زواج المتعة بين الجاميّة المدخليّة واللّيبراليّة

للوهلة الأولى يبدو الحديث عن العلاقة بين الجاميّة والليبراليّة حديثًا غير منطقيّ؛ إذ ‏من البداهة بمكان أن يكون موقف المدخليّة من اللّيبراليين موقفًا بالغ العداء شديد ‏الوضوح.‏

كيفَ لا؛ والجاميّة جماعةٌ تبني كلّ خطابها على عقيدة التّوحيد والذّبّ عنها والعداء ‏لكلّ من يخالف هذه العقيدة أو مبادئها.‏

وإذا كان الجاميّة والمدخليّة يتعاملون مع الإخوان المسلمين والسلفيّين السّروريّين على ‏أنّهم أعداء رغم كونهم داخل الصّفّ الإسلاميّ؛ فمن الطّبيعيّ أن يتعاملوا مع الليبراليين ‏بعداوةٍ أشدّ وحدّةٍ أكبر.‏

ولكنّ قليلًا من النّظر يجعلُ المرء يقف مدهوشًا فاغرًا فاه، فالعلاقة بين الجاميّة المدخليّة ‏والليبراليّة ليست مجرّد علاقة طبيعيّة فحسب؛ بل تجاوزت ذلك لتصلَ مرحلة العشق ‏وتتوّج بزواج متعةٍ أنتجَ أبناءً غير شرعيّين في عالم الأفكار والأفعال.‏

•  اللّيبراليّون أنقى فطرةً

في مرحلة من الزّمن كانت ألسنة الجاميّة المدخليّة مبسوطةً على الإخوان المسلمين ‏والسلفيين السروريين مكفوفةً تمامًا عن الليبراليين الذين غدوا يشكّلون تيّارًا مؤثّرًا في ‏السّعوديّة.‏

لكنّ الأمر لم يستمرّ على هذه الحال فأطلق الجاميّة ألسنتهم بالحديث عن الليبراليين ‏لتكون المفاجأة بأنّه بسط للسان بالغزل الصّريح.‏

يقول الشّيخ موسى العبد العزيز وهو من أبرز رموز الجاميّة المدخليّة ورئيس تحرير مجلّة ‏السّلفيّة: 

"اللّيبراليون ليسوا علمانيّين؛ وهم أقرب إلى السلفيّة فطرةً من الإخوان ‏والسّروريين"‏

نعم إنَّ الجاميّة يعتقدون بأنَّ اللّيبراليين أقرب لهم من السّلفيّة السّروريّة ومن جماعة ‏الإخوان المسلمين، وبما أنّهم يرون أنفسهم أنّهم هم الإسلام والسّلفيّة الحقّة فبالتّالي ‏تكون الليبراليّة أقرب فطرةً للإسلام!‏

ويستمرّ الغزل بين الجاميّة واللّيبراليّة بعد ذلك ليصل إلى المقارنة بين قنوات العريّ ‏والقنوات الإسلاميّة المحسوبة على السّروريين؛ حيث يقول الشّيخ موسى العبد العزيز في ‏مقابلة مع تركي الدّخيل على قناة العربيّة: "قناة المجد أخطر من قناة ستار أكاديمي".‏

•  عدوٌّ مُشتَرَك ومعركةٌ واحدة

من أهمّ مقوّمات زواج المتعة بين الجاميّة المدخليّة واللّيبراليّين هو العداءُ المشترك لما ‏يعرف بتيّارات الإسلام السياسي وأبرزها الإخوان المسلمين والسّروريّة.‏

‏ 

إنَّ أعدى أعداء الليبراليّة هم جماعات ما يعرف بالإسلام السّياسي، أو الإسلام ‏الحركي، الذين كانوا يجابهون الليبراليين بضراوة في ساحة الإعلام والفكر، حتّى وصلت ‏المعركةُ حدّ المطالبة بوكالة أنباء خاصّة بعيدة عن تضليل الليبراليين.‏

