيكية.

إذا كانت الكلاسيكية كما يقولون، فأنا كلاسيكي للعظم، فأنا أحرص على الجزالة في مواطن الجزالة، وأبدو شديد الحرص على اللغة الفصيحة، وعلى النحو، وأقرأ كتب التراث بعشق ونهم، وعندما أنقد غيري أشتد عليه في اللغة والنحو والصرف..

أما إذا كانت الكلاسيكية تقليداً بلا تجديد ولا تطوير، فأنا لست كلاسيكياً، ولست رومانسياً، أنا عربي، وأسلوبي عربي فصيح، وأقدم أفكاري بوضوح، وأحرص على موسيقا اللفظة وموسيقا الجملة.

س 2 / من هي الشخصية الأدبية الملتزمة التي تعتبرها مصدرا لإلهامك؟ و لماذا؟

ج 2- شخصية الشهيد سيد قطب، تغمده الله بفيض رحماته، فهو أستاذي في الأدب، وفي الحياة، وفي التنظيم، وفي الثبات على المبادئ حتى الشهادة، حياته، وأدبه، وفكره، كل ذلك أثر فيّ.. أحب من يحبه وأكره من يكرهه، ولا أبالي..

س 3 / كنت مع الأديب محمد الحسناوي ومحمد منلا غزيل وإبراهيم عاصي وعبد الله عيسى السلامة، تمثلون فريقاً أدبياً لافتا في حمل مشعل الدعوة وتسخير الأجناس الأدبية لقضايا التدين والتغيير.. لماذا لم نعد نجد مثل جيلكم وخضرمتكم؟ و ما هو تعريفكم - الشخصي - لفكرة الأدب الإسلامي؟

ج 3- أرجو أن تضم إلى هذه القافلة الكريمة الشاعر المبدع محمود كلزي.. ويا لهؤلاء الأشاوس.. كنا نسهر الليالي، نتدارس شؤون الأمة، وشؤون الفكر والأدب والسياسة، وكنا – وما زال الأحياء منا – نحس بالمواجع، ونحن نرى الحال البئيسة التي صارت إليها الأمة، سياسياً، وفكرياً، وأدبياً، فكنا نفكر ونخطط، والألم يعتصر نفوسنا.. كنا نحس الخراب، ونرى المخربين من الساسة والأدباء والمفكرين.. أنشأنا – في وقت مبكر من أعمارنا – رابطة الوعي الإسلامي، ولعلها أول رابطة أدبية تثير موضوع الأدب الإسلامي، وتدعو إليه، ولكنها لم تعمر، لأن (رائد القومية العربية) أمر بحل الأحزاب والجمعيات شرطاً لقيام الوحدة بين سورية ومصر، وعشق الشعب السوري عامة، والإخوان المسلمين خاصة، للوحدة، جعل الدكتور الشيخ مصطفى السباعي – أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سورية – يبادر إلى حل الجماعة، وكذلك فعلت الأحزاب الأخرى، ما عدا الحزب الشيوعي البكداشي الذي رفض الوحدة، وهرب زعيمه خالد بكداش إلى الاتحاد السوفياتي البائد.

الأحداث المتسارعة بقسوة، والعمل السري، وسياسة القمع والاضطهاد التي قهرت الشعب السوري وأرعبته – لم تمكنا من تحويل ندواتنا إلى تيّار، ولكن بعض تلاميذنا تأثروا بحركتنا وأدبنا، ولم تسعفهم الظروف القاسية ليتجاوزوا العقبات التي اعترضتهم كما اعترضتنا. ولكن المستقبل يبشر بالخير.

أما تعريفي للأدب الإسلامي، فأقول ببساطة: إنه الأدب الذي يعبر بصدق فني عن قيم الإسلام، ليكون الإسلام منهج حياة، فكراً وسلوكاً، وأخلاقا.. إنه الأدب المنتمي إلى هذه الأمة، إنساناً، وأرضاً، وقيماً، ويدافع عن الإنسان كإنسان، ويتبنى قضاياه..

س 4 / في صيف 2003 م ظهر موقع رابطة أدباء الشام للنور، والآن بعد كل هذه السنين كيف تقومون دور الرابطة و تأثيرها على مسار الحركة الفكرية والأدبية في بلاد الشام؟ وأين موقع الرابطة في المشهد الثقافي للثورة السورية اليوم لاسيما وأن السلطات السورية بادرت بحجبه منذ أمد؟

ج 4- ولدت رابطة أدباء الشام في ظروف صعبة، فالمؤسسون في المهجر، وليس لديهم الحرية التي ينبغي أن يتمتعوا بها، فلا مقر، ولا مال، ولا كوادر، ومع ذلك ضغطنا على أنفسنا، وشققنا طريقنا، وحققنا من النجاحات ما كان فوق طموحنا – بدأت ميزانيتنا بمئتي دينار، ثم ارتفعت ووقفت عند خمس مئة دينار شهرياً لا غير، ولله الحمد والمنة.

لم تتمكن الهيئة التأسيسية من عقد اجتماع واحد، لأن أعضاءها موزعون في سائر الأقطار، في العديد من البلاد العربية، إلى أوربا، إلى كندا، إلى تركيا، إلى أمريكا، إلى ماليزيا.

أما عن الرابطة والثورة السورية المظفرة، فقد تماهت الرابطة بالثورة منذ انطلاقتها، وقد نشرنا عشرات القصائد، وعشرات المقالات، والقصص حول الثورة، بل إن كثيراً مما ننشره في موقع الرابطة’ أصداء لما يجري في سورية الحبيبة، وفي كل أقطار الثورات العربية.. وقد تعرض الموقع لقرصنة القراصنة، ولحجبه قبل الثورة وأثناءها، وقد تغلبنا عليهم بمساعدة الأعضاء الناشطين في داخل القطر السوري وخارجه.

نبني آمالاً عريضة على هذه الرابطة التي نشرت للمئات من أعضائها، عشرات الآلاف من القصائد والقصص والروايات والمقالات، وكنا وما زلنا نأمل في إصدار مختارات شعرية وقصصية وروائية ومسرحية ونقدية، من الأعمال المميزة المنشورة في الموقع.

س 5 / كم هو متوسط زوار موقعكم شهريا؟ وهل ترفضون استقبال نصوص من خارج بلاد الشام الطبيعية؟

 ج 5- يتراوح زوار الموقع حوالي مئتي ألف زائر شهرياً، وتنشر في كل عدد حوالي ثلاث مئة مادة للأدباء والشعراء العرب وغير العرب من كل أنحاء العالم، إذ ليس شرطاً أن يكون العضو العامل في الرابطة من بلاد الشام كما يوحي اسم الرابطة، بل هم من جنسيات مختلفة، من بلدان المغرب العربي، إلى بلدان المشرق العربي، ومن الأكراد، والأتراك، والإيرانيين، ومن سواهم.

س 6 / ما هو المقياس في تقويم العمل الأدبي شعراً أو نثراً أو روايةً بأنه مميز ومقبول أو أنه لا يصلح للنشر؟

ج 6- ننشر كل الأجناس الأدبية المكتوبة بالعربية الفصيحة، عربية أو مترجمة، ما دامت تلتزم بالمعايير الفنية لكل جنس أدبي، وما دامت لا تغادر القيم العربية والإسلامية، وهي قيم إنسانية، وأخلاقية، فإذا خرج العمل عن القيم الفنية والأخلاقية، أو عن أحدهما، اعتذرنا عن نشره.

س 7 / هل أنت راض عن حجم ودور الأقلام النسوية العربية داخل الرابطة وخارجها؟

 ج 7- لا.. وأنا حزين جداً لغياب تلك الأقلام، أو لتغييبها.. مع الأخذ في الاعتبار، الظروف الصعبة للمرأة عندنا.. فهناك الزوج العتل الزنيم، وهناك الأب، والأخ، كل أولئك يقفون في وجوه صاحبات المواهب الأدبية، لعقد يعانون منها، وهناك الحياء الذي يغلب على الأديبات الملتزمات، وكأن الالتزام يحول دون الإبداع، وهناك مشاغل المرأة في بيتها، وإرضاء زوجها، وتربية أولادها،.. وياما حاولت مع العديد من أديباتنا – وفيهن مبدعات في الشعر والقصة والرواية والنقد – وحاولت مع أزواج المتزوجات، ومع الآباء والأقرباء، ولكن الاستجابة ضعيفة.. كانت معنا في جامعة دمشق في خمسينيات القرن الفائت، أخت طالبة أديبة، لها أسلوب شاعري تتفوق فيه علينا كلنا، وعلى غادة السمان نفسها.. تزوجها شاب ما عرفنا أنه متزمت إلى درجة القرف إلا بعد زواجه منها.. منعها من الكتابة ومن العمل في التدريس أو أي وظيفة أخرى، وأمرها بلزوم بيتها، وقضى بذلك على قلم مبدع واعد بالكثير.. وأقول: يا حسرة على نسائنا وبناتنا، وعلى أقلامهن وإبداعهن، وعلى ما يلقين من عسف، وعنت، وتخلف..

س 8 / هل تتوقعون بأن يلعب المثقفون دوراً جديداً بعد الثورات؟ وكيف ستنعكس مرحلة الربيع العربي على أقلام الأدباء في بلدان الشام الأربعة والوطن العربي؟

 ج 8- يتماهى الاستبداد والفساد مع التخلف تماهياً كاملاً، والمثقفون شريحة مهمة من شرائح المجتمع العربي، كان المأمول منهم أن يكونوا قادة الفكر والمجتمع، وأن يكونوا رادة النهوض والثورة، ولكنهم انكفؤوا انكفاء أزرى بهم وبفكرهم وأدبهم ومجتمعاتهم، فكان منهم المنافقون السائرون في ركاب الحكام الفاسدين المستبدين الظالمين.. هؤلاء مردوا على النفاق، ورضوا أن يكونوا مطايا ذليلة ذلولة للحكام.

وفريق ملتزم، لقي الألاقي من الحكام الفاسدين، فكانت حيواتهم بين السجن، والتعذيب، والقتل، والملاحقة، والهجرة القسرية إلى أوطان غير أوطانهم، ليعانوا من القهر والظلم والتضييق شيئاً كثيراً، وهذا الفريق كان المأمول منهم أن يكونوا الرواد والقادة، ولكن حيل بينهم وبين ما كان الوطن ينتظره منهم.. قدموا جهد المقل، وقضى كثير منهم في ديار الغربة، حتى كان لنا في كل بلد كوكبة.. ومن بقي في الداخل، بقي في سجن صغير أو كبير..

وعندما يتحرر الوطن من الاحتلال الداخلي الاستيطاني بامتياز، سيكون لمن بقي حياً من هذا الفريق المجاهد بقلمه ولسانه وماله وحركيته سيكون لهم دور مشرف بإذن الله وعونه، بفكرهم وأدبهم، وسلوكهم الجهادي الذي لا يعرف إلا التضحية والبذل والعطاء في سخاء، سيكونون معالم على طريق النهوض، بعد عطالة وطنية قاربت الخمسين عاماً في بعض الأقطار العربية، في بلد كبلدي الحبيب سورية التي احتلها الأوباش.

س 9 / كيف هو تفسيركم للعزوف عن القراءة؟ هل هو بسبب غياب الحرية والانشغال بلقمة العيش أو لتعدد وسائل المعرفة وتقنيات التوصيل؟

ج 9- كل ما ذكرت أسباب وجيهة، ولكن الأوجه: خمول الروح، وإيثار البطالة العقلية والدونية النفسية، والتطلع إلى الرفاه المادي، والتنائي عن أشواق الروح، والتسامي العقلي والإنساني، وافتقاد المربي، بدءاً من البيت والمدرسة، وانتهاء بوسائل الإعلام مطية الحكام إلى إجهاض الإبداع في كل مجالي الحياة الكريمة.. دائماً فتش عن الحاكم الفاسد المفسد في الأرض.

س 10 / كيف ترون المستقبل الأدبي.. هل هو للأدب المكتوب أو للأدب المرئي، خاصة وأنكم أسهمتم بمئات الحلقات الإذاعية والتلفزيونية؟

ج 10- الكتاب هو الأساس، كان وسوف يبقى.. ومع هذا أدعو إلى إتقان الوسائل المعرفية كافة.. التلفزيون وما فيه من برامج متنوعة، ومسلسلات جادة بدلاً من هذه المهلهلات التي تأكل الأوقات أكلاً لمّاً.. وكذلك السينما والإذاعة، والمسرح، والنيت ومشتقاته.. وقد قيل: رحم الله امرأً عرف زمانه، واستقامت طريقته.

س 11 / بصفتكم من المبادرين في الكتابة للطفل ونشرتم العديد من مجلات الأطفال، ما هي برأيكم معايير الكتابة الناجحة لطفل اليوم؟ ومن هم أبرز كتابه الذين يلفتون نظركم على المستوى العربي؟

ج 11- هناك أدب يكتبه الكبار للصغار، وهذا جنس أدبي صعب، يحسبه بعض الكاتبين سهلاً، وهو في الحقيقة وعند الأطفال عظيم.. نرى بعض الكاتبين يظنون أنهم إذا كتبوا قصة أو شعراً أو.. وأخرجوا ما كتبوا في كتاب من القطع الكبير جداً، وبحروف كبيرة أو من القطع الصغير جداً، أنهم يقدمون أدباً للأطفال، وهذا ما نراه لدى العديد من الكتاب الذين لا يميزون بين الكتابة للكبار والكتابة للصغار.

قبل أن تكتب للأطفال عليك أن تعايش الأطفال، أن تدرس نفسياتهم، وتقف على طموحاتهم.. أن تدرس سلوكياتهم.. أن تتعرف على مداركهم، ثم تضع خطة لما تريد أن تقدمه لهم، وهذا يعني أن تعرف ما تريد تقديمه، وبأي جنس أدبي.. شعراً، قصة، سيناريو، مسرحية، رواية، مسلسلاً... وهل ستقدمه للقراءة، أو للإذاعة، أو للتلفزيون؟ وما الفئة العمرية التي تكتب لها؟ لمرحلة ما قبل المدرسة أو للصف الأول؟ للصفوف التالية؟ للفتيان؟ للفتيات؟ لكلا الجنسين؟ فلكل سن ولكل مرحلة معجمها أو قاموسها، وأسلوبها..

وهناك الأدب الذي يكتبه الصغار.. وكما نهتم ونحتفل بالنوع الأول الذي يكتبه الكبار للصغار، يجب أن نشجع وندرب الصغار، حتى يكتبوا لنا ولمراحلهم العمرية، ما يمكن أن نطلق عليه أدب الأطفال بأقلامهم وعقولهم ونفسياتهم وتطلعاتهم، وأخيلتهم.

س 12 / وأنتم من سورية ومن مدينة حلب الشهباء، والثورة السورية في هذا المنعطف الحقيقي، ما هي رسالتكم لأبنائكم وأصدقائكم الأدباء السوريين والعرب؟؟

ج 12- أقول لأحبائي وزملائي الأدباء والفنانين السوريين والعرب في كل مكان:

أنتم شهود على ما ارتكبه ويرتكبه النظام الأسدي الطائفي في سورية الحبيبة، من جرائم في زمن الوحش الأب (حافظ الوحش.. هذا لقبه ولقب جده سليمان الوحش الذي طرأ على بلدة القرداحة.. جاء من المجهول.. وطرده وجهاء القرداحة، وحماه أحد وجهائهم من بيت الصارم، واستبقاه عتالاً في القرداحة، حتى جاء حفيده حافظ وصار ضابطاً فاستبدل الأسد بالوحش، اسماً، أما فعلاً فوحش ابن وحش وأبو وحش، نعم.. ارتكب الأب الوحش جرائم زادت على مئة ألف ضحية، وارتكب ويرتكب الوحش الابن جرائم زادت على نصف الشعب السوري الحر بين شهيد وجريح ومعوّق وفار بعرضه وأطفاله إلى الأردن وتركيا ولبنان وسواها.. فعلوا ما لم تفعله العصابات الصهيونية في فلسطين، قتلاً، واعتقالاً، وتعذيباً، وانتهاكاً للحرمات، دمروا المساجد، قصفوا المآذن، هدموا البيوت والعمارات على رؤوس سكانها الأبرياء، انتهكوا الأعراض، قتلوا الأطفال بعد ما عذبوهم وقلعوا أظافرهم، وثقبوا أجسامهم بالمثاقب (الدريلات) وبالنار.. نعم كووا بنت أربعة أشهر بالنار حتى ماتت، ثم سلموها إلى عمها ميتة، ولم يسلموها إلى أمها وأبيها لأن الأوباش قتلوهما تحت التعذيب.. فعلوا من الجرائم ما سوف تكشف عنه الأيام القابلة، بعد سقوط مملكة القرامطة الجدد.

أدعو الأدباء والفنانين أن يرصدوا هذه الجرائم، وأن يكتبوا سيناريوهات تراجيدية.. مسلسلات تبكي الحجر.. فتراجيديا سورية في عهد حافظ وبشار ورفعت وماهر وتابعهم آصف زوج بشرى وأمهم أم سليمان وأعوانهم أجرائهم لا تشبهها تراجيديا ولا في العصور الحجرية، ولا في الغابات.. والثورة السورية ربانية مباركة، لا تشبهها ثورة، وخسئ وخاب وخسر من يحسب أن لها شبيهاً و خسئ وخاب وخسر الزنيم الذي يمسها بكلمة.

أيها الأدباء والفنانون:

اكتبوا عن ثورة الأبطال في عاصمة الثورة: حمص، وتلكلخ، والرستن، وتدمر اكتبوا عن مفجري الثورة في درعا وبلدات حوران وقراها وبلداتهم الباسلة.. بصرى الشام، بصر الحرير، انخل، داعل، الصنمين..

اكتبوا عن دمشق المحتلة من الأغراب.. عن المدينة الباسلة: دوما وعن الزبداني ومضايا والكسوة ورنكوس وحمورية وسقبا والتل وسواها من الريف الباسل، وعن أحياء دمشق الأبطال: الميدان، والشاغور، والقابون، وبرزة، وكفر سوسة، والحجر الأسود، وركن الدين وسواها..

اكتبوا عن المدينة المجاهدة حماة وريفها الباسل.

اكتبوا عن اللاذقية وبانياس وجبلة والبيضا وطرطوس الأبطال.

اكتبوا عن دير الزور وشحيل والغورية والميادين والبوكمال البواسل. وعن عشائرها الميامين.

اكتبوا عن أبطال إدلب وجبل الزاوية وجسر الشغور والمعرة وكفرنبل وجرجناز وكل أبطالها الذين رووا سهولها الخضراء، وجبالها الشماء، وبساتينها الفيحاء، بدمائهم الزكية.

اكتبوا عن الرقة وعشائرها الحرة الأبية، ولا تنسوا قبيلة الموالي التي أنجبت الأبطال، وعن أبطال عين العرب.

اكتبوا عن ميامين حلب في الصاخور، وصلاح الدين، والأعظمية، وسيف الدولة، والمرجة، وحلب الجديدة، وميسر وسواها وأبطال عندان، وتل رفعت وإعزاز، والباب، ومنبج ومارع ومنغ وعفرين ودارة عزة، والسفيرة وبيانون وسواها.

اكتبوا عن القامشلي الباسلة، وعن شهيدها البطل تمو، وعن أبطال الدرباسية والحسكة وعامودة وأبطالها الشجعان.

اكتبوا عن عرين سلطان باشا الأطرش، عن السويداء العصية على الظلم والقهر أبناء وحفدة الثورة السورية الكبرى عام 1925.

اكتبوا عن عشائر سورية الذين رفضوا إغراءات القتلة، وأبوا إلا أن يكونوا مع إخوانهم في ريف إدلب، والرقة، ودير الزور، وبادية الشام، والجزيرة، وحمص وحلب، وحماة، وحوران وسواها.

ولا تنسوا خنساوات سورية المجاهدات الماجدات، وتعرّضهنّ للأذى على أيدي همج المافيات الأسدية، وحوش القرن العشرين والحادي والعشرين، أحد خلق الله من البشر والوحوش.. عبيد العائلة الأسدية المنحطة.

يا أيها الأدباء والفنانون

ينتظركم الكثير من العمل.. عشرات بل مئات القنوات الفضائية، والمحطات الإذاعية وخشبات المسارح، ودور النشر العربية والأجنبية تنتظر إبداعاتكم يا رجال الحاضر والمستقبل.

