اليمين الإسرائيلي.. من الإنكار إلى التهديد بنكبة جديدة… و”هآرتس” تواصل وحيدة فضح جرائم الصهيونية

الناصرة- “القدس العربي”: صدر حديثاً عن “المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار” العدد رقم 78 من سلسلة “أوراق إسرائيلية” بعنوان “من الإنكار إلى التهديد بنكبة جديدة.. عن مستجدات مقاربة النكبة في الحيز العام الإسرائيلي”، وهو من إعداد وتقديم الباحث الكاتب أنطوان شلحت. تسعى هذه الورقة لتقديم نماذج مختارة من الكتابات الإسرائيلية حول النكبة الفلسطينية، والتي ظهرت تحديداً بعد هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021، وتتوخى أن تطلع من خلالها على ما تحيل إليه هذه الكتابات من مستجدات الموقف الإسرائيلي حيال النكبة، وأيضاً كيفية تأثير هذه المستجدات على المواقف السياسية الإسرائيلية حيال القضية الفلسطينية بشكل عام، وفي ما يتعلق بالجدل الداخلي القائم في هذا الشأن.

ويشمل القسم الأول من الورقة نماذج من المقالات التي كتبها أشخاص أو كتاب رأي من أطياف اليمين الإسرائيلي، فيما يشمل القسم الثاني تحليلاً جديداً لأستاذة جامعية إسرائيلية متخصصة في دراسات الذاكرة والمصالحة من وجهة نظر سوسيولوجية حول آخر المقاربات المتعلقة بالنكبة في السياق الإسرائيلي، فضلاً عن نماذج من مقالات جديدة تقرأ الغايات الكامنة من وراء استمرار سياسة الكذب المتفق عليه بالنسبة إلى النكبة، وغايات حديث اليمين في إسرائيل من وراء الكلام عن النكبة.

scgffdh10071.png

ومما ورد في تقديم أنطوان شلحت لهذه الورقة، والذي جاء تحت عنوان “إسرائيل وسياسة النكبة”: “عادت النكبة الفلسطينية في الآونة الأخيرة إلى جدول الأعمال في إسرائيل على خلفية عدة أحداث مرتبطة بها بكيفية ما، لعل أولها إنتاج فيلم إسرائيلي بعنوان “طنطورة” حول المذبحة التي ارتكبها لواء عسكري إسرائيلي في قرية الطنطورة الفلسطينية إبان ارتكاب مذابح النكبة في العام 1948. وثانيها، إحياء ذكرى النكبة في بعض الجامعات الإسرائيلية (جامعة تل أبيب وجامعة بئر السبع)، بالرغم من وجود قانون إسرائيلي يمنع إحياءها. وبموازاة هذا استمرت عمليات كشف وثائق من الأرشيفات الإسرائيلية تتطرق إلى ما ارتكب من مجازر وآثام خلال النكبة وخلال العقد الأول التالي لها، بما جعل هذا الماضي الإسرائيلي المظلم يلقي بظلاله على الحاضر. كما أن هذا الماضي ألقى بظلاله على الهبّة التي اندلعت في مايو/أيار 2021، وشملت على نحو رئيس ما يعرف باسم المدن المختلطة، وهي بالأساس مدن الساحل الفلسطينية اللد والرملة ويافا وعكا وحيفا”.

 وأضاف شلحت: “تركز المواد التي اخترنا أن نترجمها، وأن نقدمها إلى القارئ العربي في هذه الورقة على مجموعة من الموضوعات المرتبطة بتعامل إسرائيل مع النكبة الفلسطينية، ولعل أبرزها الدوافع العامة والخاصة التي تقف وراء استمرار إنكارها، وأحدث المواقف التي تدعو إلى الاعتراف بها إلى ناحية تحمّل المسؤولية عنها في سبيل المضي قدماً نحو تجاوز تبعاتها التي ما زالت مستمرة. ويرجح أن مساهمته في هذين المجالين ستكون مقتصرة على جانب الرصد، ذلك أنه سبقت الجهد المبذول في هذا الصدد جهود عدة. أما الأمر الأكثر جدة برأي شلحت فهو ما استجدّ في مواقف اليمين الإسرائيلي، الذي تراكمت إشارات قوية تشي بأنه قام بالانتقال من إنكار النكبة إلى الإقرار بها وبفظائعها والتلويح علناً بالاستعداد لتكرارها، كما انعكس ذلك في تصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين في الفترة القليلة الفائتة، منهم الوزيران السابقان يسرائيل كاتس (الليكود)، وباتسلئيل سموطريتش (الصهيونية الدينية)”. ويقول إن ما ينبغي التنويه به هو أن هذه الورقة قصدت أن تتمحور من حول أحدث المقاربات الإسرائيلية إزاء النكبة، ابتداء مما تزامن مع ذكراها في العام الماضي (2021)، والتي ترافقت مع الهبة الشعبية، وانتهاء بما توازى مع ذكراها في العام الحالي (2022)، والتي رافقها كشف مزيد من الوقائع بشأن ما ارتكب في أثناء وقوعها.

scgffdh10072.jpg

افتتاحيات “هآرتس”

