إسقاط الطائرة الأوكرانية.. ماذا يخبرنا عن كفاءة إيران العسكرية؟

لكنّ الرواية التي ادّعاها أمير حجي زادة تنسف الأساطير التي تمّ نشرها مؤخرا عن قدرات الجيش الإيراني والحرس الثوري، وهي تبيّن قصورا فادحا وأخطاء فظيعة لدى القوات المسلّحة الإيرانية، كما أنّها تؤّكد الكلام عن الافتقاد إلى عنصر الكفاءة، والانقسام العملياتي بين مؤسسات الدولة التي تدار على طريقة الجماعات المسلّحة غير الحكومية، وذلك لعدّة أسباب، لعل أهمّها:

أولا: الحديث عن حرب شاملة مع أمريكا يتعارض مع المعلومات الرسمية التي صدرت عن عدّة حكومات عربية وغربية، وتفيد بأنّ الرد كان منسّقا بشكل مسبق. وحتى لو افترضنا أنّ هذا الأمر غير صحيح وأنّ إيران كانت مستعدة لحرب شاملة مع أمريكا، فكيف يتم تفسير عدم إيقاف الملاحة الجويّة في البلاد، ولا سيما في المطار الذي لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن القاعدة العسكرية الخاصة بالحرس الثوري التي أطلقت الصاروخ باتجاه الطائرة المدنية الأوكرانية؟ ولماذا أبقت طهران الملاحة الجوّية عاملة؟

ثانيا: كيف من المنتظر لدولة أن تخوض حربا مع الولايات المتّحدة وهي غير قادرة على وصل الفروع على الأرض بمراكز القيادة والتحكّم؟ الحرس الثوري قال إنّ منظومة الدفاع الصاروخية لم تستطع التواصل مع القيادة لأخذ الأمر بالإطلاق بسبب مشكلة تقنيّة أو تشويش، علما أنّ ذلك تمّ في أوضاع شبه عاديّة على الصعيد العملاتي وفي ظل استنفار عالٍ مفترض لدى القوات المسلّحة الإيرانية، فكيف سيكون عليه الأمر في حال كانت هناك حرب حقيقية؟!

ثالثا: كيف من الممكن الخلط لدى العسكريين الإيرانيين بين طائرة مدنيّة وصاروخ كروز؟! الصاروخ أصغير بكثير من الطائرة وأسرع منها ومن المفترض أنّه يطير على علو منخفض باتجاه الهدف، أمّا الطائرة فهي ضخمة للغاية ولها أيضا شيفرة تعريف يمكن لأي كان أن يتابعها حتى من خلال تطبيق هاتفي، وهي مزوّدة كذلك بضوء إشارة، وكانت تتّجه في مسارها من الأسفل إلى الأعلى. أحد الخبراء العسكريين يقول إنّه لو استخدم أحد الجنود كاميرا تلفزيون مزوّدة بعدسة كبيرة، لاستطاع أن يرى وميض الضوء المخصص للملاحة على الطائرة!

رابعا: وفقا لزادة، فقد كانت هناك 10 ثوانٍ فقط لاتخاذ القرار، لكن أحد المحللين في مجال الدفاع ويدعى كارلو كوب، قدّر أنّه كان هناك حوالي 27 ثانية ونصف إذا كان بالفعل قد تمّ اكتشاف الهدف على بعد حوالي 19 كيلومترا كما هو مفترض من المعلومات المتاحة عن العملية. فضلا عن ذلك، تبيّن من خلال مراجعة المصادر المفتوحة أنّ هناك تسجيل فيديو يُظهر إصابة الطائرة الأوكرانية بصاروخين أرض-جو تمّ إطلاقهما من نفس القاعدة العسكرية الإيرانية نفسها، وليس صاروخا واحدا كما ادّعى الحرس الثوري.

خامسا: قامت نيويورك تايمز بالتعاون مع آخرين بتحليل التسجيلين، وقد تبيّن أنّ هناك حوالي 30 ثانية تفصل بين الصاروخين، وأنّ الصاروخ الأول أصاب مكانا من الطائرة أدّى إلى توقّف جهاز الإرسال عن البث، وأنّ الصاروخ الثاني أصاب الطائرة بينما كانت تغيّر من مسارها لتعود إلى المطار، ما أدّى إلى تحوّلها إلى كتلة من اللهب.....

بالرغم من تعهّدات مسؤولين إيرانيين بضرورة الاعتذار والمحاسبة، تمّ اعتقال مصوري التسجيل ورفض تسليم الصندوق الأسود. وبخلاف ما ينص عليه القانون الايراني لناحية عدم السماح بازدواج الجنسية، فقد اعتبرت السلطات الايرانية على لسان الناطق باسم الخارجية كل مزدوجي الجنسية على متن الطائرة (من الكنديين- الإيرانيين) إيرانيين حصرا، وذلك بغرض دفع تعويضات قليلة لعائلاتهم أو حتى حرمانهم منها لاحقا.

ولم يقم الحرس الثوري ولا المرشد الأعلى بالاعتذار عن الحادثة. وإمعانا في الاستكبار، أصرّ زادة لاحقا على أنّ "العدو" هو من كان وراء إسقاط الطائرة المدنية وسببا في حصول ذلك، ومثله فعل المرشد الأعلى الذي كانت خلاصة كلمته أنّ سليماني أهم من 176 مدنيا الذين قُتلوا في الحادث، وأنّه لا ينبغي التركيز على هذا الأمر كثيرا؛ لأنّ الهدف منه تأليب الشارع الإيراني والتغطية على محبة سليماني للمقامة، واصفا المعترضين على إسقاط الطائرة بأنّها أداة لإعلام العدو الخارجي!

وسوم: العدد 861