بشار وعصاباته إلى اندثار.. فشمروا عن سواعدكم، وتفرغوا لكتابة المسلسلات التي تؤرخ لهذه الثورة العظيمة التي قضت على مافيات العائلة الأسدية الغريبة عن العروبة والإسلام وعن الوطن السوري، إنها أسرة شنيعة من الأغراب جاؤوا من سرانيك، من يهود الدونمة، وقيل إنهم من مجوس فارس.. وانظروا إلى أعمالهم إن لم تدلكم سحنهم.

ورحم الله أستاذ الأجيال: محب الدين الخطيب – من رواد النهضة- فقد كان يكرر علينا قوله:

"كل المصائب والكوارث المادية والفكرية التي نزلت بالعرب والمسلمين عبر التاريخ كان وراءها: اليهود، أو المجوس الفرس، أو كلاهما".

نشكركم.. و جزاكم الله كل خير

*   *   *

الطنطاوي الخطيب

ونماذج من خطبه

نص الكلمة التي ارتجلها الأستاذ عبد الله الطنطاوي

على قبر الشيخ سعيد حوّى

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلمة التي ارتجلها الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي على قبر الحبيب الفقيد الشيخ سعيد حوى – تغمده الله بفيض رحمته ورضوانه- إثر دفنه في مقبرة سحاب – من ضواحي عمان – بعد ظهر الجمعة 10/ 3/ 1989م.

الشيخ سعيد حوى… فارس يترجّل

السلام عليك في الخالدين يا أبا محمد

يا ابن حماة الأصيل

يا شيخ المجاهدين ومعلم المناضلين.

*   *   *

أنا أرثيك؟.

كيف أرثيك؟.

إنني إذن سأرثي جيلاً بأسره.

سأرثي الكرم والشجاعة والوفاء، في عصر ندر فيه الكرم والشجاعة والوفاء يا أبا الأوفياء.

سأرثي جيل الجهاد والاستشهاد الذي عايشك، وتربى على فيوضات فكرك النير، وعقلك الكبير، وروحك التي ما فتئت تطوف في الملكوت، لتأتي بأعاجيب الأفكار والمعاني والخواطر، وبأحر ما تكون العواطف والمشاعر.

لقد كان لها سبح طويل ومعارج ترقى فيها، لا تطولها أخيلة الأقزام من حاسديك، وتبقى أبصارهم حسيرة كليلة دون عطاءاتها التي خلفتهم وراءها دهوراً.

أرثيك أم أرثي نفسي – أنا العبد الضعيف القليل الذي يفقد في كل يوم عزيزاً –؟

أرثيك أم أرثي جماعتي التي افتقدت بفقدك عالمها ومجاهدها والمنظر لها؟

أرثيك أم أرثي المسلمين الذين كانت خسارتهم بك كبيرة، فقد قل نظيرك بين العلماء والعاملين، يا فد العلماء والعاملين، وندر مثيلك بين العلماء والمجاهدين، يا حامل لواء الجهاد والعلم والفداء.

أنا أرثيك يا ابن حماة الأصيل؟

إذن سأرثي (حماة) التي ما ذكرت إلا وقيل: إنها مدينة الشيخ سعيد، وعرين مروان حديد، كما كان يقال لها من قبل: إنها مدينة أبي الفداء.

وإني لأحسبها تبقى كذلك ما بقيت تصاول الطواغيت، وتتحدى الفراعين.

فقد لبست ما هالا لأمتها، وما أظنها تضعها عنها وأرواحكما تسبح في جوائها، فلأرواح العماليق ما للأريج من عنفوان ينزع نحو الأعالي ولا يطامن من كبريائه، ويأبى العيش بين الحفر..

ولئن شاءت الأقدار أن يتناءى الجثمانان الطاهران عن ثراك يا حماة، إنهما أطلقا روحيهما المقاتلتين إليك، كيلا تخمد جذوة الجهاد في نفوس الحفدة والأبناء.. كي تبقى الشعلة متقدة، حتى لو ترجل الفرسان.

حتى لو دفن الفارس الحديد في دمشق والفارس السعيد في عمان.

هيه يا سعيد.. يا ابن الإسلام العظيم.

هيه يا أبا الجهاد والمجاهدين.

هيه أيها الطرد الشامخ الذي طالما تلقى سهام الغدر من الأدعياء والأصدقاء والأعداء على حد سواء..

يا من علمتنا الصبر على كيد الأعداء وغدر الأصدقاء..

ويا من عوّدتنا على الابتسام في وجوه الخطوب الكالحات..

يا من هديتنا إلى الاستهانة بلؤم الغادرين.

هيه يا أبا محمد

يا جبلاً من صمود.

يا غابة من حراب في صدور الضالين والمضلين.

يا بحراً من جود

يا أبا اليتامى والثكالى والأرامل.

يا من قتلتك هموم المستضعفين من الإخوان والأنصار.. ومن الأرامل والأيتام والعاجزين والمعوزين.

يا من كنت تخطط وتحشد ليوم النزال مع الأنذال..

نم قرير العين في أرض الشام.. في الأرض التي باركها الله وما حولها، فإخوانك وتلاميذك ومريديك ما يزالون يحتضنون البنادق، وأصابعهم على الزناد.

ما زالوا مصممين على متابعة الطريق، ولن يحيدوا عن سبيل الجهاد الذي أشربتهم إياه في كل كلمة قلتها، وفي كل كلمة كتبتها.

نم على الرغم من أنك لم تتعب من حمل اللواء.

وعلى الرغم من أن الأشجار والبوسق لا تموت إلا واقفة.

وقد مت واقفاً أيها الشيخ السعيد.

وكذلك يموت الكبراء والعظماء.

وقد آن للجسد المعذب أن يهدأ.د

وآن للروح المتوثبة أن تصل إلى العروج والتحليق.

وأنت يا حماة..

يا نواعير حماة ثوري ولا تنوحي فالشيخ يريدك ثائرة.

يريد صوت الجهاد فيك مجلجلاً.

أهيبي بأبنائك أن يثأروا.

ادفعيهم إلى الثأر العريان.

لأبناء سورية الأحرار

للشيخ سعيد

لمروان الحديد

وأنتم يا أشقاءنا في أردن العطاء.

يا من آويتمونا ونصرتمونا عندما عز النصير.

نستودع الله شيخنا الحبيب في أرضكم.

ليكون عبرة ومهمازاً.

ليكون برهاناً على وحدة الأرض والهدف.

تهفو إليه قلوبكم

كما تهفو إليه قلوب أحبائه في سورية الجريح.

*   *   *

طبت حياً وطبت ميتاً يا أخي ومعلمي يا أبا محمد..

ولسوف تبعث طيباً بإذن الله.

وحق لمن مزج بين مداد العلماء وبين دماء الشهداء أن يحيا طيباً.

وأن يموت طيباً، وأن يبعث مع الطيبين، مع الأنبياء والشهداء والصادقين الصالحين والأوفياء.

وحسن أولئك رفيقاً.

والسلام عليكم في الخالدين.

*   *   *

تكريم الأستاذ الأديب

عبد الله الطنطاوي  

تكريم الأستاذ عبد الله الطنطاوي أديباً ومربياً وداعية

في رابطة الأدب الإسلامي في عمان – الأردن مساء يوم السبت 13/12/2003

كلمة الدكتور عثمان قدري مكانسي

أقامت رابطة الأدب الإسلامي في عمان –الأردن مساء يوم السبت 13/12/2003 حفل تكريم للأخ الأستاذ الحبيب والأديب الأريب عبد الله محمود الطنطاوي أبي أسامة حفظه الله تعالى رئيس تحرير موقع أدباء الشام حضره عدد من الأدباء والشعراء، وكان حفلاً بهيجاً غمره الحب والودّ وطوّف عليه الأنس والحبور. تحدث فيه أولاً:

الدكتور عثمان قدري مكانسي فأشار إلى قدوم أجداده من مصر في حملة إبراهيم باشا وأنهم استوطنوا بلدة (إعزاز) شمال سورية. وكان مما قاله:

إنّ الأديب حفظه الله تعالى درس العلوم الشرعية في دمشق والثانوية العامة نالها دراسة حرّة، نالهما معاً في عام 1956 وتخرج في كلية الآداب –قسم اللغة العربية- في دمشق عام 1964.

وظهرت ملكة الأدب مبكرة في عمره المديد إن شاء الله، فهو من مواليد 1935 وكانت بداية آثاره الأدبية والفكرية عام 1954.

كتب في فنون الأدب كلها: القصة القصيرة، والرواية، وكتب في الصحافة، ومارس الإعلام، والنقد، والتحقيق، وكتب عدداً من التراجم، وكتب للكبار والصغار، وبالعربية والعامية الحلبية، وراجع وصوّب مؤلفات كثيرة، وقدم لكثير من الأدباء والشعراء.

لم يكتب الشعر إلا أن أسلوبه النثري كان رياضاً شاعرية، ودفقاً موسيقياً.

- أما في القصة، فله ثلاث مجموعات مطبوعة هي: ذرية بعضها من بعض، أصوات (بالاشتراك)، رماد السنين.

وأما في الصحافة فقد كتب لعدد ضخم من الصحف والمجلات في العالم العربي والإسلامي منذ أن كان صغيراً. فقد كتب في أغلب الصحف السورية كالنذير، والجماهير، والأيام، والثورة، والفداء. والصحف العراقية: كالثورة والقادسية، والمزمار..

وفي الصحف الأردنية: كجريدة الكفاح الإسلامي التي كانت تصدر في عمان أواسط الخمسينيات، واللواء، والسبيل، والرباط.

وكتب في عدد من المجلات العربية في كثير من البلدان منها:

في سورية: حضارة الإسلام، الثقافة الدمشقية الأسبوعية والشهرية، المسلمون، مجلة المعرفة، ومجلة التمدّن الإسلامي ومجلة الإصلاح الاجتماعي، والدنيا، والرقيب، والسنا، والغد.

وفي لبنان: الآداب، والأديب، والمجتمع، والشهاب،.

وفي لندن: مجلة الدعوة، والبيان، وفلسطين المسلمة.

وفي ألمانيا: مجلة الرائد.

وفي الكويت: المجتمع، البلاغ، النور، الوعي الإسلامي.

وفي باكستان: مجلة المسلم، ومجلة قضايا دولية.

وفي مصر: جريدة الشعب، ومجلة الدعوة.

ورأس تحرير عدد من مجلات الأطفال مثل: مجلة فراس، ومجلة الرواد، ومجلة سلام.

وكتب في العديد من مجلات الأطفال الورقية والإلكترونية.

وأما في المقدمات، فقد كتب منها العشرات لدواوين وكتب للكبار والصغار، لأدباء ولشعراء وكتّاب من الأردن والسعودية، وسورية والعراق وسواها..

وأما في المراجعات، فقد راجع عشرات الكتب التراثية والأدبية الحديثة بلغ بعض تلك الكتب بضعة مجلدات بأجر وبغير أجر، ودون أن يذكر عليها اسمه، وهو يحتسبها عند الله تعالى.

وأما في الرواية فله: القسّام، وعينان مطفأتان وقلب بصير.

وشارك بعض الأدباء في كتابة عشر روايات لأطفال الحجارة منها: البركان الإسلامي، الأصدقاء الثلاثة، منصور لم يمت، وكتب للأطفال والفتيان ثمانياً وعشرين رواية، كل رواية تتحدث عن شخصية من مشروعه الكبير "من نجوم الإسلام" الذي ينوي أن يكون في مئة رواية.

وله عشرة كتب بعنوان: حكايات الآنسة إعراب، بالاشتراك مع الأديب الراحل: شريف الراس.

وكتب "يوميات عبد الرحمن.. في عشرة أجزاء، وستة كتب بعنوان: أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم (بالاشتراك مع الأستاذ شريف الراس).

وأما في الترجمة فقد كتب للكبار تراجم شخصيات إسلامية عدة منهم: الشيخ مصطفى السباعي، اللواء محمود شيت خطاب، الشيخ بديع الزمان النورسي، الشاعر محمد منلا غزيل في ظلال الدعوة.

وكتب للأطفال تراجم شخصيات إسلامية ثمانية هي:

1- الإمام الشهيد حسن البنا.

2- الشهيد الحي سيد قطب.

3- الإمام أبو الأعلى المودودي.

4- العالم المفكر محمد المبارك.

5-الإمام حسن الهضيبي.

6- الشيخ محمد الحامد.

7- المجاهد الشهيد مروان حديد.

8-الشيخ مصطفى السباعي.

وأما في التحقيق فقد تناول كتابين:

أولهما: عظماؤنا في التاريخ للدكتور مصطفى السباعي، جمع وتحقيق وتقديم.

ثانيهما: هكذا يربي اليهود أطفالهم للدكتورة سناء عبد اللطيف، وهو في الأصل رسالة دكتوراه كبيرة، حوالي ست مئة صفحة، لخصها وقدّمها في 228 صفحة.

وأما في النقد فله دراسات عدة منها:

1 – فلسطين واليهود في مسرح باكثير.

2 - تذوق النص الأدبي.

3- وشاعر وما شعر.

4- وكاتب وما كتب.

وألمح المحاضر: إن الأستاذ الأديب أبا أسامة الطنطاوي كان رائداً في العمل المؤسسي الأدبي، فقد أسس رابطة الوعي الإسلامي عام 1955 مع الشاعرين محمود كلزي ومحمد منلا غزيل، وكان أمينها العام، ولعلها أول رابطة أدبية تدعو إلى الأدب الإسلامي في الوطن العربي، وقد انضم إليها عدد من الأدباء والشعراء العرب.

وكان رئيس الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون بحلب، التي أقامت العديد من المهرجانات الشعرية والقصصية والمحاضرات والندوات والمسرحيات، وكان لها نشاط ملحوظ ومميز بحلب.

أسس مع إخوانه: محمد الحسناوي، وزهير سالم، وعثمان مكانسي، ومحمد صالح حمزة رابطة أدباء الشام، واختاره إخوانه رئيساً لها عام (2000) وقد أطلقت هذه الرابطة موقعها على الإنترنت في 1/8/2003. وتولّى الأستاذ الطنطاوي رئاسة تحرير الموقع.

وقال المحاضر: إن الأستاذ محمد صالح حمزة سيتحدث عن المسرح والعمل الإعلامي في نشاط الأستاذ الفاضل المكرّم.

وألمح الدكتور عثمان مكانسي إلى صلته العميقة بالأستاذ الحبيب أبي أسامة القديمة منذ ثلاثين سنة أو يزيد، وأن هذه الأخوة تعمّقت وتأصلت على مرّ الأيام.

وذكر بعض شمائله الكثيرة فعدّد منها:

1- التواضع والأدب الجمّ.

2- اللطف والتودد.

3- حسن الاستماع إلى الحديث.

4- العلاقة الإسلامية المتميزة مع كل من يعرف ولا يعرف.

5- الذاكرة العجيبة التي وهبه الله تعالى إياها.

وأشار المحاضر إلى أن الأخ الأستاذ أبا أسامة له أنشطة أخرى أدبية ودعوية لا تقل أثراً عن الكتابة. منها:

- المؤتمرات والندوات التي أسهم فيها، في سورية والعراق والأردن وباريس وجنيف وألمانيا وإيطاليا، وتركيا وأوكرانيا حيث كان يلقي المحاضرات ويشارك في إبداء الآراء والأفكار والمناقشات.

ونشأ عن هذه الرحلات مذكرات كتبها المكرّم في أدب الرحلات.

*   *   *

العمل الإعلامي والمسرحي للأستاذ عبد الله الطنطاوي

كلمة: محمد صالح حمزة

ثم تحدّث الأستاذ محمد صالح حمزة عن الباع الطويل في العمل الإعلامي والمسرحي للأستاذ عبد الله الطنطاوي فذكر:

1– أنه كان مسؤولاً عدة سنوات عن إذاعة سورية العربية، وأنه كان يكتب المقالات السياسية والفكرية والأدبية فيها.

2– كان له نشاط في إذاعة حلب.

3– كتب عشرات القصص والموضوعات والمسلسلات للإذاعة العراقية، وإذاعة قطر وسواهما، وتلفزيونات العراق ولبنان والسعودية واليمن والمغرب. مثل: أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم (30) حلقة. سمع وأطاع (30) حلقة. نادي العروبة، ومحكمة النحو (30 حلقة).

4– كان له مسرحيات مُثلت في حلب مثل:

1– دبابيس، وهي عدة تمثيليات قصيرة كوميديا ناقدة هادفة مُثّلت تباعاً على مسرح سوق الإنتاج في حلب.

2– ما في حدا أحسن من حدا، وهي فصول ثلاثة بالعامية الحلبية مُثّلت على مسرح سينما نقابة الفنانين.

3– قبل أن يذوب الثلج: تأليف الكاتب المسرحي التركي جواد فهمي باشكوت مترجمة عن التركية بالعامية، أعاد أبو أسامة صياغتها بالعربية الفصيحة، ومُثّلت على (مسرح الشعب) بحلب.

4– الناس بلا الناس: وهي ثلاثة فصول بالعامية الحلبية.

5– الأبله: وهي للكاتب التركي ناظم حكمت، نُشرت في مجلة المعرفة (السورية).

*   *   *

قصيدة الشاعر عبد الحق الهوّاس

وألقى الدكتور الشاعر عبد الحق الهوّاس مقطوعة شعرية حيّا فيها الأديب المكرّم، ثم ألقى قصيدة جميلة بهذه المناسبة، كان فيها منفعلاً حزيناً لما آل إليه وطنه سورية الحبيبة من تخريب، وتمزيق للحمته، ولأرضه التي عدا عليها اليهود، حين اقتطعوا منها الجولان العصي على الأعداء، ففرّط به الحاكم بأمره، وما عانى أبناؤها الأحرار من سجن، وتعذيب، وقتل، وتشرد، وضياع، وكان إلقاؤه إنشاداً رائعاً متوائماً مع الهموم الكبيرة التي يحملها، وتحملها قصيدته الجميلة.

*   *   *

كلمات الحضور والمحتفى به

وتُرك المجال للحضور.

فطالب الدكتور عودة أبو عودة أن تحفظ هذه الحفلات التكريمية طباعة.

وأعربت السيدة هيام الضمرة عن شكرها للرابطة إذ عرّفتها بأديب لامع.

وتحدثت حفيدة الأستاذ أبي أسامة التلميذة نور زيزان مفتخرة بجدها حين قالت: "هذا جدي فهل لكم جدّ مثل جدّي"

وتحدّث غير هؤلاء، كالدكتور مصطفى الفار، والسيد صفوان زيزان، والأستاذ حسان الصفدي، والمهندس الشاعر غازي الجمل.

*   *   *

قصيدة الشاعر محمد غسان الخليلي في حفل تكريم الأديبين الطنطاوي والحسناوي

ثم قام الشاعر الواعد محمد غسان الخليلي فألقى قصائد ثلاثاً فيها حب وتحية للشاعر الأستاذ محمد الحسناوي الذي كرّمته رابطة الأدب الإسلامي في يوم السبت 6/12/2003 وللأديب عبد الله الطنطاوي فأحسن وأجاد صياغة وإلقاءً فقد كان الأستاذان الأديبان يدرسانه في حلب فتركا فيه أثراً إيمانياً طيباً وفكراً أخلاقياً رسم حياته الطيبة.

