عروض الكتب العالمية والعربية

مركز الشرق العربي

اصدار شهري

من المكتبة العالمية

بيير داردو وكريستيان لافال : كتاب كوابيس «النيوليبرالية» ديريك تشوليت : كتاب كيف تحدى أوباما واشنطن؟ جورج مونبيوت : كتاب كيف وصلنا إلى هذه الفوضى؟ نعوم تشومسكي :كتاب من يحكم العالم؟ نيك بوكستون وبن هايز : كتاب كيف تتحكم الشركات والمجمع العسكري بمناخ العالم؟ مارك دانر :ميركا ومستنقع الحرب الدائمة ضد الإرهاب جارسيا مارتينز  :«فوضى القرد» كتاب جديد يرصد انتهاكات مؤسس «فيس بوك» «حضارات ومدن» كتاب جديد لداود أوغلو كتاب يقدم للأطفال الألمان قصصًا حقيقية عن اللاجئين السوريين جورج فريدمان :كتاب «الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير» قابلوا كارل ماركس الجديد: توماس بيكيتي مؤلف كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين . جون بوي :كتاب السياسة الواقعية.. تاريخ ومفاهيم جديدة

من المكتبة العربية

د. فواز طرابلسي :كتاب الطبقات والسلطة في لبنان حسن محمد المرزوقي :كتاب الوطنية والوطن: تأصيل شرعي د. عزمي بشارة :كتاب "ثورة مصر"... تحليلاً وتوثيقاً سعود المولي : كتاب السلفية كظاهرة اجتماعية “المرأة فى القرآن” كتاب جديد لباحثة المغربية اسماء مرابط يصدر في بريطانيا الدكتور محمد مصطفى شلبي  :كتاب الفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية» لمحاولات الفصل بين الشريعة الإسلامية والحياة. خالدة سعيد :كتاب الثقافة والحرية وعوائق المعرفة العربية المعاصرة

من المكتبة العالمية

بيير داردو وكريستيان لافال : كتاب كوابيس «النيوليبرالية»

تاريخ النشر: الجمعة 01 يوليو 2016

الاتحاد

كيف قدّر للقوى الاقتصادية في الغرب المسؤولة أساساً عن نشوب الأزمة المالية في سنة 2008 أن تخرج منها رابحة، على رغم أنها كانت واحدة من أخطر الأزمات المالية العالمية منذ الكساد الكبير في عام 1929؟ وكيف يمكن تفسير كون الليبرالية الجديدة، أو النيوليبرالية، المسؤولة عن تلك الكارثة الاقتصادية، ما زالت تزداد قوة وتغولاً في الدول الغربية، ويزداد طغيانها الإيديولوجي، وتتكرس أوهامها في التسيير والتدبير في بعض أكبر الاقتصادات العالمية، بدلاً من أن تكون الأزمة دليلاً آخر على أن هذه النيوليبرالية تحمل في طياتها بذور انهيارها الذاتي؟ هذا ما يثيره المؤلفان الفرنسيان بيير داردو وكريستيان لافال في كتابهما الصادر مؤخراً تحت عنوان: «هذا الكابوس الذي لا ينتهي»، حيث يحاولان البرهنة على أن النيوليبرالية ليست فقط مجرد نظرية أثبتت فشلها وإخفاقها، بل هي في الواقع أيضاً نموذج من نماذج ممارسة الحكم وتسيير شؤون المجتمع، يقدم نفسه، حتى لو لم يقل ذلك صراحة، بديلاً ونقيضاً للديمقراطية، بل ويهزم الديمقراطية، بحسب ما يقول العنوان الفرعي -وربما الحقيقي- للكتاب.

ولو لم تكن النيوليبرالية إيديولوجيا حقاً لما بقي لها وجود بعد تلك الأزمة المالية، لأن العالم قد رأى عملياً المآلات الاقتصادية الفاجعة التي أدت إليها سياسات انفلات السوق وتغول رأس المال المالي، وانفجار فقاعات الاقتصاد النيوليبرالي واحدة بعد الأخرى، لعدم استنادها في الواقع على أي سند من قطاعات الاقتصاد الحقيقي، ولكن على رغم ذلك خرج عتاة دعاة النيوليبرالية المتوحشة من الأزمة مرفوعي الرأس تقريباً بدليل استمرار كثير من ممارساتهم المالية والاقتصادية في أميركا وأوروبا، ولم تتحقق في النهاية تلك التنبؤات التي أطلقها خبراء وعلماء اقتصاد تحدثوا مع نشوب الأزمة عن موت الليبرلية الجديدة، والليبرالية المتوحشة، وغير الملتزمة اجتماعياً وسياسياً تجاه الشرائح الشعبية، بل المتخففة من أعباء والتزامات القطاع العمومي بوجه عام.

ويحاول المؤلفان في عملهما الواقع في 252 صفحة حشد كل الأدلة الممكنة على أن النيوليبرالية ليست سوى فكرة وثوقية dogme يتعصب لها بعض الإيديولوجيين، وتدعمها بعض قوى عالم المال الأكثر تنفذاً وقوة وسطوة، ويحاول الطرفان فرضها على المجتمعات الغربية، وجعلها نظاماً اقتصادياً وسياسياً قائماً بذاته، بما يفرض على النظم القانونية والتشريعية التكيف معه، والإذعان لإملاءاته، تماماً كما يتعين على الشعوب، وخاصة الطبقات الشعبية تجرع ما يفرضه عليها هذا النظام النيوليبرالي من صور البؤس والتقتير وسياسات التقشف في تمويل الخدمات والقطاع العام. وهذا ما جعل الأزمة المالية الأخيرة بداية عهد جديد من النيوليبرالية، من خلال استدامة سياسات تزيد الفقراء فقراً والمحرومين حرماناً من دون أن تمتد سياسات التقشف والتقتير إلى ترشيد الممارسات النيوليبرالية نفسها في الاقتصاد، بحيث تسعى لترويض جموحها وجشعها وتغولها وشهيتها المفتوحة وفوضاها المالية غير المحدودة. وفي الأخير يرى الكاتبان اللذان تكتسي نبرتهما مسحة يسارية لا تخطئها الملاحظة، أن انفلات قواعد السوق الرأسمالية، وترك الحبل على الغارب لليبرالية الجديدة، وجعلها بمثابة مدونة إرشادية ونظام حكم، كل ذلك من شأنه أن يدق المسمار الأخير في نعش الديمقراطية نفسها كنظام سياسي وخيار شعبي وطريقة في فهم وتسيير وتدبير أمور الشأن العام. وهذا ما يقتضي النضال في فرنسا -وأوروبا والغرب عموماً- ضد النيوليبرالية وقوى الأوليغارشية الداعمة لها، والعمل على وقف وكف ضررهما في مجال السياسة والاقتصاد، على حد سواء.

حسن ولد المختار

الكتاب: هذا الكابوس الذي لا ينتهي

المؤلفان: بيير داردو وكريستيان لافال

الناشر: لاديكوفرت

تاريخ النشر: 2016

 ديريك تشوليت : كتاب كيف تحدى أوباما واشنطن؟

تاريخ النشر: الجمعة 01 يوليو 2016

الاتحاد

يصور «ديريك تشوليت» في كتابه الجديد «لعبة الخداع.. كيف تحدى أوباما واشنطن وأعاد تعريف دور أميركا في العالم؟»، الرئيس الأميركي باراك أوباما على أنه ضحية السياسة الديماغوغية، التي انتهجها خصومه من المنتقدين، ووسائل الإعلام. ويبدو «تشوليت»، الذي عمل في إدارة أوباما في عدد من المناصب الرفيعة الخاصة بالأمن القومي، مقتنعاً بأن الرئيس أعاد تحديد هدف وممارسة السلطة الأميركية لعصر جديد، ومن ثم «سيترك أميركا أقوى في الداخل والخارج»، رغم وصف البعض سياسته الخارجية بأنها «فاشلة».

ويسعى المؤلف إلى إثبات أن منتقدي إدارة أوباما جانبهم الصواب تماماً، وأن سياسته الخارجية تنم عن فهم نافذ البصيرة لحدود وإمكانات الدور الأميركي في عالم معقد.

ويقيم «تشوليت» النهج الاستراتيجي لأوباما من خلال قائمة تدقيق تضم ثمانية معايير لتقييم القرارات، هي: «التوازن، والاستمرارية، والاحتياط، والإتقان، والصبر، وقابلية الخطأ، والتشكك، والاستثنائية الأميركية».

ويتناول «تشوليت» كثيراً من الخطوات التي تعتبر أخطاء فادحة من وجهة نظر الكثيرين، ليبرهن بها على طبيعة الجهود الرئاسية الحكيمة، لإظهار القيادة العالمية في عالم من المطالب التي لا تنتهي والموارد المحدودة. ويكرس «تشوليت» فصله الأول لما يعتبره كثيرون أسوأ هزيمة منيت بها السياسة الخارجية لأوباما، وهي إعلانه في 2012 أن استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري سيكون تجاوزاً «للخط الأحمر»، وبعد أن استخدمت قوات النظام السوري غاز «السارين» لمهاجمة المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة خارج دمشق في أغسطس 2013، أعقب أوباما ذلك بسلسلة من التصريحات حول ما إذا كانت أميركا سترد، وتوقيت وكيفية الرد.

ويقر المسؤول السابق في إدارة أوباما بأن تصريح «الخط الأحمر» الذي أدلى به أوباما كان نتيجة «تفكير بصوت مرتفع»، وهو ما اضطر فريق عمل الرئيس لـ«البحث» عن سبل لجعله ذي معنى. ويزعم أنه في نهاية المطاف، كان قرار الرئيس في أغسطس 2013 باستخدام ضربات جوية محدودة وموجهة لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية السورية الخطوة الصحيحة، لكن الأحداث سرعان ما اتخذت منحى مختلفاً.

وفي البداية، عزم أوباما بصورة مفاجئة، بعد وقت قصير من إعلان قراره بتوجيه ضربات وشيكة، على السعي للحصول على موافقة الكونجرس قبل المضي قدماً. لكنه صاحب طلبه للموافقة بتأكيد أنه خطط لتوجيه الضربة سواء حصل عليها أم لا، الأمر الذي أكسبه قليلاً من الحلفاء في الكونجرس. وسرعان ما تأكد أن الكونجرس سيصوت ضد الضربات الجوية المخطط لها، وهو ما وضع الرئيس في اختبار: هل كان متأهباً لشن ضربات جوية بقرار أحادي في وجه تصويت الكونجرس بـ«لا»؟

وعندما بدا الوضع محرجاً، وصل المدد من الخارج في صورة التدخل المفاجئ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي عرض حمل بشار الأسد على تدمير مخزونات أسلحته الكيماوية. وقاد ذلك إلى إعلان أوباما أن الضربات الأميركية لم تعد ضرورية، وأن الحرب الأهلية السورية سرعان ما ستتحول إلى وضعها السابق، فترسانة الأسلحة الكيماوية للأسد تم تدميرها، لكن الأسلحة التقليدية واصلت التسبب في مجازر جماعية على كل الجوانب!

ويزعم المؤلف أنه لو مضى أوباما قدماً في ضرباته، لدمرت الضربات جزءاً قليلاً من ترسانة الأسلحة الكيماوية، ولربما سيطرت قوات «داعش» على بقية الأسلحة. وعندئذ كانت واشنطن ستضطر إلى إرسال أعداد كبيرة من القوات الأميركية إلى سوريا.

وبذل «تشوليت» قصارى جهده لإقناع القراء بأن منتقدي أوباما تناولوا كل شيء بشكل خاطئ.

وائل بدران

الكتاب: كيف تحدى أوباما واشنطن وأعاد تعريف دور أميركا في العالم؟

المؤلف: ديريك تشوليت

الناشر: بابليك أفيرز

تاريخ النشر: 2016

جورج مونبيوت : كتاب كيف وصلنا إلى هذه الفوضى؟

تاريخ النشر: 25/06/2016

تأليف:جورج مونبيوت/عرض وترجمة: نضال إبراهيم

الخليج

ما يحدث في عالمنا من فوضى فرّخت الحروب، والهجرات، وسفك الدماء، والأزمات الاقتصادية، تثير الحيرة والتساؤل، وتجعلنا نبحث عن إجابات لأسئلة مثل: من المسؤول عن هذا الواقع الأليم الذي تمرّ به البشرية؟ ومن أوصلنا إلى هذه الفوضى المدمّرة للإنسان والطبيعة؟ من المستفيد من هذه الأزمات كلها؟ هذه الأسئلة وغيرها يحاول الباحث والصحفي البريطاني جورج مونبيوت أن يجيب عنها بشفافية وجرأة بحكم خبرته الصحفية والبحثية، وهو يعدّ أحد أكثر المنتقدين البارزين للسياسات الإمبريالية التي تمارس دوراً بشعاً في حياتنا الإنسانية.

يقيّم مونبيوت العالم الذي نعيش فيه، فيجده في حالة من الدمار، ويرزح تحت وطأة أزمة من اللامساواة، إذ يبين كيف أن الشركات الكبرى سيطرت على الطبيعة ولوثت البيئة، وليس من نهاية لهوسها بالأرباح واستغلال الآخرين، وتعمل بكل جهد على ضرب الديمقراطية ووأد الجدل السياسي، وتأسيس نظام قيمي - مجرّد من الأخلاق في جوهره - يقوم على خدمة أهدافها.

يشخّص مونبيوت في فصول الكتاب التي هي عبارة عن مقالات متوزعة على سنوات مختلفة من عمله الصحفي، المشاكل التي نعانيها بطريقة واضحة ومنطقية، ولا يكتفي بذلك فقط، بل يضع حلولاً لتحدي سياسة الخوف، من خلال تقديم إجابات عن أسئلة مثل: «كيف يمكننا الوقوف في وجه الأقوياء في وقت يبدو أنهم يملكون جميع الأسلحة؟ ما الذي يمكننا القيام به لإعداد أطفالنا لمستقبل مجهول؟» يحاول من خلال أطروحاته أن يدفعنا إلى إحداث تغيير في حياتنا اليومية، وفي السياسة والاقتصاد، وطرق تعاملنا مع بعضنا بعضا والعالم الطبيعي، والسعي للدفاع عن القيم الإنسانية التي تجعلنا بشراً بحق، والوقوف بكل عزم أمام السياسات والقيم التي تعزّز الأنانية وتقتل التعاطف البشري.

ويأتي العمل - الصادر عن دار «فيرسو» للنشر في 342 صفحة، 2016 - في 10 أقسام تضم 51 فصلاً بعد المقدمة، والأقسام هي: 1- هناك شيء ما مثل المجتمع. 2- الشباب الضائع. 3- الحياة البرية. 4- تغذية السُعار. 5- طاقة مصاصي الدماء. 6- الأغنياء والأطلال. 7- الرقص مع من أوصلوك إلى هذه الحالة. 8- بعيد عن العين، بعيد عن القلب. 9- الدفع نحو الهاوية. 10- العثور على مكاننا.

أدوات التبرير

يبدأ الكاتب في مقدمته باستشهاد من كتاب «الرأسمال في القرن الواحد والعشرين» للصحفي الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي، الذي يجد أنه ما من حكومة يمكن لها أن تستمر من دون وجود «أدوات التبرير»، ويوضح مونبيوت أنه من دون صحافة الشركات، وخبراء العلاقات العامة ومجموعات الخبراء والضغط، فإن برامج التقشف غير الضرورية التي فرضتها العديد من الحكومات ستكون مستحيلة التطبيق على الصعيد السياسي. فالمستويات الحالية من عدم المساواة سوف تعتبر عصية على التحمل، ودمار العالم الحي سيكون مناسبة للاحتجاج المستمر. ويقول: «أدوات التبرير هذه أو البنية التحتية للإقناع، والروايات التبريرية التي تنتجها تسمح للأغنياء بالسيطرة على الكثير من ثرواتنا العامة، ليسحقوا حقوق العمال، وليتعاملوا مع الكوكب وكأنه صندوق قمامة. إن الأفكار، وليس الجيوش أو حتى البنوك، هي التي تدير العالم، فهي التي تحدّد إذا ما كان الإبداع الإنساني يعمل لأجل المجتمع أو ضدّه».

وفي إشارة إلى البنية التحتية للإقناع يتحدّث عن الإعلام في خدمة أصحاب المال، حيث يتم اختيار الإعلاميين بناء على خدمة مصالحهم، ويتم إقصاء الأصوات المضادة، قائلاً: «إن الصحف، ومجموعات الخبراء التي يملكونها، يسعون من خلالها إلى إنتاج حجج ذكية ومقنعة في سبيل الدفاع عن النخبة». ويضيف: «مقابل كل صوت مستقل ذي أرضية وطنية، هناك مئة صوت تعمل بالنيابة عن السلطة البلوتوقراطية. بالطبع، هذا الدور ليس ملزماً في عقودهم التي وقعوها. أشك أن العديد من هؤلاء يسأل نفسه قبل كتابة عمود أو ورقة موقف:«كيف يمكن لي أن أخدم مصالح مليارديري.. صاحب المكان الذي أعمل به اليوم؟» لكن لا يستغرق الأمر الكثير من الوقت لاكتشاف أي من النقاشات أو المواقف التي تضمن تقدمك وأي منها تقبل فيها بحل وسط أو تسوية مذلة. في الإعلام، أصحاب رأس المال يعيّنون المحررين الذين يكونون على مقاساتهم الخاصة، والذين يميلون إلى تأجير أقلامهم، ويروجون للصحفيين الذين تتواءم مواقفهم وإياهم قلباً وقالباً. ويؤكد أن ما يقوله ليس لاقتراح أن المثقفين وكتّاب المقالات والمعلقين الإعلاميين والصحفيين، سواء كانوا مستقلين أو لا، يمكن أن يغيروا العالم بأنفسهم. إن التغير المستمر يتطلب التعبئة الجماعية.. لكن من خلال تحدي وتعريف السلطة، ومن خلال اكتشاف حالات فشلها واقتراح البدائل، ومن خلال إظهار العالم كما لو أنه أكثر من «أدوات التبرير» التي يتمنى الناس أن يراها. إننا نستطيع، باعتقادي، أن نلعب دوراً مساعداً في هذه التعبئة، إلى جانب السياسيين، والمحتجين، ومجموعات الضغط، ومجموعات أخرى من وكلاء التغيير، سياسة لا اسم لها.

