هل تتدخل تركيا لحماية الحكومة الشرعية في ليبيا؟

وافق البرلمان التركي أمس الخميس على مذكرة تفويض للرئاسة لمدة عام يسمح بتقديم دعم متنوع بما يشمل إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق، وذلك بعد أن كانت الحكومة الليبية المعترف بها دوليا قد طلبت في 26 كانون الأول/ديسمبر الماضي رسميا من أنقرة الحصول على دعم عسكري وجوي وبري وبحري لصد هجوم الجنرال خليفة حفتر الذي يسعى لاحتلال العاصمة طرابلس.

أدى قرار البرلمان التركي إلى مجموعة ردود متوقعة من جهات داعمة لهجوم حفتر، وكان أولها بيان لوزارة الخارجية المصرية يدين الخطوة «بأشد العبارات»، ويعتبرها «انتهاكا لمقررات الشرعية الدولية»، فيما سارع «مصدر مسؤول في الأمانة العامة للجامعة العربية» لاعتبار ما حصل «إذكاء للصراع الدائر هناك»، مشيرا على أن أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة، اتصل بالسكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ناقلا له «قلق الدول الأعضاء من تداعيات تصعيد الموقف».

مهم في خلفيّة هذا الكلام الرسمي المصري عن «انتهاك الشرعيّة الدولية» وحديث الجامعة العربية عن «القلق الدولي»، فهم التداخلات الكبيرة الحاصلة إقليميا وعربيا، والتي يعتبر هجوم الجنرال المتمرد على طرابلس أحد تفصيلاتها، بدءاً من المراهنين على الوأد النهائيّ لفكرة الاحتجاجات الشعبية العربية والثورات، وتركيب نظم عسكرية مستبدة وتابعة، وتقف على رأس هذا المحور دول كالإمارات والسعودية ومصر والبحرين، مروراً بحكومات أوروبية لا يهمّها غير وقف سيل المهاجرين عبر البحر المتوسط، وصولا إلى أطراف مثل اليونان التي استغلّت الأوضاع الليبية والمصرية ومدّدت حدودها البحرية طمعا بالثروات البحرية، وإسرائيل المتحالفة مع كل هؤلاء والتي شكلت، كما قال رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (الذي يزور اليونان حاليا لحضور قمة تجمعه بنظيره اليوناني ورئيس قبرص اليونانية لتوقيع اتفاقية خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى قبرص واليونان وإيطاليا وأسواق أوروبية) «تحالفا في شرق المتوسط له أهمية كبرى بالنسبة لمستقبل الطاقة لتحويل إسرائيل إلى دولة عظمى، وأيضا استقرار المنطقة».

تكشف هذه الأحداث المتزامنة عن أن دعم هؤلاء جميعا للجنرال الذي تتهم المحكمة الجنائية الدولية بعض ضباطه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتسانده قوات مرتزقة شركة «فاغنر» الروسية، في مواجهة حكومة تعترف بها الأمم المتحدة ودول العالم، هو شكل من أشكال الافتراس الجماعي لليبيا على أرضية اشتباك مصالح اقتصادية وسياسية يجمعها الاحتقار لليبيين ولحقهم في اختيار نظام حكم مدني ديمقراطي لا نظام يعيد تدوير مخلفات حكم العقيد الراحل معمر القذافي بعد تطعيمها بفترة انتظام الجنرال في أطر عمل المخابرات الأمريكية، ثم في أطر كل الأنظمة التي قامت ببعثه وإعادة اختراعه وتسليطه على مصير ليبيا.

وفيما يتحدث نتنياهو بصراحة عن تحويل إسرائيل لدولة عظمى، فإن من المضحك أن يردد نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي جاء بانقلاب عسكريّ، أحاديث عن «انتهاك الشرعيّة»، وهو ما يدفع إلى مقارنة مثيرة للسخرية فعلا.

وسوم: العدد 858