لا أحلام في ليالي العم بركة

وصل العم بركة إلى المدينة التي كان يحلم بالهجرة إليها مع أسرته.

كل أفراد الأسرة أخذوا يحدقون باهتمام إلى المدينة من نوافذ الطائرة عندما بدأت تنعطف بالاتجاه المناسب للهبوط، رغم تحذيرات المضيفة التي طلبت من المسافرين الجلوس في مقاعدهم وشد أحزمتهم.

بدت المدينة جميلة جذابة كأنها حديقة صغيرة وارفة الظلال، يخترقها شريط فضي زادته الشمس المشرقة فتنة ولمعاناً، وعندما ظهرت حركة السير في الشوارع، كانت الصورة قد اتسعت لتشمل أكداساً من الطوب والصفيح وعدداً كبيراً من الأبنية الحجرية والمآذن الأسطوانية.

وقبل أن ترتطم عجلات الطائرة بالأرض كان قلب العم بركة يخفق بقوة رغم أنه تجاوز العقد الرابع من عمره، وكانت أسارير وجهه توحي بالأمل والرضى، والاطمئنان، وفي سكون عجيب ونظرات غامضة فاحصة ظلت الأم من خلال خمارها الأسود ترقب بعينين حادتين حب الاستطلاع في أبنائها وطموح زوجها.

لم تكن حرارة الجو مرتفعة كما كان متوقعاً، رغم أن الطائرة قد توغلت في القارة السوداء، وكانت الريح ساكنة سكون المطار، هادئة هدوء العاملين فيه وبكل تواضع واحترام استطاع العم بركة تجاوز حاجز الأمن والجمارك، والوصول بأمتعة الأسرة بمساعدة عدد من الحمالين إلى أقرب سيارة أجرة، كانت تقف على بوابة المطار بانتظار قادم جديد.

وتبدأ على الأرض السمراء تجربة الأسرة المهاجرة بحثاً عن فندق أو غرفة مفروشة دون جدوى حتى ساعة متأخرة من النهار، عندما عثر السائق على غفة في الدور الثاني لفندق كان من الدرجة الأولى قبل عدة عقود، ولا زال يحتفظ بهذه الدرجة وميزاتها، رغم إهمال جميع مرافقه وتردي أحواله الصحية.

لقد أتاحت عملية البحث عن مأوى، الفرصة لأطفال العم بركة الذي فقد الأمل بالمبيت على سرير أحد الفنادق للتعرف على قلب العاصمة وأسواقها التجارية البائسة، ومشاهدة أصناف من البشر لا يمكن التمييز بينهم بسهولة، وسماع أهازيج الجوالين من باعة الأرصفة على بضائع رخيصة زاهية، لم يدركوا أسماءها.

حلم الأطفال في تلك الليلة بالغابة والأسود والفيلة، وسمع بعضهم أصواتها من نافذة الفندق الذي يتربع كالشمبانزي وسط العاصمة، وطلبوا مزيداً من عصير المنجا والأناناس وناموا مبكرين، وقد أخذ منهم الإعياء كل مأخذ، وحلمت الأم بحياة واعدة هادئة، ونام الأب في تلك الليلة دون أحلام بعد أن أنهكته الحقائب وأحلام اليقظة.

وسوم: العدد 841