يتساءل مونبيوت في الفصل الأول: «ماذا نمسي العصر الذي نعيش فيه؟ لم يعد عصرنا عصر المعلومات. فانهيار حركات التربية الشعبية تركت فراغاً ملأته نظريات المؤامرة والتسويق. مثل العصر الحجري، والعصر الحديدي، والعصر الفضائي، يبلّغنا العصر الرقمي بالكثير عن تحفنا الأثرية، لكن القليل عن المجتمع. والعصر الجيولوجي، الذي يمارس فيه البشر تأثيراً كبيراً في المحيط الحيوي، يفشل في تمييز هذا القرن عن الذي سبقه. ما التغير الاجتماعي الواضح الذي يميّز زمننا عن تلك الأزمنة التي سبقتها؟ بالنسبة لي، إنه واضح. هذا عصر الوحدة». يجد مونبيوت في فصول الكتاب أن الإيديولوجية التي تحكم حياتنا اليوم في كل تفاصيلها، ليس من النادر وجود من يتحداها فقط، بل من النادر حتى أن يتم تعريفها. ويقول: «في المحصلة، يبدو أنه ما من أحد يعرف أي اسم يطلق عليها. الليبرالية الجديدة؟ أصولية السوق؟ اقتصاد عدم التدخل؟ مع أنها نظام اعتقاد متناسق وواضح، وهي إيديولوجية تشترك فيها أكثر الحكومات وأحزاب المعارضة الكبرى، وتحدد كل شيء بدءاً من توزيع الثروة إلى التعامل مع الكوكب، إلا أنها من دون معيار أو اسم معترف به على نطاق واسع».

ويضيف في هذا السياق: «في الحقيقة، السوق الحرة هي بناء سياسي، غالباً ما يجب فرضها عبر العنف، مثلما حدث مع مجازر سوهارتو في إندونيسيا، وانقلاب أوغستو بينوشيه في تشيلي، وقمع الاحتجاجات ضد التعديل الهيكلي والتقشف في كل أنحاء العالم». ويرى أن الشركات والأقليات الحاكمة هي التي تهيمن على السوق، ويستخدمون مواقعهم للمطالبة بمعالجة خاصة: العقود، الإعفاءات الضريبية، الاتفاقيات، البيانات وسحق المقاومة والأشكال السياسية الأخرى. ويؤكد أنهم يوسعون من قوتهم ما وراء علاقاتهم التجارية من خلال ملكيتهم للإعلام وتمويلهم وتحكمهم بالأحزاب السياسية.

نسف الديمقراطية

وعن مفهوم التحرّر الذي تم الترويج له من قبل الليبراليين الجدد، يقول إن «التحرّر الذي يدافع عنه الليبراليون الجدد يعني التحرّر من المصالح المتنافسة، والتحرّر من مطالب العدالة الاجتماعية، ومن العوائق البيئية، وكذلك من المساومة الجمعية، ومن فرض الضرائب التي تمول الخدمات العامة. وهي تعني، باختصار، التحرر من الديمقراطية ونسفها». ويعلق بحزم: «من دون أصوات مضادة، وتسمية وتحدي السلطة، ستتلاشى وتموت الحرية السياسية. من دون أصوات مضادة، لا يمكن للعالم أن يصبح أفضل على الإطلاق. من دون أصوات مضادة، ستظل عمليات حفر الآبار مستمرة، كما ستبنى الجسور، ولكنها ستكون فقط للقلة. ولا شك أن الغذاء سينمو ويزداد، لكنه لن يصل إلى أفواه الفقراء. وسيتم تطوير أدوية جديدة، لكنها لن تكون في متناول الكثير من المحتاجين. فكّر كيف أن البيئات السياسية المختلفة تخلق أنظمة الصحة المختلفة بشكل راديكالي- والنتائج الصحية - في بلدان مع مستويات من النشاط الاقتصادي قابلة للمقارنة، عندما يتم السيطرة عليها من قبل إيديولوجيات معينة. أغلب أشكال الإنتاج والعبقرية - التي يمكن بطريقة ما تسخيرها لأجل الخير - يمكن أن يتم تعبئتها بهدف إلحاق الأذى بالمجتمع».

ويشير مونبيوت إلى أن الوحدة الاجتماعية لأكثر المهن الإنتاجية بشكل واضح تعتمد على الإطار الإيديولوجي الذي تعمل فيه، الإطار الذي تشكله الأصوات المتنافسة. الأصوات التي تكون مستقلة من السلطة البلوتوقراطية، والقادرة على توضيح المصالح ووجهات النظر التي تتعارض مع مطالبها، وهي بين الوسائل القليلة التي بسببها ربما يتم إعاقة سيطرتها على النشاط الإنتاجي. قيادة التغيير

يتحدث الكاتب عن نماذج عديدة من الحوادث والقضايا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة قائلاً: «للمرة الأولى، ديون المستهلك في المملكة المتحدة تتجاوز، الآن، إنتاجنا الوطني الإجمالي. ويظهر أحد التقارير أننا نملك 1.35 تريليون جنيه أسترليني. والمفتشون في الولايات المتحدة اكتشفوا أن 77 ألفاً من الجسور في حالة خطرة كالذي انهار في ميسيسبي في أغسطس(آب) 2007. وبعد سنتين من حدوث إعصار كاترينا في 2005، لا يزال 120 ألفاً من سكان نيو أورلينز يعيشون في منازل متحركة على عربات وغرف مفروشة بشكل مؤقت». ويضيف منتقداً: «ومع اقتراب تغير المناخ بشكل سريع، ترفض الحكومات اتخاذ الإجراءات اللازمة. فضلاً عن أن ازدهار اللامساواة يهدد بخلق مجتمعات أكثر تقسيماً مما شهدته البشرية منذ الحرب العالمية الأولى.

والأزمة الاقتصادية التي سببها الإقراض غير المنظم يمكن أن تطرد مئات الآلاف من منازلهم، وتثير شلالات من المشكلات الاقتصادية. إن هذه المشكلات تظهر بشكل غير مترابط، لكنها جميعاً تشترك في شيء واحد، وتنشأ في الجزء الأكبر منها من لقاء حدث قبل ستين سنة في منتجع سويسري، حيث تم وضع الأسس لفلسفة الحكومة المسؤولة عن العديد، ربما أكثر، أماتنا المعاصرة. فلسفتها التي عرفت فيما بعد باسم «الليبرالية الجديدة» تطابقت مع مصالح الناس الأكثر ثراء، وبالتالي فإن هؤلاء سوف يروجون لها». وعلق على هذه الفلسفة التي خلفت المآسي والحروب والدمار في أجزاء عديدة من العالم الليبرالية الجديدة تدعي أننا نحصل على خدمات أفضل مع التوسيع في تحرر السوق، والتدخل الأقل من قبل الدولة، حيث ترى أنه ينبغي أن يكون دور الحكومة محصوراً في خلق الأسواق والدفاع عنها، وحماية الممتلكات الخاصة، والدفاع عنها. أما كل الوظائف الأخرى فتقوم بتأديتها - على نحو أفضل - المشاريع الخاصة التي سيتم الترويج لها من خلال دافع الربح لتقديم الخدمات الأساسية. بهذه الوسيلة، تكون الأعمال ليبرالية، وتتخذ القرارات العقلانية ويتحرر المواطنون من اليد المهينة للكرامة البشرية للدولة. ويضيف أن الظروف التي تطالب بها الليبرالية الجديدة لكي تحرر البشر من عبودية الدولة - ضرائب بالحد الأدنى، تفكيك الخدمات العامة والأمن الاجتماعي، ورفع القيود عن الأسواق المالية والتجارية، وتعطيل النقابات - يمكن لها فقط أن تحدث هذه ولكن لتهيئة الظروف المطلوبة لجعل النخبة أكثر ثراء، بينما يبقى الجميع يغرق أو يسبح في بحر من المعاناة والأزمات والحروب.

ويختم كلامه في هذا السياق: «إذا ما بقيت الليبرالية الجديدة من دون مراجعة حقيقية، فسوف تثير الأزمات واحدة تلو الأخرى، ولكن كلها يمكن أن تحل من خلال تدخل أكبر من ناحية الدولة».

ويتحدث في الفصل الأخير من الكتاب عن القيم الاجتماعية والبيئة التي تؤثر فينا، وصياغة علاقاتنا مع بعضنا بعضا، وشكل هويتنا الاجتماعية التي تحتاج إلى تغيير في سياق يكون في خدمة الإنسان ورفاهيته، بعيداً عن مصالح الشركات والقلة التي تتحكم برأس المال، والفوضى التي تخلقها، ويقول: «يجب علينا أن نقود هذا التغيير بأنفسنا. فهؤلاء الذين لديهم قيم جوهرية عميقة يجب ألا يشعروا بالحرج أمام هؤلاء الذي يرغبون في الترويج لقيم تركز على المظاهر الخارجية التي في جوهرها تخدم مصالح الشركات. يجب علينا أن نناقش السياسات التي نريدها، ليس على أساس النفعية، بل على أسس تكون مفعمة بالتعاطف واللطف مع الآخرين، وتقف في وجه من يشجع الأنانية. بالتركيز على قيمنا نصنع التغيير الذي نريد أن نراه».

المؤلف في سطور:

جورج مونبيوت كاتب بريطاني معروف بمواقفه ونشاطاته البيئية والسياسية، من مواليد 1963 درس علم الحيوان، وتخصص خلال عمله مع»بي بي سي»في تقديم برامج بيئية، واشتغل كمحرر أخبار على الراديو في وحدة التاريخ الطبيعي، كما عمل صحفياً استقصائياً في عدد من دول العالم.

كتب في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، وله العديد من المؤلفات نذكر منها: «السهام المسمومة» (1989)، «مستجمعات المياه في الأمازون» (1991)، «رحلة استقصائية عبر كينيا وتنزانيا» (1994)، «دولة أسيرة: سيطرة الشركات على بريطانيا» (2000)، «سن الرشد: بيان لأجل نظام عالمي جديد» (2003)، «الحرارة: كيف توقف احتراق الكون؟» (2006).

ويعتبر جورج مونبيوت مؤسس حملة «الأرض أرضنا» السلمية، التي تهدف إلى حق الوصول إلى الريف وموارده في المملكة المتحدة، حيث أعاد من خلالها تعريف علاقة السكان مع العالم الحالي، وأطلق في يناير/كانون الثاني 2010 موقعاً إلكترونياً باسم»اعتقلوا بلير» وذلك لمحاسبة رئيس الوزراء البريطاني السابق وضرورة تقديمه للعدالة على الجرائم التي ارتكبتها ضد السلام.

ومن أهم القضايا التي يعمل عليها محاربة السلطة غير الديمقراطية، والفساد، وخداع الجمهور، وتدمير البيئة، والظلم وعدم المساواة وسوء تخصيص الموارد، والنفايات، وإنكار الحقوق، والسياسات التحرريّة التي تمنح حرية أكبر للأقوياء على حساب الضعفاء.

نعوم تشومسكي :كتاب من يحكم العالم؟

تاريخ النشر: 11/06/2016

تأليف: نعوم تشومسكي/عرض وترجمة: نضال إبراهيم

الخليج

أصبح المشهد العالمي قاتماً في ظل الإمبريالية الأمريكية التي زرعت الشقاق والفوضى في بقع عديدة من العالم، وخلفت دولاً مدمرة وشعوباً منهكة بسبب حروبها، هذا لسان حال أكثر المنتقدين لسياساتها الخارجية، البروفيسور نعوم تشومسكي الذي يعاين عن كثب في كتابه هذا تغير القوة الأمريكية، والتهديدات على الديمقراطية في العالم، ومستقبل النظام العالمي، وذلك من خلال تقديم تحليل عن الوضع الدولي الراهن، في ظل صعود أوروبا وآسيا، ويقف عند الكثير من المحطات التاريخية من علاقة الولايات المتحدة بكوبا إلى تطوراتها الأخيرة مع الصين، فضلاً عن مذكرات التعذيب والعقوبات على إيران، ويبين تشومسكي أن الخطاب الأمريكي الداعي إلى العدالة وحقوق الإنسان انحرف عن مساره ليخدم مصالح المؤسسات المالية والشركات الكبرى.

الكتاب صادر عن دار «ميتروبوليتان بوكس» الأمريكية في 307 صفحات من القطع المتوسط، 2016.

يوضح تشومسكي أهم النقاط التي تشكل تحدياً للقوة الأمريكية، ويناقش كذلك تأثير الحرب الأمريكية لمحاربة الإرهاب على العالم الإسلامي، وكيف أن أفغانستان والعراق عانتا من الويلات والجرائم البشعة، ويستعرض ذلك من خلال التطرق إلى مشاريع النخب الأمريكية التي لا تكترث بعواقب الحروب على الشعوب.

يسعى تشومسكي في عمله هذا إلى استكشاف سؤال «من يحكم العالم؟» كيف تقدم هؤلاء في جهودهم؟ وأين وصلت بهم هذه الجهود؟ ويتألف عمله من 23 فصلاً بعد المقدمة وهي: «مسؤولية المثقفين»، «الإرهابيون أرادوا إنهاء العالم»، «مذكرات التعذيب وفقدان الذاكرة التاريخي»، «اليد الخفية للقوة»، «الانحدار الأمريكي: الأسباب والعواقب»، «هل انتهت أمريكا؟»، «الماجنا كارتا (الوثيقة العظمى) مصيرها ومصيرنا»، «الأسبوع الذي وقف فيه العالم صامتاً»، «اتفاقيات أوسلو: سياقاتها ونتائجها»، «عشية الدمار»، «««إسرائيل»» - فلسطين: الخيارات الحقيقية»، «لا شيء للآخرين.. الحرب الطبقية في الولايات المتحدة»، «لمن الأمن؟ كيف تحمي واشنطن نفسها وقطاع الشركات؟»، «غضب»، «كم عدد الدقائق إلى منتصف الليل؟»، «إيقاف النيران التي لم تتوقف انتهاكاتها أبداً»، «هل الولايات المتحدة دولة إرهابية بارزة؟»، «حركة أوباما التاريخية»، «طريقان»، «يوم في حياة قارئ لصحيفة نيويورك تايمز»، «التهديد الإيراني: من الخطر الأكبر للسلام العالمي؟»، «ساعة القيامة»، «أسياد البشرية».

ويشير في مقدمته إلى أنه منذ الحرب العالمية الثانية تقوم الولايات المتحدة بفرض تأثيرها في السياق العالمي، وتلعب دوراً في العديد من الصراعات والدول مثل: ««إسرائيل»»/ فلسطين، إيران، أمريكا اللاتينية، الحرب على الإرهاب، المنظمات الاقتصادية الدولية، حقوق الإنسان ومسائل العدالة، والكثير من القضايا المتعلقة ببقاء الحضارة الإنسانية على صعيد الحرب النووية والدمار البيئي، ويعلق: «قوتها على العموم، بدأت تتلاشى منذ أن وصلت إلى ذروتها التاريخية في عام 1945، ومع الانحدار الحتمي، فإن قوة واشنطن إلى حد ما أصبحت مشتركة مع الحكومة العالمية الفعلية ل «أسياد الكون» في «العصر الإمبريالي الجديد»، في إشارة إلى مجموعة السبع إلى جانب المؤسسات التي يتحكمون بها مثل صندوق النقد الدولي ومنظمات التجارة العالمية.

يؤكد تشومسكي أن «أسياد الكون» اليوم، ليسوا بالتأكيد الشعوب، حتى في الدول الديمقراطية ليسوا هم، فتأثيرهم محدود فيما يتعلق بالقرارات الخاصة بالسياسة والتخطيط، مشيراً إلى أن النخب الاقتصادية والمجموعات المنظمة وحدها تملك التأثير في القرارات الأمريكية، في حين أن المواطنين الأمريكيين لا يملكون إلا القليل من التأثير، وأحياناً لا يملكون بحسب باحثين بارزين يستشهد بهم تشومسكي.

أسياد البشرية؟!

خلال فصول الكتاب التي ذكرناها في الأعلى يحاول تشومسكي الإجابة عن سؤاله «من يحكم العالم؟» ويقول «عندما نسأل هذا السؤال، نتبنى في العادة الإجماع العام أن الأطراف الفاعلة في الشؤون العالمية هي الدول، وعلى رأسها القوى العظمى، ونفكر في قراراتها والعلاقات فيما بينها. هذا ليس أمراً خاطئاً. ولكن سنقوم بعمل جيد لو أخذنا في الاعتبار أن هذا المستوى من التعبير التجريدي يمكن أيضاً أن يكون مضللاً للغاية».

