الوجه الذي لم يكن مألوفاً

دخل المبنى كما يدخل الناس , عاديا ً , يحمل سيرة ذاتية و مظلة , استقبله موظف صامت اشار بحركة رأسه الى المصعد , و قال : " الطابق الخمسون , المقابلة هناك " . ابتسم , شكر الرجل , دخل المصعد , ضغظ الزر , بدأ الصعود . في الطابق العاشر , دخلت امراة بزي أنيق . نظرت اليه مبتسمة و قالت : " انا في الطريق للطابق العشرين . اجابها بلطف : انا متوجه للطابق الخمسين . لم يتوقف المصعد في الطابق العشرين , و لا في الثلاثين . الأزرار التي ضغطها لم تضيء , و الشاشات الرقمية تعثرت و أظهرت أرقاماً غير مفهومة . مرت ساعات , ثم أيام . و لبرهة لاحظ أنَ المصعد قد امتلأ بناس آخرين .

  • عجوز ذات انف معقوف , تنظر اليه بصمت و بنظرة عميقة و كأنها تعرفه من قبل .
  • طفل صغير يحمل طائرة ورقية مصنوعة من ورق خفيف , يحاول اللعب في مساحة ضيقة .
  • شاعر يجلس على الارض , يكتب كلمات غامضة على جدران المصعد بحبر ازرق .
  • رجل يهمس صلوات بلغات لا يفهمها احد .
  • امراة تغني أغانيها بصوت خافت تملؤه الحزن .

مع مرور الوقت تحوَل المصعد الى عالم صغير , حيث ولدت طقوس خاصة , و تشكلت طوائف , و نُظِمت جداول لأوقات الاكل و النوم . الأمل اصبح شيئاً معدوماً , و الخوف مخيم على الجميع . محاولات كسر الباب كانت كثيرة , لكن جميعها باءت بالفشل . سأل احدهم الرجل في لحظة يأس : " الى اين انت ذاهب ؟" , اجابه بجدية : " للمقابلة , في الطابق الخمسين ." ضحك الآخر طويلاً , ثم اشار الى سقف المصعد و قال : " هذا هو الطابق , كل ما فوقك ظل ." مع كل يوم , بدأ الرجل يفقد احساسه بالزمن , نسي اسمه , نسي لماذا صعد في البداية . في يوم ما , استيقظ ليجد في المرآة الصغيرة انَ وجهه اصبح غريباً , مجرد ظل بلا هوية . في لحظة صمت عميق , فهم شيئاً بديهياً : المصعد لم يكن مجرد وسيلة للوصول الى طابق ما , بل كان عالماً بحد ذاته , رحلة لا نهاية لها من الانتظار . ابتسم الرجل , لم يعد يهمه من هو , او الى اين يتجه , لكن الذي تيقن منه هو انه حبيس مصعد لا ينزل و لا يتوقف ابداً .

وسوم: العدد 1128