وتألق الشاعر محمد الخليلي حين ألقى ثلاث قصائد في تكريم الأديبين الطنطاوي والحسناوي عنواناً للوفاء والمحبة لأستاذيه الكريمين، ومن إحداهما بعنوان  " ولد البيان " كانت هذه الأبيات:

ولد البيان بمولد  الطنطاوي

 

وسما القريض بصنعة الحسناوي

يا يوم تكريم الأديب محمـد

 

الشعر فيــه والمديح سماوي

وأبو أسامة في البيان عميدنا

 

وهو المـؤرخ والأديب الراوي

وقال من قصيدة طويلة بعنوان " الفردوس المفقود " بدأها بنسق المقدمات الطللية التي اشتهر بها الشعر العربي القديم، فجاءت معلقة أو هي بنت المعلقة:

ضنـت علـى أدبائها الشـهباء

 

فبكـت عليـهم أنجم وسـماء

قف نبك من ذكرى الحبيب ومنزل

 

إذ جف في جسر الشغور الماء

دار لنا في (ميسلون) تأبــدت

 

وغـدت كرسم شابـه الإعيـاء

درست بلادي وامّـحت عرصاتها

 

لمـا جفـاها العلـم والعلمـاء

عشرون عامـا أو يزيد من النوى

 

متشــردون تشفنــا اللأواء

لقـد اعتصمت بحبل حبك دائما

 

لا تقطعيـــه فالقطيــعة داء

حضنتكم عمان حاضرة الـدنى

 

فهي الملاذ وأمنا المعطـاء

فغدت لكم ظئراً رؤوماً تبتغى

 

والرأم منهجه القويم وفــاء

عمان يا مهوى القلوب تكلمي

 

فاليوم عيد للوفا وثنــــاء

*   *   *

الأخ الأستاذ عبد الله الطنطاوي إنساناً

المهندس محمد عادل فارس  

في مقتبل سن الشباب قرأت فكرة عن مفهوم الشعر للأديب الشهير مصطفى لطفي المنفلوطي، يذكر فيها أن صديقاً له عاتبه على عزوفه عن نظم الشعر، وتوجهه نحو النثر.. وقد أجاب ذلك الصديق بأنه لم يَدَع الشعر على الحقيقة، فالشعر دفق في الشعور، وجيشان في العاطفة، وتذوّق مرهَف للجمال.. وهذا كله مما لم يتخلَّ عنه، فهو ما يزال شاعراً وإن ترك النظم!!

ولعل هذه الروح الشاعرة في نفس أبي أسامة الطنطاوي واحدة من أهم مفاتيح شخصيته فهو شاعر بالفطرة، وهو يذكر أن بعض أصدقائه وإخوانه يأخذون عليه هذه العاطفة التي تصبغ شخصيته. ويقول: وهل هذه مذمّة؟! وما قيمة الإنسان بغير عاطفة جيّاشة؟

تظهر عاطفيته، أو شاعريته، في أنه يحب الصديق فيملأ عليه الحب شعاب نفسه، وشغاف قلبه، ويغضب من أخ فيتكلم عنه بمرارة وأسى، ويتحمس لفكرة فتلازمه في قيامه وقعوده وعلى جنبه.. ولكن مشاعر الحب في الله هي التي تنتصر في نفس أبي أسامة أبداً، وكم من أخ خاصم الأخ الطنطاوي، أو خاصمه الأخ الطنطاوي، حتى يقول الناظر: إن الحبال بين الرجلين تقطّعت، وأن لا تلاقي بينهما.. وما هي إلا سويعات، أو أيام، حتى تطغى مشاعر الحب العميقة في نفس أبي أسامة، وإذا هو يمدُّ حبال المودّة من جديد، ويتكلم عن أخيه بمشاعر الحب العميق الأصيل، وينسى ما كان بينه وبين أخيه من نزغ الشيطان، وتنقشع الغشاوة، كالزبد الذي يذهب جفاء، ويبقى الحب ماكثاً في القلب الكبير.

كنتُ كلما سمعت أبا أسامة يحدّث عن واحد من معارفه وأصحابه، قلتُ في نفسي: لاشك أنه يحدّث عن أحب الناس إليه، وألصقهم به، وأقربهم منه مودّة.. ثم أسمعه يحدّث عن صاحب آخر فأقول: بل هذا هو الأحب إليه، والأقرب إلى نفسه وقلبه.. ثم علمت أن قلبه الكبير يختزن بحاراً لا قرار لها من مشاعر الحب والودّ.

والذي يحضر مجالس الأُنس مع أبي أسامة -وكل مجالسه مجالس أُنس- ويسمع منه الحديث عن أصدقاء الماضي الحبيب: عصام قدسي ومحمود عزيز وعبد الستار الزعيم وعدنان شيخوني وغيرهم.. يرى مصداق هذه الفكرة.

ولقد مرّت غمامة من نزغ الشيطان بين فريق من الإخوة، فإذا هما فريقان يختصمان، كنت في أحد الفريقين، وكان أبو أسامة في الفريق الآخر، وقد تجرّأتُ حينها فبعثت إليه برسالة أعبّر له فيها عن عميق حبي، وعن عظيم ألمي لما رأيته فارقني فيه وفارق أصحابه.

وجرى اتصال هاتفي بيني وبينه بعد أيام قليلة، وتوقعت أن تظهر ثورته ويشتدّ عتابه، فإذا هو يحدثني بنبرته الحبيبة، وعاطفته المشبوبة، ومودته القديمة.. ثم إذا هو بتواضعه الجمّ، وعفويته الصافية، يتكرّم فيأتي لزيارتي، ويمحو ما يمكن أن يكون غشّى قلبي من غبار تجاه أستاذي الكبير.

وليس بعيداً عن هذه الأخلاق العالية أن يتصف الأخ أبو أسامة بالكرم والجود حتى يكون ذلك سجيّة عنده لا تكلُّفَ فيها، وكم حاول بعض الأصدقاء أن ينصحوه بإمساك يده بعض الشيء ليوازن بين ظروف يعيشها، وبين كرم لا حدود له.. فإذا هو ينظر إليهم بإشفاق، ويمضي في طريقه ينفق وينجد، ولا يهمه بعدئذ أن يعاني من ضائقة، أو أن يغرق في دَين:

يلومون ذا الجود في جوده    وهل يملك البحر ألا يجودا؟!

وليس بعيداً عن هذه الأخلاق كذلك، أن يكون أبو أسامة متواضعاً تواضعاً حقيقياً لا تكلف فيه.. ولقد شاء الله أن يضمنا مسكن واحد، بل غرفة واحدة لبضعة شهور. كان ذلك منذ نحو خمس وعشرين سنة، وكان معنا ثلة من الإخوان الأطهار، وكنت من أوسطهم عمراً، وكان أبو أسامة من أكبرنا عمراً وقدراً.

وفي مثل تلك الأجواء تقتضي أخلاق الإسلام أن يقوم الفتيان والشباب بخدمات المكان ويوفّروا على الكبار الجهد، تكريماً لهم، وتقديراً لأسنانهم وسابقاتهم، وكان الكبار يتقبلون ذلك، وهو حقهم الذي لا يلومهم عليه أحد، لكنّ أبا أسامة كان يأبى ذلك على نفسه، ويصرّ على أن يشارك إخوانه الشباب في مختلف الخدمات، وربما كان أنشطهم في ذلك، وكان يكبر في أعيننا ويتعمق حبُّه وتقديره في قلوبنا، ويعلمنا بلسان حاله، أن هذا هو شأن أصحاب النفوس الكبار، ويذكّرنا بموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قام بنفسه ليتناول شيئاً، فلما قيل له: نحن نكفيك ذلك يا أمير المؤمنين، قال: قمتُ وأنا عمر بن الخطاب، ورجعت وأنا عمر بن الخطاب، أي إنه لم يَنْقُصْ ذلك من قدري شيئاً.

ولو اتسع مجال الحديث أكثر لحدّثتُ عن جوانب أخرى كريمة في شخصية الطنطاوي من أمثال ثنائه على أهل الفضل والجهاد والعلم، وإحياء ذكرهم، والتعريف بسجاياهم.. ثم تشجيع السالكين في طريق البر والخير والعطاء، وإن كانوا قليلي البضاعة، لعل ذلك يعينهم على المضي في الطريق ليصبحوا أعلاماً للأمة.

أكتفي بهذا الجزء من الحديث عن الأخ الودود أبي أسامة، وأسأل الله أن يحفظه، وأن يديم عليه القدرة على الإبداع والعطاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                      

*   *   *

عبد الله الطنطاوي كما عرفته

بقلم: طعمة عبد الله طعمة

عبد الله الطنطاوي من أسرة تُعنى بالإمامة، والخطابة، والدين، والعلم، والدعوة في منطقتي (إعزاز) و(عفرين) والمنطقة المحيطة بهما، ولهذا عُرف فرع من هذه الأسرة بالخطيب، وفرع آخر بالشيخ، وفرع ثالث بالطنطاوي. هكذا كنا نسمع من أهلنا، وأبناء قريتنا ومنطقتنا.

أرسله أبوه الشيخ محمود للدراسة في معهد العلوم الشرعية التابع للجمعية الغراء بدمشق، ونال من المعهد شهادتيه: الكفاءة الشرعية، والثانوية الشرعية، بالإضافة إلى الكفاءة العامة، والثانوية العامة اللتين درسهما حراً، ونالهما معاً إلى جانب الشهادتين الشرعيتين.

حتى إذا كنت طالباً في المرحلة الثانوية، تعرفت في حلب، أواخر عام 1964 على الأستاذ عبد الله، فإذا هو مدرس لغة عربية ناجح، وداعية مرموق،  يشار إليه بالبنان.

في أواخر الستينيات، وأنا طالب في الجامعة، أتذكر أبا أسامة بين أقرانه: أحمد حميدة، ومحمد عارف، ومحمد الحسناوي، وغيرهم، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلاً.. ثلّة تجتمع على الخير، وتدعو له.

أتذكّر أنهم كانوا يتدارسون إنتاج الأديب الكبير علي أحمد باكثير، ويعدّون دراسة نقدية عن مسرحه.

أتذكّر أبا أسامة صديقاً صدوقاً للكتب وأصحابها.. أتذكّر، يا أستاذنا، مكتبة عجان الحديد، والأصمعي، والحضارة، وأحمد شامية، والحاج نهاد، وغيرهم..

في أواسط الستينيات أتذكر الأستاذ عبد الله الطنطاوي من أشهر مدرسي اللغة العربية في الشهباء، في أيام تصحيح أوراق الشهادات صيفاً، يتجمع حوله المدرسون في الاستراحات، حتى إذا حان وقت الانصراف مساء، يمّموا وجههم شطر الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون كان يرأسها الطنطاوي، يستمعون لما يُلقَى فيها من شعر، وقصة، وينقدون ما يسمعون ويقيّمون.

في تلك الآونة كان بيت أبي أسامة محجاً للأدباء والشعراء ومحبي الأدب والفن حيناً، وللدعاة وأبناء الدعوة حيناً آخر.

وكان أبو أسامة يوفّق بين هذا وذاك وذلك.. كيف؟ إنها الطريقة الطنطاوية الفريدة، وأعان الله أمَّ أسامة وأولادها، فقد كان أبو أسامة كثير الرماد، لا تنزل قِدْره عن النار.

شاء الله عزّ وجلّ أن يحدث ما حدث في بلادنا، وحطّت بنا الرحال في هذا البلد الطيّب أهله، وعاد أبو أسامة إلى عادته القديمة. وهل يملك تغييرها؟

كان بيته في جبل الحسين كخلية نحل، وهاتفه دائم الرنين، يستقبل ويودّع، مائدة تُرفع، وأخرى تُوضع..

أتذكُر –يا أبا أسامة- صاحبنا أبا مجاهد: الشيخ أبا النصر البيانوني، عليه رحمة الله، يوم قال في ذلك البيت، بلهجته الحلبية المحبّبة:

"أبو أسامة فتح بيته تكيّة"

جزى الله إخواننا في رابطة الأدب الإسلامي هنا على تكريمهم لأخينا وأستاذنا عبد الله، وأسأل الله تعالى أن يكرمه إخوانه وأحبابه في الشهباء، بل وفي (إعزاز) أيضاً.. (إعزاز) القائد أبي عبيدة بن الجراح، و(إعزاز) القائد صلاح الدين الأيوبي، وما ذلك على الله بعزيز،

"إن قلبي بالتلّ تلّ عزاز"         والسلام عليكم ورحمة الله.  

كلمة الأستاذ عبد الله الطنطاوي، في حفل تكريمه برابطة الأدب الإسلامي العالميّة

13/12/2003

فيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الأديب والمربي الأستاذ عبد الله الطنطاوي، في حفل تكريمه الذي أقامته له رابطة الأدب الإٍسلامي العالمية – المكتب الإقليمي في الأردن، في مقرها في عمان يوم السبت الثالث عشر من كانون الأول (ديسمبر) 2003. وعبد الله الطنطاوي هو عضو الرابطة ورئيس رابطة أدباء الشام.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على مصطفاه.

اللهم سدّدني بالإيمان، واحفظه عليّ في حياتي، وعند وفاتي، وبعد مماتي.

يا غافر الذنب، اغفر لي ذنبي.

يا قابل التَّوب تقبَّلْ توبتي.

يا شديد العقاب لا تعاقبني.

يا ذا الطَّول، تطوَّلْ عليّ برحمة من رحماتك.

أيها الإخوة الأحبة؛

أيتها الأخوات الفاضلات؛

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حدّثني شيخ المنشدين، وأستاذ الفنانين في حلب، الشيخ بكري كردي قال:

حدثني أمير البزق محمد عبد الكريم قال:

زرت الفنان الكبير سيد درويش في القاهرة، في بيته المتواضع، وهو الفنان الشهير العبقري، الذي لحّنَ مئات الأغاني والأدوار للفرق المسرحية المصرية والسورية، خلال عمره القصير، الذي لم يتجاوز الحادية والثلاثين، وفي المساء، قال لي سيد درويش:

- قم يا أبا العبد، لنشاهد مسرحية أو أوبريت، تزيح الهمَّ عن القلب.

خرجنا إلى الشارع، ودخلنا دار الأوبرا، وإذا هي تقدّم أوبريت "شهرزاد" من تلحين سيد درويش، فقال لي سيد درويش:

- دعنا من سيد درويش، ولنذهب إلى مسرح آخر.

وإذا المسرح الآخر يقدم أوبريت "العشرة الطيبة" من ألحان سيد درويش أيضاً.

فقال سيد درويش:

- هيا بنا إلى مسرح آخر، ودعنا من سيد درويش.

فخرجنا إلى مسرح الأزبكية، وإذا هو يقدّم أوبريت "كليوباترا" من ألحان سيد درويش، فأمسك سيد درويش بيدي، وانطلق بي إلى الشارع، ثم وضع كفّيه في جيبي بنطاله الفارغين، وأخرج باطنيهما، وهو ينظر إليّ ويقول:

- أرأيت يا أبا العبد؟ القاهرة كلها تسهر على ألحان سيد درويش، وسيد درويش ليس في جيبه ما يكرمك به.

ويتابع أمير البزق حديثه فيقول:

- ثم ما لبث أن توفي الشاب العبقري سيد درويش، فتحدثت عنه الصحافة في إسهاب، وأقيمت السرادقات في القاهرة والإسكندرية وغيرهما بمناسبة أربعينه، وألقيت الكلمات والقصائد، وأقيمت له التماثيل، وتذكرت الحال البئيسة التي كان يحياها، وقلت في نفسي:

- ألم يكن من الأكرم والأجدر، أن تُنفق هذه الأموال على سيد درويش في حياته؟.. إذن.. لعاش عيشة كريمة..

وعلقت على كلام أمير البزق:

يا حسرة على العباد.

هذه واحدة..

والثانية.. أنني كنت مرة في السعودية، وعلمت من الإخوان أن الشيخ عبد المقصود خوجه يرغب في تكريم الشيخ علي الطنطاوي، كعادته في تكريم الأدباء، والعلماء في اثنينيته في جدّة، والشيخ علي يأبى ذلك.

وهذه عادة حميدة لدى بعض أثرياء الخليج، في تكريم العلماء والأدباء والصحفيين ومن إليهم في حياتهم.

زرت أستاذي الرائع الشيخ علياً، تغمده الله بفيض رحمته وعفوه ورضوانه، وسألته:

- لماذا تأبى التكريم يا سيدي؟

أجاب الشيخ:

- تريدني أن أجلس ساعتين، يا عبد الله، أستمع إلى من يتحدث عني؟

تريدهم أن يقصموا ظهري، ويقطعوا عنقي، ويدقّوا رأسي، وأنا أستمع وأنظر؟

ثم أحدَّ النظر إليّ وسألني:

- هل ترضاها لنفسك يا عبد الله؟

فابتسمت وقلت بصدق:

- كنت أظن – يا سيدي – أن أخاكم الشيخ سعيداً (الطنطاوي) وحده الذي لا يحمل "أناه" في عينيه، ولا في قلبه وأذنيه، ولا على لسانه وشفتيه، ولا على صدره وفي نجديه، وإذا الشيخ علي كالشيخ سعيد، خلّف "أناه" وراء ظهره، وأقبل على الناس بوجه، وقلب من عهد الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير.

وسكتُّ هنيهة ثم قلت:

- لستُ وحدي الذي أرضى ذلك يا سيّدي.. فقد رضي به، وجلس واستمع من هو خير مني من العلماء، والشعراء، والمشايخ.. أقبل بعضهم وهو يضمر "أناه" ولا يكاد يبديها، وأقبل سائرهم، وقد كُتبت "أناه" فوق محياه وعلى صدره، وأنا، يا سيدي، أحبُّ الصالحين، ولستُ منهم، و"أناي" أواريها خلف ابتسامات مهرمنة، أجارك الله منها، وغيري قد يواريها بسذاجة ذكية حيناً، وبذكاء ساذج حيناً آخر، وقد يتذاكى ببهلوانية، لا تخفى إلا على ذوي العاهات النفسية، فادع الله لنا، لعلنا نشفى من هذا الداء، فنكون من ميّتيه.

قال – رحمه الله تعالى -:

- دعنا من هذه الفلسفة، وهات حديث الأدب... ترى.. هل لما قلته، دخلٌ فيما نحن فيه، ربما.. أما أنا.. فأردت أن يشاركني فرحتي أستاذاي: الشيخ علي الطنطاوي والشيخ بكري كردي رحمهما الله.

أيّها الأحبة.. أيتها الفاضلات؛

يقول الرسول القائد أستاذ الحياة صلى الله عليه وسلم:

"لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه"

وأنا أحبّ لنفسي فيما أحبُّ: الكرامة والتكريم، وأحبُّهما لكم ولسائر من أحبُّ، ولكنْ.. بلا شطط ولا زهو ولا افتئات، وأدعو:

اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت

خلقتني وأنا عبدك

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت

أعوذ بك من شر ما صنعت

أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي

فاغفر لي

فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

و"الأنا" من جملة الذنوب الخفيّة.

قتلتْ من قتلتْ من عشّاقها.

وأهلكتْ من أهلكتْ

وأودتْ به إلى الجحيم

لأنها كانت عنده أناااااا

ولم تكن "أنَ" من دون الألف المقحمة..

وتسامى بها من تسامى على سحابة من عبير

فأحبَّ لغيره ما أحبَّ لنفسه.

كما أمرنا الرسول القائد أستاذ الحياة، عليه صلوات الله.

ويا ربي..

لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك..

لك الحمد على ما تفضلت به وأنعمت وأوليت..

سبحانك..

لا أحصي ثناء عليك.. أنت كما أثنيت على نفسك

تُرى.. هل أستطيع أن أفي الأحباب حقَّهم! إن قلت:

شكراً لكم أيها الأحباء

شكراً لرابطة الأدب الإسلامي العالمية ممثلة في رئيسها الدكتور: مأمون جرار، وإدارتها الكريمة، ولجنتها الثقافية الواعية

شكراً لسائر أعضائها، وأنصارها، وداعميها..

وخالص الشكر للأحباء الذين كللوني بأكاليل من عبير عواطفهم وكلماتهم اللطيفة..

الشكر للأخ الشاعر المجيد الأستاذ صالح بوريني..

والشكر كل الشكر للأديب الشاعر الناقد الأستاذ: مأمون جرار.

والشكر للأحبة الأدباء: الدكتور الشاعر عثمان مكانسي،

والأستاذ القاص والأديب الإعلامي محمد صالح حمزة،

والأستاذ الداعية الإداري الأديب طعمة عبد الله طعمة،

وللعالم المربي المهندس محمد عادل فارس.

وللشاعر الواعد: محمد الخليلي.

"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ، وأن أعمل صالحاً ترضاه، وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين"، النمل: 19.

والسلام عليكم في الخالدين

19 من شوال 1424 هـ

13 من كانون الأول 2003م

عبد الله الطنطاوي

*   *   *

وقام رئيس فرع رابطة الأدب الإسلامي في الأردن، الدكتور مأمون جرار بإهداء الأستاذ الفاضل المكرّم درع الرابطة مثنياً عليه، داعياً له بطول العمر وحسن العمل.

*   *   *

 

حفل تكريم سعادة الأستاذ عبد الله الطنطاوي

في اثنينيّة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه

كلمة الافتتاح

افتتح عريف الحفل الأستاذ عبد المحسن العتيبي الأمسية قائلاً:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على من بعث هادياً ومعلماً ومبشراً ونذيراً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

أصحاب المعالي أصحاب السعادة أرباب الفكر عشاق الكلمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تزدحم الحياة بالضجيج والصخب.

