تونس: دراما حزب بن علي مع «علماء المسلمين»

اختار الحزب الدستوري الحرّ الذي تقوده النائبة المثيرة للجدل عبير موسي طريقة عنيفة للتعبير عن مواقفه تذكّر، بطريقة مثيرة للتفكر، بطموحه لاستعادة نظام زين العابدين بن علي، الذي سقط إثر ثورة شعبية عام 2011، فالحزب المذكور الذي يستخدم ما يضمنه النظام الديمقراطي الحالي في تونس من طرق نضال سلميّة للترويج لإعادة نظام صنّفت تونس خلال عهده في المرتبة 144 من 167 بلدا في مؤشر الديمقراطية لسنة 2010، وكانت مرتبته في حرية الصحافة 143 من أصل 173، وقد استهلّ بن علي عهده الذي دام 23 عاما دكتاتورية بالانقلاب على الرئيس الحبيب بورقيبة.

تستخدم قيادة الحزب الذي حكم تونس تحت هذا الاسم سابقا إذن أساليب لم يكن حكام البلد يسمحون بها لمن يعارضهم، لكنّ تلك القيادة لا تستطيع أن تنسى، في الوقت نفسه، قدرات القوّة الغاشمة التي كانت السلطات التونسية المستبدة تتمتع بها وتمارسها ضد مناهضيها، وخصوصا الإسلاميين منهم.

وجد «الدستوري الحر» الطريقة الأكثر مناسبة لاستخدام الأطر الديمقراطية مع التلويح بعصا الاستبداد في الوقت نفسه وذلك بالعمل على «احتلال» مكان سياسيّ رمزيّ، كما فعل نوابه في تموز/يوليو الماضي بتنفيذ اعتصام داخل البرلمان مطالبين بإسقاط «حركة النهضة» ورئيسها راشد الغنوشي، أو كما فعل مؤخرا بـ«اقتحام» مبنى فرع «اتحاد علماء المسلمين» مما استدعى تدخّل الشرطة لمنع التعدّي على مركز نشاط عامّ، وبذلك فاز «الدستوري الحر» ورئيسته عبير موسي بالحسنيين: ادعاء ممارسة النضال السلمي ضد رموز «الرجعية» (والذين كانوا خلال أيام بن علي في المنافي أو السجون) وكذلك استعادة ذكريات العنف الفالت من عقاله للنظام الاستبدادي الذي تنتمي إليه.

أظرف ما في هذه «الدراما» التي تقوم بها موسي وأنصارها في «الدستوري» أن هذه الاعتصامات والاقتحامات تظهر جماعتها المطالبة بعودة الاستبداد في موقع المظلوم والمضطهد والمقموع، فيما تظهر السلطات التونسية في موقع المستخدم لأدوات القمع من شرطة ومنع حرية التعبير والنضال السياسي السلمي.

يُضاف إلى مفارقات هذه الدراما أن جماعة موسي التي تنتمي إلى ماضي الاستبداد لا تني تكرّر أنها تمثّل مستقبل تونس المأمول، ويستقوي تيارها السياسي على الداخل التونسي باتجاهات سياسيّة خارجيّة يُعتبر فيها نظام، كنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قام بفض اعتصام رابعة بالعنف الدموي الذي خلّف مئات القتلى، مثالا وقدوة.

على شاكلة الأنظمة العربية المستبدة التي يطمح «الدستوري» لتمثيلها يعتبر هذا الاتجاه أن مناهضة الإسلام هي الطريق للحداثة، وأن وضع الإسلاميين في السجون هو الطريق للعدالة، وأن الفساد الاقتصادي واحتكار الثروة ضمن طغمة مقربة من الحاكم الأوحد هي العدالة، وهي وصفات تم تجريبها منذ بدء استقلال الدول العربية، وأدت إلى ثورات تحاول مد جسور نحو المستقبل، كما أدت إلى ثورات مضادة تحاول أن تئد الشعوب العربية من جديد.

وسوم: العدد 920