وقد طالب بذلك الشّيخ أحمد الصّويّان المعتقل الآن في السّجون السّعوديّة، حيث قال ‏في حواره مع وكالة الأنباء الإسلاميّة "نبأ": "نحن في حاجةٍ لوكالة أخبارٍ مستقلّة بعيدة ‏عن الأجندة الغربيّة والتّضليل اللّيبرالي الذي نعيشه الآن في السّاحة الإعلاميّة والفكريّة"‏

فكان لا بدّ من الطّعن بمناهج هؤلاء والتّشكيكِ فيهم وبولائهم لأوطانهم وحبّهم لها، ‏وقد علم اللّيبراليّون بأنّهم لا يستطيعون القيام بهذه المهمّة بأنفسهم، بل إنَّ هجوم ‏الليبراليين على أيّة جهة إسلاميّة يجعلها أوثق عند أتباعها وأجلّ مكانةً في قلوب عامّة ‏المسلمين.‏

فكان الأجدى هو تنفيذ هذه المهمّة بأيدٍ ترفع راية الإسلام والسّلفيّة، وبألسنة ‏تتحدّث بعقيدة التّوحيد، وبشخصيّات لها سمتها الإسلاميّ؛ فكان زواج المتعة مع ‏الجاميّة المدخليّة الذين يشتركون مع الليبراليّة في كون الإخوان المسلمين والسّلفيّة ‏السّروريّة هم أعدى أعدائهم.‏

وقد أنتجَ هذا الزّواج ترويجًا لليبراليّة وتلميعًا لصورتها جنبًا إلى جنب مع تشويه صورة ‏الإخوان المسلمين والسّلفيّة السروريّة والطّعن بهما، كما انتج دعوةً صريحةً إلى قبول ‏الليبراليّة مترافقةً مع المطالبة باستئصال الجماعات والحركات والتيّارات الإسلاميّة ذات ‏البعد الحركي والنّشاط السّياسي.‏

ومن أوضح النّماذج على ذلك ما كان يؤكّد عليه الشّيخ موسى العبد العزيز في ‏مقابلاته وحواراته، ومن ذلك ما جاء على لسانه في حواره مع تركي الدّخيل في برنامج ‏إضاءات على قناة العربيّة؛ حيث يقول: 

‏"أنا أكره أن أسمّي الليبرالييّن بالعلمانيّين، فهم دعاة مدنيّة لتحقيق المطالب الإنسانيّة ‏التي لا تعارض الشّرع في حقوق الإنسان، لذلك هم دعاة إلى تنظيم السّلوك المدني في ‏إدارة المجتمع، وقد كان التّكفير من قِبَل القطبيّة أداةً لتشذير المجتمع بين إسلامي ‏وعلماني، وها هم اليوم يتقاربون ويثنون على من كفّروهم بالأمس، بل يجيزون ما منعوه ‏بالأمس كالتّعدّديّة والدّيمقراطيّة وقيادة المرأة للسيّارة فكيف لعاقلٍ أن يثقَ بدين ‏هؤلاء؟!"‏

لا يعبّر عموم الجاميّة عن الموقف من الليبراليّة بهذه الصراحة التي يتحدّث بها الشّيخ ‏موسى العبد العزيز لأنّهم يتخوّفون من مآلات غير محمودة لدى أتباعهم قد تجرّها ‏عليهم هكذا تصريحات، لكنّهم يفصحون عنها بين الحين والحين وتصدّقها أفعالهم ‏وتحالفاتهم العمليّة مع الليبراليين.‏

‏ إنّ زواج المتعة بين الجاميّة المدخليّة واللّيبراليّة أنتج أولادًا مشوّهين، وأفكارًا مشوّهة، ‏وأفعالًا مشوّهة، فالحقدُ والعداء وترسيخ الاستبداد هم أكثر الأجنّة تشوّها في هذا ‏الزّواج الذي لن يطول أمده وسينقضي أجله مع تحوّل موقف الحاكم من أحدهما أو ‏تحوّل مصلحته في استثمار أحدهما لغرضٍ من أغراضه؛ وحينها سيكون العداء بينهما ‏مدويًا والحرب طاحنة. ‏

وسوم: العدد 839