وتنطلق النفس لاهثة في سراديب الحياة، وعندما تجد هذه النفس المتعبة حديقة نرجس وسوسن ترتمي في أحضانها، كالنسيم تملأ فيه جوفها المزدحم بغبار الزمن.

أهلاً ومرحباً بكل النفوس الزكية سادة وسيدات في حديقة نرجس الفكر وسوسن الكلمة منتدى الاثنينية الثقافي في أمسية يكرّم فيها أرباب الفكر المستنير والكلمة الدالة على الخير حيث يحتفي الليلة منتدى الاثنينية هذا المساء بسعادة الأستاذ عبد الله بن محمود الطنطاوي ونبدأ أيها الحفل الكريم كلمة الدالة على الخير بتلاوة من القرآن الكريم.

(تلاوة مباركة)

السيرة الذاتية

الاسم الكامل: عبد الله بن الشيخ محمود الطنطاوي.

مواليد: بلدة إعزاز التابعة لمحافظة حلب سنة 1355هـ ـ 1935م.

المؤهلات العلمية: كفاءة شرعية وثانوية شرعية من معهد العلوم الشرعية بدمشق.

ـ كفاءة عامة وثانوية عامة.

ـ إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق.

ـ دبلوم الدراسات العليا من الجامعة اليسوعية في بيروت.

الوظائف الرسمية:

ـ مدرس لغة عربية في ثانويات حلب من (1963 ـ 1979).

ـ مسؤول الجمعيات والنوادي في محافظة حلب (1979 ـ 1980).

ـ ضابط مجند ثم ضابط احتياط برتبة ملازم أول في الجيش السوري.

الخبرات العملية:

ـ رئيس رابطة الوعي الإسلامي التي أسسها في حلب سنة 1955 وكان من أعضائها أدباء وشعراء وكتّاب كبار من أمثال الأساتذة:

ـ من سوريا: الشعراء: محمد منلا غزيل ـ محمود كلزي ـ محمد الحسناوي ـ صباح الدين كريدي ـ محمد مرعي مهما ـ إلياس إبراهيم ـ وآخرون.

ـ من السعودية: الأديب الحبيب الراحل أحمد محمد جمال رحمه الله.

ـ من الأردن: يوسف العظم، حيدر محمود ـ د. سفيان التل.

ـ رئيس الجمعية العربية للآداب والفنون بحلب من 1970 ـ 1979. وقدمت فيها عشرات المحاضرات والندوات والأمسيات والمهرجانات الشعرية والأدبية. شارك فيها عشرات الأدباء والشعراء والكتّاب على مسارح المركز الثقافي العربي ودار الكتب الوطنية بحلب وفي مقر الجمعية، وفي سوق الإنتاج بحلب.

ـ معدّ برنامج (أديب من بلدي) في إذاعة حلب.

ـ رئيس تحرير مجلة (النذير) من 1982 ـ 1990.

ـ معدّ برامج في إذاعة بغداد 1982 ـ 1990.

ـ رئيس تحرير مجلة (فراس) للفتيان والفتيات (1995 ـ 1997).

ـ رئيس تحرير مجلة (الروّاد) للفتيان والفتيات (1996 ـ 1998).

ـ عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

ـ مدير عام دار يمان للنشر والتوزيع، ومدير عام مركز يمان للخدمات الفنية والأدبية في عمان منذ 1994 ـ 2000م).

ـ قُدّمت لي على مسارح (الشعب) و (نقابة الفنانين) و (سوق الإنتاج) في حلب خمس مسرحيات باللغة العربية الفصيحة، واللهجة المحلية.

ـ لي ثلاثة مسلسلات تلفزيونية، كل مسلسل في ثلاثين حلقة قُدمت في عدد من التلفزيونات العربية، ومنها تلفزيون السعودية.

ـ أشرفت على عشرات البرامج والمسلسلات التلفزيونية.

ـ لي عشرات البرامج الإذاعية أذيعت من عدة إذاعات عربية.

ـ نُشر لي أربعة وسبعون كتاباً في القصة والرواية والنقد الأدبي والتراجم والتحقيق.

وهي:

ـ في الدراسة الأدبية ـ نقد ـ الطبعة الأولى: 1974 (المكتبة العربية بحلب). الطبعة الثانية: 2001 (دار الضياء في عمان).

ـ في الإنشاء الأدبي ـ الطبعة الأولى: 1974 (المكتبة العربية بحلب).

ـ ذرية بعضها من بعض ـ مجموعة قصصية ـ الطبعة الأولى: 1977 (المكتبة العربية بحلب). الطبعة الثانية: 1982 (دار الفرقان في عمان).

ـ أصوات ـ مجموعة قصصية مشتركة ـ الطبعة الأولى: 1974، ط 2: 1983 (دار الفرقان في عمان).

ـ عظماؤنا في التاريخ ـ جمع وتحقيق وتقديم ـ الطبعة الأولى: 1974 (دار البشير في بيروت)

ـ محمد منلا غزيل ـ سيرة ـ الطبعة الأولى: 1977 (المكتبة العربية بحلب) ط2: 1982 (دار الفرقان في عمان).

ـ دراسة في أدب باكثير ـ الطبعة الأولى: 1977.

ـ الإمام الشهيد حسن البنا ـ الطبعة الأولى: 1984 (مكتبة النذير للأشبال). ط3: 1985 لاهور.

ـ الدكتور الشيخ مصطفى السباعي ـ الطبعة الأولى: 1984 (مكتبة النذير للشبال).

ـ الشهيد سيد قطب ـ الطبعة الأولى: 1984 (مكتبة النذير للأشبال).

ـ الإمام حسن الهضيبي ـ الطبعة الأولى: 1984 (مكتبة النذير للأشبال).

ـ الإمام أبو الأعلى المودودي ـ الطبعة الأولى: 1984 (مكتبة النذير للأشبال).

ـ القائد الشهيد المجاهد مروان حديد ـ الطبعة الأولى: 1984 (مكتبة النذير للأشبال)

ـ المجاهد الشهيد عبد الغني البكار ـ الطبعة الأولى: 1984 (مكتبة النذير للأشبال).

ـ مواكب الشهداء ـ الجزء الأول ـ سير ـ الطبعة الأولى: 1983 (دار النذير).

ـ مواكب الشهداء ـ الجزء الثاني ـ سير ـ الطبعة الأولى: 1985 (دار النذير).

ـ مواكب الشهداء ـ الجزء الثالث ـ مدير ـ الطبعة الأولى: 1985 (دار النذير).

ـ الداعية محمد المبارك ـ الطبعة الأولى: 1986 (مكتبة النذير للأشبال).

ـ عشرة كتب ـ للفتيان ـ تحت عنوان كبير: (حكايات الآنسة إعراب) الطبعة الأولى: 1987 (دار عمار في عمان ودار جروس في لبنان).

ـ الشيعة والتصحيح (باللغتين التركية والألمانية) الطبعة الأولى: 1988 (ألمانيا).

ـ أكل وشرب على مائدة القرآن الكريم (ستة كتب للفتيان) ـ الطبعة الأولى: 1991م. (وزارة الثقافة والإعلام ـ دار ثقافة الطفل ـ بغداد)، ط2: 1992 (دار النور في الجزائر).

ـ القسّام ـ رواية ـ الطبعة الأولى: 1993 (منشورات فلسطين المسلمة ـ لندن).

ـ عشر روايات لأطفال الحجارة ـ مشترك ـ الطبعة الأولى: 1993 (دار يمان ـ عمان).

ـ 26 كتاباً في سلسلة (من نجوم الإسلام، جمعت في أربعة مجلدات كبيرة ـ الطبعة الأولى: 1994 (دار القلم بدمشق ـ والدار الشامية في بيروت).

ـ الوادي الأحمر ـ رواية ـ ط1: 2004 (دار القلم بدمشق).

ـ فلسطين واليهود في مسرح علي أحمد باكثير ـ دراسة نقدية ـ الطبعة الأولى: 1997 (دار القلم بدمشق ـ والدار الشامية في بيروت).

ـ منهج الإصلاح والتغيير عند بديع الزمان النورسي ـ دراسة ـ الطبعة الأولى: 1997 (دار القلم بدمشق ـ والدار الشامية في بيروت).

ـ هكذا يربي اليهود أطفالهم ـ عرض وتلخيص وتقديم ـ الطبعة الأولى: 1997 (دار القلم بدمشق ـ ودار يمان في عمان).

ـ شخصيات وأفكار ـ مشترك ـ مركز الراية بدمشق ط1: 2004.

ـ أنوار رمضانية مشترك ـ 2005 (دار العلوم عمان).

ـ ترجمة بعض أعمالي إلى اللغات التركية، والأوردية، والألمانية.

ـ جمعت وحققت دواوين الشاعر وليد الأعظمي في مجلد كبير، طبع أربع طبعات خلال 2005 (12 ألف نسخة) (دار القلم بدمشق).

ـ شاركت في كتابة 26 موضوعاً في موسوعة الزاد السعودية.

ـ شاركت في موسوعة فلسطين والوعد الحق.

ـ نشرت مئات المقالات التي جمعت بعضها في كتب، وبعضها الآخر مازال موزعاً في الصحف السورية التالية التي بدأت أنشر فيها منذ عام 1953م: (مجلة الشهاب ـ مجلة التمدن الإسلامي ـ مجلة المسلمون ـ مجلة حضارة الإسلام ـ مجلة الإصلاح الاجتماعي ـ مجلة الرقيب ـ مجلة الدنيا ـ مجلة الغدير ـ مجلة النواعير ـ مجلة الغد ـ مجلة السنا ـ مجلة الفداء ـ جريدة الجماهير ـ جريدة النذير ـ مجلة الوعي العربي ـ جريدة التربية ـ جريدة المنار ـ جريدة الأيام ـ مجلة المعرفة ـ مجلة الموقف الأدبي ـ مجلة الثقافة (الأسبوعية) ـ مجلة الثقافة (الشهرية) ـ مجلة السنابل.

وفي مجلتي: الآداب ـ والأديب ـ والمجتمع (لبنان).

ـ وفي الصحف السعودية: مجلة الدعوة ـ مجلة الفيصل ـ مجلة الرابطة ـ مجلة الأدب الإسلامي ـ جريدة المسلمون ـ جريدة المدينة المنورة ومجلة المنار.

ـ وفي الصحف الكويتية: المجتمع ـ الوعي الإسلامي ـ براعم الإيمان ـ النور ـ الخيرية ـ البلاغ ـ الرأي العام.

ـ وفي صحف دولة الإمارات: منار الإسلام ـ الإصلاح.

ـ وفي الصحف العراقية: مجلة المزمار ـ مجلة مجلتي ـ مجلة التربية الإسلامية وغيرها.

ـ وفي المغرب: مجلة المشكاة.

ـ وفي مصر: جريدة الشعب ـ مجلة لواء الإسلام ـ مجلة الدعوة.

ـ وفي بريطانيا: جريدة الحياة ـ مجلة الدعوة ـ مجلة البيان ـ مجلة المسلم ـ مجلة فلسطين المسلمة.

ـ وفي ألمانيا: مجلة الرائد.

ـ وفي الأردن: جريدة اللواء ـ جريدة الرباط ـ جريدة السبيل ـ مجلة الشريعة ـ جريدة الكفاح الإسلامي ـ مجلة السنابل ـ جريدة العرب اليوم ـ جريدة الرأي.

ـ وفي قطر: جريدة الراية.

ـ وفي باكستان: مجلة قضايا دولية.

ـ قدّمت العديد من المحاضرات والأمسيات الأدبية في عدد من المحافظات السورية، وفي بعض البلدان العربية.

ـ كتبت عشرات المقدمات لعدد من الدواوين والمجموعات القصصية والكتب، ولم تُجمع في كتب.

ـ شاركت في عدد كبير من المؤتمرات والندوات في سوريا ولبنان والعراق والأردن والجزائر والسعودية ومصر والسودان والمغرب وتركيا وفرنسا وسويسرا وإيطاليا، وألمانيا، وأوكرانيا وغيرها.

ـ رئيس رابطة أدباء الشام.

ـ رئيس تحرير الموقع الألكتروني (أدباء الشام).

ـ رئيس تحرير الموقع الألكتروني مجلة (الفاتح).

والحمد لله رب العالمين وصلّى الله وسلَّم على سيّدي محمد رسول الله خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه.

*   *   *

كلمة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه

 

أحمدك اللَّهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلّي وأسلّم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين وصحابته أجمعين.

الأستاذاتُ الفضليات

الأساتذة الأكارم

السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته:

فهذه رشقة أخرى من غيمة العطر التي تزين سماءَنا.. فالحمدُ لله على ما أنعم وأكرم، إذ هيأ لنا فرصة اللقاء بعلم من أفذاذ الثقافة والأدب والفكر، الأستاذ الكبير عبد الله بن الشيخ محمود الطنطاوي، الذي نشأ عصامياً متعدد المواهب، لتكبر معه أحلام الطفولة وملاعب الصبا، فيجسدها عبر أكثر من مشروع اكتملت له شروط النجاح بفضل الله ثم ما قدّم من جهود وما بذل من تضحيات، فهو ليس من حملة الألقاب العلمية الكبيرة، لكنه أدلج، وفي الصباح حمد السُّرى.. سعداء أن نرحب به اليوم قادماً خصيصاً من الأردن الشقيق ملبياً دعوة اثنينيتكم التي ما فتئت تمدُّ يدها في كل اتجاه لتحييَ بعض الجهود المخلصة، وأصحاب العطاء المتصل، والنوابغ الذين يحملون شموع التنوير، لا لشيء غير أن يجعلوا الدنيا حولهم أكثر جمالاً وخيراً ورخاء وإعماراً كما أرادها الحق سبحانه وتعالى.. فمرحباً به بين أهله وأصدقائه وعارفي فضله.

إنَّ احتفاءنا الليلة بهذا العلم الكبير يتجاوز شخصه النبيل إلى رمز أكثر التصاقاً بكثير من تيارات واقعنا المعاش، فضيفنا الكريم أبصرَ النورَ في زمنٍ أدركَ مجايلُونا معنى (فكّ الحرف) في كثير من الدول العربية التي اكتوتْ بنير المستعمر، فتح عينيه على بلد أو بالأحرى بلدان، انكفأت على ذاتها تجتر ألق الماضي وذكريات البطولات على حلقات تحكي قصة الزير سالم وعنترة بن شداد، أو تنشد أشعاراً تستلهم الماضي دون أن تدرك حقائق الحياة على الأرض، وكيفية التعامل مع معطيات العلم التقني.. زمن كان المذياع يمثل معجزة في كثير من القرى والبلدات، وهذا ينسحب على الكهرباء، والسيارات، وشبكات المياه، والهاتف، وغيرها من أساليب الحياة العصرية، زمنٌ حكمته البراءة، وتأصلت فيه القيم الجميلة والمثل العليا.. بيد أن التعليم عبر مختلف قنواته كان في أضيق نطاق ممكن، وقد تزامنت سنة ميلاد ضيفنا الكريم مع إصدار سيدي الوالد وصديقه معالي الشيخ عبد الله بلخير (رحمهما الله) كتابهما الشهير((وحي الصحراء)) عام 1355هـ/1936م، وهو زمنٌ عزّ فيه طلب العلم فكيف بالنشر بمعناه الحضاري المتعارف عليه؟

من تلك البدايات التي تفتقت عن ولع شديد لفارس أمسيتنا بالحرف، استطاع أن يشق طريقه في حقل الدرس والتحصيل وفق الإمكانات المتاحة، وعندما أنهى مرحلة الدراسة، وما أقصرها، لم يجد ما يربطه بهذا العالم الذي أحبه غير أن يعمل في مجال التدريس ليستمر في استنشاق عطر الحبر والورق، اللذين سعدتُ باستنشاق عبيرهما، ويجريان في دمي من الوريد إلى الوريد، ولا يزالان، فأنا ابن هذه المهنة ولم أزل، وإن اختفى هذا العبير سنوات طويلة في تاريخ الكثيرين، منذ عرفوا انتشار القلم الجاف، والورق المصقول، لكم دينكم ولي دين.

ثم استمر ضيفنا ينحت في الصخر، ويشرئب نحو الغد الواعد، وفي حلب الشهباء كانتْ له حركة تنبض بالحياة في بيئة نشطت أوصالُها لتشكل مجموعاتٍ من الأدباء والصحفيين والفنانين والإعلاميين.. فلمْ يتوانَ عن بذل جهود غير عادية ليتواصل مع كثير من تلك الفعاليات ويتمكّن من توزيع طاقاته المتجددة في كثير من أعمالها ونوافذ عطائها الخيِّرة.. الأمر الذي مكنه من تولِّي رئاسة الكثير منها، فوجد ضالته في نشاطات تتضمن الثقافة والأدب والفكر.. وقد كان لهذا النسيج الفريد انعكاساته الإيجابية على مستقبل حياته الأدبية والإبداعية.

انغمس ضيفنا الكبير في تلك الأجواء المشبعة بالأزاهير المتعددة الألوان، ومثل نحلة هزّها الشوق إلى رحيق حان قطافه، نهل أستاذنا الكبير من كلِّ طيف ورشَف من كل نبع.. فتجمعت لديه حصيلة وافرة من المعارف والثقافات المتعددة، فأفرزها تباعاً في كتب متعددة تجاوزت السبعين مؤلفاً، تراوحت بين الرواية، والسيرة والتراجم، وكتب للفتيان والأطفال، والدراسات النقدية، بالإضافة إلى النشاطات الإذاعية، والإسهام في بعض الأعمال البحثية المرتبطة بموسوعات لاقت قدراً من الذيوع والانتشار مثل موسوعة فلسطين والوعد الحق، وموسوعة الزاد السعودية، ومئات المقالات التي نشرت في مختلف الصحف والمجلات العربية والأوروبية.

ولم تعد حلب الشهباء تمثل ذلك الحضن الدافئ الوحيد الذي استقطب نشاط ضيفنا الكريم، فانطلق منها مدفوعاً بحب المعرفة والعلم ليجوب الآفاق زائراً ومشاركاً في كثيرٍ من المؤتمرات واللقاءات الأدبية، إلى أن ألقى عصا الترحال في الأردن الشقيق كمحطة في مشوار كفاحه الذي نتمنى له المزيد من التألق والنجاح.

مرة أخرى نرحب جميعاً بضيفنا الكريم، متطلعاً أن نسمع منه المزيد عن مشاريعه وآماله وأفكاره، وما يعتمل في نفسه لما فيه خير الأمة، سعداء أن نكون بمشيئة الله يداً واحدة تعزز تضامنها لمزيد من العطاء.

وكما بدأت ((الاثنينية)) مشوارها منذ بدء هذا الفصل بتشرفها برعاية شخصية من ذوي الفضل الذين تواصل برّهم نحوها، فيسعدنا أن يرعى هذه الأمسية معالي الأخ الكريم/الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي، مدير جامعة أم القرى السابق، وعضو مجلس الشورى سابقاً.

آملاً أن نلتقي الأسبوع القادم لتكريم الأستاذ الدكتور سيد محمد ساداتي الشنقيطي، أستاذ الإعلام الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الذي صدرت له مجموعة كاملة لأكثر من عشرين مؤلفاً حول الإعلام الإسلامي، بالإضافة إلى أحد عشر كتاباً بعضها تحت الطبع في باب ((علوم القرآن الكريم)) وتسعة كتب في باب ((الدعوة والثقافة الإسلامية)).. كما حصل على إجازات في القراءات العشر، وإجازة في قراءة حفص.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به وبجمعكم الكريم.. وإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير..

