كورونا مصر: جرائم النظام وليس أنفلونزا القدر

مفزعة أشرطة الفيديو والأخبار التي تسربت من داخل مشافي محافظتي الشرقية والغربية في مصر حول وفيات جائحة كورونا، والتي تقول المعلومات إنها نجمت عن خلل في تزويد المرضى بالأكسجين بسبب نقص الأسطوانات. ومريعة مشاهد عجز الأطقم الطبية عن تقديم عون الحد الأدنى للمرضى، على شاكلة الممرضة الشجاعة التي لم يعد في مقدورها القيام بأي فعل سوى الاستسلام والارتماء على الأرض.

صحيح أن الجائحة فتكت بالدول المتقدمة مثل الدول النامية وأنها لم تميز بين مصاب في مشفى غني وآخر في مشفى فقير، ولكن مؤشرات تقصير هذه الحكومة أو تلك لم تعد خافية أو قابلة للتستر والتعمية في ظل المعطيات الكثيرة التي باتت متوفرة وفي متناول الجميع. وعلى سبيل المثال وصل معدّل وفيات كورونا في مصر إلى 5,79 مقابل معدل عالمي يبلغ 2,36 حسب معطيات منظمة الصحة العالمية، وبعض السبب يعود إلى تقصير السلطة في توفير اختبارات الـPCR مما خلق فجوة غير مفهومة بين هبوط أعداد الإصابات مقابل ارتفاع أعداد الوفيات.

ذلك يفسر التضارب الفاضح في تصريحات المسؤولين المصريين حول تفسير الوفيات الأخيرة، إذ تراوحت بين إنكار الوفاة بسبب كورونا وإرجاعها إلى «القضاء والقدر» أو التأكيد بعدم وجود أزمة في أسطوانات الأكسجين وأنها متوفرة وتزيد عن الحاجة، أو إحالة مسؤول الأمن في مشفى الحسينية إلى التحقيق لأنه لم يمنع تصوير المشاهد المرعبة في صالات العناية الفائقة. وبينما يصرح الدكتور محمد النادي عضو اللجنة القومية لمواجهة الكورونا في مصر بأن العدد الحقيقي للإصابات يفوق المعلن بعشرة أضعاف، يؤكد رئيس اللجنة الدكتور حسام حسني أن انتشار مرض الأنفلونزا هو سبب ازدياد الحالات في الآونة الأخيرة.

ومن المحزن أن الكثير من منظمات المجتمع المدني تعاني من عجز مماثل أو تقصير فاضح لا يمكن تبريره، كما في نقابة الأطباء التي أعلنت أنها ليست على اطلاع بنقص أسطوانات الأكسجين، كما أنها علمت بالوفيات الأخيرة الصاعقة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. في المقابل هنالك جهات لم تلتزم الصمت، فتقدم 30 من محامي الحسينية ببلاغ ضد وزيرة الصحة ومسؤولين آخرين طالبوا فيه بفتح تحقيق قضائي حول ما شهدته المشافي من إهمال وتقصير. وليس أقل إثارة للحزن أن تجد لدى البعض ممن يزعمون معارضة سياسات النظام الصحية نزوعاً إلى تكذيب أشرطة الفيديو التي تسربت، بزعم أنها من فبركة جهات خارجية على رأسها الإخوان المسلمون، وكأن الصحف المصرية التي تناولت الوقائع هي بدورها مأجورة وعميلة.

ولا يخفى أن السبب الجوهري الأهم وراء هذا التدهور الخطير في إجراءات مواجهة الجائحة، والازدياد الهائل في الوفيات وتدهور الحدود الدنيا من مستلزمات العلاج، هو أن السياسات الصحية التي يعتمدها نظام عبد الفتاح السيسي لا تبدي من الاكتراث بحياة المواطنين إلا القليل واليسير بالقياس إلى سياسات البطش والقمع وإدامة الفساد والإنفاق على بناء عواصم وهمية وجسور استعراضية، إلى جانب مغامرات النظام في شراء الأسلحة والتدخل العسكري الخارجي ورهن الإرادة المصرية مقابل الإعانة والاستدانة. هنا مكمن المسؤولية والجريمة، وليس نقص الأكسجين أو أنفلونزا القضاء والقدر.

وسوم: العدد 910