ويضيف: «الدول، بطبيعة الحال، لديها هياكل داخلية معقدة، والخيارات والقرارات الصادرة عن القيادة السياسية تتأثر بشكل كبير بالكتلة الداخلية المركزة في السلطة، في حين يتم تهميش السكان عموماً. هذا صحيح حتى بالنسبة لأكثر المجتمعات الديمقراطية. ولا يمكننا الحصول على فهم واقعي عمن يحكم العالم، بينما نتجاهل «أسياد البشرية»، كما سماهم الفيلسوف والاقتصادي الاسكتلندي آدم سميث في عصره، حيث قصد التجار والصناعيون من إنجلترا، أما في عصرنا، هؤلاء الأسياد هم التكتلات متعددة الجنسيات، والمؤسسات المالية الضخمة، إمبراطوريات التجزئة وما شابه ذلك».

ويشير إلى أنه بمتابعة سميث، أيضاً من الحكمة أن نأتي إلى «القول الدنيء» ل «أسياد البشرية» وهو: «كل شيء لنا، ولا شيء للآخرين» - وهو مبدأ معروف بطريقة أو بأخرى كحرب طبقية مريرة ومستمرة، في كثير من الأحيان من جانب واحد، ويكون على حساب الشعوب والعالم على نحو كبير.

ويؤكد أنه في النظام العالمي المعاصر، المؤسسات التي لأسياد البشرية سلطة هائلة عليها، ليس فقط في الساحة الدولية ولكن أيضاً داخل بلدانها الأصلية، يعتمدون عليها لحماية سلطتهم وتقديم الدعم الاقتصادي من خلال مجموعة واسعة من الوسائل.

القوة العظمى الثانية

يبين تشومسكي أهمية قوة الاحتجاجات الشعبية وتأثيرها في القرارات السياسية والتي تعتبر مصيرية لشعوب دول أخرى، قائلاً: «ركزت برامج الليبرالية الجديدة من الجيل الماضي على وضع الثروة والسلطة في أيدي قلة قليلة، في حين أنها أضعفت الديمقراطية الحقيقية، لكنها أثارت المعارضة أيضاً، وأبرزها في أمريكا اللاتينية، وأيضاً في مراكز القوى العالمية. وأصبح الاتحاد الأوروبي، أحد أكثر التطورات الواعدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، يترنح بسبب التأثير القاسي لسياسات التقشف خلال الركود، الأمر الذي لقي إدانة حتى من قبل الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي. وقد تم تقويض الديمقراطية، حينما انتقل صنع القرار إلى بيروقراطية بروكسل، مع إلقاء البنوك الشمالية بظلالها على إجراءاتها».

ويوضح: «وأصبحت الأحزاب الرئيسية تخسر بسرعة أعضاء لصالح اليسار واليمين. وعزا المدير التنفيذي لمجموعة أبحاث «يوروبانوفا» ومقرها باريس، الاستياء العام إلى «مزاج العجز الغاضب حيث إن القوة الفعلية لصياغة الأحداث تحولت إلى حد كبير من القادة السياسيين الوطنيين (الذين، من حيث المبدأ على الأقل، كانوا يخضعون للسياسة الديمقراطية) إلى السوق، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي والشركات»، حيث يأتي الأمر تماماً في صيغة اتفاق مع مذهب الليبرالية الجديدة».

ويضيف: «تجد أن عمليات مماثلة جداً جارية في الولايات المتحدة، لأسباب مشابهة إلى حد ما، وهي مسألة ذات أهمية وتثير القلق ليس فقط بالنسبة للبلاد لكن، بسبب قوة الولايات المتحدة في العالم. وتسلط المعارضة الصاعدة في وجه الهجوم النيوليبرالي الضوء على جانب مهم آخر على القول الدارج: إنه يضع الجمهور جانباً، والذي غالباً ما يفشل في قبول الدور المسند له ك «متفرج» (بدلاً من «مشارك») في النظرية الديمقراطية الليبرالية. وكان مثل هذا العصيان دائماً مصدر قلق للطبقات المسيطرة في تاريخ الولايات المتحدة».

جريمة غزو العراق

يشير تشومسكي إلى أنه كثيراً ما يقال إن «المعارضة الشعبية الهائلة لغزو العراق لم يكن لها تأثير. الأمر يبدو غير صحيح بالنسبة لي». ويعلق: «أحياناً تختار الدول اتباع الرأي العام، منتزعة بذلك الكثير من الغضب في مراكز السلطة. وكان الحال كذلك في عام 2003، عندما دعت إدارة بوش تركيا للانضمام إلى غزوها للعراق. حيث عارض 95 في المئة من الأتراك هذا التحرك».

ويشير إلى أن الجمهور التركي لم يكن وحده في هذه المعارضة، فقد كانت المعارضة العالمية للعدوان الذي شنته الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى كاسحة. ويضيف: «بالكاد ما يصل الدعم لخطط حروب واشنطن إلى 10٪ في أي مكان تقريباً، وفقاً لاستطلاعات الرأي الدولية. كما أثارت المعارضة احتجاجات ضخمة في جميع أنحاء العالم، وفي الولايات المتحدة أيضاً، ربما كانت المرة الأولى في التاريخ التي لقي فيها العدوان الإمبريالي احتجاجاً بهذه الشدة حتى قبل إطلاقه رسمياً»

ويذكر: على الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك تايمز، قال الصحافي باتريك تايلر إنه «ربما لا يزال هناك قوتان عظيمتان في العالم: الولايات المتحدة والرأي العام العالمي». ويشير إلى أن الحركة الشعبية المناهضة للحرب أصبحت قوة لا يمكن تجاهلها، الآن، وحتى في السابق عندما جاء رونالد ريغان إلى السلطة مصمماً على شن هجوم على أمريكا الوسطى، حيث قامت إدارته بمحاكاة الخطوات التي اتخذها جون كيندي قبل 20 عاماً عند شن الحرب ضد فيتنام الجنوبية، لكنها اضطرت إلى التراجع بسبب هذا النوع من الاحتجاج الشعبي القوي الذي لم يكن متواجداً بذاك الزخم في سنوات الستينات.

ويجد أن الغزو على العراق كان مرعباً بشكل لا يمكن تصوره، وتداعياته كانت بشعة تماماً. ومع ذلك، كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير، لولا الاحتجاجات الشعبية التي عارضت هذا الشكل من الغزو.

نقاط مهمة في الصراع

إن مسألة «من يحكم العالم؟» - يقول تشومسكي في الفصل الأخير من هذا العمل - يقود على الفور إلى قلاقل مثل صعود نفوذ الصين على المستوى العالمي، وتحديها للولايات المتحدة و«النظام العالمي»، والحرب الباردة الجديدة التي تنضج بهدوء في أوروبا الشرقية، والحرب العالمية على الإرهاب والهيمنة الأمريكية والانحدار الأمريكي، ومجموعة من الاعتبارات المماثلة«. ويتحدث عن ثلاث نقاط تعتبر بالغة الأهمية في الصراع على النفوذ العالمي، وهي: شرق آسيا بدءاً من الباسيفيك والتي يشبهها ك»بحيرة أمريكية»، خاصة أن الفترة الأخيرة شهدت قضية خلافية حول تحليق القاذفات الأمريكية في مهمة فوق بحر الصين الجنوبي.

كما يتحدث تشومسكي عن التطورات الصينية في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم دول آسيا الوسطى وروسيا، ومن المحتمل أن تضم إليها الهند وباكستان وإيران، وهو ما يمكن اعتباره إحياء الصين طريق الحرير القديم، ويمكن لها أن تصل إلى أوروبا، ويتضح ذلك من خلال برامجها التنموية في عدد من الدول.

كما يذكر إقامة الصين في عام 2015، البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والتي شاركت في افتتاحها دول كثيرة، إذ يمكن أن يصبح منافساً لمؤسسات «بريتون وودز» (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)، الذي تملك الولايات المتحدة حق النقض فيها. وهناك أيضاً بعض التوقعات بأن منظمة شنغهاي قد تصبح في نهاية المطاف النظير لحلف شمال الأطلسي.

أما النقطة الثانية وهي التحدي القادم من أوروبا الشرقية، حيث توجد أزمة على الحدود الأطلسية الروسية، تعود بجذورها إلى سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي ليست مسألة صغيرة، إذ إن توسع الأطلسي باتجاه جورجيا وأوكرانيا يعتبره الكثير «خطأ سياسياً قبل أن يكون مأساوياً»، وهو أمر أعلن عنه الحلف بصراحة في 2008 بصيغة لا لبس فيها، حيث أشار إلى أن:»حلف شمال الأطلسي يرحب بتطلعات أوكرانيا وجورجيا الأطلسية للحصول على عضوية في حلف شمال الأطلسي». الأمر الذي يعتبر تهديداً لمناطق نفوذ روسيا ومصالحها الأساسية بحسب تشومسكي.

أما النقطة الثالثة فهي «العالم الإسلامي» والتي يقف عندها تشومسكي إذ يجدها من التحديات البارزة، حيث تعد مسرحاً للحرب العالمية على الإرهاب التي أعلن شنها جورج دبليو بوش في ال11 من سبتمبر/أيلول من عام 2001 بعد الهجوم الإرهابي على برجي التجارة في نيويورك، ولا يجده تشومسكي إعلاناً مستقلاً بحد ذاته، بل إعادة إعلان، إذ إن ريغان عندما تولى منصبه، تحدث في خطاب محموم عن الإرهاب وما سماه جورج شولتز وزير خارجيته «عودة إلى البربرية في العصر الحديث»، وما ينتقده تشومسكي هو تحولها بسرعة كبيرة إلى حرب قاتلة ومدمرة عانت منها دول كثيرة، مع تداعيات لها حتى الوقت الحاضر، وتدان عليها الولايات المتحدة.

يتحدث عن الحرب الأمريكية في أفغانستان، التي كلفت الأفغان الكثير من الدماء والمعاناة والدمار، ويتوقف عند الهدف التالي لإدارة بوش وهو العراق، حيث يشير إلى أن الغزو ​​الأمريكي - البريطاني للعراق جريمة كبرى في القرن ال 21. إذ أدى إلى مقتل مئات الآلاف من الناس في بلد كان يعاني في السابق دمار المجتمع المدني فيه، بسبب العقوبات الأمريكية والبريطانية التي كانت تعتبر أشبه ما يكون ب «الإبادة الجماعية. فضلاً عن أن الغزو خلف ملايين اللاجئين، وحرض على الصراع الطائفي الذي يعانيه العراق وكذلك المنطقة بأسرها».

ويذكر أن استطلاعات وزارة الدفاع الأمريكية والبريطانية وجدت أن 3٪ فقط من العراقيين اعتبروا الدور الأمني للولايات المتحدة في أحيائهم تتسم بالشرعية، وأقل من 1٪ اعتقدوا أن «التحالف المكون من (الولايات المتحدة وبريطانيا) كان جيداً لأمنهم، في حين أن 80٪ منهم عارضوا وجود قوات التحالف في البلاد، والأغلبية دعمت الهجمات ضد قوات التحالف. ويؤكد أن الولايات المتحدة عانت من هزيمة قاسية في العراق، وتخلت عن الأهداف الرسمية للحرب، وغادرت العراق لتتركه تحت تأثير المنتصر الوحيد، إيران. كما يشير تشومسكي إلى الدور السلبي لكل من (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) في ليبيا، التي أصبحت مرتعاً للإرهاب، بعد أن أصبحت في حالة من الخراب والدمار، تعيث فيها الميليشيات المتحاربة فساداً.

نبذة عن المؤلف

نعوم تشومسكي: عالم في اللغويات واللسانيات، وفيلسوف أمريكي، من بين أبرز المنتقدين للسياسة الخارجية الأمريكية في العالم، وأكثر من يستشهد بآرائه في الكتب آخر مئة عام. نشر عشرات الكتب المؤثرة، والمقالات عن السياسة الدولية والتاريخ واللغويات. ومن بين كتبه الأخيرة: «أسياد البشرية»، و«آمال وتوقعات»، «واشنطن وفاشية العالم الثالث» بالتعاون مع إدوارد س. هيرمان.

نيك بوكستون وبن هايز : كتاب كيف تتحكم الشركات والمجمع العسكري بمناخ العالم؟

تاريخ النشر: 02/07/2016

الخليج

 تأليف: نيك بوكستون وبن هايز/عرض وترجمة: نضال إبراهيم

في الوقت الذي يشعر فيه العلماء والعديد من سكان العالم باليأس في كشف تداعيات تغير المناخ، والسعي لوضع ضوابط على الشركات والدول، إلا أن قادة الشركات وما يسمى في هذا العمل المجمع الصناعي الأمني العسكري لهم رؤية مختلفة تجاه هذه الأزمة المناخية، إذ إن الأمر يحمل التحديات والفرص الواعدة، حيث يجدون أن ذوبان القمم الجليدية يعني إمكانية الوصول بشكل أسرع إلى الوقود الأحفوري، وتأمين الحدود من «لاجئي المناخ»، وإدارة الصراعات الاجتماعية، والتدخل في أكثر الدول الفاشلة. كما تفكّر النخب القوية بشكل أعمق في كيفية إحكام السيطرة على العالم الذي يعاد تشكيله تدريجياً من خلال المناخ. باختصار يمكن القول إن أزمة المناخ التي سيتضرر الكثيرون منها في العالم بسبب الجفاف والفيضانات.. هناك من يخطط للاستفادة منها والمتاجرة بكوارث الآخرين وتأجيج الصراعات واستثمارها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً.

ينظر الكتاب الذي بين يدينا إلى الأساليب المستخدمة في التعامل مع قضية تغير المناخ بعين ناقدة للغاية، ويجد أن شرعية النخبة العالمية تحت ضغط غير مسبوق، بفعل مقاومة المجتمعات المحلية إلى انتزاع الموارد وخلق نماذج عادلة جديدة بيئياً واجتماعياً فقط لإدارة الطاقة والغذاء والمياه. ويشير إلى أن هناك حاجة ماسة للتكيف والقدرة على التكيف مع عالم يشهد فيه المناخ تغيراً، إلا أن الشكل الذي سوف يتخذه سيؤثر بشكل كبير على كل مستقبلنا.

يتألف الكتاب الصادر عن دار«بلوتو برس» في 268 صفحة، 2016، من ثلاثة أقسام، يحتوي كل قسم منها على مجموعة من المقالات الموثوقة التي كتبها صحفيون وأكاديميون مرموقون، وناشطون سوف يصوغون أهم المناقشات للسنوات القادمة.

أجندة أمنية

يتناول القسم الأول بعنوان «أجندة أمنية» الطريقة التي تسعى فيها الدول والشركات للاستفادة من تغير المناخ لخدمة غاياتها الخاصة. ونستكشف في الفصل الأول منه بعنوان «التقارب الكارثي: العسكرة، الليبرالية الجديدة وتغير المناخ» بقلم كريستيان بارينتي، جغرافيات العنف الجديدة والروابط بين المناخ والنزاعات وانعدام الأمن. ويقول الصحفي والباحث الأمريكي بارينتي إن تغير المناخ قد كان عاملاً مهماً في مجموعة كاملة من الصراعات وقد تم تجاهله، ولا سيما في مناطق خطوط العرض الوسطى في العالم، والتي تأثرت على نحو أكثر بالتغيرات في أنماط الطقس. ويقدم بارينتي شهادته بعد رحلات له في أجزاء عديدة من العالم، أهمها أفغانستان وكينيا والهند، ويستنتج محررا الكتاب أن الإحباط الذي حدث لدى الجماهير العربية كان مرتبطاً بتغير المناخ، ولو بشكل جزئي، حيث زادت الهجرات الداخلية وقلّت الموارد الزراعية، ما أدى إلى المساعدة في تفجر الوضع في الدول التي سميت بما يعرف دول «الربيع العربي».

يوضح بارينتي كيف أن الأزمة البيئية التي تصطدم مع الإرث الثنائي لعسكرة الحرب الباردة واقتصادات السوق الحرة التي أطلق لها العنان لتأجيج الصراعات القائمة، وخلق أنماط جديدة من العنف، وكيف أن دول شمال الكرة الأرضية وغيرها في الجنوب تستجيب من خلال المزيد من القمع والمراقبة وبرنامج دائم لمكافحة التمرد. ويشير بارينتي إلى أن الكثير من أعمال العنف لها جذور في الصراعات بشكل لا يتجزأ داخل اقتصاد الوقود الأحفوري العالمي، حيث تبع العنف باستمرار استخراج النفط، بدءاً من قمع السكان في مناطق استخراجه، إلى الصراعات الجيوسياسية العملاقة التي دمرت وشوهت السياسة في الشرق الأوسط.