*   *   *

 

كلمة راعي الأمسية معالي الأستاذ الدكتور سهيل بن حسن قاضي

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات الأخوة والأخوات، الحفل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

تسير الاثنينية على خطى ثابتة في رعاية وتكريم رجال العلم والأدب والصحافة والثقافة وكما تعلمون يبذل الأخ الكريم الشيخ عبد المقصود خوجه جهداً مقدّراً في هذا الإطار نسأل الله أن يديم عليه التوفيق ويبارك في خطاه اليوم يتجدد اللقاء ويحتفل أحد فرسان الاثنينية بالكلمة في التربية والأدب والإعلام سعادة الأستاذ الأديب عبد الله طنطاوي، ضيف هذه الليلة رجل متعدد المواهب كما هو ملاحظ في السيرة الذاتية المختصرة التي جاءت إلينا واستوقفتني إصدارات الضيف في مجالات الرواية والنقد الأدبي والتراجم والتحقيق، فضلاً عن مقالاته العديدة وأعماله التلفزيونية المسرحية والإذاعية ولا ينبغي في هذه المناسبة أن ننسى أن ضيفنا هذه الليلة وبما حباه الله من ثقافة إسلامية واسعة ومكانة أن يتبوأ مراكز ثقافية متنوعة في الساحة العربية والأجنبية. وأود في هذه العجالة أن أحيّي ضيفنا الكريم على عنايته بأدب الطفل وهو ميدان لم يدخله إلا القليلون، وكان الأستاذ الطنطاوي بين الروّاد في هذا المجال فلا أريد أن أستأثر بالحديث عن الضيف الكريم بكلمة من صاحب الاثنينية بكلمته الضافية عن الضيف الكريم بما هو أهل له.

ولعلّكم جميعاً في شوق للاستماع إلى ضيف الاثنينية وهو صديق قديم لهذا الوطن ساهم في التدريس الجامعي في إحدى مؤسسات التعليم العالي في وطننا العزيز أهلاً وسهلاً بالضيف العزيز وبكم.

*   *   *

كلمة سعادة الأستاذ عبد الله بن الشيخ محمود الطنطاوي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على مصطفاه، وعلى كل من أحبّه واهتدى بهداه.

اللَّهم أنت ربي

لا إله إلا أنت

خلقتني وأنا عبدك

وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت

أعوذ بك من شرّ ما صنعت

أبوء لك بنعمتك عليّ

وأبوء بذنبي

فاغفر لي

فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت

سبحانك

إني كنت من الظالمين

وإن لم تغفر لي وترحمني وتتب عليّ يا ربي

أكن من الخاسرين

أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به وله الظلمات

وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة

أن يحلّ بي غضبك

أو ينزل علي سخطك

لك العتبى حتى ترضى

ولا حول ولا قوة إلا بك

أجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة

يا أرحم الراحمين

*   *     *

معالي الشيخ الجليل، الأستاذ الكبير: السيد عبد المقصود خوجه.

راعي هذه الاثنينية البديعة في بابها، تأسيساً، وتطويراً..

النبيلة في غاياتها وأهدافها القريبة منها والبعيدة..

منذ انطلقت في جبر خواطر من لا يجدون جابراً لخواطرهم، بعد أن لحقتهم حرفة الأدب، أو لحقوا بها، في عصر ثقيل الوطآت على الروح الإنساني، بمادياته الطاغية، بألوانها القاتمة.. جاءت هذه الاثنينية وأخواتها، إن كان لها أخوات وأخوة، لتقول كلمة حنان في آذان طال ما تطلعت إليها، إلى سماعها، مخافتاً بها، إن لم يمكن الجهر..

معالي الشيخ الجليل..

أيها السادة الأحباء

أيتها السيدات الفضليات

حدَّثني شيخ الفنانين في حلب الشهباء، الأستاذ بكري كردي قال:

حدَّثني أمير البزق، محمد عبد الكريم قال:

زرت الفنان الكبير، الشيخ سيد درويش في مصر، قبيل وفاته، في منزل شديد التواضع، وفي المساء قال لي سيد درويش:

ـ هيا بنا نخرج، لنسهر حيث يحلو السهر.

ذهبنا إلى دار الأوبرا، وإذا هي تقدم أوبريت من ألحان سيد درويش.

فقال لي سيد درويش: دعنا من سيد درويش، ولننتقل إلى الأزبكية.

وإذا الأزبكية تقدِّم عملاً فنياً من ألحان سيد درويش، فقال لي سيد درويش:

دعنا من سيد درويش، ولنذهب إلى مسرح آخر، فخرجنا، وتنقَّلنا بين عدة مسارح، وكانت كلها تقدِّم أعمالها الفنية بألحان سيد درويش.

قال الراوي محمد عبد الكريم:

ـ وقف سيد درويش، ونظر إليّ في أسى وقال:

ـ أرأيت؟ مصر كلها تسهر على ألحان سيد درويش، وسيد درويش لا يجد في جيبه ما يكرمك به أو يعشِّيك.

ووضع سيد كلتا يديه في جيبي بنطاله، وأخرج بطانتيهما، وإذا هما فارغتان.

أيها السادة والسيدات..

قد تكون هذه البداية محزنة، ونحن نريد إدخال السرور والبهجة إلى نفوسكم، فقد تركنا أحزاننا خارج سور هذه الدارة العامرة بصاحبها وأهلها الكرام، المعمورة بروّادها الأفاضل، وأنتم منهم، ولكني أردت أن أقول:

أما كان الأجدر بأهل مصر الذين أقاموا سرادقات العزاء في أربعين سيد درويش، في القاهرة والإسكندرية وسواهما، وأحيوا ذكرى رحيله مرات ومرات، ونصبوا له التماثيل، وأطلقوا اسمه على عدد من الشوارع، والمنتديات، والمسارح..

أقول؛ أما كان الأجدى على ذلك الفنان الكبير أن ينفق عليه في حياته، ليحيا حياة كريمة، من أن تنفق تلك الأموال في غير طائل بعد وفاته؟

هذه الاثنينية لاحظت هذا المعنى، عندما شرعت تكرّم من هو أهل للتكريم، ولست منهم، في حياتهم.. جهر راعيها بكلمات حبيبة تغسل أحزان تلك النفوس التي لا يتطلع ذووها إلا إلى تلك الكلمات، حتى لو كانت مهموسة..

حضرت مرة محاضرة قيّمة لأستاذ مفكر مؤرخ أديب، وبعد الانتهاء من محاضرته، امتدت الأيدي تطلب الكلام لألسنة ماضية حداد، فنهضت واقفاً، وصحت بهم من دون استئذان:

ـ يا ناس.. يا هو.. ماذا دهاكم؟ ألا يستحق هذا الأستاذ الكبير كلمة شكر، كلمة فيها حنية؟ أم أن هذه الألسنة خلقت لغير هذا؟

بعد أن خرجنا من المحاضرة، تنفّس الأستاذ المحاضر الصعداء، كما يقولون، وقال:

ـ والله ما كنت أنتظر أكثر من كلمة فيها حنّية، كما تقول.

أيها السادة.. أيتها السيدات..

يا ليت أثرياء العرب، يثرون العلم والأدب، ويشجعون العلماء والشعراء والأدباء والمفكرين والفنانين الأصلاء، بمثل هذه الاثنينية الرائدة، التي تجاوزت (يوبيلها) الفضيّ، ونرجو لراعيها أن يشهد (يوبيلها) الذهبيّ إن شاء الله، ممتّعاً بالصحة والعافية والصالحات من الأعمال.

معالي الشيخ الجليل

أيها السادة الأفاضل

أيتها السيّدات الفضليات

إني لأجلس أمامكم، وفي المكان الذي جلس فيه وحاضر عدد كبير من أفاضل العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين، ومنهم عدد من أساتذتي:

الشيخ الجليل فقيه عصره: مصطفى الزرقا

والمحدّث الجليل الشيخ عبد الفتاح أبو غدّه

والشاعر الكبير حبيب الملايين: عمر بهاء الدين الأميري

والسياسي البارع الدكتور معروف الدواليبي

والعالم المثير للجدل، الكريم ابن الكرام: زهير الشاويش

وغيرهم وغيرهم من العمالقة من مختلف أقطار العروبة والإسلام.. جلسوا في هذا المجلس، وأسمعوكم ما لذّ وطاب وأجدى وأغنى..

إني لأستميحهم من مجلسي هذا الذي ما كان لي أن أجلسه، لولا الامتثال الذي هو خير ألوان الأدب، لمن لا يردّ له طلب، ما دام في مرضاة الله، ومن أجل التخفيف من متاعب الحياة على عباد الله، في هذه الظروف الصعبة التي نحياها، بما فيها من آلام مشوبة بآمال لا تقلّ عن تلك الآلام..

أيها الأحباب..

حديث النفس ثقيل.. ثقيل على المتحدث، وثقيل على السامع.. ولكن.. ما فائدة هذا الكلام يا عبد الله، ما دمتَ مقبلاً عليه غير مدبر، وطوال آلاف الثواني؟

هذا صحيح، ولكني أرجو أن أكون خفيف الظل فيما سأروي من بعض ذكرياتي، مما أظنه من أدب الوقت لهذه الأمسيّة اللطيفة، في هذا الجو الناعش، وأمام أصحاب هذه الوجوه الصِّباح، والقلوب الوضاء..

يعني.. سوف يكثر على هذا اللسان، الذي أرجو ألا يكبّني بحصائده على وجهي يوم لا ينفع مال ولا بنون..

أقول: سوف يلوك هذا اللسان ضمائر المتكلم البارزة، المنفصلة منها والمتصلة، والمرفوعة منها والمنصوبة والمجرورة، ولن يغفل الضمائر المستترة خلف كواليس تواضع مدَّعى.. ليس في اليد حيلة، ولولا ذلك، ما كانت سيرة وما كانت ذكريات..

ولكنني أعدكم، ووعد الحرّ دين، أنني إذا رأيت منكم انصرافاً عما أقول، فسوف أبتلع الكثير من الكلمات، وأطوي سجل بعض الحكايات، وأبقي على القليل الذي لا يؤذي بإطناب، ولا يخل في إيجاز.

الجذور:

ولدت في بلدة إعزاز، وهي مدينة صغيرة جميلة، هواؤها بليل، وجوّها نقيّ، ومياهها عذبة، وأرضها طيبة، تحفها بساتين الكرز، والتفاح، والخوخ، وكروم التين والعنب والفستق الحلبي، وعشرات آلاف أشجار الزيتون والجوز واللوز والسفرجل، وفي وسطها تل أثري يدعوه أهلها بالقلعة، وفيه تعرّض البطل صلاح الدين للاغتيال على أيدي الحشاشين.

وتقع شمالي حلب على بعد أربعين كيلاً، بالقرب من الحدود التركية ترتفع عن سطح البحر 400م، تشتهر بأجبانها، ومعاصر الزيتون، الحجرية والحديثة، وزيتها من أطيب الزيوت في العالم.. ولكن.. مالي ولهذا؟ إلا إذا كنت أريد القول:

إنني عشت طفولتي في جواء الجمال.

كان أبي تاجراً متواضعاً، وكان شيخاً معمماً، يحرص على تربيتنا تربية إسلامية، فكان يوقظنا لصلاة الفجر، حتى في أربعينيات الشتاء القارس، ويأخذنا إلى المسجد القريب من بيتنا، وأحياناً ـ في غير أيام الأمطار والثلوج والبرد الشديد، كان يصطحبنا إلى الجامع العمري الكبير في وسط المدينة، وكان الشجار يحتدم بينه وبين أمّنا الرؤوم الحنون، كانت تخاف علينا من البرد والمرض، وكان يحرص على أن نكون أشدّاء في مواجهة الأعاصير، رجالاً وإن كنا دون العاشرة من العمر، يريد أن تكون قلوبنا معلّقة في المساجد، وقد كان له بعض ما أراد من أكثر أولاده، بنين وبنات.

كان يتوسّم فيّ الخير، ربما لأنني أخذت اسم أخي الذي توفي وهو في الثالثة، وكان يحبّه حباً جماً، ويصطحبه معه إلى السوق، والمسجد، وعندما توفي، وجئت بعد أيام من وفاته، أسماني عبد الله، وحللت محلّه في دائرة النفوس، وفي قلبه معاً.

كان يرسلني إلى الكتّاب لحفظ القرآن وتعلّمه، في أيام العطل المدرسية، وعندما صرت إلى الصف الثالث الابتدائي، وضعني في مدرسة صيفية، أتلقى فيها دروساً في النحو، والتجويد، والإنشاء، وحفظ ما يتيسر من القرآن الكريم، ومن الحديث الشريف، وكان شيخ المدرسة الصيفية عالماً جيداً، وكان إمام الجامع العمري الكبير وخطيبه، وكان يدرس فيه، وأثناء الدرس يطلب مني أن أنهض لأستشهد بآية أو بحديث أو بشيء من الشعر على صحة ما يقول، حتى صار الناس يدعونني بالشيخ عبود.

وقد أفدت من شيخ هذه المدرسة، واسمه الشيخ مصطفى ياسرجي، ما حبّبني بالعلم الشرعي وبالأدب معاً.

وعندما نلت الشهادة الابتدائية ـ السرتفيكا ـ وجّهني أبي إلى الكلية الشرعية ـ الخسروية ـ بحلب، ولكن.. شاء القدر أن أذهب مع صديق لي إلى دمشق، وأتقدم إلى مسابقة كان يجريها معهد العلوم الشرعية التابع للجمعية الغراء، وأن أكون الأول بين المتسابقين، وأن أمضي سنوات دراستي الإعدادية والثانوية في هذا المعهد الكريم، وأن أتعلم وأتربّى التربية العربية الإسلامية على أيدي جلة من علماء دمشق الأبرار الأطهار.. كان مديرنا الشيخ أحمد الدقر، ابن العلاّمة الواعظ المؤثر الشيخ علي الدقر، صاحب أكبر نهضة علمية في بلاد الشام. وقد أفدت منه النظام والحزم.

وأفدت من الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت، التلاوة الصحيحة لآي الله، ومخارج الحروف.

وأفدت من الشيخ أحمد المنصور المقداد، الكثير من الفقه الشافعي، فقد كان الشافعي الصغير.

وأفدت من العلاَّمة الشيخ نايف عباس، حبّ المطالعة، والجدّ والاجتهاد في طلب العلم.

وأفدت من الشيخ المجاهد عبد الكريم الرفاعي، كلّ خلق كريم يليق بالشاب المسلم.

وأفدت من الشيخ خالد الجباوي الكثير من علم النحو، وهذا الشيخ كان آية في علم النحو، كما وصفه الشيخ علي الطنطاوي الذي استمع إليه ساعة، وخرج بهذا التوصيف.

وأفدت من المفسّر المحدّث الشيخ عبد الرحمن الطيبي الزعبي شيئاً من علوم التفسير والحديث ومصطلحه.

وأفدت من الشيخ عبد الرؤوف أبو طوق فن الخطابة، فقد كان خطيباً مفوهاً، وكان يدرسنا فن الخطابة.

وأفدت من الأستاذ الدكتور محمد خير عرقسوسي شيئاً ضحلاً من حب الفلسفة وعلم النفس.

وأفدت من الأستاذ الدكتور الشيخ محمد أديب الصالح، ـ وهو آخر من بقي على قيد الحياة من مشايخي رحمهم الله، ومد الله في عمره، وآتاه ما يؤتي العلماء الصالحين من العمل الصالح، والعلم الذي ينتفع به ـ أفدت منه علماً، ودعوة، وسلوكاً، وهو ممن حببني بالأدب.

وأفدت من العالم اللغوي النحوي الأديب الشيخ عبد الغني الدقر، حب اللغة والأدب، وحب الدعابة في غير تبذُّل أو شطط.

وتعلمت من مشايخي هؤلاء جميعاً أن ما يميز المسلم، استقامته، ووعيه، ونزاهته، وزهده، وتواضعه في غير اتّضاع.

كانوا علماء أجلاء، ما عرفوا في دنياهم غير العبادة والعلم وإرشاد الناس إلى الطريق المستقيم.. رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.

ملامح وإضاءات:

من الذين حببوني بالأدب، والدي الشيخ محمود رحمه الله رحمة واسعة، فقد كان يأمر أخي الذي يكبرني ببضع سنين، أن يقرأ لنا، في ليالي الشتاء الطويلة، شيئاً من سيرة الملك الظاهر بيبرس، وكان يجتمع في بيتنا بعض أصدقاء الوالد، فيتناقشون فيما يقرأ أخي في تلك السهرة، وكنت أشعر بسعادة غامرة، وكانت أمي ترسل في طلبي لأنام مبكراً، فأتمنَّع، وأنا أنظر إلى أبي، نظرات راجيات، ولكنه كان يشير إليّ، أن أسمع كلام أمك، واذهب إلى سريرك، فأذهب، ولكني كنت أقرأ ما فاتني سماعه في اليوم التالي، وهكذا سمعت وقرأت هذه السيرة الشعبية في المرحلة الابتدائية.

وعندما ذهبت إلى دمشق، ازداد تعلّقي بالقراءة، وكنت أشتري ما أستطيع من سلسلة (إقرأ) التي تصدرها دار المعارف بمصر، وسلسلة الكتاب الذهبي.. قرأت توفيق الحكيم، وعلي أحمد باكثير، وعبد الحميد السحار، وأمين يوسف غراب، وبعض أعمال طه حسين، وسيد قطب، وسواهم، في المرحلتين: الإعدادية والثانوية.. وكنت أشتري مجلة الرسالة للزيات، ومجلة المسلمون لسعيد رمضان، وكنت أكتب في المجلات السورية الأسبوعية وأنا تلميذ في الصف الثالث الإعدادي، ثم تجرأت فكتبت مقالاً بعنوان (النفاق الاجتماعي) وأرسلته إلى مجلة التمدن الإسلامي، وكانت مجلة راقية، يرأس تحريرها الأستاذ الأديب الشاعر الوزير لاحقاً: أحمد مظهر العظمة، رحمه الله رحمة واسعة.

كنا جلوساً ننتظر مدرس مادة التعبير الشيخ فلاناً، رحمه الله، وعندما دخل الشيخ صحت في الطلاب: قيام.. فقام الجميع له.

دخل الشيخ متجهم الوجه، وكان يحدّ النظر إليّ، وكان قد وضع أصبعه في وسط مجلة التمدن الإسلامي، وبعد أن أمرنا بالجلوس، وجلسنا، أمرني بالخروج من الصف. سألته: لماذا؟ فقد كنت محبوباً لدى أساتذتي جميعاً، وكنت الأول على صفي دائماً، وكنت عريف الصف، ولم أذنب حتى يخرجني، فقال لي آمراً:

ـ اخرج يا غشاش.

فسأله زميلي الذي يجلس بجانبي، وكان كفيفاً:

ـ وكيف عرفت أنه غشاش يا أستاذ؟

فقال له الشيخ وهو يفتح المجلة عند الموضع الذي كان يضع أصبعه فيه:

ـ انظر يا أعمى البصر والبصيرة.. لقد كذب على المجلة، وزعم لها أنه أستاذ، فكتب مقاله السخيف هذا (النفاق الاجتماعي) بقلم الأستاذ عبد الله محمود الطنطاوي..

عندما سمعت هذا الكلام، مددت يدي إلى المجلة، وخطفتها من يد الأستاذ، وخرجت من الصف، والأستاذ ذاهل عما أفعل.

وطلب الشيخ معاقبتي، فعاقبني المدير بحرماني من الطعام أسبوعاً كاملاً.

وفي المساء، طلبت الإذن من الناظر الليلي من أجل العشاء، فأذن لي.

معهدنا في شارع النصر ـ لمن يعرف منكم دمشق ـ ملحق بجامع تنكز، ومجلة التمدن الإسلامي في باب الجابية.. يعني.. كانت قريبة من المعهد.

دخلت على رئيس التحرير الأستاذ الرائع أحمد مظهر العظمة، وسلَّمت عليه، فردَّ السلام، وبقي مكباً على أوراق بين يديه يقرؤها.

قلت له: عفواً أستاذ.. أنا مستعجل.

رفع رأسه، ونزع نظارته عن عينيه. ووضع طربوشه الأحمر على رأسه، وابتسم وقال:

ـ تفضل. ماذا تريد؟

قلت له: عندما أرسلت إليكم مقالي عن النفاق الاجتماعي، هل كتبت لكم: بقلم الأستاذ عبد الله.

سألني: من أنت؟

أجبت: أنا عبد الله محمود الطنطاوي.

سأل في دهشة: أنت كاتب المقال؟

ـ نعم..

نهض الأستاذ، واقترب مني، وسلَّم علي من جديد وهو يسأل:

ـ في أي صف أنت؟

ـ في الصف العاشر..

وحكيت له ما كان من أمر الشيخ معي..

ومن هنا بدأت صلتي بهذا الأستاذ الكبير الذي حل لي مشكلتي مع المعهد، وأصر أن يكتب أمام اسمي كلمة أستاذ، لكل قصة أو مقال كنت أرسله إليه.

