موقف العالم العربي والإسلامي من سياسات حماس الأخيرة

ghjhdhthyt911.jpg

في الأمس القريب، شاهدنا -بكل أسف- كيف رُفعت صور المجرم قاسم سليماني في ميادين غزة؟! وما رافقها من مهرجانات وابتهاجات!!! وما سبقها من تصريحات ما أنزل الله بها من سلطان لبعض قادة حماس وما أحدثته من استهجانٍ ورفضٍ واستنكارٍ وردود فعل لدى شرائح واسعة من الشارع العربي والإسلامي المُحب لحماس في بلاد الشام والرافدين واليمن وسائر العالم الإسلامي، مما يدل على حرص هذه الملايين على حماس ورفضهم لسقوطها في مستنقع القتلة والمجرمين الباطنيين .

ولذلك كان لابد من توضيحٍ لجوهر المشكلة التي تعيشها غزة من وجهة نظري المتواضعة؛

إن صاحب القضية والمبدأ والممارس للعمل الجهادي والسياسي عليه أن يبتعد كل البعد عن السلوك العاطفي، وأن تكون كافة حساباته من ربح وخسارة مما يتعلق بقضيته ماثلة لديه، وأن يتجنب ليّ النصوص وتجييرها كما يطيب له خلال تحليله للأحداث واتخاذ المواقف، بل عليه أن ينطلق من الأسس والمبادئ والحقائق والمسلمات التي يؤمن بها وينطلق منها، وأن يكون قلبه في رأسه، حتى يُخضع عواطفه ومشاعره لسلطان العقل. أمّا إذا تجاهل ذلك فيكون قد وقع في خطأٍ كبير، وخاصة حين يكون الحديث عن قضية محورية وجوهرية كالقضية الفلسطينية!!

فقضية فلسطين بالنسبة لنا جميعًا هي قضية الأمة الإسلامية برمتها، ويُخطئ من يختزل هذه القضية الإسلامية بحماس، أو بالفلسطينيين فقط!!!

فعندما انطلقت حماس انطلاقتها الأولى لم تنطلق من فراغ وإنما انطلقت من عقيدة سليمة ومنهجية واضحة ناصعة، ومن أرضية إسلامية لا شبهة فيها ولا غبار عليها. واستطاعت قياداتها المتعاقبة أن تحافظ على ثوابتها وتوازناتها من خلال سلوكياتها الثورية وخطابها السياسي المتزن، والمنهجية الحكيمة التي أسهمت في تعاطف و كسب الشارع العربي والإسلامي والإنساني و حشده لدعم استمرارية وجودها وتسديد جهودها المادية والمعنوية في مقاومة الاحتلال الصهيوني...

كما أنها تجنبت التدخل في شؤون الأخرين وخاصة الدول الصديقة متوخيةُ الحذر الشديد مغبّة الانزلاق والانجرار في الصراعات (الإقليمية أو الدولية) كي لا يشغلها ويُبعدها عن أهدافها الرئيسة وألّا يتم تصنيفها لحساب أي محور أو طريق غير الطريق الشفاف الذي شقته لنفسها بدعم وزخم من الرصيد العقيدي والوطني العربي والإسلامي والإنساني...

ولكن هذه السياسة الحكيمة بدأت تتغير بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وخاصة بعد أن ترك الأستاذ خالد مشعل قيادة الحركة في مايو ٢٠١٧ مع العلم أن حماس كانت لها علاقات و طيدة و قوية وحاضرة مع إيران وقادتها على كافة الصُعد والمجالات التي خطتها حماس لنفسها في جهادها وسعيها للوصول إلى أهدافها النبيلة والمشروعة وحتى ذلك التاريخ لم نسمع أحداً يُعيب عليها سواءً من أبنائها وإخوانها في الشارع الفلسطيني أو من إخوانها وجمهورها في بلاد الشام والرافدين واليمن والعالم الإسلامي بعامة.

فحماس ك-حركة تحريرية- هي من تُقدّر هيكلية إقامة العلاقات و هي من ترسم شكلها وسقفها وحدودها مع أي جهة شاءت من خلال ثوابتها ومبادئها ومصالحها دون المساس بتلك الثوابت أو التفريط بروابطها العربية والإسلامية.

وما أقدم عليه بعض قادة حماس من أفعال سواءً بالمواقف أو التصريحات كان له أثرًا سلبيًا موجعاً لدى شرائح واسعة ومهمة من النسيج الفلسطيني، ومن أهل بلاد الشام والرافدين واليمن الذين يمثلون البعد الحقيقي والعمق الاستراتيجي والقاعدة الطبيعية الحاضنة لأي عملٍ جهاديٍ تحرّري جاد يخدم القضية الفلسطينية (قضية الأمة).

لقد كانت حماس رائدة في طرحها وفي سياساتها و ممارستها على الساحات الداخلية والعربية والإسلامية والعالمية، ولكن هذا المسار الحكيم بدأ يتبدل ويتغير في الآونة الأخيرة، مما أحدث صدمةً كبيرةً عند جمهور (حماس) ومحبيها!! فبدأت تفقد الكثير من قاعدتها الشعبية في بلاد الشام، والرافدين، واليمن، والأحواز... وكذلك عند القيادات الواعية في الصف الفلسطيني وهم اليوم ينادون بأعلى أصواتهم مستهجنين ومستنكرين هذه الانحرافات والتصريحات والسلوكيات العلنية المشؤومة والغير مسؤولة والتي لم تحترم أو تراعي حرمة دماء الشهداء من أبناء بلاد الشام، والرافدين، واليمن، وعرب الأحواز...