استعمار المستقبل

في الفصل الثاني بعنوان «استعمار المستقبل: تغير المناخ واستراتيجيات الأمن الدولي» يدرس الباحث ​​بن هايز الاستراتيجيات الأمنية التي تسعى لمعالجة آثار تغير المناخ. ويفكك عقيدة «التهديد المتعدد» من قبل حلف «الناتو» و«البنتاغون» والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من الجهات التي تؤطّر تغير المناخ وتجعله قضية أمنية من أجل تعزيز دورهم في إدارة آثاره. ويعلق: «إن تقييم التهديد على المدى الطويل هو الشيء الذي تدعي الوكالات العسكرية والأمنية أنها مكلفة للقيام به من أجل المصلحة العامة، ومع ذلك، هناك خطر كامن في الحرية والديمقراطية، من خلال السماح لهذه الوكالات بأن تلعب دوراً رائداً في هذا المجال، لأنها من الناحية الهيكلية والأيديولوجية تميل لتطبيق مجموعة محدودة من الاستجابات الأمنية الصعبة، والتي تعتمد على النموذج الذي يسعى للحفاظ على السيطرة بدلاً من معالجة المشكلات. هذه الأيديولوجية والممارسة تخدم أيضاً مصالح أولئك الذين لديهم السلطة والموارد. وهي بحكم طبيعتها، تناهض الإجراءات التي ستسعى إلى إعادة توزيع السلطة والثروة، وبالتالي معالجة حالات عدم المساواة هي في قلب أزمة المناخ. وهذا يمكن أن يظهر بوضوح في تفاصيل الاستراتيجيات الأمنية العسكرية التي تركز على كيفية حماية الأصول والموارد وسلاسل التوريد ضد عدم الاستقرار الاجتماعي الناجم عن تغير المناخ.

ويستكشف الفصل أيضاً العلاقة بين السياسة الأمنية وسياسة الندرة، التي ولدت معاً مجموعة كاملة من القصص الفرعية مثل الأمن الغذائي والأمن المائي وأمن الطاقة، وهلم جرا.

أما الفصل الثالث من هذا القسم بعنوان «تغير المناخ: كيف تدير الشركات العابرة للحدود المخاطر وتستعد للربح في عالم يشهد تغيراً سريعاً للمناخ» يناقش فيه عالم المناخ والباحث والناشط أوسكار ريس، الناحية المؤسسية للخطة الجديدة للأمن من خلال عدسة إدارة «الخطر» وتشجيع «مرونة» الشركات، وبعبارة أخرى، تحقيق الربح المستمر. يشرح ريس كيف أن قصة الأمن تم الاستيلاء عليها من قبل نخب الشركات للدفاع عن الوضع الراهن وتعزيز سلطتهم، حيث يجد أن تغير المناخ يجلب على حد سواء المخاطر للشركات مثل فائض في المستودعات أو انقطاع طرق التجارة، ويتوضح الأمر من ناحية نشوء أسواق جديدة، وطرق إمداد جديدة وتغيرات في أنماط الاستهلاك. ويرى أن المستفيد الأكبر هو الشركات الرأسمالية، ويقول: «ومع ذلك من الناحية المالية، فإن هذه الشركات نفسها تستثمر في الأنشطة غير المستدامة بعمق، ومن الناحية السياسية تمارس نفوذها لمنع التدخلات في المناخ، وتروج لخبراتها التكنوقراطية على أنها الحل لأية مشكلة تظهر».

توقع الاضطرابات

يتناول القسم الثاني من هذا الكتاب بعنوان «الأمن لأجل من؟» أربع سمات محددة من أجندة تغير المناخ للشركات - الدولة، من حيث صلتها بالتكيف مع تغير المناخ. ومن المفهوم أن التكيف مع تغير المناخ هو الجهود المبذولة للحد من ضعف النظم البشرية والطبيعية والاجتماعية التي تخلف تأثيرات على تغير المناخ. ويناقش أن المدن والمؤسسات والحكومات تحتاج بوضوح إلى الاستثمار في جهود التكيف لحماية الناس من التأثيرات المناخية السلبية.

ويضم أربعة فصول: في الفصل الأول منه بعنوان «حالة طوارئ دائمة: الطوارئ المدنية، إدارة المخاطر وحقوق الإنسان» يبحث الصحفي نافيز أحمد الذي شاركه في الكتابة (نيك باكستون وبن هايز) في كيفية استعداد الحكومات لمواجهة الكوارث «الطبيعية» مع «الطوارئ المدنية» و«التأهب للكوارث». ويقول: «في جميع أنحاء العالم، أضافت دول عديدة قوانين جديدة تنص على تعليق عمل المؤسسات الديمقراطية وتقييد الحريات المدنية في أوقات الأزمات. في كثير من الحالات، هذا التشريع يبنى على ويمتد حتى إلى القوى المعتمدة سابقاً في زمن الحرب. وفي الوقت نفسه، تراجع مستوى استدعاء تلك القوى من حالة الطوارئ إلى أي وقت من حدوث «أزمة» ما». ويضيف: «في الوقت الذي يكون فيه من الشرعي والمرغوب فيه بالنسبة للحكومات التخطيط للأسوأ، من الواضح أن جزءاً كبيراً من هذا التخطيط متعلق ب «التهديد» الذي فرضه المواطنون على الحكومات». يظهر نافيز أن هذه القوى في حالة «الطوارئ» تستند على اتخاذ تدابير استثنائية والآن دائمة، تحت مسمى «الحرب على الإرهاب». في مرحلة ما بعد «احتلوا وول ستريت»، وما يسمى «الربيع العربي» أصبحت الأجهزة الأمنية مشغولة على نحو متزايد مع إدارة وتوقع الاضطرابات الاجتماعية، التي تستند على النشاط الاجتماعي الراديكالي.

لاجئو المناخ

ويتطرق الفصل الثاني من القسم الثاني بعنوان «من حماية اللاجئين إلى الإقصاء القائم على العسكرة: ما هو مستقبل لاجئي المناخ؟» بقلم بن هايز وستيف رايت وأبريل هامبل، إلى مناقشة مستقبل هؤلاء الذين يفرون من بلدانهم بسبب عواقب تغير المناخ عليهم، ويتوجهون إلى الدول الغربية التي تقيم أسيجة قوية لصدهم، ويشير الكتاب إلى أن المطلوب هو ابتكار تصنيف قانوني جديد لهذا النوع من اللجوء وهو «اللجوء البيئي». ثم يعاين الفصل الثالث بعنوان «الإصلاح فيه: الهندسة الجيولوجية طريقنا للخروج من الأزمة المناخية؟» بقلم كاثي جو ويتر وسيلفيا ريبيرو وإي تيسي غروب، مصالح الشركات والمصالح العسكرية التي تعزز الهندسة الجيولوجية للمناخ في تخفيض درجات الحرارة ومنع تأثيراتها الضارة.

ويناقش الفصل الرابع بعنوان وفاة الغسل الأخضر: «تغير المناخ وتجارة الأسلحة» بقلم ناشط السلام الهولندي مارك أكريمان، بعض الردود على نطاق أوسع من المجمع الصناعي العسكري العالمي إلى تغير المناخ. ويقول: «في أعقاب تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك، إن ما يمكن وصفه بشكل أكثر دقة بالمجمع الصناعي الأمني العسكري أصبح قوياً للغاية. في العام 2013، بلغ الإنفاق العسكري العالمي نحو 1.7 تريليون دولار، وهو 130 مرة أكثر من الإنفاق الإنساني المخطط له، فضلاً عن تقزيم أي استثمار في تغير المناخ. ويضاهي الإنفاق العسكري الأمريكي إنفاق تسعة أعلى منفقين عالميين بالإجماع، مع سعي أكثر للشركات للحصول على حصة كبيرة في الكعكة». ويضيف: «نشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيقاً في العام 2010، كشفت فيه عن وجود 1931 شركة خاصة تستفيد من ميزانية الاستخبارات، والتي أصبحت أكثر من الضعف بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. إن الشركات تجني أرباحاً ضخمة من هذه الصناعة القائمة على الخوف المتنامي، والذي بات من الواضح أن هناك مصلحة في تأجيج خطره على وسائل الإعلام، وإثارة الكثير من الجدل السياسي حوله، حيث يتم إقناع الجمهور أن هناك مستقبلاً خطيراً غير آمن، وكل ذلك من أجل التشجيع على الحلول الأمنية».

عالم يتغيّر

يلقي القسم الثالث من العمل نظرة نقدية على الخطابات الجديدة للشركات - الدولة عن الغذاء والماء وأمن الطاقة. والقاسم المشترك هو رؤية العالم الإنجليزي في السكان توماس روبرت مالتوس للندرة التي تتوقع نقصاً في المستقبل نظراً للنمو السكاني إلى جانب قيود المناخ. والحل المقترح المهيمن على هذه الحالة من «انعدام الأمن» هو نفسه دائماً: التوسع في الإنتاج، وتشجيع المزيد من الاستثمارات الخاصة ومشاركة واستخدام التكنولوجيات الجديدة للتغلب على العقبات. ويحتوي هذا القسم على أربعة فصول هي: الأول بعنوان «زرع انعدام الأمن: الغذاء والزراعة في زمن تغير المناخ» بقلم نيك بوكستون وزو برنت وآني شاتاك، والثاني بعنوان «في المياه العميقة: مواجهة أزمتي المياه والمناخ» بقلم ماري آن ماناهان، والثالث بعنوان «السلطة إلى الناس: إعادة التفكير بأمن الطاقة» من موقع «بلاتفورم لندن».

ويشير محررا الكتاب في الخاتمة بعنوان «إيجاد الأمن في عالم يشهد تغير المناخ» إلى أن نظام الطاقة لدينا في أزمة. ففي كل سنة، يتم إنتاج المزيد والمزيد من الطاقة، ومع ذلك، فإن 1.6 مليار شخص، أي ما يعادل حوالي 20 بالمئة من سكان العالم، لا تصلهم الطاقة الكهربائية بشكل منتظم. وفي السنوات المقبلة، من المتوقع حدوث ازدياد كبير في استخدام الوقود الأحفوري، وهذا سوف يجعل قدرتنا على التحكم بالاحتباس الحراري مستحيلة. ومن الواضح أنه عندما يتحدث صنّاع السياسة عن أمن الطاقة، لا يقصدون من وراء ذلك ضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، أو منع الكارثة المناخية. بدلاً من ذلك، تجدهم مهووسين بقضية واحدة وهي كيفية إنجاز الإمدادات المستمرة للنفط والغاز والفحم إلى السوق في المستقبل.

ويشير الكاتبان إلى أنه لأجل مستقبل طاقة مستدام وعادل يجب كسر قبضة مصالح النخبة على أنظمة الطاقة، وإنهاء التبعية، وتوسيع الحكم الذاتي، وبناء هياكل الطاقة المتنوعة، ويضيف أنه في السنتين الأخيرتين، اكتسب مصطلح «ديمقراطية الطاقة» شعبية كبيرة، ناشئة عن الحركات المطالبة بالعدالة والتي تنشط في قضية المناخ، وهو مبدأ قادر على دمج قضايا الطاقة والمناخ بهدف التفكير في احتياجات الناس والكوكب. ويعلق: «إن طبيعة الديمقراطية هي التنوع: ليس هناك من مخطط واحد يصلح لكل الأوضاع، لكن هناك أيضاً قوة له. وأي مستقبل مرن للطاقة سوف يتألف من مشاعات الطاقة، وتكافلاتها وممارساتها وأفكارها. وهي أيضاً خطوة حاسمة في إعادة تصور لمجتمعنا الراهن، والذي يتحدى نظاماً نيوليبرالياً، يقوم على ضمان الحدود والمصادر لأكثر الناس نفوذاً، بدلاً من السعي بشكل جمعي إلى تلبية احتياجات الجميع».

مارك دانر :ميركا ومستنقع الحرب الدائمة ضد الإرهاب

تاريخ النشر: الجمعة 01 يوليو 2016

الاتحاد

يُعتبر الكاتب والصحافي الأميركي مارك دانر من الأصوات التي اشتهرت بانتقادها للغزو الأميركي لأفغانستان في 2001 والعراق في 2003. كما أنه من المنتقدين لأخطار فكرة «الاستثناء الأميركي» في القرن الحادي والعشرين، ويُعتبر كتابه الجديد «الدوامة.. العلوق في الحرب الدائمة»، استمرارا لنفس الأفكار التي خطّها في كتب ومقالات صحفية سابقة.

تبدأ القصة بالطبع مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر على مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأميركية، ورد الولايات المتحدة الغاضب عليها. ردٌّ كان العنصر الأساسي فيه هو تشريع يسمى «ترخيص استعمال القوة العسكرية» الذي وقّعه الرئيس جورج دبليو. بوش وحوّله إلى قانون بعد أيام قليلة على 11 سبتمبر ومازال معمولا به (ويعدَّل ويوسَّع تدريجيا) منذ ذلك الوقت.

كان هذا التشريع موجَّهاً في الأصل ضد الحكومات والمجموعات التابعة لها المرتبطة ارتباطا مباشرا بهجمات 11 سبتمبر، لكنه يُستعمل اليوم لتبرير أعمال ضد تنظيمات منشقة لم تكن موجودة وقت الهجمات. والحال أن ذلك الغزو، مثلما أشار إلى ذلك دانر وآخرون في السنوات الأخيرة، هو الذي ساعد على خلق أرضية ملائمة لتفريخ مثل هذه المجموعات المنشقة.

ويصف المؤلف الاستعمال الحالي للقوة العسكرية باعتباره دوامة تسحب نحو الأسفل لا تُبدي الولايات المتحدة أي مؤشر على الانفلات منها. ويكتب من منظور مواطن أميركي يشعر بالغضب والخيانة فيقول: «إن العواقب السياسية والقانونية للحرب المفتوحة على الإرهاب مازالت تأسرنا، من الرئيس نزولاً، في شبكة من المفارقات السامة».

تلك المفارقات تتمحور حول ما يشير إليه المؤلف باسم «وضع الحرب الدائمة»، مستعيراً تعبيراً كان الرئيس باراك أوباما قد استخدمه ذات يوم، وضع تصبح فيه حالة الاستثناء عادية وحالة الطوارئ هي الوضع العادي الجديد. فقد قام الرئيس أوباما في وقت متزامن برفض وتوسيع أساليب بدأ استعمالها من قبل الرئيس بوش في أعقاب 11 سبتمبر. وباسم هذا الوضع العادي الجديد، تم تقليص أو تقييد بعض من أهم حقوق الأميركيين وحرياتهم. وهكذا، أصبحت جوانتانامو، والاعتقال اللانهائي، وحرب الطائرات من دون طيار، وأساليب الاستنطاق المعززة، وعمليات التعذيب، والتنصت من دون إذن قضائي.. كلها كلمات معتادة وغير صادمة في الولايات المتحدة، رغم أنها محظورة وفق كل من القانون الأميركي والقانون الدولي.

غير أنه بدلاً من أن تعمل على إنهاء تلك الأساليب، قامت إدارة أوباما بالتطبيع معها. وبدلا من أن تعتمد في أعمالها على الممارسة السرية للسلطة الرئاسية، مثلما كان يفعل بوش في أحيان كثيرة، بحثت إدارة أوباما وعملاؤها في أجهزة الاستخبارات عن طرق ووسائل لتأسيس أعمالها على أرضية قانونية غير واضحة، أو توسيع قوانين حالية «بريئة» بحيث تصبح قادرة على استيعاب تجاوزات ممكنة مستقبلا. وجميعها أشياء يشدد دانر على ضرورة النظر إليها باعتبارها مخالفة للقانون وتستحق التنديد أيضا.

ويكتب دانر يقول بغير قليل من الأسف والحسرة: «إن إحدى العواقب المؤسفة للحرب على الإرهاب أن كثيرا من الأميركيين باتوا اليوم مقتنعين بأن البلد لا يمكن أن يكون محمياً بالقدر الكافي من دون انتهاك القانون».

محمد وقيف

الكتاب: الدوامة.. العلوق في الحرب الدائمة

المؤلف: مارك دانر

الناشر: سايمون آند شوستر

تاريخ النشر: 2016

جارسيا مارتينز  :«فوضى القرد» كتاب جديد يرصد انتهاكات مؤسس «فيس بوك»

الأربعاء 06/يوليه/2016 - 02:18 م

رضا علي

نشر أنطونيو جارسيا مارتينز – موظف سابق لشركة فيس بوك – كتابًا مثيرًا للجدل، حيث أسماه بـ "فوضى القرد: ثروة فاحشة وفشل عشوائي في وادي السيليكون"، مع سرد العديد من الشكاوى والمشكلات الداخلية – من وجهة نظره – لكل من فيس بوك، ومارك زوكربيرج – الرئيس التنفيذي للشركة -.

أُقِيلَ مارتينز من عمله بالشركة في عام 2013، وذَكَر في كتابه أن الشركة تقوم بعمل غسيل مخ حقيقي لموظفيها؛ ليصبحوا في نهاية الأمر "عَبَدَة" لرئيسها التنفيذي. كذلك يرى مارتينز أن هناك انتهاكات أخرى، مثل الشرطة الداخلية، وهي مسئولة عن مراقبة كافة أنشطة الموظفين.

وعن رسائل عدوانية تبثها الشركة بين عامليها، بل إن في محاضرات قسم الموارد البشرية للفيس بوك يتم قول العديد من الألفاظ المشينة.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل وفقًا لمارتينز، فإن بعض موظفي الشركة يعملون لمدة 20 ساعة في اليوم، مكرسين حياتهم فقط للفيس بوك، مع بعض العبارات التي يرددها المسئولون مثل "عملنا لا ينتهي أبدًا"، و"أن تتبنَّى التغيير، أمر غير كاف أبدًا"، وأشياء من هذا القبيل.