في المقابل كشفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في افتتاحيتها، الإثنين الماضي، أن فرقاً من وزارة الأمن تمشط أرشيفات في أنحاء البلاد، وتُخفي وثائق تاريخية. الفرق نقلت إلى خزنات وثائقَ تتصل بالمشروع النووي الإسرائيلي والعلاقات الخارجية لدولة الاحتلال. وقالت الصحيفة، إن “مئات الوثائق مع أدلة على النكبة، بينها إفادات ألوية في الجيش الإسرائيلي عن قتل مدنيين وتدمير قرى، وتوثيق لطرد، بدت كجزءٍ من عملية منهجية لإخفاء أدلة على النكبة. وأضافت أن “من وقفوا من وراء العملية هم عناصر جهاز “ملماب” (المسؤول عن الأمن في المؤسسة الأمنية)، وهو جهاز سري عمله وميزانيته سريّان. وتبيّن من التحقيق، بحسب الصحيفة، أنّ عناصر الجهاز “عملوا من دون أي صلاحية قانونية، حتى أنهم، في جزءٍ من الحالات، أخفوا وثائق كانت الرقابة العسكرية قد سمحت بنشرها قبلاً، بل حتى أنهم نقلوا أحياناً إلى خزنات وثائق مضمونها نُشر على الملأ. وهذا ما كان قد كشف عنه بشكل موسع الدكتور محمود محارب في كتاب جديد صدر، الشهر الماضي، عن الأرشيفات الإسرائيلية ودورها في إنتاج الأساطير وتزوير الرواية التاريخية.

يشار إلى أنه، في الآونة الأخيرة، أصبحت صحيفة “هآرتس”، تنشر بوتيرة متلاحقة معلومات من هذا النوع، تتناول فيها الطريقة التي طردت بها إسرائيل الفلسطينيين من أراضيهم. وغالبًا ما تستقي تلك المعلومات من أبحاث المؤرخ الشاب آدم راز، الذي كوّن في العام 2015 مجموعة عمل باسم “معهد عكيفوت لبحث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”. وكلمة “عكيفوت” بالعبرية تعني “آثار”، حيث يقتفي راز أثر الماضي الإسرائيلي الذي تعمد التاريخ الرسمي محوه من أجل طمس الحقائق التي استُبدِلَت بسرديةٍ بطولية. وينشر راز تلك المعلومات بشكل منهجي في أعمدة “هآرتس” من منطلق المفهوم أنه بدون الاعتراف بالماضي وبالنكبة لن تتحقق مصالحة، وهذا مفهوم تبنّته من قبل جمعية “ذاكرات” الإسرائيلية، مع انطلاقها قبل نحو عقدين. وقد عيّنت الجريدة صحفياً شبه متفرغ، هو أوفر أديريت، ليتابع أعمال المؤرخين الذين “يفككون” الروايات الرسمية بالكامل.

scgffdh10073.jpg

مذابح طي الكتمان

 وفي السنوات الأخيرة، نشرت “هآرتس” أبحاث راز، الذي صدرت له أعمال عدة (منها كتاب “مذبحة كفر قاسم” في العام 2018)، في سلسلة مقالات فاضحة كتبها بنفسه أو كتبها أديريت نقلًا عنه، عن النكبة، وعن مذابح ظلت طي الكتمان، وكذلك عن قضايا مثل إدماج اليهود الشرقيين الذي وفدوا حديثًا في الخمسينيات. ويقول المؤرخ راز في هذا المضمار: “لم تكن صحيفة “يديعوت أحرونوت”(الصحيفة الأعلى قراءة في البلاد) أو أي صحيفة إسرائيلية أخرى، لتُقْدِم على نشر تلك المقالات، موضحاً أن كبرى المؤسسات الإعلامية، باستثناء “هآرتس”، تدافع عن “الرواية الرسمية” التي تتبناها إسرائيل عن ماضيها.

وسبق أن دعت صحيفة “هآرتس”، في مايو/ أيار الماضي، ضمن افتتاحيتها لتعليم التلاميذ اليهود عن النكبة، وفي عدة تحقيقات كشفت كيف يتم طمس النكبة.. كيف تخفي إسرائيل الأدلة على تهجير العرب عام 1948 بطريقة منهجية. في واحد من هذه التحقيقات قالت الصحافية التي تغطي الشؤون الفلسطينية في صحيفة “هآرتس” هاجار شيزاف إنه قبل أربع سنوات، أُصيبتْ المؤرّخة تامار نوفيك بصدمة كبيرة، إثر عثورها على ملف يوسف فايتس من القسم العربي في حزب مبام اليساري، في سجلات أرشيف ياد يعاري في منظمة “جبعات حبيبه”. وتابعت: ” بدأت الوثيقة التي كان يبدو أنها تَصف أحداث حرب عام 1948 على النّحو التالي: الصفصاف: قرية فلسطينية سابقاً قُرب صَفد- تم الإمساك بـ 52 رجلاً رُبطوا ببعضهم البعض، قبل إطلاق النار عليهم في حفرة. جاءتْ نسوة يتوسّلنَ طلباً للرحمة، بينما استمرّ عشرة رجال في الارتعاش. تمّ العثور على جثث ستة رجال متقدمين في السن. كان هناك واحد وستون جثة، وثلاث حالات اغتصاب وقعت إحداها شرق صفد، لفتاة في 14 من عمرها، إضافة إلى أربعة رجال قُتلوا بالرّصاص، وقد قُطعت أصابع أحدهم بالسكين طمعاً في خاتمه”.

واستمرت الكاتبة في وصف مجازر أخرى، وحالات سرق ونهب ومضايقات ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال حرب 1948″. وتتابع: تُخبر الدكتورة نوفيك صحيفة هآرتس: “لم تحمل الوثيقة اسماً، ولم يُعرف كاتبها قطّ. كما أن أحداثها غير مكتملة، وتثير الكثير من الانزعاج. أدركتُ منذ عثوري على هذه الوثيقة أنني مسؤولة عن توضيح ما حدث”.

وسوم: العدد 1007