الصياد

م. محمد ماهر مكناس

الحكمة من القصة : ( ..................... )

كان يا ما كان في قديم الزمان ، كان في مدينة ( الزعفران) صياد يقال له لقمان ، كان كريماً طيباً لما يتمتع به من أخلاق فاضله ، إضافة إلى المزاح البسيط والنكات البريئة .

يخرج الصياد أبو الحسن من دراه عند الفجر فيذهب إلى المسجد القريب من داره يصلي الفجر ثم يتوجه إلى قاربه الرابض على شاطئ البحر يجهزه ويمخر به عباب البحر ، يرمي به شباكه وينتظر فترة من الزمن يجمع بعدها ما يسوقه الله له من الرزق ، من أسماك وحيوانات بحرية مختلفة ولا تمض ست ساعات أو تزيد قليلاً حتى يمتلئ القارب بالرزق الوفير من الأسماك وغيرها من الحيوانات البحرية ، فيحمد الله على مارزقه في هذا اليوم ، ثم يعود أدراجه إلى سوق المدينة ليبيع حصيلة يومه من هذا الرزق الحلال .

كان الناس ينتظرون الصياد لقمان في السوق صباح كل يوم ليشتروا منه أنواعاً شتى من الأسماك الطازجة وغيرها من الحيوانات البحرية الشهية فيبيع بضاعته في السوق ويدخر بعضها قوتاً لعياله ، إضافة إلى بعض النقود التي يستعين بها على قضاء حاجياته وحاجيات أفراد عائلته .

يعود لقمان إلى دراه الكائنة في أحد الأحياء الشعبية حيث تستقبله زوجته الطيبة ( أم حسن ) وأولاده حسن ومحمد وخديجة وفاطمة ونسرين ، بالفرحة والغبطة والسرور ، ولسان زوجته ( أم حسن ) يلهج بالدعاء والتضرع إلى الله أن يوفق زوجها في عمله وأن يمن عليه بالرزق الحلال الطيب الوفير .

وفي أحد الأيام ذهب الصياد لقان مبكراً كعادته إلى الصيد وقاد قاربه إلى قلب البحر ثم رمى شباكه في البحر انتظر فترة من الزمن ثم أخذ يستخرج الشباك محملة ببعض الأسماك ، وما أن ارتفعت الشمس في قبة السماء حتى حصل على كمية وافرة من الأسماك .. وعندما هم بالقاء الشباك مرة أخرى لمعت أمامه في قاع البحر خيال أصداف لؤلؤية تعكس أشعة الشمس الفضية فتسمّر في مكانه .. وأخذ يتفحص هذه الأصداف الكبيرة بكثير من الدقة والعناية وهي تعكس أشعة الشمس ، فرح الصياد لقمان فرحاً شديداً ، وأخذ يرقص على ظهر قاربه من شدة الفرح ، ثم أخذ يروح ويجئ ويعيد النظر إلى تلك الأصداف اللؤلؤية الجميلة التي تلمع تحت سطح الماء ثم يعود ليصرخ ويضحك ويرقص بحركات جنونية هيستيرية حتى كاد أن يفقد عقله من شدة الفرح كان يصيح بأعلى صوته ( لقد نجحت يا لقمان .. لقد فزت يا لقمان .. وداعاً للفقر والحرمان .. أصداف كثيرة .. لآلي كبيرة .. من يشتري هذه اللآلي الكبيرة من الصياد لقمان ..... )

وفي غمرة هذه الفرحة الغامرة نظر إلى الأسماك التي على ظهر القارب وهي تتحرك .. وأخذ يخاطبها بشئ من الذهول .. أيتها الأسماك الصغيرة لم أعد بحاجة إليكم لقد حصلت على ثروة طائلة ، فماذا أصنع بدراهم معدودة كانت تأتيني من بيعكم في السوق .

ثم يأخذ سمكة ويخاطبها .. ألاتزالين على قيد الحياة أيتها السمكة الصغيرة ، أجل إنك تتحركين ، هيا عودي إلى البحر ، ثم يقذف بها في البحر لتسبح وتغوص في الماء ، ثم يأخذ سمكة أخرى وسمكة ثالثة ورابعة حتى ينتهي من جميع السمك الذي اصطاده .

وهنا جهز نفسه وخلع ثيابه وغاص في الماء حتى وصل إلى قاع البحر حيث اللآلي والأصداف تلمع تحت أشعة الشمس وأخذ يجمع هذه الأصداف التي كان يراقبها من قاربه فوق سطح الماء في سلة صغيرة كانت معه ، ثم عام مرة أخرى وصعد إلى قاربه ، وأفرغ ما في السلة من الصيد الثمين ولشدة ما كانت دهشته عندما رأى أن الأصداف اللؤلؤية التي جمعها ليس إلا أصداف فارغة وحصيات من الرخام لا قيمة لها ولا ثمن وكانت تلمع بفضل نقاء المياه وبفضل أشعة الشمس .

بكى الصياد لقمان من شدة خيبته ، وسوء تصرفه فلقد أضاع الرزق الحلال الطيب الذي ساقه الله إليه وجرى خلف الوهم والسراب ، فعاد بخفي حنين لا تلوي أياديه على شئ من الزرق أو الصيد .

عاد لقمان إلى داره آخر النهار حزيناً كئيباً دون أن يمر على سوق المدينة رغم أن جميع أهل البلدة كانوا ينتنظرون قدومه بفارغ الصبر ليشتروا من صيده الطازج .. ولكن عندما تأخر الصياد لقمان أوجس الجميع في أنفسهم خيفة ، وظنوا أن خطراً أو عائقاً قد ألم به ذلك لأنهم لم يعتادوا تأخره عن السوق منذ سنين طويلة ، لذا هرع الجميع إلى دراه ليطمئنوا عليه وعلى صحته فقد اعتاد الجميع أن يروا الصياد لقمان بوجهه البشوش وكلماته الحلوه ومزاحه ونكاته وقد جاء بالرزق الوفير .. خرج الصياد لقمان من داره فرحاً مسروراً فقد رأى بأم عينه محبة أهل البلدة وتقديرهم لجهوده ، فقص عليهم ما جرى معه وكيف أنه أضاع الرزق الذي ساقه الله إليه بيديه ووعدهم أن لا يعود لمثل هذا التصرف الأهوج أبداً.

وسوم: العدد 806