أمَّا عن زوكربيرج، عَرَضَ كتاب فوضى القرود شخصية مارك أنها استبدادية، وقمعيَّة، ومتقلّبة المزاج، بل ويسعى دومًا لإقالة موظفيه الذين مر عليهم أربع سنوات من العمل، باعتبارهم كبقية الأشياء “القديمة”.

لا ندري بعد إن كانت تلك التصريحات اللافتة أو غيرها المذكورة في الكتاب صحيحة أم لا، وكذلك فإن مارتينز لا توجد لديه أية أدلة تؤكد صحة كلامه. يُباع الكتاب حاليًا في الولايات المتحدة، أمَّا بالنسبة للفيس بوك فرفضت التعليق بشأنه.

«حضارات ومدن» كتاب جديد لداود أوغلو

<< الأربعاء، 6 يوليو / يوليه/تموز، 2016 ShareThis Tweet Facebook  Print this page «حضارات ومدن» كتاب جديد لداود أوغلو

عمان - الدستور

أصدر رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، حديثا، مؤلفه الجديد «حضارات ومدن»، الذي يتناول بدراسات وتحليلات، مدناً من كافة أنحاء العالم، كإسطنبول، وقونيا، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والقدس ونيويورك، وروما ، ودلهي، وكاتماندو، وبكين، والقاهرة، وعمّان وبغداد وأصفهان وفينيسيا وتمبكتو.

وبدأ داود أوغلو في كتابة «حضارات ومدن» عام 2009، عندما كان يشغل منصب وزير للخارجية، وأنهى في هذه الفترة قسماً كبيراً منه، وعلى الرغم من رئاسته للحكومة، في 27 آب 2014 ورئاسته لحزب العدالة والتنمية، وخوضه انتخابين برلمانيين، وعودة منظمة (بي كا كا) الإرهابية للعمل المسلح مرة أخرى، واصل داود أوغلو في خطِّ هذا المؤلف، وخصوصاً في الأشهر الأربعة الأخيرة من رئاسته الحكومة.

وقسَّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أجزاء، وهي على الشكل التالي: «لقائي الأول بالمدن: الآثار»، «تأريخ المدن والمدن العثمانية»، «المدينة قصة تاريخ: تاريخ الحضارات والمدن المحورية»، كما يتضمن الكتاب العديد من العناوين الفرعية كـ «المدن الرائدة والمُؤسِّسة للحضارة»، «مدن فقدت بريقها بعد زوال سلطانها السياسي والتحول الحضاري»، «مدن زاوجت بين حضارات مختلفة»، «من تركستان حتى الأندلس، محاولات لاجتثاث مدن».

وكتب داود أوغلو الكلمات التالية على غلاف الكتاب الخلفي:

«إن أقدار المدن مرتبطة بمصير الحضارة التي تنضوي تحتها. ومن خلال هذا الترابط الوثيق، يسلّط الكتاب الذي بين أيديكم الضوء على مفهوم المدن المحورية. إنّ المدن تشكّل معلماً، لتاريخ ازدهار حضارة ما وأفولها، حيث تبرز في صورة معمارية، أو إيقاعات موسيقية، أو رسوخ تقاليد ثقافية، أو سوق مزدهرة على طرق تجارية، وأحياناً في مركز نظام سياسي، لتلقي على الزمان والمكان معالم الحضارة في إطار حقيقة تاريخية».

تجدر الإشارة إلى أن كتاب «العمق الاستراتيجي» لداود أوغلو، صدرت طبعته الأولى باللغة التركية عام 2001، وترجم إلى العديد من اللغات العالمية من بينها الإنكليزية والعربية والفارسية واليونانية، وصدرت الطبعة العربية الأولى سنة 2010، عن مركز الجزيرة للدراسات في قطر.

كتاب يقدم للأطفال الألمان قصصًا حقيقية عن اللاجئين السوريين

تم نشر الترجمة بتاريخ 1 يوليو - تموز 2016 10:00 GMT 

رهف وعائلتها يفرون من حمص السورية إلى ألمانيا. الصورة لـ جان بيرك

كتبت لوسي مارتيروسيان هذا المقال في يونيو/حزيران 2016 ونُشر على موقع PRI.org ونعيد نشره هنا كجزء من اتفاقية لتبادل المحتوى.

يوجد الآن أكثر من 65 مليون نازح في العالم بسبب الصراعات وهو أعلى مستوى سُجّل على الإطلاق. نصف هؤلاء اللاجئين هم من الأطفال.

استقبلت ألمانيا أكثر من مليون لاجئ معظمهم من سوريا والعراق، وعلى الرغم من أن داعمي استقبال اللاجئين قد ثمّنوا ما قامت به المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في البداية إلا أن العديد من الألمان أعربوا عن قلقهم إزاء هذا الاستقبال متسائلين عن نهايته.

بينما يبدي الألمان البالغون ردود فعل متباينة حول اللاجئين أرادت الكاتبة الألمانية كيرستن بوي أن يدرك الأطفال على الأقل أن الطفل اللاجئ مثله مثل أقرانه في العالم.

تتناول في كتابها الأخير للأطفال “كل شيء سيكون على ما يرام”  قصة حقيقية عن رهف وعائلتها التي فرت من حمص السورية نتيجة تعرضها لقصف طيران حيث عبرت العائلة البحر الأبيض المتوسط على ظهر قارب صغير واختارت بلدة صغيرة بالقرب من هامبورغ لتبدأ حياتها الجديدة.

نشر الكتاب بالألمانية والعربية ليقرأه الأطفال المولودون في ألمانيا مع زملائهم في المدرسة من المهاجرين. (الترجمة بالإنجليزية متوفرة هنا)

تقول كيرستن أن لدينا مئات الآلاف من الأشخاص الذين يرحبون باللاجئين الوافدين إلينا، بل يدعمونهم بقوة ومنهم من يعطي الكثير من وقته لمساعدتهم في تعلم اللغة أو للذهاب للطبيب أو إتمام الإجراءات الرسمية وما إلى ذلك، ومن ناحية أخرى هناك من يرفض اللاجئين تمامًا، وتضيف كيرستن أن الأطفال عالقون بين الموقفين بسبب ما يتلقونه من معلومات؛ فبعض الآباء يتحدثون عن اللاجئين بصورة سيئة لذا فكّرت أن أخبرهم بقصة عائلة حقيقية ليمنحهم ذلك الفرصة لمعرفة حقيقة الأمر.

تواصلت كيرستن على مدار العام الماضي مع عائلات من اللاجئين، وتؤكد أنه كان بإمكانها اختيار قصص أكثر مأساوية كتلك التي تختبر العنف والألم وخسائر أكبر، لكنها قررت أن تسرد إحدى القصص المعتادة على أمل أن تُمكّن الأطفال الألمان من التواصل مع الأطفال اللاجئين بسهولة.

يحتوي الكتاب على بعض المشاهد المروعة التي عاشتها الشخصيات الرئيسية التي استقرت الاّن في ألمانيا.  الصورة من جان بيرك

أثناء عملها على الكتاب التقت كيرستن برهف وأخيها حسن (ليست الأسماء الحقيقية) كما التقت بوالدتهم وبدلاً من الحديث عن العنف والحرب القائمة الآن بدأ الطفلان في سرد ذكرياتهم عن منزلهم وأصدقائهم وأقاربهم الذين تركوهم خلفهم، حتى حثّتهم والدتهم بالعربية في النهاية على الحديث عن فظائع الحرب التي شهدوها.

تتواصل كيرستن مع رهف وحسن حتى أنهم يذهبون معًا إلى السينما ولكنها لا تخطط لكتابة جزء أخر للكتاب. “أنا متأكدة أنني لن أفعل ذلك، فقد بذلت ما بوسعي كي لا يستطيع أحد التعرّف على هذين الطفلين حتى أنني غيّرت اسميهما، في الحقيقة هما من اختار الاسمين الجديدين فقد أخبراني بالأسماء التي يفضّلان تسميتهما بها في القصة.

أثناء استماعها لآراء بعض القراء عبّر بعض الشباب الألمان عن قلقهم إزاء حياة رهف وحسن وبدأوا بالتعاطف معهم. تضيف كيرستن: أعتقد أن الأطفال متفتحون جدًا فعندما سمعوا ما قاساه هذان الطفلان بدأوا بالتساؤل، هل بإمكاننا أن نساعدهم؟ كيف يمكننا أن نساعدهم؟ ما الذي نستطيع فعله لنجعل حياتهم أسهل؟

تحكي القصة عن طفلين سوريّين يسرق المهربون أمتعتهما. ضاعت دمية رهف وهي حزينة الآن لفقدها بهذه الطريقة. غالباً ما يتساءل الأطفال هنا عمّا إذا كانت قد وجدت رهف دميتها؟ وفي اعتقادي يكمن السبب وراء السؤال في أن فقدان الدمية شيء بإمكان هؤلاء الأطفال تخيّله لأنه يحدث لهم بينما يصعب عليهم تخيل القصف والقتال ومخاطر عبور المتوسط في الليل.

كيرستن التي كتبت أكثر من 60 كتابًا للأطفال والمراهقين تعتقد أن القصص تساعد الناس على فهم ما يجري في العالم وتؤكّد “أعتقد أن القصص تسهّل على الأطفال فهم الشيء أكثر من المعرفة النظرية وأعتقد أنّها فرصة للاستفادة منها”.

جورج فريدمان :كتاب «الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير»

الإثنين 20/يونيو/2016 - 12:59 م

 صدر حديثًا عن المركز القومى للترجمة، الطبعة العربية لكتاب (الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير) من تأليف جورج فريدمان، ومن ترجمة أحمد محمود.

يتناول الكتاب العلاقة بين الإمبراطورية والجمهورية وممارسة السلطة في العشر سنوات المقبلة، فالكاتب يدعو القراء في مقدمة كتابه إلى إمعان النظر في موضوعين، الأول هو مفهوم الإمبراطورية غير المتعمدة، فهو يفسر ذلك بان الولايات المتحدة أصبحت إمبراطورية ليس لأنها تعمدت ذلك ولكن لأن التاريخ قد سار على هذا النحو، أما الموضوع الثانى فهو؛ هل يمكن لهذه الجمهورية أن تبقى أم لا، حيث إن الولايات المتحدة قد أسست على خلفية الإمبريالية البريطانية.

ويستاءل المؤلف "لماذا هناك كثيرون يرغبون في عقد أواصر صداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولماذا هناك الأكثر منهم يناصبونها العدا"، و"هل هذا لأن أمريكا تؤثر البعض، أم أنها لا ترغب في التعامل مع البعض دون الجميع".

بحسب المؤلف، يكمن بيت القصيد في هذه الازدواجية في الثنائية الفريدة التي تعيشها أمريكا في العصر الراهن، جمهورية في ثياب إمبراطورية، وإمبراطورية تتذكر أحيانا أنها جمهورية وتؤمن أمريكا بأنه ليس هناك من يداوم على معاداتها أو صداقته وارتباطه بها.

يستعرض المؤلف تلك البانوراما الممتدة الأطراف من دروس سياسة ومناهج في التعامل الواقعى لدولة هي إمبراطورية بلا منازع، تتحكم في توزيع موازين الثقل الدولية في كل أرجاء العالم..تستميل أطرافا بالجزرة وتلوح لأطراف أخرى بالعصا الغليظة، ثقيلة الوطأة، وغير قابلة للاحتمال أو المواجهة، ويتساءل كيف تنجح أمريكا في ذلك.

جدير بالذكر أن الكتاب يهتم بقضايا العشر سنوات المقبلة وفرصها وتحدياتها المتأصلة، حيث سوف تشكل تحالفات مفاجئة، وسوف تنشأ التوترات غير المتوقعة، وسوف يرتفع المد الاقتصادى وينحسر وينهى الكاتب تصديره للكتاب بقوله: إن أحداثًا كثيرة سوف تقود إلى صحة الجمهورية أو تدهورها، فإن عقدًا مثيرًا للاهتمام ينتظرنا.

المؤلف جورج فريدمان رئيس مجلس إدارة ستراتفور الرائدة في مجال الاستخبارات العالمية، وله عددًا كبيرًا من المؤلفات.

المترجم أحمد محمود،عضو نقابة الصحفيين واتحاد الكتاب المصريين،ولجنة الرجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، يعمل حاليا رئيسا لقسم الترجمة بجريدة الشروق القاهرية، نذكر من أعماله المترجمة،(الناس في صعيد مصر)،(التكالب على نفط أفريقيا)و(الاقتصاد العالمى المعاصر).

قابلوا كارل ماركس الجديد: توماس بيكيتي مؤلف كتاب رأس المال في القرن الواحد والعشرين .

الثلاثاء, 19 يوليو 2016 11:47

تتذكرون كتاب "رأس المال" لكارل ماركس؟.. حسنا انسوا ماركس القديم.. وقابلوا الآن كتاب "رأس مال" جديد, لـ "كارل ماركس" القرن الحادي والعشرون.

نلخص هنا أحد كتب الاقتصاد الذي تسبب في عاصفة حول العالم, وعنوانه "رأس المال في القرن الواحد والعشرين", لمؤلفه الاقتصادي الفرنسي "توماس بيكيتي", والذي تم نشره بالفرنسية منذ عامين وترجم إلى الإنجليزية في مارس الماضي, وصدرت طبعته العربية مؤخرا عن دار التنوير عن ترجمة وائل جمال وسلمى حسين.

فور صدوره احتلت النسخة الإنجليزية من الكتاب رفوف "الكتب الأكثر مبيعا" في منافذ البيع, وأطلقت عنان مناقشات واسعة وحامية حول موضوع الكتاب وهو "تفاوت الدخل عالميا" -شهدت القاهرة جزءا منها حينما تم استضافة بيكيتي الشهر الماضي في عدة ندوات تفاعلية حول الكتاب- البعض يعتقد أن الكتاب يتوقع تغيير واضح في بؤرة السياسة الاقتصادية تجاه مسألة "توزيع" الثروة, والبعض الآخر –يذهب أبعد من ذلك- ويعتقد أن الكتاب قد يتسبب في حدوث ذلك "فعلا". بجانب أن بعض الصحف رفعت مكانة السيد بيكيتي ووصفوه بـ "ماركس" الجديد.

إذن, ما الذي تدور حوله كل هذه الضجة؟

الكتاب مبني على مجموعة من الأبحاث قام بها السيد بيكيتي مع عدد من الاقتصاديين استغرقت عشرة سنوات, ليغوص بشكل عميق في تفاصيل التغيرات التاريخية التي حدثت حول تركيز الدخل والثروة. هذا الكم المستخرج من البيانات مكن بيكيتي من رسم صورة لتطور التفاوت في الدخل منذ قيام الثورة الصناعة [القرنين الثامن عشر والتاسع عشر]. حيث اتصف مجتمع أوروبا الغربية بدرجة عالية من عدم المساواة والتفاوت في الدخل Inequality. حيث ساهمت سرعة تراكم ثروات الأفراد الخاصة في تضائل الدخل القومي للبلاد نفسها, وتركزت الثروة في أيادي العائلات الغنية المتربعة في أعلى نظام اجتماعي طبقي وجامد لحد كبير. هذا النظام ظل ثابتا حتى مع قيام ثورة التصنيع نفسها بالإسهام في رفع أجور العمال تدريجيا. ولم يعطل هذا النسق من التفاوت سوى أحداث جسيمة: الفوضى التي خلفتها قيام الحربين العالمية والثانية وفترة الكساد العظيم [العقد الذي سبق الحرب العالمية الثانية]. تلك الأحداث انعكست إلى: ضرائب عالية, وتضخم, وأدت لتقلص درامي في حجم الثروات, وهي فترة من الزمن تساوي فيها نسبيا توزيع الثروة مع توزيع الدخل القومي.

لكن تلك الصدمات التي حدثت في بداية القرن العشرين سرعات من اختفى أثرها وعاد تفاوت الثروة مرة أخرى يؤكد نفسه. وبمقاييس مختلفة, يعتقد السيد بيكيتي أن أهمية الثروة [مقابل الناتج القومي] في الاقتصادات الحديثة تقترب من مستويات لم ترى منذ عشية الحرب العالمية الأولى!