وللأسف لم يتمّ تدارك هذا الأمر بل حاول العديد من العلماء والشيوخ والسياسيين تبرير هذه الانحرافات والأخطاء بل قاموا بليّ النصوص وتسخيرها ووضعها في غير مكانها؛ مما أحدث ردات فعل عكسية، إذ إن تبرير هذه المواقف الغير موفقة وتشبيهها برخصة المضطر الذي يُباح له أكل الميتة وشرب الخمر؛ طامّة كبرى.

والأشنع من ذلك هو المضي في تجميل هذه الأخطاء و الاستفزازات وتبريرها بالمزيد من المهرجانات والتصريحات الإعلامية المسموعة والمكتوبة والمرئية، مدعومةً بالمشاهد المؤذية؛ ابتداءً بالتعزية بموت المجرم الجزار قاسم سليماني قاتل الأطفال والأبرياء ومنتهك الحرمات في بلاد الشام والرافدين واليمن والأحواز ... حيث أُطلقت عليه الكثير من النعوت التي ما أنزل الله بها من سلطان مثل الشهيد والمجاهد والأخ وشهيد القدس!!! والتي توافقت مع خطابات وتصريحات الكثير من المسؤولين والسياسيين الإيرانيين المبتهجين والمحتفلين الفرحين بما حققوه من إجرام وقتل وتشريد واجتياح وتجييرٍ لأربع عواصم عربية بالإضافة إلى غزة لمشروعهم الطائفي الشيعي مما زاد في ألم الجرحى والثكالى والأيتام والمهجرين من إخوانهم وجيرانهم المكتوين بنار و إجرام الجزار سليماني وشيعته المجوسية!!

ولم تقف تصريحات بعض قادة حماس على الإطراء المسف على المجرم سليماني ومشروع إيران العدواني بل تعدى الأمر الى أبعد من ذلك فقد قام الدكتور الزهار في ٢٣ ديسمبر المنصرم بتمجيد المجرم بشار الأسد ونظامه ومنظومة ما يسمى الممانعة كلها ومارس دور العرّاب للاصطفاف خلف قيادة المجرم النصيري بشار الأسد من خلال محاضرته المشؤومة من على منبر جبهة العمل الإسلامي اللبنانية التي هي منبر آخر من منابر المشروع الإيراني في المنطقة العربية، والإسلامية ثم يأتي رفع صور المجرم قاسم سليماني في ميادين غزّة هاشم المحكومة من قبل حماس كصدمة أخرى غير متوقعة إطلاقا.

كل هذا وغيره يدعونا للقول: إن الدبلوماسية والواقعية السياسية قد تجعلك في بعض الأحيان تتنازل عن بعض الثوابت اضطراراً أو تقدّم مصلحة عليا على مصلحة دنيا، لكن الذي نعيبه ونستنكره أشد الاستنكار هو ذلك التمجيد والتقديس وإطلاق الألقاب الفضفاضة بل والكاذبة (الأخ، والشهيد، وشهيد القدس) على أعتى المجرمين والقتلة في العصر الحديث!!

فهذا المجرم الإيراني الباطني قاسم سليماني قتل وذبح ومثّل بجثث مئات الآلاف بل الملايين من الأطفال والنساء والمدنيين من إخوانكم في بلاد الشام، والرافدين، واليمن، والأحواز وشرّد من أبناء بلاد الشام، والعراق فقط ما زاد عدده عن عشرين مليون مسلم سني، لإتمام خطّة التغيير الديمغرافي لصالح أمن الكيان الصهيوني بمباركة أمريكية و أوروبية وروسية و اليوم نستطيع أن نقول كذلك بمباركة حمساوية...

فما تقوم به بعض قيادات حماس والجهاد الإسلامي من أعمال وتصريحات وسلوكيات غير مسؤولة باتت تؤثر سلبًا عليها أولًا فالحركات والأحزاب وكذلك الدول تنهار عندما تخذل القيم والمبادئ التي قامت وتأسست عليها ، نعم إن الدبلوماسية والواقعية السياسية قد تفيد مرحليًا ولكن فائدتها آنية وقليلة في مقابل الخسران الكبير الذي تقوده هذه التصريحات الغير مسؤولة كتصريحات الزهار وأمثاله فمهرجاناتهم تعمل كخناجر أبي لؤلؤة المجوسي المسمومة في طعن أمة الجسد الواحد وفِي بث الفتنة والشقاق بين أبناء الأمة و مكوناتها ، بل وفي فقدان الحاضنة الشعبية في بلاد الشام، والرافدين، واليمن، والأحواز، وفي الداخل الفلسطيني أيضًا، كم كنّا نتمنى أن تكون المهرجانات والاحتفالات قد تمت في ذكرى استشهاد قادة حماس ومؤسسيها العظام كالشيخ أحمد ياسين والرنتيسي و الدكتور نزار ريان يحي عياش و سعيد صيام و صلاح شحادة و وغيرهم من القامات العالية التي يفتخر بها كل عربي و مسلم ،ولهذا ننصح العقلاء من إخواننا وأهلنا في حماس والجهاد أن يبادروا بتدارك الأمر قبل فوات الأوان!

كذلك نناشد الإخوة المنتقدين بالتحلي بالصبر والاحتساب عند الله فمعركتنا واحدة وعدونا واحد ودمنا واحد ومصيرنا واحد وثقوا أنه لن تتحرر فلسطين مالم تتحرر بلاد الشام فسورية القسام كانت ولا زالت البعد الحقيقي لأي عمل تحرري في المنطقة.

وسوم: العدد 911