ولهذا الأستاذ الرائع أفضال علي، لا أنساها ما حييت، فقد أخذ بيدي، وشجعني، وأنار أمامي السبيل، ولكن.. كان له موقف من القصة جعلني أتراجع خطوات في كتابتها، فقد كان يلح عليّ ألا أكتب إلا القصة التاريخية، أو الواقعية الحقيقية، وابتعد عن المتخيلة، لأنها مدعاة إلى الكذب، بل هي الكذب نفسه.

ذكرياتي مع هذا الإنسان العظيم لا تنتهي، ولديّ مشروع كتاب عنه إن شاء الله.

وقد شجعني ما ألقاه من قبول لديه، إلى كتابة رسالة إلى الأديب الكبير علي الطنطاوي الذي كان يشرف على باب البيان في مجلة المسلمون، وكانت بعنوان: من الطنطاوي الصغير إلى الطنطاوي الكبير، قلت له فيها:

(محالاً نحاول والله، إذ نريد أن نتصل بأستاذنا الأديب الكبير علي الطنطاوي، وعبثاً نفعل إذ نغالط الحقيقة فنقول: سننهل ونعبّ من ينبوعه الثر القراح.. لأنه أضن من أن يعير معتفي أدبه التفاتة.. ويحق له أن يضن، فمن هم هؤلاء القرّاء الذين (يأخذون المجلة ليمروا عليها نظرة مسرعة، وهم راكبون في الترام، أو منتظرون الطعام، أو متهيئون للمنام، فلا يحاولون أن يستمتعوا بها أو يستفيدوا منها، بل يحاولون انتقاصها وتجريح صاحبها) حتى يرنو إليهم ولو من وراء سجف صفيق؟! أليس كذلك يا أستاذي القدير؟

بالأمس طلعت علينا (المسلمون) بكلام طويل عريض يعتذر فيه فضيلة الأستاذ لأخيه المدرس (حسني)، ولكنه اعتذار أقبح من ذنب ـ كما يقولون ـ كيف لا؟ وإني ألمح خلال هذا الاعتذار كسلاً يشرئب عنقه، ويتطاول على أصابع رجليه.. فإن كانت مجلة (المسلمون) لا تشبع رغباته، ولا تفسح له من صدرها، فليكتب فيها ما تشتهيه، وليعر مجلة (الشهاب) وغيرها من المجلات الأدبية التفاتة خاطفة. وأظن أن هذا العمل ليس رجساً من عمل الشيطان يتأثم من فعله أستاذنا الكبير.. ثم ألا يرى معي أستاذي أن شبابنا اليوم في مسيس الحاجة إلى كتب أدبية حقاً تنمي عقولهم، وتوسع مداركهم، في عصر سادت سوقه كتب خليعة داعرة، ليس لها من الأدب إلا قشوره المزرية، ينبو عنها الذوق السليم، ويمجها من له أدنى مسكة من أدب أو أخلاق أو دين!!..

ظاهرة غريبة والله هذه التي تطغى في سوق الأدب اليوم ـ وإن كان الأدب منها براء ـ وظاهرة أغرب، هي هذا الكساد والخمول في سوق الأدب ـ الحق ـ الذي وأده ذووه ولما يستوِ على سوقه..

ما كان ضرك ـ يا أستاذي ـ لو جمعت لنا تلك الكلمات المبثوثة في (الرسالة) و (المسلمون) وغيرهما؟ وما ضرك لو أعدت طبع (من البلاد العربية) و (من التاريخ الإسلامي) وغيرهما؟!

)حي على العمل. حي على العمل يا أستاذ!!(.

*   *     *

ونشرت في مجلة المسلمون، في العدد الثامن ـ كانون الأول 1955 فازددت ثقة بنفسي، فمجلتنا التمدن الإسلامي والمسلمون، لا يكتب فيهما إلا جهابذة الكتَّاب في الوطن العربي والعالم الإسلامي، فأرسلت مقالاً إلى المسلمون بعنوان: تنبيهات صرفية، ونشرته المسلمون، فخفت على نفسي من الغرور، والغرور هبة الله للنفوس الصغيرة ـ وتوقفت عن الكتابة في هاتين المجلتين الكبيرتين، واقتصرت في النشر على المجلات الأسبوعية، والصحف اليومية، وكانت بالعشرات، وهذا ما لم يروقَ لأستاذي العظمة، فقد رأى تراجعاً في أسلوبي الأدبي، ونصحني بقراءة الرافعي والعقاد وسيد قطب، ونهاني عن أدب المهجر فهو ضعيف، وعن الأسلوب الصحفي.

رابطة الوعي الإسلامي:

في شهر ذي القعدة عام 1375هـ أسسنا رابطة الوعي الإسلامي نحن الثلاثة: محمد منلا غزيل، ومحمود محمد كلزي، وعبد الله الطنطاوي كنا في الصف الأول الثانوي، وأسندوا أمانتها إليّ، وكانت ذات طابع أدبي، ولعلّها أول رابطة تدعو إلى الأدب الإسلامي في الوطن العربي، وقد انتسب إليها أدباء وشعراء كبار من عدد من البلدان العربية، ومنهم الأستاذ الجليل أحمد محمد جمال، رحمه الله تعالى، من السعودية، وأرسل إلي رسالة لطيفة يدعوني فيها إلى الحج، ومن أجل أن نتباحث في شؤون الرابطة، فاعتذرت بصغر سنّي، فأهلي لا يسمحون لي بالسفر، فأجابني الأستاذ جمال برسالة تفيض رقة و.. دهشة من أن أكون في السابعة عشرة، ولي هذا العقل وهذا الأسلوب، وصار يرسل إلي بعض الصحف والمجلات السعودية، التي يكتب فيها، كمجلة الحج، وجريدة الرياض، وسواهما..

وكان لرابطة الوعي مناشطها المتميزة في الصحف والمجلات السورية، والأردنية، واللبنانية، وكانت لها صفحات مستدامة في عدد من الصحف والمجلات، كنت أشرف عليها، ودخلنا (معارك) أدبية مع بعض الكتّاب والكاتبات، وصارت أسماؤنا معروفة، وكذلك اسم الرابطة.

وبقيام الوحدة المصرية السورية توقّف نشاط الرابطة، وحلّت نفسها كما حلَّت الأحزاب والجماعات نفسها، نزولاً عند شرط جمال عبد الناصر.

ولنا ذكريات وذكريات في عملنا في هذه الرابطة.

مع الكبار:

مرحلة دراستي الإعدادية والثانوية في معهد العلوم الشرعية بدمشق، كانت مرحلة غنية، فقد كانت المكوّن الأهم في حياتي الأدبية، والثقافية، والسلوكية..

كانت صلتي المباشرة مع مشايخنا الأجلاء، قد أكسبتني جرأة أدبية، وحبّبت إليّ الاتصال بالكبار قدراً وسنًّا، وسوف أذكر لكم بعض ما ينثال على الخاطر والبال من أولئك الكبار.

1ـ في عام 1952 كانت صلتي الأولى بالدكتور الشيخ مصطفى السباعي، رحمه الله، وكان لهذا الرجل العظيم آثار عميقة في نفسي، فقد كان يشجعني، ويرتاح لحماستي، وهو الذي أمرني بالانتساب إلى كلية الآداب ـ قسم اللغة العربية، بدلاً من كلية الشريعة التي كان السباعي عميدها، وكانت رغبتي ورغبة والدي أن أكون من خريجيها، وكانت رغبة السباعي أن أكون أديباً كاتباً، ورغبته أمر لا أقوى على تجاوزه.

وكان السباعي، كالأستاذ العظمة، يشجعني على الكتابة في مجلته الرائعة: حضارة الإسلام التي كان كاتبوها من طبقة الطنطاوي الكبير.

واستمرت صلتي بهذا الأستاذ العظيم حتى وفاته وهو في أوج نضجه، في التاسعة والأربعين.

2ـ في عام 1953 زار دمشق الثائر الإيراني نوّاب صفوي، رئيس جماعة فدائيان إسلام، وزار معهدنا، معهد العلوم الشرعية، وخطب فينا نحن الطلاب وفي أساتذتنا، وكان فصيح اللسان، وذا بيان عربي جميل، ولهجة خطابية مؤثرة، ثم صاح بأعلى صوته، وبلكنته الأعجمية: يا.. يا.. يا.. ثم التفت إليّ، وكنت بجانبه، وسألني: ابن الأسد؟ فأجبته: أشبال، فانطلق يصيح: يا أشبال الإسلام، واستُنقذ من حبسته.

وبعد الانتهاء من خطبته الحماسية الجريئة، شكرني، لأنني ـ كما قال ـ أنقذته.

ولي معه ذكريات، وكان شاباً في التاسعة والعشرين، وقد ذكر الشيخ علي الطنطاوي لقاء نواب برئيس الجمهورية الزعيم أديب الشيشكلي.. وكان لقاء حاداً أحرج الطنطاوي والمشايخ الذين كانوا معه.

3 ـ في آخر شعبان 1375هـ زار دمشق، بدعوة من الدكتور مصطفى السباعي، عميد كلية الشريعة، الأستاذ العالم الرباني الشيخ أبو الحسن الندوي، لإلقاء محاضرات على طلاب كلية الشريعة في الجامعة السورية (جامعة دمشق الآن) واستمر في إلقاء محاضراته في موضوع الإصلاح والتجديد والتعريف بكبار رجال الدعوة والعزيمة والجهاد في تاريخ الإسلام، إلى التاسع عشر من شوال 1375 الموافق للثلاثين من أيار/مارس 1956 وكان موعد المحاضرة في كل يوم أربعاء على مدرج الجامعة الكبير.. كان يحضرها طلاب وأساتذة وعلماء، من الجامعة ومن غير الجامعة، وكنت أحرص على حضورها، وكان مدرج الجامعة قريباً من المعهد الذي أدرس فيه.

واحتككت بالأستاذ الندوي، وقمت على خدمته في أيام الجمع، وقد أدهشني زهده، وتواضعه، وأدبه، واستمرت الصلة الكريمة به حتى وفاته رحمه الله.

4 ـ وزار الأستاذ الإمام أبو الأعلى المودودي سوريا عام 1955 وزرته مع بعض الزملاء من طلبة المعهد، وقلت له:

سوف نصير علماء بإذن الله، وسنكون دعاة إلى الإسلام، سوف نسافر إلى مجاهل أفريقيا، وأعماق الهند لأسلمة الناس.

وعندما توقفت عن الحديث الذي كان خطبة حماسية، ابتسم قائلاً:

ـ هل تعرف ما معنى أنكم دعاة؟

ولمّا لم أجب، تابع يقول:

ـ معناه أنكم لن تفكروا في مستقبلكم المادي، ولن تحسبوا له أي حساب.

وزار مدينة حلب، وكان بصحبته الزعيم المغربي الأستاذ علال الفاسي، رحمه الله، وألقى كلٌّ منهما محاضرة قيّمة في المركز العام للإخوان المسلمين، ثم أجابا عن أسئلة الناس الذين ملؤوا ساحة المركز والأسطح والشوارع المؤدية إليه، وكان لنا لقاء معهما استمر إلى منتصف الليل.

ولي ذكريات وأحاديث معه، نشرت بعضها في كتيب صغير، وفي مقال في مجلة المنار.

5 ـ اللواء الركن محمود شيت خطاب، الرجل الذي يحمل سيفه في كتبه، كنت على صلة وثيقة به، بدأت في أوائل عام 1983 عندما استقرّ بي المقام في بغداد، وحتى وفاته رحمه الله رحمة واسعة.

كنت آتيه أصبوحة كل يوم أجد فيه متسعاً، فما كان ينام الصٌّبحة، وأزوره أمسية كل يوم أكون في بغداد، يقدمني لأصلي به المغرب، مرّة يقول لي: طوِّل، ومرّة: قصِّر.. كان يحبّ تلاوتي، ومرّة زرت بصحبته، مفتي دير الزور، الشيخ عمر النقشبندي، رحمه الله، وعندما قمنا لصلاة العشاء، قال اللواء خطاب للمفتي:

ـ يا شيخ عمر، مُر أبا أسامة أن يؤمّنا.

وحاولت الاعتذار فلم أفلح.

وأفدت من اللواء خطاب أكثر مما أفدته من أيّ عالم آخر.. فقد كان عالماً، عاملاً، زاهداً، فيه شموخ وأنفة، يتعالى على الطغاة، ويتواضع لأمثالي من العباد، يعيش على الكفاف، ويأبى المال الكثير الذي لا يكلفه إلا كلمة شكر للحاكم بأمره، أو السكوت عن مخازيه.

كتبت عنه كتابين، وسوف أكتب عنه رواية إن شاء الله، فهو من أعظم من عرفت من الرجال.

6 ـ الرجال الرجال الذين عرفتهم، وتتلمذت عليهم، وأفدت منهم، كثر، وهم موزعون في أنحاء العالم، وإن كان أكثرهم من سوريا الحبيبة، ومن مصر، والأدرن، وفلسطين، ولبنان، والعراق.

منذ الصغر، وأنا أحبّ مجالسة الكبار ذوي الشأن، لأفيد من خبراتهم وتجاربهم، وأوفر على نفسي معاناة مثيلاتها، وأما بعد أن اكتهلت وشخت، فصرت أميل إلى مخالطة الشباب، لأفيد منهم حيوية واتقاداً في الفكر والعقل والقلب والروح.

مع الأديبات:

وهذا غريب.. أليس كذلك؟

ولكنكم نسيتم أن أستاذي الأثير، هو الشاعر الكبير، عمر بهاء الدين الأميري، وأني على شيء من مذهبه في هذا المجال، ولكنّ كل من عرفت من الأديبات، كنّ يكبرنني بسنوات مديدات، كنازك الملائكة، وعزيزة هارون، وهند هارون، وكنّ على خلق، ومتزوجات ولهن أبناء..

إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا.. وها أنذا أتحدث فيما لم يطلب مني الحديث عنه.. ولأمر ما لا أدريه، أراني أتحدث وأذيع سراً هو في الأصل مذاع.

في أيلول 1969 نشرت مقالاً في مجلة الآداب البيروتية بعنوان: مع روّاد الشعر الحر، ناقشت فيه كل من زعم لنفسه أو زُعمت له الريادة في هذا الجنس الأدبي، كالسياب، ونازك الملائكة، والبياتي، ولويس عوض، ومحمد فريد أبو حديد، وسخرت من الشاعرة نازك، وقسوت عليها، ثم أثبتّ أن الرائد هو الشاعر الحضرمي المتعدد المواهب: علي أحمد باكثير.

وفي صيف 1972 كنا في لبنان، وقرأنا في الصحف أن الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة نزلت ضيفاً على لبنان، وأنها تقيم مع زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة في فندق الصخرة بعاليه.

قلت لمن معي ـ وهم الدكتور عماد الدين خليل، وأخوه الدكتور نبيل خليل، والأستاذان: إبراهيم عاصي، ومحمد الحسناوي ـ ما رأيكم في زيارة نازك والسلام عليها؟

فرحبوا بالفكرة، وقال الدكتور عماد الدين:

ـ أما أنا وأخي نبيل فسوف ننتظركم هنا.. اذهبوا على بركة الله.

ذهبنا نحن الثلاثة: إبراهيم عاصي، ومحمد الحسناوي، وأنا.. التقيناها مع زوجها، ونشرتُ وقائع هذا اللقاء في جريدة الحياة، وعلى موقع رابطة أدباء الشام، ومنذ ذلك اللقاء، وكلٌّ منا يحمل للآخر كل ود، ويدعو له، شفاها الله وعافاها، وصرنا نتهادى كتبنا..

نازك الملائكة تكبرني بخمسة عشر عاماً، وكذلك الشاعرة هند هارون، أما الشاعرة المبدعة عزيزة هارون، فكانت تكبرني بواحد وعشرين عاماً، كانت في عمر أمي، رحمها الله تعالى وكنا نلتقي بحضور زوجتي، ويعرف أكثر الإخوان هذه اللقاءات، فقد كنت أكتب عنها، وتكتب عنها مجلة الضاد الحلبية، وذكرت بعضها في برنامجي الأسبوعي في إذاعة حلب، وكان بعنوان: أديب من بلدي.. فأنا رجل إعلام، وليس لديّ ما أستحيي من ذكره، ولو وجدت في هذه اللقاءات التي تتم تحت الشمس، وتحت الأضواء، في الأمسيات الأدبية، والمهرجانات الشعرية التي كنت أقيمها باسم الجمعية العربية للآداب والفنون بحلب، التي كنت أرأسها ـ لو وجدت فيها ما فيه إثم ومعصية، لسكت عنها..

البيئة الحلبية:

دعونا الآن ننتقل إلى البيئة الأدبية في حلب، لعلّها تخفف من وطأة الحديث المثير للجدل..

حلب أمّ المحاشي والكبب، والمعالي والرتب، والآداب والطرب..

هكذا حلب.. مطبخها عامر بأجود أنواع الطعام، وسهراتها عامرة بالطرب، وكثير من البيوتات الحلبية العريقة فيها مكتبة، لأن الحلبيين يعتقدون أن الكتب مجلبة للرزق، وفيها من آلات الطرب: الدربكة والعود، وكانت بعض السهرات يتخللها عزف ودقّ ورقص، وبعد دخول الإسلام إلى قلوب الشباب، وتأثر الآباء والأمهات بهم، عزفت كثير من الأسر عن الدربكة والعود، وتابعت الأغنية الملتزمة التي ندعوها الأناشيد.

وكان لفرقة المطرب الملتزم أبي الجود، ولشاعر الفرقة الشاعر المبدع سليم عبد القادر فضل إيجاد البديل لتلك الأغاني، بأشرطتها الثلاثة الرائدة في هذه البابة.

كما كان للفنان المخرج مروان مكانسي دوره المتميز في إخراج شريطين للأطفال.

وكان أن التزم كبير الفنانين في حلب، الأستاذ بكري كردي، وترك الغناء والتلحين، وصار مؤذناً للجامع الكبير.. الجامع الأموي بحلب..

ولأن الطرب أصيل لدى الحلبيين، ولأن الطرب غريزي ـ فيما يبدو ـ في الإنسان السويّ، وكما قال الإمام ابن حزم رحمه الله:

وإنما سكر السماع ألذّ من سكر المدام، وذا بلا إشكال..

لكل ذلك، دعا الدكتور وجيه سلطان الفنان بكري كردي، ومجموعة من المنشدين والتجار والمثقفين إلى دارته العامرة في حي الكواكبي.. ودُعيت، فيما بعد، إلى تلك الحفلات الأسبوعية التي تبدأ بعد صلاة الظهر من كل يوم أحد، وتستمر إلى منتصف الليل.. يعني.. تستمر الحفلة اثنتي عشرة ساعة.. هل تصدقون؟ اثنتي عشرة ساعة كل يوم أحد، نتغدّى هناك.. لكل واحد ربع كيلو من الكباب الحلبي اللذيذ، مع صحن سلطة، وكأس كبيرة من العيران ـ اللبن المروّب.. الرائب ـ ورغيفين من الخبز، ثم يأتي الشاي الحلبي العقيقي اللون، والقهوة العربية المرة، وألوان الفواكه، والحلويات الحلبية، وهذه كانت تتخللها الأناشيد المصحوبة بالدف، تطلقها حنجرة ذهبية، هي حنجرة بكري كردي، وحناجر فضية، كحناجر صبري مدلل، وخان طوماني، وأبي علي الفتال، وحسن الحفار، وأديب الدايخ، ويحضر هذه الحفلات بعض مشايخ حلب وعلمائها ووجهائها، كالشيخ محمد النبهان، والشيخ عبد الرحمن زين العابدين، والشيخ أديب حسون، وسواهم..

أناشيد، وأذكار، وأسئلة شرعية، وأحاديث في الاجتماع والاقتصاد، فضلاً عن الفن.