ومن بحثه المفصل في التاريخ يستخلص السيد بيكيتي نظريته الكبرى عن رأس المال واللامساواة. فبصفة عامة تنمو الثروة بشكل أسرع من من الناتج الإقتصادي, ويعبر عن مفهومه ذلك بالتعبير r > g (حيث r تعبر عن معدل العائد على الثروة, و g هي معدل النمو الاقتصادي). أما إذا تساوت العلاقة بين المعدلين, أو زاد النمو الاقتصادي عن الثروة, فذلك من شأنه تقليل أهمية الثروة في المجتمع أساسا, في حين أن النمو الاقتصادي البطئ يزيد من أهمية الثروة (كما أن التغير الديموجرافي [السكاني] الذي يبطئ النمو الاقتصادي العالمي يجعل رأس المال أكثر هيمنة). لكن لا يوجد أي قوى طبيعية تدفع ضد التركيز المستمر والثابت للثروة واستمرار تراكمها. قد يحدث ذلك فقط إثر انفجار من النمو السريع (بسبب تقدم تكنولوجي أو زيادة سكانية) أو بسبب تدخل حكومي, هذان هما العاملان الوحيدان اللذان يمكن الإعتماد عليهما لضمان عدم عودة الاقتصادات "رأسمالية الإرث" التي كانت تقلق كارل ماركس. ويختم السيد بيكيتي كتابه بدعوة الحكومات للتدخل, وتبني ضريبة عالمية على الدخل, لمنع الزيادة السريعة لتفاوت الدخل وعدم المساواة والتي تهدد في نهاية الأمر الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

ولا يفاجئنا بالطبع كمية النقد التي تعرض لها الكتاب. فقد تسائل البعض إذا كان السيد بيكيتي مصيبا  في اعتقاده بأن المستقبل سيبدو مثل الماضي! وجادل البعض الآخر بأن النظرية تناقض نفسها لأنها تفترض أن الحصول على عائد جيد على الثروة سيكون أكثر صعوبة كلما زادت الثروة نفسها! البعض الثالث جادل بأن الأشخاص بالغي الثراء في أيامنا هذا يكسبون ثروتهم من العمل, وليس عبر الميراث [رأسمالية الإرث, كما كان في الماضي]! كما رأى آخرون أن توصيات السيد بيكيتي للحكومات بتغيير سياساتها هي توصيات أيديولويجية أكثر من كونها اقتصادية, وقد تضر أكثر مما تفيد. لكن أغلب هؤلاء المتشككين مدحوا المجهودات المبذولة في الكتاب, وخصوصا في جمع البيانات وتحليلها.

وسواء نجح السيد بيكتي من تغيير السياسات الاقتصادية للمجتمع أو لا, فإنه سيكون أثر على الطريقة التي يفكر بها الآلاف من القراء والعديد من الإقتصاديين حول موضوع عدم المساواة في توزيع الثروة.

جون بوي :كتاب السياسة الواقعية.. تاريخ ومفاهيم جديدة

التاريخ: 08 يوليو 2016

هناك تعابير تغدو ذات دلالات محددة في القواميس بعد ظهورها في ظرف معيّن وحول موضوع معيّن. هكذا مثلاً شاع الحديث عن «التعايش السلمي» و«الوفاق الدولي» و«الحرب الباردة» في ظل حالة الانقسام الثنائي الدولي بين معسكري الرأسمالية والاشتراكية.

تلك التعابير فقدت مدلولاتها المباشرة مع زوال الواقع الذي كان قد أنتجها وعرف الحالات التي تمثّلها. لكن هناك تعبير آخر برز قبل ذلك الانقسام الثنائي الدولي وتمّ استخدامه في ظلّه واستمرّ في التداول بعده باعتباره مفهوماً في الفكر والممارسة السياسيين بصورة عامّة، وهو «السياسة الواقعية» وأحياناً «الواقعية السياسية». هذا التعبير الذي يتم استخدامه كثيراً لكنه ليس مفهوماً بدقّة من قبل الجميع.

«السياسة الواقعية» هي موضوع كتاب جون بوي، المؤرّخ البريطاني المختص بالسياسات الخارجية والعلاقات الدولية في المعهد الملكي في لندن، والذي يحمل عنوان «السياسة الواقعية.. تاريخ».

تجدر الإشارة أن مؤلف هذا الكتاب لا يولي اهتمامه الرئيسي في هذا الكتاب لدراسة تاريخ «السياسة الواقعية» في العلاقات الدولية والدور الذي لعبته في العلاقة بين المعسكرين الغربي والشرقي، بعد أن كان المستشار الألماني الأسبق ويللي برانت، قد استخدمها كنهج في التعامل مع البلدان الشيوعية.

٠ يشرح المؤلف أن السياسة الواقعية ارتبطت بهنري كيسنجر الذي طبّقها في سياساته عندما كان مسؤولاً عن الأمن القومي، ثم كوزير خارجية في ظل الرئيسين ريشارد نيكسون وجيرالد فورد. والإشارة إلى أن المثال الكبير على السياسة الواقعية، كما خطط لها كيسنجر، يتمثّل في الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي ريشارد نيكسون للصين عام 1972.

هذا مع الإشارة أيضاً إلى أن مفهوم «السياسة الواقعية» كان لها باستمرار «وقع سيئ»، حيث تنمّ عامة عن «مقاربات تثير الشكوك» في مجال السياسة الخارجية. لكن ذلك لا يمنع واقع أنها «صيغة في فنّ ممارسة السياسة منذ عدّة قرون»، ومن «مكيافيلي حتى باراك أوباما»، كما نقرأ. ويتم النظر لها غالباً على أنها معادل لـ«الحس العملي ــ البراغماتي ــ في ممارسة السياسة» أو «فن الممكن».

والإشارة أيضاً أن كيسنجر نفسه لم يستخدم أبداً ذلك التعبير «لكنه مارسه». هكذا دعم مثلاً الجنرال «بينوشه» في الشيلي بحيث أن سياسة جيمي كارتر المؤيدة لحقوق الإنسان بدت كـ«رد فعل على فترة سنوات هنري كيسنجر»، كما يكتب المؤلف.. ويحدد القول إن «فكرة هذا الكتاب وُلدت من الطريقة التي تمّ فيها استخدام السياسة الواقعية في نقاشات السياسية الخارجية خلال السنوات الأخيرة من إدارة جورج وولكر بوش وتوني بلير».

لكن «جون بوي» يقوم بالأحرى بالتأريخ لـ«مفهوم السياسة الواقعية» والتحولات التي عرفها خلال الحقب التاريخية المختلفة. ذلك على أساس أنه «ينبغي فهم الأفكار في سياق الزمن والمكان والعوامل الثقافية». وهو يقوم بتوصيف مسار تطوّر هذا المفهوم الشائع منذ منتصف القرن التاسع عشر حيث صدر عام 1853 كتاب «أسس السياسة الواقعية ــ ريالبوليتيك» لمؤلفه المفكّر الألماني لودفيغ فون روشو حتى اليوم.

وبهذا المعنى وبالاعتماد على ذلك يقدّم نوعاً من «سيرة حياة فكرة» مع ما يفترضه ذلك من عدم تأطير الاهتمام في فترة معيّنة أو حدث. وهو يعرض بالوقت نفسه مجموعة من الأفكار التي كان لها، ولا يزال لها تأثيرها في مسارات العلاقات الدولية خلال القرون التاسع عشر وحتى هذه السنوات الأولى من القرن الجاري، الحادي والعشرين.

وعبر ذلك في السياسات الوطنية الراهنة عامّة وفي بريطانيا والولايات المتحدة بشكل خاص. هذا مع التعريف بأشكال تطبيقها في العقدين الأخيرين. ويشير المؤلف نقلاً عن «روشو» أن من أهم الأفكار التي كان لها فعلها في السياسات الخارجية والعلاقات الدولية أن «قانون القوي هو العامل الحاسم في السياسة». وأن «الصيغة الأكثر فاعلية في الحكم هي تلك التي تدمج القوى الاجتماعية الأكثر قوّة في إطار الدولة».

كما يتردد في هذا الإطار كثيراً اسم «مكيافيللي». ويشرح المؤلف أن تلك الأفكار جرى تطبيقها واقعياً من قبل «بسمارك» في مشروعات توحيد ألمانيا في مختلف وجوه السياسة الخارجية. بالتوازي مع ذلك شاع استخدام تعبير «السياسة الواقعية» لدى العديد من المفكرين الألمان الذين قاموا بتبنّيه في صيغ جديدة غير تلك التي قال بها «مخترعه روشو»، حيث جرى مزجه مع «البعد القومي» ثمّ جرى «تطعيمه» مع مفهومين محددين انتشرا خاصّة في دوائر وأوساط السلطة في ألمانيا هما «التوسّع في الخارج ــ ويلتبوليتيك» و«سياسة القوّة ــ ماختبوليتيك».

بكل الحالات يؤكّد مؤلف هذا الكتاب أنه كان للمفهوم «الألماني» للسياسة الواقعية تأثيراً كبيراً في المفكرين الأميركيين. هذا مع اشتقاق عدد من الدلالات الجديدة مثل «الواقعية العلمية» أو «الواقعية البنيوية» أو «الواقعية الجديدة». والإشارة إلى أن مختلف هذه التسميات ركّزت على أهمية «العوامل التاريخية والثقافية».

ويشرح كيف أن النظرة البريطانية فسّرت «السياسة الواقعية» بأنها إمكانية الوصول إلى نوع من «المبادلة» و«المقايضة» مع الخصم، كما حاولت بريطانيا أن تفعل مع ألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى. ويشرح المؤلف أن مثل تلك الرؤية لم تكن أبداً بعيدة عن نوع من «المراوغة». المثال الذي يضربه على ذلك «اتفاقية سايكس ــ بيكو» بين بريطانيا وفرنسا التي تمّ على أساسها تقسيم منطقة الشرق الأوسط.

ومن الأفكار التي يؤكّدها المؤلف أن مفهوم «السياسة الواقعية» حسب الصيغة والدلالة الألمانية كان له تأثير كبير في رجال الفكر والسياسة في الولايات المتحدة الأميركية من أمثال «جورج كينان» و«دين أشيزون»، وزير خارجية أميركا لدى إدارة الرئيس هنري ترومان.

ويشرح «جون بوي» أن الأميركيين حاولوا استخدام مفهوم «السياسة الواقعية» من أجل «إعادة صياغة النظام العالمي بحيث يعمل لخدمة مصالحهم». وبهذا المعنى أيضاً يتمّ التأكيد أن ما يسميه المؤلف «المدرسة الواقعية» في العلاقات الدولية كان لها باستمرار تأثيرها في السياسة الخارجية الأميركية.

وفي الخلاصة، يشرح المؤلف كيف أثقلت «السياسة الواقعية» على مسار السياسات والعلاقات الدولية، وكيف يمكن أن تثقل اليوم على قرارات الاستراتيجيات الخاصّة بالسياسة الخارجية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية. وعلى ضوء أن مبادئ السياسة الواقعية يمكن أن تكون مفيدة في فهم سياق العلاقات الدولية الراهنة.

من المكتبة العربية

د. فواز طرابلسي :كتاب الطبقات والسلطة في لبنان

المصدر: أنور محمد

التاريخ: 15 يوليو 2016

البيان

    يشخِّص كتاب «الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان»، لمؤلفه د. فواز طرابلسي، أمراض لبنان السياسية والاقتصادية ويرد أسبابها إلى أنَّ لبنان بلد طوائف، أو بلد طائفي، وبناءً عليه، ولمَّا كان النظر إلى الطائفية بما هي «آفة» و«وباء» صارت الآفة سبباً لسائر الآفات والوباء مولّداً للأوبئة. ويقول طرابلسي: فخلال الحراك الشبابي تحت شعار «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي» كنتَ تشاهد على الجدران شعاراً: لماذا يوجد فقر في لبنان؟ لأنَّه يوجد نظام طائفي! وذلك لأنَّ البنية الطبقية اللبنانية «مشوّهة» خاصة في أدبيات اليسار اللبناني، لعدم تطابقها ومواصفات الطبقات في المجتمعات الرأسمالية الصناعية وعدم تقيّدها بثنائيتها المبسّطة عن استقطاب برجوازية/‏بروليتاريا.

وأحياناً أخرى، يطال التشويه الطبقات الوسطى بسبب خلائطها الطوائفية، بما هي أنماط حياة ومنظومات قيم ناجمة عن تلك الخلائط، فتبدو الطبقة الوسطى مشوَّهة لأنَّها تتداخل بها فروقات طوائفية وطبعاً، يســــتخدم خصوم اليسار هذه الحجَّة للقول بأنَّ لا وجود لطبقات في مجتمعاتنا لأنَّ الطبقات لا توجد إلا في «الغرب».

وعن تشكيلة المجتمع اللبناني، يبين المؤلف أن المسيحيين يشكِّلون - والموارنة خصوصاً، أكثرية في الطبقات العليا والمتوسطة، فيما يشكّل المسلمون، وخصوصاً الشيعة، الأكثرية في الطبقات الشعبية المدينية منها والريفية. ويشير إلى دراسة لكلود دوبار وسليم نصر، شدَّدت على التفاوت في فرص التعليم بما هي أبرز مظاهر التمييز الطوائفي - الاجتماعي، حيث إنَّ 60٪ من المسلمين في العيِّنة لم يتمُّوا المرحلة الابتدائية، فيما النسبة لا تتعدى الـ 28٪ عند المسيحيين.

وعكساً، في حين أتمَّ 34٪ من المسيحيين المرحلة الثانوية فإنَّ 15٪ فقط من المسلمين كان قد أتمَّها. على أنَّ هذه الفروقات في الامتياز التعليمي - الاجتماعي لا تقتصر على التفاوت بين المسيحيين والمسلمين، ذلك أنَّ التفاوت الإسلامي - المسيحي في فرص التعليم قائم ضمن الطبقات الوسطى بين مسلمين ومسيحيين أيضاً. ويقسِّم الباحثان «دوبار – نصر» حسب د. طرابلسي، الطبقات على أساس طائفي - المواقف المتباينة من العروبة ومن النظرة إلى المسألتين الطائفية والطبقية - فيخلص دوبار إلى: أنَّ الانقطاع الظاهر بين الحيِّز السياسي والحيِّز الاقتصادي في تشغيل المجتمع اللبناني ناتج من تمفصل مزدوج: تمفصل الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية على الانتماءات الطوائفية من جهة، وتمفصل العلاقات الطوائفية على المؤسَّسات السياسية من جهة أخرى.

غير أنَّ هذا الانفصام في حياة اللبنانيين الاجتماعية على أساس «ازدواجي»، لا يسمح للوعي الاجتماعي المتذرِّ بأن يخلي المجال أمام وعي سياسي مستقل. وهذا ما يفسّر: تماسك الطبقات القائدة في ما يتعدى الحيِّز الطوائفي وتذرُّر الطبقات الشعبية في ما دون الحيِّز السياسي - الطوائفي. ما يعني، كما يرى دوبار، وصولنا إلى خلاصة غامضة تقول: إنَّ مكان الطوائفية في الوعي الاجتماعي يمثِّل إذاً وأخيراً مؤشِّراً جيِّداً لأشكال التضامن الطبقية.

وعن العلاقة بين الطائفة والطبقة، يأخذ طرابلسي بالاعتبار: أولاً، أنَّ البنية الطائفية تخترق كل مناحي الحياة المجتمعية وتتدخَّل في الاقتصاد والاجتماع والثقافة، قدر تدخلها في السياسة والرمز والأيديولوجيا. ثانياً، أنَّ الطوائف لا تختزل المجال السياسي.

فهذا المجال هو أيضاً وخصوصاً مجال السلطة الطبقية. ثالثاً، أنَّ الطوائف والطبقات في المجتمع اللبناني جماعتان تتنازعان على الاستحواذ على الفائض الاجتماعي وتخوضان نزاعاتهما على صعيدي المجتمع والسلطة معاً. ومع ذلك فالعلاقة بين الطبقة والطائفة ليست علاقة تطابق بقدر ما هي علاقة توزيع عمل وتقاطع وفعل متبادل. وفي البحث عن جذور المسألة الطائفية اللبنانية تاريخياً فإنَّها نشأت من التفاوت في ارتباط الجماعتين الدرزية والمارونية (أو المسيحية عموماً)، بمواقع سياسية واقتصادية - اجتماعية مختلفة بل متناقضة في بنية النظام المقاطعجي في جبل لبنان في مراحله الأخيرة.

كان الخاصَّة من حكَّام جبل لبنان ينتمون إلى الأسر المقاطعجية الدرزية (خلا أسرتين أو ثلاث من الموارنة) والعامَّة -على اختلاف مهنهم ومستوى معيشتهم من تجَّار ومرابين وحرفيين وفلاحين وعمَّال -، كانوا من المسيحيين في أكثريتهم. وتغذَّى التفاوت بين هاتين المرتبتين المميزتين للتشكيلة الاجتماعية العثمانية، من ارتباط فئات من الجماعة المسيحية المبكِّر بالاختراق الرأسمالي للساحل وجبل لبنان من خلال اقتصاد الحرير، ومن أسبقية في تحصيل العلم من خلال المدارس الدينية الأهلية (التي تقرَّرَ إنشاؤها في مجمع اللويزة 1736) ومدارس الإرساليات الأجنبية.

أفضتْ حرب ١٨٦٠ الأهلية، وقبلها عامية كسروان، إلى نتيجة متفارقة: انتصرت خلالها الجماعة الدرزية عسكرياً لكنها سارت إلى الانحدار مع تفكك النظام المقاطعجي الذي ترأسه زعماؤها. وانهزم المسيحيون عسكرياً، لكنَّهم نجحوا في أن يحوزوا لوناً من الحكم الذاتي في جبل لبنان، حيث يشكِّلون أكثريته السكانية. وتكرَّست هذه النتيجة في قيام متصرفية جبل لبنان (١٨٦١-١٩١٥) يحكمها مجلس إدارة منتخب على درجتين تتوزَّع مقاعده الاثنى عشر على الطوائف الستّ الرئيسة بأكثرية مسيحية.

