«الشيعية السياسية» وفلسطين: قضية من دون بشر

توافد قادة الأحزاب الشيعية في العراق إلى سفارة فلسطين، مستنكرين ورافضين ومنددين بالتطبيع الإماراتي البحريني مع إسرائيل، ومؤكدين موقفهم المساند للقضية الفلسطينية. والقادة هؤلاء، يمتزج في تشكلهم الميليشياوي بالسياسي، وينتمي معظمهم لفصائل طالما ساهمت في تهجير وقتل وإخفاء وتعذيب فلسطينيي العراق، عقب سقوط نظام صدام حسين، فتبعاً لحسابات الصراع المذهبي آنذاك، الفلسطينيون سنّة، ولا يمكن استبعادهم من معادلات الحرب الطائفية، وتحويلهم لخطر يغلّب طرفا لصالح آخر، حسب منطق الميليشيات المنخرطة في الصراع. الممارسة ذاتها تكررت في لبنان، حيث تتالت المواقف المناهضة للتطبيع والمؤازرة لفلسطين، من قبل الأحزاب «الشيعية السياسية» «أمل» و»حزب الله».

والحزبان هذان، رغم نفوذهما الواسع في الحياة السياسية، لم يقدما على أي خطوة لتحسين الشروط القانونية لحياة الفلسطينيين، الذي يعيشون في المخيمات، لناحية الخدمات والعمل، عدا عن أن «حركة أمل» شاركت بقوة في حرب المخيمات، حيث جرت محاصرة الفلسطينيين المدنيين وتجويعهم.

والحال، فإن لبنان لا يختلف عن العراق من ناحية الحساسيات الطائفية، إذ إن القوى «الشيعية السياسية» لا ترى في الفلسطينيين سوى كتلة سكانية سنية، وجب تركها خارج شروط الحياة، خوفا من أن تصبح فاعلة وقادرة على التأثير، لصالح الخصوم، خصوصاً أن بعض المخيمات تحاذي مناطق ذات غالبية شيعية.

 إكره الفلسطينيين وادعم قضيتهم، هذه هي معادلة «الشيعية السياسية» فهؤلاء (الفلسطينيون) يشكلون خطراً بسبب انتمائهم لمكون خصم

 وتفسير التناقض بين الحماس لتأييد القضية الفلسطينية، ورفض التطبيع من جهة، واضطهاد أهل القضية وإذلالهم من جهة ثانية، لدى قوى «الشيعية السياسية» في العراق ولبنان، له صلة طبعا بحسابات ميزان القوى الطائفية في تلك الدول، وزج الفلسطينيين فيه. لكن صلته الأوثق تتبدى في التدخل الخميني بالقضية الفلسطينية، والاستثمار فيها، بما يتجاوز منح الشرعية لنظام ديكتاتوري قمعي، إلى مد نفوذ هذا النظام في المنطقة عبر ميليشيات وأنظمة فئوية موالية.

بمعنى، فرغت إيران فلسطين من أهلها، وجعلتها أداة شحن وتعبئة للإيرانيين، وأداة لتمرير مشاريع النفوذ لدى الرأي العام الإسلامي العربي، وقوى «الشيعية السياسية» في تعاملها مع القضية الفلسطينية، ليست سوى نتيجة لذلك. والتفريغ الإيراني للقضية من أهلها، اقتضى، أبلسة الفلسطينيين أنفسهم والمزايدة عليهم، عبر تسويق خطاب، ظاهره دعم القضية بسقف عال وثوابت صلبة، وباطنه تخوين القوى الفلسطينية وتصويرها كقوى تتنازل عن حقوقها وتتقاعس عن النضال من أجلها. من هنا، باتت فلسطين بلا أهل، تبعاً لـ»الشيعية السياسية» مرة عبر الاستثمار بالقضية والاستيلاء عليها، وأخرى عبر المزايدة على أهلها وتخوينهم. وفي كافة الحالات، الفلسطينيون يدفعون الثمن عبر تهميشهم واضطهادهم في مناطق نفوذ «الشيعية السياسية» بدون أن يتمكنوا من لوم الجهة التي تضطهدهم، ذاك أنها، أي تلك الجهة، مع القضية وضد التطبيع وجزء من محور «ممانع» والقضية الفلسطينية على أجندتها بشكل دائم.

«إكره الفلسطينيين وادعم قضيتهم، هذه هي معادلة «الشيعية السياسية» فهؤلاء (الفلسطينيون) يشكلون خطراً بسبب انتمائهم لمكون خصم، لكن تلك (القضية) تساعد في حال استثمارها، على إضعاف هذا المكون، ومد نفوذ إيران في المنطقة، على حسابه.

وسوم: العدد 898