عندما ترفعت إلى رتبة "مدير"..

كان من ضمن العمَّال شابٌ نشيطٌ جداً ، و ناجحٌ في عمله ، و كان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاءٍ و سرعةٍ و دقةٍ ، كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً ، لكنه كان لعوباً إلى حد ما ...

كان يغادرُ مقرَّ عملهِ كثيراً بدون إذن ، إجازاتُه و أذوناتُه أكثر من المُعتاد ..

ذاتَ مرة تقدّم الشاب بإجازة ليسافر مع أصدقائهِ في رحلة ..لكنني رفضتها .. 

فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازةٍ مرضيةٍ ، و اتصل مدعياً المرض معتذراً عن الحضور ...

و لمَّا أنني أعرف أنه ليس مريضاً ؟!...

ذهبتُ صباحاً إلى بيته و انتظرتُ هذا الشاب باكراً ثم قابلته و هو يحمل عدّة الرحلات .. 

كاد الرجل يذوبُ خجلاً ، و وجههُ يتقلّب بين الخجلِ و الحرج ...

بينتُ له أنه لم يكن قادراً على خِداعي ، و أنني لستُ بتلك السذاجة التي يظنُّها ..

و برهنت له أنه كاذب ، و خصمتُ عنه أجرَ اليوم مضاعفاً ..

.

-------------

لكن ماذا حصل بعد ذلك ؟!

بعد أيامٍ ، تقدَّم الشابُّ باستقالته ...

من جهتي ، خسرتُ جُهده و نسبةَ الإنجاز العالية التي كان يُحققها ، و لم يعُد بالإمكان أن أرفع لإدارتي العليا نسبَ الإنجاز السابقة ، و صرتُ بحاجةٍ للبحث عن شاب يمكنه أن يحقِّق ذات الإنجاز و هم قليل ...

كان غباءاً منقطعَ النظير ، ما الذي استفدتُه من ذلك ؟؟ !!!

يومها ، اكتشفت أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا ، يكون بسبب التضييق على الآخرين ، و إغلاق منافذ الهروب ما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين :

- إما أن يهربَ مِنك و تَخسر جهده ..

- أو يتخذك عدواً ، فيكيدُ لك ، و سيتراجع نشاطه كنوع من الدفاع عن النفس ..

و في كلا الحالتين تكونُ خاسراً ... 

لذلك أجدُ من المناسبِ أن تختارَ اللحظةَ ، لتسمحَ للطرفِ الآخر أن يتراجَع ، أن يهربَ بِكرامة ، فبعضُ التغابي مفيدٌ جداً...

لن تكون منتصراً فعلياً فيما لو كشفتَ المرء أمامكَ و أمام نفسه حد التعرية ، حيث لن يجد بداً من المواجهة أو الهروب ...

التجمُّل و التّغابي هو ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا...

الأفضلُ دائماً أن تفتحَ لخصمكَ طريقاً يخرجُ منه كريماً فيحترمُك ، بدل أن تُحرجه فيُعادِيك ..

لا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الفوزِ هزيمة ..

و لا تُحرق مراكبكَ أبداً ... فقد تحتاجها قريباً ..

وسوم: العدد 758