ويخلص المؤلِّف إلى أنَّ الاعتراف بوجود بنيتين طائفية وطبقية في المجتمع اللبناني لا معنى له، إلا إذا تكامل مع الاعتراف بأنَّ النظام الطائفي هو جزء من منظومة السيطرة في المجتمع اللبناني. ذلك أنَّ علاقة أبناء الجماعة الطائفية بالطائفة ومؤسَّساتها وزعامتها ليست مجرَّد علاقة طـــوعية، بل تنطوي على مقدار من القسر والإلزام المؤسَّساتي والقانوني.

الكتاب: الطبقات الاجتماعية والسلطة السياسية في لبنان/‏ دراسة

تأليف: فواز طرابلسي

الناشر: دار الساقي - بيروت 2016

الصفحات:256 صفحة

القطع: الكبير

المؤلف في سطور

د. فواز طرابلسي. مؤرخ وباحث لبناني. لديه مجموعة نظريات ودراسات ومؤلفات في قضايا الفكر والطائفية والسياسة.

حسن محمد المرزوقي :كتاب الوطنية والوطن: تأصيل شرعي

تاريخ النشر: الجمعة 01 يوليو 2016

الاتحاد

تتشابك في موضوع حب الوطن توجهات دينية وفكرية متباينة، بين مقدِّس للوطن ونابذ له، بين من يرى الأولوية للشريعة ومترتباتها الدينية ومن يراها لرابطة المواطنة واستحقاقاتها القانونية. وأمام هذا الاشتباك الفكري الديني، يلقي الدكتور حسن محمد المرزوقي، أستاذ أصول الفقه بجامعة الإمارات، الضوء في كتابه الذي نعرضه هنا، «الوطن في الإسلام بين الشريعة ومزاعم المتطرفين»، على قضايا وإشكالات مهمة، مثل: ماهية الوطن ودعوى المتطرفين، وحب الوطن من خلال القرآن الكريم، وحب الوطن من خلال السنة النبوية، ثم حب الوطن عند السابقين من الأئمة والفقهاء والمفكرين والفلاسفة.

ويستعرض المؤلف نظرتين فيما يخص العلاقة بين الشريعة والوطن؛ تزعم أولاهما، وهي دعوى المتطرفين القوميين، أن الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية هو ما أدى لتقطيع الأمة إلى «دويلات»، ومن ثم ظهور دعوات الوطنية وحب الوطن، واعتبارها رابطاً يعلو فوق كل الروابط الأخرى. وإلى جانب هذه النظرة، ذهب بعض الإسلاميين أيضاً إلى احتقار كل ما يمت للوطن بصلة، بل وصفه بعضهم بالوثن واعتبروا الدفاع عنه ضرباً من الانحراف عن المنهج الإسلامي الصحيح. لكن مقابل هاتين النظرتين هناك النظرة الوسطية لحب الوطن، والتي يتبناها المؤلف معتمداً في موقفه على نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال السابقين.

فمن النصوص القرآنية قول الله تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ». ووجه الاستدلال هنا أن حب الأوطان أمر طبيعي وغير منكر، لكن الآية بينت أنه رغم مظاهر الحب وحقائقه لهذه الأنواع الثمانية، فقد أمر الله تعالى بإيثار حب الله والرسول وطاعتهما والجهاد في سبيله على هذه الأشياء، لأن الله تعالى مصدر جميع النعم. كما ينقل المؤلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتاق لمكة بعد خروجه منها، فنزل عليه جبريل وقال له: أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ قال: نعم، فقال: إن الله تعالى يقول: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ».

ولدحض نظرة الإسلاميين الازدرائية حيال حب الوطن، يقوم الدكتور حسن المرزوقي بالتأصيل شرعياً لحب الوطن من خلال مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة، منها ما روته عائشة رضي الله عنها من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وُعِك أبوبكر وبلال بحمى شديدة، فقال: «اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء». ثم قال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد».

ويفرد المؤلف صفحات كثيرة بين دفتي كتابه لما ورد عن السلف والسابقين حول حب الوطن، ومن ذلك أن العرب شبهت الغريب باليتيم اللطيم الذي ثكل أبويه فلا أمَّ ترأم له ولا أب يحدب عليه. وقد قال عمرو بن العلاء: مما يدل على كرم الرجل وطيب غريزته؛ حنينه إلى أوطانه، وحبه متقدمي إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه.

كما يلحظ المؤلف حب الوطن وأثر البعد عنه في بعض الفروع الفقيهة، منها: أن بعض الفقهاء عدّوا مفارقة الوطن من أسباب هدم الذنوب بالحج، كما رأى بعضهم عدم تولية القاضي في غير بلده اعتباراً لألم البعد عن الوطن.

محمد ولد المنى

الكتاب: الوطن في الإسلام بين الشريعة ومزاعم المتطرفين

المؤلف: حسن محمد المرزوقي

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية

تاريخ النشر: 2016

د. عزمي بشارة :كتاب "ثورة مصر"... تحليلاً وتوثيقاً

خليل العناني

10 يوليو 2016

العربي الجديد

ليس سهلاً أن يقوم الباحث بتوثيق حدث جارٍ وضخم، كالثورة، بل، تصبح المهمة أصعب حين يحدث ذلك في وقت يسير فيه كل شيء عكس ما قامت لأجله الثورة، وذلك إلى الدرجة التي تبدو فيها الثورة المضادة كأنها قد انتصرت، وتسعى جاهدة لكتابة روايتها عن الثورة، كما لو كانت هي الأصل، وما عداها هو الاستثناء. لكن هذا ما فعله الدكتور عزمي بشارة في كتابه الموسوعي عن الثورة المصرية الذي صدر أخيراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في مجلدين ضخمين تحت عنوان "ثورة مصر".

منذ البداية، يحدد بشارة مهمته وهدفه من إنجاز كتابه عن "ثورة مصر" بشكل واضح ودقيق، فيؤكد أن الغرض من ذلك هو "إنتاج بحث توثيقي عن ثورة مصر 2011" وليس مجرد "تأريخ للثورة" أو تشخيص أسبابها وحوادثها. ومن يقرأ الكتاب يكتشف ذلك دون عناء، فهو بحث توثيقي جاد يهدف إلى تحليل وتفكيك مسألة الثورة في مصر ليس من خلال استعراض تاريخي لأهم محطاتها وخطها الزمني، وإنما من خلال فهم دينامياتها وتفاعلاتها ودلالاتها التي لا تزال جارية حتى اليوم. بل يمكن القول إن الكتاب هو أقرب ما يكون إلى بحث رصين في سوسيولوجيا الثورة المصرية، يجمع ما بين التوثيق والتحليل والتفسير والتفكيك، ينطلق من متابعة أدق التفاصيل، من أجل رسم لوحة كبيرة تمكن القارئ العادي، وليس فقط المتخصص، من فهم التاريخ السياسي المصري طيلة العقود الستة الماضية وحتى قيام الثورة.

أما منهجياً، فقد اتبع الكتاب منهجية جادة في إنجاز مادته، وتراوحت أدواته البحثية ما بين الإثنوغرافيا وذلك من خلال إجراء مقابلات مع عشرات الأشخاص الذي ساهموا في صناعة الثورة المصرية وما تلاها من أحداث، وهذا بحد ذاته إنجاز مهم يُحسب لهذا العمل وصاحبه وكل من ساهم في خروجه، فقد جرى توثيق رواية الثورة على لسان أصحابها وشهودها. في حين تزداد أهمية هذا البعد حين نعلم أن بعضاً ممن جرت مقابلتهم وتوثيق شهادتهم عن الثورة إما قد وافتهم المنية أو يقبعون خلف القضبان أو تركوا البلاد بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 وذلك من خلال فريق بحثي جاد عمل في المشروع طيلة الأعوام الخمسة الماضية.

كما استفاد الكتاب من استطلاعات الرأي التي أجراها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" على مدار السنوات الخمس الماضية، وذلك لرصد تحولات المزاج العام المصري تجاه الثورة وقضاياها. كذلك تمت العودة إلى مئات المصادر المكتوبة والمرئية والمسموعة من أجل توثيق بعض الأحداث من أجل استكمال الصورة. وهو أمر مهم خاصة في ظل ما تواتر عن محاولة نظام "3 يوليو" محو كل ما يتعلق بثورة يناير من أخبار وتقارير ووثائق خاصة في أرشيف الصحف المصرية.

الثورة في سياق تاريخي

يعالج الجزء الأول من كتاب بشارة الطريق إلى ثورة 25 يناير، وذلك من خلال توثيق وتحليل السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وقفت في خلفية الثورة. وتتمثل الأطروحة الرئيسية لهذا الجزء في أن ثورة يناير لم تحدث فجأة، وأن أحداثها اللاحقة لم تكن "عجيبة أو واقعة خارقة سقطت على الواقع من خارج التاريخ" وإنما هي حدث أصيل له دوافعه وأسبابه وبيئته التي صاغته وشكلت تفاعلاته لاحقاً. وفي قراءة تفصيلية لأهم محطات التاريخ المصري خلال النصف الثاني من القرن العشرين، يستعرض بشارة أهم الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لثورة يناير، خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية التي مهدت الطريق إلى قيام الثورة. بل الأكثر من ذلك يرصد هذا الجزء من الكتاب، خاصة في فصله الأول، موقع المؤسسة العسكرية المصرية خلال سنوات ما قبل الثورة. وعلى عكس ما يذهب كثيرون، يشير بشارة إلى أن الجيش لم يكن الحاكم الفعلي للبلاد خلال المرحلة التي سبقت سقوط مبارك، وإنما كانت مؤسسة الرئاسة التي وضع قواعدها السادات، وقام مبارك بتقويتها وزيادة صلاحيتها على حساب المؤسسات الأخرى، وأصبحت هي التي تدير الشأن السياسي بشكل كبير. وكان وضع المؤسسة العسكرية، بحسب بشارة، أشبه بـ"الحكم الذاتي" حيث تتمتع بالعديد من المزايا الاقتصادية والاجتماعية التي ضمنت لها الاستقلال النسبي عن بقية المؤسسات.

وهنا يشير بشارة إلى نقطة مهمة قد تفسر السقوط السريع لمبارك، وهي عدم تجانس نظام الحكم في مرحلة ما قبل الثورة، حيث لم يكن هناك توافق حقيقي بين مؤسسات الدولة خاصة مؤسستي الرئاسة والمؤسسة العسكرية خلال السنوات الأخيرة لمبارك. ولعل ذلك ما قد يفسر، نسبياً، موقف الجيش عشية ثورة يناير. فبحسب بشارة فإن المؤسسة العسكرية قد تضررت، شأنها في ذلك شأن قطاعات وشرائح اجتماعية أخرى، من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي اتبعها مبارك وابنه جمال خلال العقد الأخير من حكمه، والتي أوجدت منافسين جدد للجيش من رجال الأعمال المحسوبين على جمال مبارك، إذ لم يشعر الجنرالات إزاءهم بالارتياح ورأوا فيهم وفي السياسات التي يتبعونها تهديدا حقيقيا لمصالحهم الاقتصادية ومزاياهم الاجتماعية، وهو ما كان له تأثير كبير في حسابات الجيش أثناء الثورة. بكلمات أخرى، فإن موقف الجيش من ثورة يناير والذي لم ينحز فيه إلى مبارك، لم يكن حباً في الثورة أو إيماناً بشعاراتها ومطالبها، وإنما رغبة في امتطائها من أجل التخلص من مبارك وابنه، وشبكة علاقاتهم، وذلك من أجل استعادة مصالح المؤسسة العسكرية وحماية وضعها الاجتماعي والاقتصادي.

الطريق إلى ثورة يناير

"لم تكن ثورة يناير حدثاً استثنائياً في تاريخ النضال السياسي المصري"، هذه إحدى أهم الخلاصات التي يخرج بها القارئ من الجزء الأول من كتاب بشارة. وهي خلاصة لن يجد القارئ صعوبة في الوصول إليها إذا ما تتبع ما كتبه بشارة حول مسارات وحركة الاحتجاج في مصر على مدار القرون الثلاثة الماضية. وبالرغم من أن بشارة لم يهدف من هذا الجزء لتأريخ حركة النضال المصري، إلا أنه قدم عرضاً تحليلياً موثقاً لأهم مراحل الاحتجاج التي مرت بها مصر خلال القرنين الأخيرين، وذلك وصولاً إلى ثورة يناير. وهو هنا يرصد الفعل الاحتجاجي باعتباره أمرا طبيعياً وليس استثناء أو خروجاً عما هو مألوف في السياق التاريخي المصري كما قد يرى البعض.

يغوص بشارة، باقتدار وإلمام بكثير من التفاصيل، في تحليل العقد الأخير من حكم مبارك الذي مهد الطريق لثورة يناير. وهو العقد الذي يمكن تسميته بـ"العقد الاحتجاجي"، وذلك من خلال تتبع مسارات وتطورات الفعل الاحتجاجي وحركاته وجماعاته حتى وصل إلى لحظة الثورة. يفعل بشارة ذلك دون أن يقع في فخ التحليلات المادية الماركسية التي ترى في الثورة مجرد حالة "تمرد" اقتصادي واجتماعي لا تحمل دلالات سياسية. فمن يراجع سنوات ما قبل الثورة وتفاعلاتها سيجد ترابطاً عضوياً بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تجسد تلقائياً في الشعار الشهير للثورة المصرية "عيش، حرية، كرامة إنسانية". وعلى عكس القراءات السطحية التي رأت في الثورة فعلاً سياسياً فقط، فإن هذا الجزء من الكتاب يحلّل كيف ساهم تردي الأوضاع العامة وفشل الدولة في التعاطي مع الكثير من مشاكل الحياة اليومية كالخبز والوقود، فضلا عن انتهاكات وامتهان الأمن لكرامة المواطنين، في تهيئة الأجواء للثورة وتعبئة شرائح اجتماعية كبيرة ظلت لعقود مهمشة وبعيدة عن دائرة الفعل السياسي المباشر، فخرجت للتعبير عن نفسها وعن مطالبها وأصبحت جزءًا أصيلاً من الثورة، وذلك في ما يسميه بشارة بـ"العبور الكبير من الاحتجاج إلى الثورة".

الثورة من الأمل إلى المأساة

في الجزء الثاني من الكتاب، والذي حمل عنوانا فرعياً "من الثورة إلى الانقلاب"، يوّثق بشارة ويحلل مسار الثورة منذ اليوم التالي لسقوط مبارك وحتى وقوع انقلاب الثالث من يوليو 2013. وهو يفعل ذلك بعين مراقب محايد لم يسقط في فخ "الحتميات" التي تعتبر انتكاسة الثورة وارتكاسها وكأنهما "قدر" أو نتيجة لـ"ضرورات تاريخية أو حتميات"، وإنما يحيل الأمر إلى ما حدث فعلياً، ويعتبر أن ما حدث كان نتيجة لـ"صيرورات ساهمت في تحديد مسارها قرارات وخيارات بشرية مختلفة في التعامل مع المعطيات". الأكثر من ذلك ما يشير إليه بشارة من أن الثورة لربما أخذت مساراً مختلفاً لو تصرف فاعلوها، على الطرفين الثوري والقديم، على نحو مختلف عما حدث. وهو بذلك يسقط حجج من يرون أن الانقلاب كان مجرد "مؤامرة" دُبرت بليل، وذلك لأجل رفع المسؤولية عمن ساهموا في الوصول إلى ذلك الوضع المأساوي، سواء بقصد أو من دون قصد.

لكل ثورة ظروفها وملابساتها الخاصة التي تحدد نتائجها ومخرجاتها. وهنا يضع بشارة يديه على أهم ما يميّز الثورة المصرية عن غيرها من ثورات الربيع العربي. وبحسبه فإن أهم خصائصها، أولاً، أنها لم تكن ثورة كاملة منذ بدايتها، وإنما احتوت على عنصرين أو جناحين هما: الثورة والانقلاب، وظل الصراع بينهما طيلة المرحلة الانتقالية إلى أن انتصر الجناح الثاني في نهاية المطاف. ثانياً، لم تهدف الثورة، على الأقل في بدايتها، إلى تغيير النظام من خارجه، وإنما "قرعت جدران النظام .. لدفعه إلى إصلاح نفسه" وبالتالي فهي "لم تطرح بديلاً عنه من خارجه ينتزع السلطة منه كما الثورات"، كما أنها، ويا للمفارقة، "لا وجدت، ولا أوجدت، له تياراً إصلاحياً داخل النظام يمكنها الوثوق بإصلاحاته بالتدريج". وعليه فإن الثورة ظلت عالقة في حالة من عدم الحسم، فلا هي غيرت النظام، ولا هي أصلحته. ثالثا، وهو الأهم، لم تحظ الثورة بنخب ديمقراطية أو ناضجة سياسياً يمكنها التفاوض من أجل إنجاز التحول الديمقراطي المأمول، وهو ما سهّل المهمة للعسكر من أجل التدخل للإطاحة بهذه النخب والاستيلاء على السلطة.

لا يمكن للمرء الإحاطة الكاملة بما يقرب من حوالي 1400 صفحة، هي حجم كتاب "ثورة مصر" بجزأيه، في هذه المساحة الضيقة، فما قدّمه بشارة ليس مجرد سرد ليوميات الثورة وأحداثها، وإنما توثيق وتحليل لديناميتها وتفاعلاتها ونتائجها. وسيظل هذا العمل، برأينا، من أهم الأعمال التي سوف يرجع إليها الباحثون عن رواية حقيقية وموضوعية عن الثورة، وذلك بعيداً عن رواية الفاعلين السياسيين السطحية والمجتزِئة.

