البادي أظلم

روي القاضي محمد بن أبي ليلى قصة جميلة قال : كنت يوما في مجلس القضاء فوردت علي عجوز ومعها جارية شابة.

قال : فذهبت العجوز تتكلم ثم قالت الشابة:أصلح الله القاضي ، مرها فلتسكت حتى أتكلم بحجتي وحجتها ، فإن لحنت(أي أخطأت) بشيئ فلترد علي .

قالت الشابة: أصلح الله القاضي -هذه عمتي ; مات أبي وتركني يتيمة في حجرها ، فربتني فأحسنت التربية حتى إذا بلغت مبلغ النساء (أي كبرت وبلغت سن الزواج) قالت(أي العجوز):يابنية أهل لك في الزواج ؟ أي أسعى لك في الزواج؟

فقلت : ما أكره ذلك ياعمة ; وهكذا كان.

قالت العجوز: نعم.

قالت: فخطبني وجهاء أهل الكوفة ، فلم ترض لي إلا رجلا صيرفيا ، فزوجتني.

فكنا كأننا ريحانتان ما يظن أن الله خلق غيري ، وما أظن أن الله خلق غيره. يغدو إلي سوقه ويروح علي بما رزقه الله .

فلما رأت العمة موقعه مني وموقعي منه حسدتنا على ذلك .

قالت: فكانت لها ابنه فزينتها وهيأتها لدخول زوجي علي (أي وقت رجوعه من السوق ودخوله على زوجته)فوقعت عينيه عليها فقال : ياعمة هل لك أن تزوجيني ابنتك؟

قالت: نعم بشرط.

قال: وما الشرط؟

قالت: تصير أمر ابنة أخي إلي.

قال: قد صيرت أمرها إليك.

قالت: فإني قد طلقتها ثلاثا بته(لا رجعة فيها) ، وزوجت ابنتها من زوجي ...

فقلت :ياعمة تأذنين لي أن انتقل عنك؟ (أي اترك بيتك إلى مكان آخر)

فقالت:نعم ; فانتقلت عنها.

قالت: وكان لعمتي زوج غائب (أي مسافر) فقدم(أي رجع) ، فلما توسط منزله قال : مالي لا أرى ربيبتنا (أي التي ربيناها).

قالت:تزوجت وطلقها زوجها فانتقلت عنا.

فقال لها: علينا من الحق مانعزيها بمصيبتها .

قالت: فلما بلغني مجيئه تهيأت وتسوقت(أي تزينت)له .

فلما دخل سلم علي وعزاني بمصيبتي ، ثم قال لي: إن في بقية شباب ، فهل لك أن أتزوجك ؟

قلت : ما أكره ذلك ولكن بشرط أن يصير أمر عمتي بيدي .

قال قد صيرت أمرها بيدك.

قلت: فإني قد طلقتها ثلاثا بته.

قالت: وقدم بثقله علي(أي أحضر متاع سفره )ومعه ٦ آلاف درهم ، فأقام عندي ما أقام ثم اعتل (أي مرض) فتوفي فلما انقضت عدتي جاء زوجي الأول يعزيني في مصيبتي .

فلما بلغني مجيئه تهيأت له وتسوقت(أي تزينت) فلما دخل على قال : يافلانة إنك تعلمين أنك كنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ، وقد حل لنا الرجعة(أي الزواج مرة أخرى لأن زواجها من زوج عمتها محلل لزوجها بزوجها الأول)فهل لك في ذلك؟أي هل تقبلين بالرجعة ؟

قلت : ما أكره ذلك ولكن تصير أمر ابنة عمتي بيدي.

قال : فإني قد صيرت أمر ابنة عمتك بيدك .

قلت: فإني قد طلقتها ثلاثا البتة.

فوثبت(قفذت)العجوز وقالت : -أصلح الله القاضي - فعلت هذا مرة وفعلته مرة بعد مرة !!

فقال القاضي ابن أبي ليلى: واحدة بواحدة والبادي أظلم وقومي على منزلك إن الله تبارك وتعالى لم يوقت لهذا وقتا وقال ("ذلك ومن عاقب بمثل ماعوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله...")

وسوم: العدد 908