أطراف السهرات:

هذه سهرة أدبية عجيبة، تضم ناساً من أجيال مختلفة، كان أكبرنا الحاج ياسين شراباتي، في الثمانينيات، والشيخ العلاّمة أحمد القلاش، في الستينيات، والشيخ نعمان حبوش، في الستينيات، والدكتور ناظم نسيمي في الخمسينيات، والسيد أحمد عسلية في الخمسينيات، وكنت أصغرهم، في الرابعة والثلاثين. كان الشراباتي تاجراً، وكان القلاش مدرساً، وكان الحبوش آذن مدرسة، وكان العسلية مصلح ساعات، وكان النسيمي طبيباً، وكنت مدرساً للغة العربية.. فتصوروا هذه التشكيلة من الرجال.. كنا نلتقي في الشهر مرة، في بيت أحدنا، وغالباً في بيتي، نتطارح الشعر والأدب.. وكان الحاج ياسين الشراباتي الذي يمشي نحو التسعين، هو نجم تلك السهرة، وكان هذا الرجل التاجر أعجوبة في حفظ الشعر بعامة، وشعر الهجاء بخاصة.. لا يسمع بقصيدة هجاء إلا يحفظها.. كان يحفظ في ذمّ اللحى أكثر من ثلاثة آلاف بيت، ويحفظ في القباقيب ووظائفها مئات الأبيات.. ويحفظ في ذم النساء مئات الأبيات ويحفظ في ذم التعدد والرجال المعددين في الزوجات، مئات الأبيات ويحفظ في ذم الطوال، وذم القصار، وذم الزمان، الشيء الكثير.. ولنا معه ذكريات طريفة، ولعلّ من أهمها أننا حملناه حملاً على إحراق القصائد الهجائية، ثم الحج إلى بيت الله الحرام، والتوبة والاستغفار عن تلك الأشعار.

وجمع الحاج ياسين شعر الهجاء في صرّة كبيرة، وذهب بها إلى أجير الفران في حارته، وأعطاه ليرة سورية ليوقد فرنه بهذه القصائد.. قال لنا:

وقفت أمامه أنظر إليها وهي تحترق، والدموع السخينة تبلل لحيتي، وكلما رمى الفران بمجموعة أوراق، أحسست بقلبي يتلظى معها.. كانت قطعاً مني..

ومسح الحاج ياسين وجنتيه الغارقتين بدموعه ثم أومأ إلى صدره وقال:

ـ أحرقت القصائد المكتوبة على الورق، فمن يستطيع إحراق القصائد المنقوشة ها هنا؟

صحت: الله..

أيها السادة..

أيتها السيدات

أعلم أني أطلت، وأنكم صبرتم على ما قدّمت، فاحتسبوا هذا.

وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (البقرة: 281)..

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (آل عمران: 30) والسلام عليكم في الخالدين.

*   *   *

)الحوار مع المحتفى به(

عريف الحفل: شكراً جزيلاً لضيفنا الكبير، الآن أيها الحفل الكريم استفسار موجه لسعادة الشيخ عبد المقصود خوجه؟

الاثنين القادم افتتاحية ملتقى النص التابع لنادي جدة الأدبي والثقافي بفندق الكعكي فهل ستستمر الاثنينية؟

الشيخ عبد المقصود: نعم الاثنينية مستمرة.

عريف الحفل: سؤال من الأستاذ عبد الله فراج الشريف:

أستاذنا الفاضل لك إبداع مسرحي والفن الإسلامي في فكر بعض قومنا تضاد فكيف وفق أديبنا الكبير بين ما زعمه القوم وما فعله قصداً ليعلم الناس أن في ديننا فسحة؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: هناك يا أخوان معطيات حضارية، هذه المعطيات مفروضة علينا والله أول ما طلع التلفزيون اشتريت تلفزيوناً وعملت له صندوقاً خاصاً وأقفلت عليه.

جاءت إحدى السيدات تخطب ابنتي الكبرى غرناطة، فسألت ابنتي الصغيرة عبير. قالت هل عندكم تلفزيون؟ فهزت لها برأسها لم تكذب كان عمرها (3 ـ 4) سنوات أشّرت على الخزانة، الشيخ عبد الحميد كشك كان يسميه (مفسديون)، ما نستطيع بشكل من الأشكال أن ننكر.. نحن صادفتنا ولا تزال مشكلة المرأة. قدمت لي عدة مسرحيات في حلب وامتنع التلفزيون السوري أن يقدم لي مسرحية أو تمثيلية على شكل سهرة فنية عبارة عن ساعة واحدة وذلك عام 1967م والسبب في ذلك لأن دريد لحام رفض أن يقدم لي مسرحيتي. السبب في ذلك قال يا أخي ما حطيت ولا ست واحدة كيف نقدم لك مسرحية ليس فيها امرأة فرفضت واسترحت واستراحوا. أول مسرحية أو ثاني مسرحية لازم أبداً أن تكون في امرأة، حتى اضطررنا مرة أن نلبس أحد الأولاد وعمره 16 عاماً حمرناه وبودرناه وقدمنا مسرحية وطلعناه على خشبة المسرح، لما علم أستاذي وشيخنا عبد الرحمن زين العابدين غضب غضبة مضرية وقال خير لك ألف مرة أن تخرج ألف امرأة ولا تخرج شاباً على شكل امرأة على خشبة المسرح، يا إخوان هذه المشكلة قائمة ولا تزال ولكن نحن لا بد لنا من أسلمة المسرح وأسلمة المسلسلات، وأسلمة السينما.

عريف الحفل: سؤال من الأستاذة دلال عزيز ضياء:

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدي الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام والتسليم مرحباً بالمحتفى به الضيف الكبير بهذه الغزارة من العلم والثقافة التي جمعت بين الدين والدنيا. بين الفنون والآداب والإبداع وبين الثقافة الدينية والتعليم الديني المنتظم. والفهم العميق لجذور الدين الإسلامي ولعل ما تلمح به تعبيرات وجه ضيفنا الكبير من بشاشة ومن تبسم يدل بالفعل على أنه يؤمن أن الدين الإسلامي هو دين سماح وبشاشة وتبسم يدل بالفعل على أنه يسر وأن الدين الإسلامي سماحة وابتسام وليس ديناً للتجهم والتكشير ومقابلة الناس بالعنف والاشمئزاز وغيرها من التعبيرات التي تنفر ولا تقرب إلى الدين.

السؤال الموجه إليكم:

ذكرت أن محمد عبد الكريم أمير البزق في زيارته إلى مصر أنه زار المبدع الفنان سيد درويش ولم يكن في جيبه ما يستطيع أن يقدم له واجب الضيافة، سيد درويش توفي عام 1923م ومضت على وفاته ثلاثة وثمانون عاماً هل تغير وضع الفنان والمبدع والفن خلال هذه السنوات الطوال. هل تغير وضع المبدع والفنان الموسيقي والفنان التشكيلي والفنان الأديب والكاتب المسرحي، أم أنه ما زال يتوكأ على حاله وعلى وضعه المالي الذي قد يعوقه عن الإبداع، أم أن الإبداع هو رفيق للفقر والحاجة، أو شعوره بالتعالي أن يطلب حقه هو الذي يجعله يعيش ويموت وهو على حدّ الكفاف؟

س2: الشيء الثاني استغربت منكم أنكم درستم الدين بشكل مفصل وتربيتم تربية دينية كيف تستشهدون بالسيد درويش وأمير البزق في أول مثال تضربونه حول ذكرياتكم وسيرتكم الذاتية والكثير يعادي الفنون والأدب والموسيقى. مع أننا نستمع جميعاً حتى الآن إلى إبداعيات سيد درويش وإلى مسرحياته؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: الله يحفظكم ويبارك فيكم ويكثر من أمثالك من الواعيات والواعين فيما يتعلق بحال الفنان، والمطربين والمطربات أو المطنبين والمطنبات بالذهب وما شابه ذلك، ولكن الأصلاء وأصحاب الفقه ما زالوا يعانون، هذه المعاناة هي التي جعلت سيد درويش هي التي جعلت أمثال سيد درويش وأمثال بكري كردي رحمه الله وهو أمير وهو شيخ الفنانين في سوريا كلها. وصباح فخري وأمثاله من تلاميذه الصغار. ومع ذلك هذا الرجل بعدما تاب صار مؤذناً للجامع الكبير يتقاضى مائة ورقة سورية كانت تعادل 100 ريال ولكن بفضل الله تعالى الوعي والمروءة والحرص على إيجاد البديل النظيف السليم، والحمد لله صرنا نرى بعض الفنانين الملتزمين سواء في التلفزيون أو المسرح أو مختلف أنواع الفنون أن استشهادي بسيد درويش إلى متى وكما ذكرت معظمنا مازال في بيته تلفزيون ويستمع إلى الأغاني، نحن ضمن الغرف المغلقة نفعل ذلك وفي العلن شيء آخر، أنا أستمع إلى أم كلثوم وغيرها وهذا هو الإنسان والإسلام اعترف بهذا الإنسان بما فيه.

عريف الحفل: السيدة التي قدمت السؤال هي الأستاذة دلال عزيز ضياء رئيسة القسم النسائي في إذاعة جدة.

الأستاذة دلال: بل كبير المذيعين في إذاعة جدة.

الشيخ عبد المقصود خوجه: هذه الأستاذة دلال ابنة الأديب الكبير عزيز ضياء ووالدتها ماما أسماء أول من قدمت برنامجاً للأطفال من السيدات فهي رائدة وأرجو أن تصفقوا معي لها.

الأستاذة دلال: الشيخ عبد المقصود أنا لا أقصد ذلك إطلاقاً ولكن جزاكم الله خيراً وشكراً لكم.

عريف الحفل: الشيخ محمد علي الصابوني يقول:

أخي العزيز الفاضل بتواضعكم نلتم أعلى الرتب وإذا كان من ذكرتم من جهابذة العلم هم أساتذتك فأنت بحق أستاذ الأساتذة وإن لم تحمل الألقاب العالمية فالاثنينية اليوم تمنحك الدكتوراه الفخرية بما سمعت من أدبك وخلقك وتواضعك الجم.. وكأني أردد ما قاله الأديب الكبير الزمخشري حين أنشد الأبيات الآتية في كتابه الكشاف.

وأخّرني دهري وقدّم معشراً

 

على أنهم لا يعلمون وأعلم

  

ومنذ أفلح الجهال أيقنت أنني

 

أنا الميم والأيام أفلح أعلم

 

عريف الحفل: سؤال من السيدات:

الدكتورة أفنان الريس أستاذة الفن التشكيلي في جامعة قطر تقول:

كأديب ومثقف كيف تشجعون على حرف الشعر كما فهمت من سردكم في بعض الوقائع في سيرتكم الذاتية؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: الإنسان دائماً يتطور وينمو، في شبابي كما قلت عندما التقينا بالإمام الأستاذ الكبير أبو الأعلى المودودي كنا متحمسين جداً جداً ولا نعرف حدوداً لنشاطنا وحماستنا والحقيقة فيما يتعلق بهذا الشعر هناك قصائد طريفة جداً جداً للشيخ كامل الغزّي، الذي كان خطيباً للجامع الأموي الكبير في حلب قصيدة رائعة جداً أذكر فقط المناسبة ولا أذكر أي بيت هناك خادم الجامع في واحد من العفاريت قال لخادم الجامع قال لماذا الشيخ كامل طول الوقت يمدح ويعمل قصائد للسلطان عبد الحميد ويمدح الوزير الفلاني لماذا لا يعمل قصيدة يمدحك فيها أنت تتعب أكثر من كل هؤلاء أنت طول النهار تخدم الجامع وتخدم الناس.. هل أنت تتعب أكثر من كل هؤلاء، وقلت في عقله صار كل ما يأتي الشيخ يود الصلاة.. يقول له الله يرضى عليك أمدحني بقصيدة. فكتب فيه قصيدة عبارة عن عسل مصفّى مثل هذا الشعر. لا أذكر منها بيتاً لكن مثل هذا الشعر جميل جداً جداً لكن الواحد ما يستطيع أن يرويه. أنا لدي بعض القصائد أسمعتها إلى بعض الأصدقاء كما كان الأستاذ الأميري رحمه الله لديه الموءودات التي كان لا يسمعها إلا لخاصة الخاصة. وأنا ما أسمعها إلا لصديقي وشقيق روحي الأستاذ محمد الحسناوي.

يا سيدتي الكريمة: أنا الآن أتمنى لو أن هذا الشعر كان عندي مثل قصائد الموءودات للمرحوم الأميري لكنه أوصى ألا أطلع عليها أحداً في حياتي وبعد مماتي لا يطلع عليها أحد.

عريف الحفل: الأستاذة دلال عزيز ضياء:

أعطني كلمة بسيطة إذا كان هذا هو المبدأ كيف احتفظنا بشعر بشار والحطيئة وغيرهم من الشعراء. شعراء الهجاء. حتى الآن ولماذا لم يأمر الأئمة الأربعة بحرق هذه القصائد؟

الأستاذ الدكتور سهيل قاضي: أختي الفاضلة عندما يأتيك الدور تستطيعين طرح هذا السؤال.

عريف الحفل: سؤال من الدكتور محمد خضر عريف من جامعة الملك عبد العزيز يقول:

الأخ الكريم نكأت الجراح حين تحدثت عن ضيق ذات اليد لدى أهل الفكر والأدب فهو حالهم في هذا الزمن فقط فقد روى لنا التاريخ كيف ولاة المسلمين يغدقون عليهم. حيث كان كل واحد منهم يكافئ كل مصنف بوزن كل كتاب يصنفه ذهباً. نسأل الله أن يعود هذا العهد ونراه قبل الممات؟

أخي الكريم ما السبب في ظنكم وراء تعثر كل مشروعات الإعلام العربي الموجّه للطفل فقد فشلت تجارب كثيرة عاشتها مؤسسات خيرية إسلامية وأخرى إعلامية صرفة في إنتاج مواد إعلامية للأطفال كما توقفت مجلات كثيرة في العالم العربي. كيف ننقل الإعلام الموجَّه للطفل؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: سؤال وجيه جداً حريّ بنا أن نبحثه من جميع جوانبه فأنا رأست تحرير ثلاث مجلات أطفال منها مجلة فراس التي يصدرها أسامة خليفة هنا في جدة، ومجلة الروّاد لصالح مدارس الروّاد في الرياض، ومجلة السلام الكويتيّة، وهذه المجلات الثلاث توقفت وهناك أسباب الأستاذ أسامة التهى (انشغل) بأقلام الميكروفيلم، وقدَّم جهداً كبيراً والأستاذ عبد الله الخلف المدير المشرف على مدارس الروّاد في الرياض أيضاً انشغل بفتح جامعات خاصة هنا وهناك أنا قلت في أكثر من مقال ولي كتاب في الأدب الصهيوني، اليهود أول من أنشأ مجلة للأطفال عام 1864م. نحن الآن حتى مجلة أطفال إسلامية مجلة أطفال نرضى عنها متخصصة الآن يكتبون كتباً، إما من القطع الكبير جداً أو من القطع الصغير إنها موجهة للأطفال لا هذه كتب ليست للأطفال وعندي أمثلة كثيرة، عندي الآن مجلة اسمها الفاتح ـ ألكترونية دخل عليها حتى الآن 31 مليون زائر، بعض الأخوان أرسلوا إلي قصصاً، حتى ندخلها نرسمها، ونضعها في هذه المجلة. أنا من درست الأدب الجاهلي، والأدب الأموي والعباسي بصعوبة حتى استطعت أن أفهمها وعندما قلت لهذا الأخ قال لي أنت لا تود أن تنشر لي فغضب. قلت له لدينا رابطة الأدب الإسلامي وهو عضو في الرابطة. وأنا أنضدها وأصورها وأقدمها ككل واحد من الناس. وإذا كان في واحد يقول تصلح، لك ما تريد. غضب وما زال غاضباً.

أيها الأخوة عدم الاختصاص ونحن في عصر الاختصاص. يمكن الدكتور بهيج من الأطباء ومن الأدباء جالس أراه أمامي. الآن التخصصات جزئيات صغيرة جداً جداً في الطب لماذا في العلوم الإنسانية لا يكون مثل هذا التخصص وهناك أسباب وأسباب كثيرة جداً.

عريف الحفل: سؤال للسيدات:

الأستاذة نازك الإمام تقول:

ذكرت في سيرتكم الذاتية أنكم تعلمتم القراءة حين كنتم تستمعون إلى قصص سيف بن يزن وعنترة وغيرها هذا حدث للكثيرين من أمثالكم ومن تعلم القراءة. لماذا يفرض على طلابنا وأبنائنا في العالم العربي غير حصص المطالعة نصوص عصيّة الفهم. لا تخاطب عقلية الطفل، ألا تعتقدون أن الطفل حين يعلق بهذه القصص الخيالية التاريخية والتراثية تغرس لديه بذرة حب القراءة، ومن ثم يوجه فيما بعد لما يفيد وينفع من أنواع أخرى من الفنون والأدب والإبداع.

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: هذا الكلام صحيح جداً، أكثر ما كتب في تجربتي الخاصة كل ما كتبت قصة أعرض ما كتبت على أولادي أو حفيداتي وأحفادي. إذا لاحظت أن هناك شيئاً من الغموض أبتعد عنه، أما فيما يتعلق الأمر بالمناهج التعليمية، فوالله عندما أقرأ اللغة العربية وهي اختصاصي وفي غيرها والله لا أكاد أفهمها وناقشت عدداً من الأساتذة الذين يضعون هذه المناهج وبعض الذين يؤلفون هذه الكتب يقولون: الوزارة تريد ذلك.. ما دخل الوزارة ـ الوزير ليس اختصاصه، هذا اختصاصك أنت لكن هؤلاء للأسف من الكثير من واضعي المناهج ليسوا من أصحاب الاختصاص. إن هذا الطفل حامل شنطة يمكن وزنها 15 كيلو 10 كيلو هذا الطفل الصغير يضعها على ظهره ويذهب إلى المدرسة ماذا يفعل هذا الطفل الصغير بكل هذه الدفاتر، المشكلة في عدم اختصاص الناس الذين يضعون المناهج.

عريف الحفل: سؤال من الأخ خالد الأصور يقول:

لكم أعمال في مجال التأليف المسرحي والتلفزيوني من هذا المنطلق كيف نقنع البعض التخلي عن فكرة تحريم التمثيل والفنون ولا سيما المسرح بدلاً من اعتماد السلبية واتخاذ هذه الوسائل الإعلامية الهامة والمؤثرة مطية للتوجيه والإرشاد من خلال الأعمال الفنية بدلاً من ترك الساحة لمن ملأوا الفضائيات رقصاً وابتذالاً؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: الزمن كفيل بإقناع هؤلاء الناس.

الأستاذة دلال عزيز ضياء:

هل لضيفنا إعداد البرامج التلفزيونية فقط، حبذا لو تتحدث حول إعداد البرامج الإعدادية والتلفزيونية الموجهة إلى الطفل لأننا في حاجة إليها عبر وسائل الإعلام.

الشيخ عبد المقصود خوجه: رجاء دعونا في الأسئلة ولا يمكن أن ندخل في مداخلات وإرضاءات فقط للحوار..

عريف الحفل: سؤال من الأخ عبد المجيد الزهار (طالب علم) يقول:

أستاذنا الكريم ذكرتم قلة من علماء الشام، والشيخ عبد المقصود يعرف عدداً منهم ألا ترى أن الجيل الجديد اليوم قد خسر بإهماله الأخذ عن العلماء، والاقتناع بالمدرسة والجامعة فقط؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: الجيل والأجيال الجديدة خسرت كثيراً لعدم وجود علماء تجلس أمامهم على الركب لنأخذ منهم علماً وسلوكاً وخلقاً.

عريف الحفل: سؤال الأستاذ عبد الرزاق الغامدي يقول:

أمضيت حياة سرها في الكفاح ولا شك ومسيرة يحفها النجاح. بما أن لك باعاً في كتابة الرواية والقصة فهل لك أن ترشدنا إلى آلية كتابة الرواية أو إلى كتاب يرشدنا إلى كتابة القصة أو الرواية؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: هذه تحتاج إلى محاضرات طويلة، والكتب التي تتحدث عن فن الرواية أكثر من الهم على القلب. المكتبات فيها الشيء الكثير.

عريف الحفل: سؤال من الأخ هاني عبد الحميد يقول:

هل موقف الأستاذ العظمة من القصص الخيالية أثر في تكوينكم الأدبي إذا كان ذلك فما دور الخيال في الإبداع الأدبي؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: في مصر الأستاذ أحمد صبري شويمان الذي سمّى نفسه أحمد موسى سالم أيضاً يقول في مجلته الأنصار. أصدر منها 13 عدداً ثم توقفت يشدد النكير على كتابة القصة. ويعتبر أن كتابة القصة المتخيلة نوع من أنواع الكذب وينهى عنها.