(كاتب وأكاديمي مصري)

سعود المولي : كتاب السلفية كظاهرة اجتماعية

ساري حنفي

11 يوليو 2016

العربي الجديد

تكثر الدراسات الصحفية والأمنية للحركات الإسلامية والتي غالباً ما ربطت نشوءها وتطورها بالعوامل الجيوبوليتيكية أو البحث الدائم عن مصادر تمويلها الخارجية، بينما تقل الدراسات السوسيولوجية التي تربط تحليل مضمون نصوص هذه الحركات بمقابلات موسعة مع قياداتها وبالسياق الاجتماعي والسياسي المحلي المرافق والمؤثر عليها. ويعتبر كتاب سعود المولى "السلفية والسلفيون الجدد: من أفغانستان إلى لبنان'' من هذه الدراسات القليلة التي رصدت لأشكال وجماعات السلفية كحالة سوسيولوجية-سياسية من قبيل التجذر الراديكالي في المعارضة والممانعة.

ما قام به المولى هو عملية متأنية بموضعة نظرية وتاريخية للوجود السلفي اللبناني ضمن سياق السلفية العربية التقليدية (وخاصة الوهابية والسورية)، ومدارسها وتياراتها وفكك الصلة الغامضة والملتبسة بالتيارات السلفية الجهادية الناشئة والناشطة. يتفق المؤلف مع عبد الرحمن الحاج بأن هناك مجموعة من السمات التي يتصف بها الخطاب السلفي كالانتقائية؛ حيث يتم التركيز على جزء من الدين ليغطي الباقي، فابن تيمية الصوفي وابن تيمية الفيلسوف يغيبان بينما يظهر فقط ابن تيمية "السلفي" الذي كفر الملل غير السنية.

ولإدراك الانتشار السلفي في كافة أصقاع العالم، يجب تحليله سوسيولوجياً لفهمه في سياقات معينة. من هنا، خصص الكاتب باباً لشرح التاريخ والوضع الاجتماعي-الاقتصادي لمدينة طرابلس، مهد الحركة السلفية، بل كل الحركات الإسلامية، في لبنان. كما ركز على كيف ساهمت الاعتقالات التعسفية والتعذيب الممنهج في أقبية السجون المكتظة وفروع المخابرات اللبنانية في صعود سلفية عنيفة. وبهذا المنهج (تقديم أهمية الحالة الاجتماعية) هو بذلك قد خطى نهج "حنا آرندت" في فهمها لظاهرة العنف باعتبار أن العنف لا يحفزه منطق أو أفكار، بل الشروط الاجتماعية والسياسية التي ترافقه.

لقد نجح المولى في الكشف عن خبايا تطور السلفية في المنطقة وكسر الكثير من التنظيرات التبسيطية الرائجة. وفيما يلي بعض النقاط التي أرى بأنها جديرة بالإضاءة عليها:

أولا، السلفية اليوم ليست كتلة صماء، بل هناك موجات انشطارية أفضت إلى العديد من الاتجاهات: منها التقليدي التاريخي أو الأثري أو العلمي، ومنها الإصلاحي الوطني، ومنها النهضوي، ومنها السياسي الحركي، والجهادي الوطني، ومنها التكفيري النظري، ومنها التكفيري المسلح، ومنها الجهادي السلفي الأممي.

ثانيا، اختزال المشهد الديني في السعودية مجتمعاً ونظاماً على السلفية الوهابية هو تبسيط مدقع. ويستشهد المولى بالباحث السعودي نواف القديمي بأن هناك أربعة تيارات سلفية إسلامية: تقليدية وتشمل التيار الرسمي؛ وسلفية تميل للبعد التكفيري والجهادي؛ وسلفية تتسم بطاعة مطلقة لولي الأمر؛ وتيارات سلفية حركية مثل "السرورية"، وهي مدرسة تنظيرية فكرية سياسية دعوية يقوم منهجها على لبس عباءة ابن عبد الوهاب وسروال سيد قطب.

ثالثاً، العلاقة بين السلفية والإخوانية علاقة معقدة جداً، ولا يمكن دراستها إلا امبريقياً وفي إطار زمكاني معين. فبشكل عام هناك تأثير سلفي اجتماعي في بالغ المحافظة (مركزا على طقوس معينة وشكل الملبس) بينما بقي الخلاف السياسي شديداً بينهم.

رابعاً، أثرت السلفية الرسمية السعودية التقليدية على السلفيات اللبنانية من خلال إتاحة الدراسة الجامعية لهم في جامعة المدينة المنورة أو غيرها. وأمنت أوساط المال الحكومية وأيضا الخاصة الاحتياجات لجمعياتهم، كما كان هناك تسابق سعودي وكويتي على استحواذ على بعض المجموعات مما أعطاها تلونات متباينة. وازدادت هذه التلونات في خضم الانتفاضات العربية على السلفية وتراجع زخم السلفية التقليدية الأصولية لصالح السلفية الحركية، وكان ذلك واضحاً في كثير من الدول العربية.

خامسا، على عكس ما توحي به كثير من الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية فإن السلفية الجهادية ضعيفة للغاية في لبنان. وهذا يتوافق مع بحثي الميداني الذي أظهر أن هناك ثلاثة أئمة قريبين من جبهة النصرة وكلهم أدانوا في خطبة جمعتهم، العملية الانتحارية التي قامت بها هذه الجبهة ضد مدنيين في مقهى في جبل محسن.

(أستاذ علم الاجتماع، الجامعة الأميركية في بيروت)

“المرأة فى القرآن” كتاب جديد لباحثة المغربية اسماء مرابط يصدر في بريطانيا

 برلمان.كوم

 صدر حديثا مؤلفان بعنوان “المرأة فى القرآن” و”20 سؤالا وجوابا حول الإسلام والمرأة من وجهة نظر إصلاحية” للكاتبة المغربية أسماء المرابط وذلك في كل من بريطانيا وهولندا.

كتاب “المرأة فى القرآن” يقدم مقاربة جديدة حول موضوع المرأة المسلمة، مركزا على الأخلاق التى نص عليها القرآن فى العلاقات بين الرجال والنساء.

كما يحاول فهم بعض المفاهيم التى جاءت فى القرآن لفائدة المساواة بين الرجال والنساء.

أما كتاب “20 سؤالا وجوابا حول الإسلام والمرأة” فتناولت فيه أسماء المرابط إشكالية المرأة فى الإسلام اليوم، حيث أصبحت رهينة لتصورين متطرفين، تصور إسلامي محافظ متشدد، وتصور غربي يحمل رؤية أحادية للإسلام.

ويعيد الكتاب طرح الأسئلة حول الصور النمطية السائدة والأحكام المسبقة حول المرأة فى الإسلام، معتمدا على القرآن والسنة.

الدكتور محمد مصطفى شلبي  :كتاب الفقه الإسلامي بين المثالية والواقعية» لمحاولات الفصل بين الشريعة الإسلامية والحياة.

جاء في تقديم الناشر (دار السلام للطبع والنشر) للطبعة الجديدة للكتاب، إن شريعة اللَّـه المتمثلة في كتاب اللَّـه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، جاءت لتحقيق مصالح الناس بجلب المنافع لهم، ودفع المضار عنهم.

فالشرع الحنيف «يتلاءم مع واقع الناس في كل زمان ومكان، ويساير التقدم الرهيب الذي وصلت إليه البشرية»، ولكنّ المعارضين «يأبون إلا أن يثيروا الشبهات لمحاولة نفي هذه الحقيقة الناصعة». ويضيف الناشر أن تفكير المؤلف اتجه إلى البحث في واقعية فقه هذه الشريعة وقانونها، ليرد على مثيري الشبهات وليثبت للناس أنه «فقه واقعي يلائم الحياة ويسير معها، مهما تقلب الزمن وتجددت الأحداث»، وأنه «لا يعادي مدنية، ولا ينفر من الجديد، لأن فيه من المرونة واليسر ما لا يوجد في غيره».

من جهته، يقول الدكتور محمد مصطفى شلبي: إن «الواقعية» مأخوذة عن كلمة «الواقع»، وهو في عرْف الناس يراد به «سلوك الأفراد والجماعات»، ولها في علم القانون معانٍ متعددة، فقد يُقصد بها إخضاع القانون لواقع الناس ولو كان فاسداً، وهذا المعنى الذي يؤكد المؤلف أنه مرفوض في الشريعة الإسلامية وفي الأنظمة القانونية المختلفة، لأنه ينطوي على الفوضى واتباع الأهواء والشهوات والتحلل من كل قيد.وفي المقابل، قد يُقصد بـ«الواقعية» كما يرى المؤلف، أن القانون هو الذي يخضع الواقع ويتحكم فيه، فيبيح منه أشياء، ويحرم أخرى، أي أن القانون لا يهمل الواقع، بل يقبله بعد تقويمه وتقديره بميزان أعلى منه بعيداً عن الأهواء والشهوات.

ويضيف المؤلف أن المثالية يريد بها بعضهم ما يقابل الواقعية، وهي عبارة عن مُثل عليا من قواعد العدالة صاغها العقل أو نزل بها الوحي بعيدة عن الواقع لا تصلح للتطبيق، وتنحصر مهمتها في التوجيه فقط، ومن هنا جعل هؤلاء الفقه الإسلامي فقهاً مثالياً غير قابل للتطبيق، لأنه في نظرهم مجموعة أحكام دينية أو خلقية نزل بها الوحي في فترة معينة بعيداً عن الواقع، فهو عندهم يشابه القانون الطبيعي.

ويشدد على أن الفقه الإسلامي بعيد كل البعد عن الواقعية بمفهومها المنحصر في الخضوع للواقع في كل شيء، وتجرده عن المثل العليا، فالقرآن الكريم نفى هذا النوع من الواقعية نفياً صريحاً في كثير من آياته التي تحارب الأهواء واتباعها، وتجعل السلطان لما أنزله الله عز وجل، وتتوعد المتّبع لهواه أو لهوى النفس بالعقاب الشديد.

ويشير المؤلف إلى أن القرآن الكريم صرح بأن اتّباع الأهواء يؤدي إلى فساد العالم، وأن الآيات القرآنية بيّنت أن التشريع الإسلامي لا يخضع للأهواء والرغبات، وأن الشريعة الإسلامية جاءت لإخراج المكلفين عن دواعي أهوائهم.

ويوضح أن منافع الناس ومضارهم في غالب أمرها إضافية وليست حقيقية، لأن الشيء قد يكون نافعاً في وقت دون آخر، وفي حال دون حال، وبالنسبة إلى شخص دون سواه، فالمنفعة بالنسبة لجماعة قد تكون ضرراً لآخرين.

ومن هناك كان لا بد من تقدير واقع الناس وتقويمه بميزان العدل بعيداً عن أغراضهم.

خالدة سعيد :كتاب الثقافة والحرية وعوائق المعرفة العربية المعاصرة

المصدر: بيار شلهوب

التاريخ: 15 يوليو 2016

البيان

يقدم كتاب «الثقافة والحرية» لمؤلفته خالدة سعيد، مُسودات أفكار حول مؤسسات المعرفة ومُعضلاتها المزمنة والعوائق التي تواجهها المدرسة العربية المعاصرة، وما تشهده من تراجع للغة العربية على حساب اللغات الأجنبية.

وهي لا تكتفي بقراءة الواقع العربي المأزوم، بعد مُضي أكثر من قرن ونصف القرن على «الانطلاقة الأولى لمؤسسات التعليم، وبعد مُضي سبعين سنة على الانتشار الواسع للمؤسسات التربوية عقب الاستقلالات العربية.

فتدعو إلى إعادة النظر في المحصلة والنتائج التي توصل إليها كبار الباحثين، وملامسة مواضع الضعف والتردي وتحديد أسباب الخلل واعتبار ذلك خطوة أساسية للتحول من البحث الذهني والتقريري.. وصولا إلى مراحل التطبيق العملي.

المدرسة العربية المعاصرة، كما ترى خالدة سعيد، وارثة لمدرستين تاريخيتين. الأولى دينية، تعمل على تعليم القراءة واستظهار المكتسبات المعرفية وترديدها. والمدرسة الثانية هي سليلة المدرسة اللانكاسترية (نسبة الى جوزيف لانكستر 1778 – 1838)، والتي برزت طلائعها الأولى في بدايات عصر النهضة العربية: «توجهت نحو تكوين عُمال مُرتفعي الكفاءة والانضباط الآلي، وإعداد النخب عن طريق البرمجة وتسريع التحصيل». وهي النموذج الذي تتمظهر من خلاله المدرسة الحالية، التي تُقدم للطلاب معارف مُبرمجة ومُعلبة.

وترسم لهم وجهة مُحددة وفق آليات وشروط مُحددة تقضي على كل إمكانية عندهم للخروج عن حرفية النص الى فضائه الأوسع.

تقترح خالدة سعيد جملة من الحلول أبرزها: إيجاد مؤسسات تعمل على تنشيط الحركة المعرفية في الأوساط المدرسية.. على مستوى التأليف، إنشاء مراكز رائدة، مراكز تأهيل وبحوث لغوية، تفعيل لحركة النشر، إصدار مجلات تربوية وأخرى متخصصة بالنشر العلمي.. مع إدراكها أن التفكير في أي مشروع إصلاحي شامل، يتصل بتثوير التعليم بالعربية، على مستوى الدول العربية، مُجتمعة او مُنفردة، هو عمليا نوع من الحلم المؤجل، لكنه ليس مُستحيلا إن توافرت الإرادات وتهيأ الوعي لإصلاح الخلل البنائي وإعادة هيكلة المؤسسات وتقويم المسارات وتغيير التصورات وتثوير المفاهيم الراكدة.

تعتبر الكاتبة أن التعديات على حرية الأدب، حظيت بنصيب من تسلط الأحزاب وتعنتها وهيمنتها على الكلام وحدّها عنن حرية الإبداع، ليستكمل ذاك صعود الجماعات الدينية وتشددها واحتكارها حق الكلام وإصدار الفتاوى والأحكام.

لا مناص، تقول المؤلفة، من ورشة تأهيل وإصلاح تطال أساسات النظام التربوي ومفاهيم التربية والتعليم.. وإتاحة المجال «لتأسيس أخلاقيات الحرية وأهليات النقد والمساءلة والتحليل وقبول التعدد.

وتُحمّل صاحبة «يوتوبيا المدينة» مسؤولية غياب الحرية، بتعدد أوجهها، إن في الصحافة أو النقد والتعبير، إلى الرقابة الصارمة واتباع الأنظمة سياسة كم الأفواه وفتح السجون، وعضدها في ذلك الأحزاب الايديولوجية وطغيان السلطة الدينية.

وتبلغ صاحبة «فيض المعنى» مرتفعا من السخط والتمرد، تفضح فيه زيف الواقع وتردي الشعارات الفارغة، التي أطلقتها أبواق المتسلطين من أهل السياسة ورجال الدين ومن متشدقين بعقائد وأيديولوجيات، اتخذوا من الاشتراكية وشعارات التحرير خطابا سياسيا، ليس هو إلا تمويها لطغيان يعمل على تأبيد السلطة وتحصين أدائها القمعي. ذاك بعد أن صارت الشعارات الإسلامية والاشتراكية وشعارات التحرير والوحدة، مُرادفة للخواء والتحجر والتخلف والتسلط.

تخرج خالدة سعيد في كتابها عمّا ألفناه من تنظيرات، تُراوح في المساحة الواهية الحافلة بتضخم الأفكار والمصطلحات والاستنتاجات، التي يخطّ عناوينها مفكرون وباحثون في أصول التربية وشؤون التعليم، وحتى في مُقاربتهم لمسألة الحرية والإبداع ولعمليات الوأد المبرمجة التي تنتهجها السلطة القمعية -سياسية كانت أم دينية- والأحزاب المرتهنة لإرادتها.

تُميط اللثام عن الارتكابات المقنعة عما تُفبركه الأجهزة في دهاليز المخابرات وأقبية التعذيب.. ومبينة أن رمزية تلك الأفعال تجد إسقاطاتها على الحالة التعليمية المتردية، وتراجع الحريات وانكفاء الديمقراطية الى مُستويات قياسية.

وتستتبع خالدة سعيد فصول الكتاب الثلاثة، بفصل أخير تختصر فيه تجربتها الخاصة مع ثلاث شخصيات ثقافية – تربوية، تميزت بعمق ثقافتها وعلمها ومواقفها الإنسانية. فكتبت فاصلاً من السيرة التربوية المعرفية للأخت بينديكت الكرملية في بيروت، والدكتورة ليلى الصايغ في دمشق، والمستعرب العالم الفرنسي جاك بيرك في باريس، مُستلهمة من تجاربهم انطباعات ورؤى تنويرية مستقبلية.

المؤلفة في سطور

خالدة سعيد. كاتبة سورية. بدأت كتابة النقد عام 1957، ونشرت أوائل مقالاتها في مجلة «شعر». وشاركت في تحرير مجلة «مواقف».

من أعمالها: البحث عن الجذور، حركية الإبداع، المرأة التحرر الإبداع، الحركة المسرحية في لبنان، الاستعارة الكبرى.

الكتاب: الثقافة والحرية

تأليف: خالدة سعيد

الناشر: دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر- دمشق 2016

الصفحات: 168 صفحة

القطع: المتوسط

وسوم: العدد 677