أنا تأثرت بما قاله الأستاذ العظمة رحمه الله وانصرفت عن القصة إلى النقد وفنون أخرى ثم وجدت أنه لا بد مما ليس منه بد لأن تكويني الأصلي قصصي. لذلك كان رحمه الله يسكت على مضض، لما أقدّم له قصة أو شيئاً من هذا القبيل. طلب مني أن أكتب رواية. كتبت رواية عن حياتي في معهد العلوم الشرعية، مع الطلاب، وقال هي صارت قلت له ما صارت. يا أستاذ هناك لا بد من التجسير فيها هوة لا بد أن أردمها والتجسير حتى الردم يعتبره كذب. ويقدم الرواية بدل عددين من أعداد مجلة التمدن وأنا رفضت أفعل ذلك وقلت له. إن شاء الله وأخذتها وذهبت.

عريف الحفل: هذا سؤال من الأخ الدكتور أيمن محمد رضوان يقول:

نشكرك على هذا العرض المسهب في سيرة حياتك ولكنك أطنبت في سرد فترة الشباب ومررت سريعاً على مرحلة طويلة التي سمعنا فيها وهي الأدب الشعبي العربي الذي لا بد من أنه أثر على التكوين النفسي والفكري لكم مثل غيرك من الأدباء نرجو إيضاح إلى أي مدى أثر عليك. الأدب الشعبي ومدى استفادتك منه؟

الأستاذ عبد الله الطنطاوي: الأدب الشعبي أثر في نفسي كثيراً ولا يزال، عندما ترى مواقف عنترة والظاهر بيبرس. وخصوصاً الطفل وتكوين الطفل يزرع في الإنسان حب البطولة والشهامة والمروءة والنخوة والكرم. الخ.. وهذه كلها نحن في أمس الحاجة إليها وليت الذين يكتبون السيناريوهات للمسلسلات ليست مثل الأفلام التي نراها اليوم عن عنترة. نريد أعمالاً جادة ويكون من ورائها الخير الكثير.

*     *   *

دكتوراه ثانية

منحت الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب شهادة الدكتوراه الفخرية لاثني عشر مبدعاً في ميادين الترجمة واللغة والإبداع وكان منهم الأديب الدكتور: عبد الله الطنطاوي وذلك في الأول من كانون الثاني 2009

*   *   *

سيرة الأستاذ عبد الله الطنطاوي في أعلام الصحوة الإسلاميّة

بقلم محمد علي شاهين

دعا إلى تجديد الخطاب الإسلامي وتطوير أساليبه وكتب بصدق وأصالة

عبد الله بن محمود الطنطاوي

(1356/1935 ـ معاصر )

الطنطاوي296كاتب إسلامي مبدع، أديب روائي ناقد، مهتم بأدب الطفل المسلم، وأدب الانتفاضة الفلسطينيّة، وأدب ثورة الكرامة في سوريّة، رئيس (الجمعيّة العربيّة المتحدة للآداب والفنون بحلب)، أحد مؤسّسي (رابطة الوعي الإسلامي) في سوريّة، رئيس (رابطة أدباء الشام) والمشرف على موقعها الأدبي الرائع، عضو رابطة الأدب الإسلامي العالميّة، أحد النبهاء الغيارى على الثقافة، والفكر الإسلامي.

ولد في بلدة إعزاز التابعة لمدينة حلب، ترعرع في أسرة متديّنة تجلّ العلم وأهله، و نشأ في طاعة الله على قيم الإسلام وآدابه، متمتّعاً بالوعي الوطني والديني، والحرص على الصالح العام، عكف على المطالعة، وقراءة الأدب القديم والحديث، واطّلع على المدارس الأدبيّة، وبعد حصوله على الثانوية العامّة والشرعيّة، التحق بجامعة دمشق، ونال الإجازة في الآداب، من قسم اللغة العربيّة، ودبلوم الدراسات العليا من الجامعة اليسوعيّة في بيروت سنة 1336/1977 واشتغل بعد حصوله على الإجازة في اللغة العربيّة سنة 1384/1964 مدرّساً في ثانويات حلب.                                

شارك في تأسيس (رابطة الوعي الإسلامي) سنة 1374/1955 مع الشاعرين محمد منلا غزيل، ومحمد محمود الحسناوي، ومحمود كلزي، وكان على صلة طيّبة بأحمد مظهر العظمة، ومصطفى السباعي، والشيخ عبد الرحمن زين العابدين، وتتلمذ على الشيخ عبد الكريم الرفاعي، وخالد الجباوي، ونايف عبّاس وغيرهم من المربين الأجلاء.

بدأ يكتب في سن مبكّرة مقالات ناضجة وهو في مرحلة التحصيل العلمي،

ألقى العديد من المحاضرات الأدبيّة في المراكز الثقافيّة السوريّة، وشارك في إحياء الأمسيات الأدبيّة، وكتب كثيراً من المقدّمات النقديّة لعدد من الدواوين الشعريّة والكتب الفكريّة، ورعى المواهب الشابّة.

انتسب إلى (جماعة الإخوان المسلمين) وتمثل مبادئها، وبشّر بفكرها، واكتوى بنار خصومها سجناً واغتراباً، فما زادته المحن إلاّ مضاءً وحكمة.

اعتقل بسبب أفكاره الحرّة، ونقده الشديد لانتهاك حقوق الإنسان، وكان يكره الظلم والاستبداد، ويشفق على المنافقين ويسخر منهم، وكان يقول الحق ولو على نفسه، جريئاً لا يخشى في الله لومة لائم.

هاجر بقلمه الجريء إلى العراق والأردن بعد الإفراج عنه سنة 1400/1980 وترأس تحرير مجلّة النذير التي أصدرها الإخوان في بغداد، وأقام في عمّان متمتّعا بحب إخوانه وعارفي فضله، زاهداً بما في أيدي الناس من جاه ومال.

دعا إلى تجديد الخطاب الإسلامي وتطوير أساليبه، وكان خطابه النقدي يعبّر عن مصداقيّة القيم التي آمن بها.

كتب بفنيّة عالية وبأسلوب سهل مشوّق القصّة والرواية والمسرحيّة، وبرع بالمقالة الأدبيّة، والدينيّة، والسياسيّة، وتميّز كل ما كتبه بقلمه الجميل على أقرانه من الأدباء المعاصرين بالصدق، والأصالة.

وكان يفخر بكلاسيكيّته العربيّة المسلمة فيقول: أنا كلاسيكي للعظم، فأنا أحرص على الجزالة في مواطن الجزالة، وأبدو شديد الحرص على اللغة الفصيحة، وعلى النحو، واقرأ كتب التراث بعشق ونهم، وعندما أنقد غيري أشتد عليه في اللغة والنحو والصرف..

أما إذا كانت الكلاسيكية تقليداً بلا تجديد ولا تطوير، فأنا لست كلاسيكياً، ولست رومانسياً، أنا عربي، وأسلوبي عربي فصيح، وأقدم أفكاري بوضوح، وأحرص على موسيقى اللفظة وموسيقى الجملة.

وكان يعتبر شخصيّة الشهيد سيّد قطب الملتزمة مصدر إلهامه فيقول: سيّد قطب أستاذي في الأدب، وفي الحياة، وفي التنظيم، وفي الثبات على المبادئ حتى الشهادة، حياته، وأدبه، وفكره، كل ذلك أثر فيّ.. أحب من يحبه وأكره من يكرهه، ولا أبالي..

كتب في القصّة (بقايا رماد) و(السابحون في السماء) ونشر معظم انتاجه الأدبي في المجلاّت الإسلاميّة الملتزمة في سورية ولبنان والأردن والخليج وغيرها.

وكتب الرواية (الوادي الأحمر) و(عينان مطفأتان وقلب بصير) وله في أدب الانتفاضة (عشر روايات للانتفاضة) ورواية (القسّام) و(حكايا الصالحين).

وأصدر في الدراسات الأدبيّة والنقديّة: (دراسات في أدب باكثير) 1389/1969 و(فلسطين واليهود في مسرح أحمد باكثير) 1418/1997 و(في الدراسة الأدبيّة) بالاشتراك مع محمد الحسناوي و(منهج الإصلاح والتغير عند بديع الزمان النورسي) 1418/1997،

وعكف على مشروعه الكبير للأطفال (مائة كتاب وكتاب الذي يؤرّخ لعدد من مشاهير الإسلاميّين بعنوان (من نجوم الإسلام) في أربعة مجلّدات، وسلسلة (مكتبة النذير للأشبال) وكان اختياره مبني على منهج الربط بين ماضي الأمة المشرق الناهض وبين حاضرها الذي يسير على هدى أولئك الصحابة الكرام، سواء بالهمة والعزيمة، أم بالفكر والرأي، أم بالسيف والقلم، وهو منهج الصحوة الإسلامية، منهج الدعوة والعودة إلى لله.

وكتب في التراجم: (اللواء الركن محمود شيت خطّاب: المجاهد الذي يحمل السيف في كتبه) و(الدكتور الشيخ مصطفى السباعي الداعية الرائد والعالم المجاهد) و(الإمام حسن الهضيبي) و(الأستاذ الشهيد سيّد قطب) و(الإمام أبو الأعلى المودودي) و(العالم المجاهد الشيخ محمد الحامد) و(كواكب الشهداء) ثلاثة أجزاء، و(رجال لهم آثار).

وله مشاركات في كتابة عدد من البرامج التلفزيونية الناجحة، بالاشتراك مع الأديب السوري شريف الراس، والإشراف على بعض مواقع (الانترنت) ذات الانتشار الواسع.

وكتب في النقد الاجتماعي (شهد وعلقم) وفي النقد الأدبي (فصول في النقد التطبيقي) و(أصنام الأدب السوري).

وعني بالطفل العربي عناية فائقة لإيمانه بأن طفل اليوم هو رجل الغد،

وترأس دار يمان للإنتاج الفني والأدبي بعمّان، وترأس تحرير مجلّة (الروّاد) التي تهتم بأدب الناشئين، ومجلّة (فراس) الواسعة الانتشار بين الأطفال العرب، ومجلة (سلام) للأطفال ؛ وحرّر في (مجلّة الدعوة) في مرحلة صدورها بلندن باب البيان، وكتب فيها مقالات قيّمة في النقد السياسي، والاجتماعي.

وتحدّث المرحوم محمد محمود الحسناوي عن الجانب التربوي فيما كتبه أستاذنا الطنطاوي ـ أطال الله عمره ـ للأطفال والأشبال فقال: فبالإضافة إلى المتعة الفنية والجمالية، وإلى سرد المعلومات قصاً أو حواراً، هناك الأهداف التربوية الكامنة أو المتحصلة من الأسلوب التعبيري الأنيق، والألفاظ والتراكيب الفصيحة المختارة، أو من قيم التفكير الراقي التي قامت عليها هذه الشخصيات الأعلام، أو عملت على نشرها وتحققها في الحياة، أو من مجالي المشاعر والعواطف السامية التي نبضت بها قلوب هذه الأعلام في ساعات العسر أو اليسر، أو في ساعات الألم أو النصر، والتربية من خلال الأشخاص والوقائع أجدى وأنفع من القواعد والقوانين المجردة من اللحم والعظام والأعصاب والأحداث، وهو ما نطلق عليه أحياناً اسم التاريخ، التاريخ القديم أو التاريخ الحديث.

وهو إلى جانب ذلك كلّه محقّق مصنّف، ومن جيّده (الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر وليد الأعظمي) في مجلد كبير، و(الأعمال النثرية الكاملة للشاعر وليد الأعظمي) في ثمانية مجلدات، وراجع وكتب مقدمات (الإخوان المسلمين في سوريّة مذكرات وذكريات لعدنان سعد الدين) خمسة مجلدات.

وله كتب مخطوطة كثيرة تحت الطبع، تشكّل مع ما نشر له تراث رجل أديب قل نظيره، يعمل بصمت في زمن المتشدّقين والمتنطّعين.

وعندما قامت ثورة الكرامة في البلاد السوريّة دافع عنها بقوّة، ودعا الأدباء والشعراء لكتابة القصّة، والرواية التراجيديّة للثورة، ونظم الأشعار الثوريّة، وحثّ النقاد على المساهمة الجادّة في الدراسات الأدبيّة المتعلّقة بالثورة، ووصف الثورة بأنّها ربانية مباركة، لا تشبهها ثورة، وخسئ وخاب وخسر من يحسب أن لها شبيهاً و خسئ وخاب وخسر الزنيم الذي يمسها بكلمة.

متّع الله الأستاذ عبد الله الطنطاوي بالصحّة والسعادة، ونفع به الأمّة.

______________________________________________ (1) راجع الحوار حول أدب الطفل الذي أجراه المؤلف مع الأستاذ عبد الله الطنطاوي في صحيفة اللواء الأردنية في 9/4/1997. (2) مقابلة مع الأستاذ عبد الله الطنطاوي في مكتبه بدار يمان عام 2000 بعمّان. (3) مجلّة الضاد (الحلبيّة) س 46 ع 1 كانون ثاني 1976. (4) أعداد متفرّقة من مجلاّت: (الروّاد) و(فراس) و(سلام). (5) أدب التراجم عند عبد الله الطنطاوي لمحمد محمود الحسناوي. (6) مجلة الغرباء 6/3/2012 حوار مع الدكتور عبد الله الطنطاوي، حاوره عبد الله زنجير.

الفهرس

ا ـ مقدمة

ب ـ أديب في زمن الربيع العربي...............................9

2 ـ الحياة السياسيّة والاجتماعيّة في عصر الطنطاوي......23

3 ـ الحركة الفكريّة والأدبيّة في عصر الطنطاوي...........33

ج ـ الطنطاوي الأديب الناقد...................................39

1 ـ نموذج من نقده: جسر على نهر درينا لحسن الإمراني..43

د ـ عناية الطنطاوي بأدب الطفل.............................61

1 ـ أدب الأطفال عند الطنطاوي..............................63

2 ـ الطنطاوي يكتب لأطفال العرب مئة كتاب وكتاب.......67

هـ ـ الطنطاوي الكاتب الموسوعي............................75

و ـ الطنطاوي يكتب للمسرح والإذاعة والتلفزيون...........79

1 ـ نموذج من مسرحيّاته......................................85

ز ـ الروابط الأدبيّة عضواً ومؤسّساً.........................97

1 ـ الطنطاوي ورابطة الوعي الإسلامي.....................97

2 ـ الطنطاوي ورابطة الأدب الإسلامي العالميّة.............98      

3 ـ الطنطاوي ورابطة أدباء الشام..........................102

ـ تسمية قرية في فلسطين باسم رواية الطنطاوي...........107

ح ـ الطنطاوي الصحفي ونماذج من مقالاته الافتتاحيّة:...109

1 ـ نماذج من افتتاحيات نشرة النذير:......................111

2 ـ المجاهدون: من هم وماذا يريدون......................113

3 ـ العنف في سوريّة من وراءه وما أسبابه؟...............115

4 ـ الشاه والشاهنشاهيّة......................................119

5 ـ نماذج من افتتاحيّات مجلّة (رابطة أدباء الشام):.......123

6 ـ عيد وأي عيد.............................................122

7 ـ أدباء الأبراج العاجيّة....................................127

8 ـ الأديب بين الواقع والمثال...............................129

9 ـ لغتكم يا عرب............................................131

10 ـ النذير العريان..........................................135

11 ـ ولّى عصر الانبهار....................................137

12 ـ شكوى العربيّة.........................................141

13 ـ الأدب الذي نريد.......................................145

14 ـ ماذا تريد الأمّة من أدبائها.............................147

15 ـ أما آن لهذا الليل أن ينجلي؟...........................151

ط ـ عناية الطنطاوي بالتراجم...............................155

1 ـ عناية الطنطاوي بتراجم الإسلاميين....................157

2 ـ أدب التراجم عند عبد الله الطنطاوي....................163

3 ـ الطنطاوي وسيّد قطب في مهمّة الشاعر في الحياة....171

4 ـ الطنطاوي وسيّد قطب في معركة الإسلام والرأسماليّة175

5 ـ الطنطاوي ومصطفى السباعي..........................179

4 ـ مصطفى السباعي شاعراً...............................181

5 ـ محب الدين الخطيب رائد الصحافة الإسلاميّة.........189

ي ــ الطنطاوي وأدباء وشعراء عصره.....................193

1 ـ الطنطاوي وعلي أحمد باكثير...........................195

2 ـ باكثير في ذكراه الخامسة والثلاثين....................197

3 ـ مسرح علي أحمد باكثير................................199

4 ـ مع الشاعرة العراقيّة نازك الملائكة....................203

5 ـ الطنطاوي وأخوّة خمسين عاماً مع الحسناوي.........215

6 ـ الطنطاوي وأحمد مظهر العظمة........................219

7 ـ الطنطاوي والشاعر الناثر وليد الأعظمي..............223

8 ـ الطنطاوي والناقد الإسلامي عماد الدين خليل.........225

ـ رسالة الدكتور عماد الدين خليل إلى الأستاذ الطنطاوي 227

9 ـ الطنطاوي والمؤرّخ العسكري محمود شيت خطّاب...231

10 ـ الطنطاوي والكاتب الإسلامي أحمد الجدع...........235

11 ـ الطنطاوي والشاعر الإسلامي يوسف العظم.........237

12 ـ الطنطاوي والشاعر يحي حاج يحي..................241

ك ـ قراءة في مؤلّفات الدكتور عبد الله الطنطاوي.........253

1 ـ الأديب ومسؤوليته نحو أمته من خلال إصدارات عبد الله الطنطاوي.................................................... 255

2 ـ رواية القسّام..............................................261

3 ـ رواية (عينان مطفأتان وقلب بصير)...................267

4 ـ قراءة السيّدة غرناطة الطنطاوي لرواية (عينان مطفأتان وقلب بصير).................................................275

5 ـ دراسة في رواية (عينان مطفأتان وقلب بصير) لمحمد حمدان السيّد.................................................277

ل ـ الطنطاوي وفن القصّة...................................283

1 ـ مجموعة السابحون في السماء..........................285

2 ـ بلا بيروت بلا سان جورج..............................289

م ـ عناية الطنطاوي بالأشبال................................291

1 ـ كيف يربي اليهود أبناءهم...............................295

2 ـ قراءة في كتاب من نجوم الإسلام.......................299

ن ـ حوارات عبد الله الطنطاوي:............................303

1 ـ (مائة من نجوم الإسلام) جريدة الراية القطريّة........305

2 ـ (حوار الزمن مع الأستاذ عبد الله الطنطاوي) مجلة رابطة الأدب الإسلامي العالميّة.....................................313

3 ـ (حوار مع عبد الله الطنطاوي) رابطة أدباء الشام.....315

4 ـ (حوار مع عبد الله الطنطاوي) رابطة أدباء الشام.....323

س ـ الطنطاوي الخطيب ونماذج من خطبه................333

1 ـ الطنطاوي يرتجل كلمة على قبر الشيخ سعيد حوّى...235

ع ـ تكريم الأستاذ عبد الله الطنطاوي.......................339

1 ـ حفل تكريم الأستاذ عبد الله الطنطاوي في رابطة الأدب الإسلامي بعمّان..............................................341

ـ كلمة الدكتور عثمان قدري مكانسي.

ـ كلمة الأستاذ محمد صالح حمزة.

ـ قصيدة الشاعر محمد غسّان خليلي.

ـ كلمة المهندس محمد عادل فارس.

ـ كلمة الشيخ طعمة عبد الله طعمة.

ـ كلمة المحتفى به في حفل تكريمه في رابطة الأدب الإسلامي بعمّان.........................................................353

2 ـ حفل تكريم الأديب عبد الله الطنطاوي ومنحه الدكتوراه الفخريّة في اثنينيّة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجة في مدينة جدّة.....................................................358

ـ كلمة الافتتاح والسيرة الذاتيّة...............................361

ـ كلمة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجة................367

ـ كلمة راعي الأمسية الأستاذ الدكتور سهيل حسن قاضي.371

ـ كلمة سعادة الأستاذ عبد الله بن الشيخ محمود الطنطاوي.....................................................373

ـ حوار مع المحتفى به.......................................293

ق ـ سيرة الدكتور عبد الله الطنطاوي في أعلام الصحوة الإسلاميّة لمحمد علي شاهين...................................403

ص ـ فهرس الكتاب..........................................409  

*   *   *

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

وسوم: العدد 946