الخاطرة ٢٩٢ : الفيضانات والحرائق أحداث طبيعية أم علامات إلهية؟

خواطر من الكون المجاور

في الأسابيع الأخيرة كانت أغلب القنوات الفضائية ومواقع التواصل الإجتماعي تنشر أخبار الكوارث الطبيعية من فيضانات وحرائق التي حصلت في العديد من بلدان العالم ، وكانت المقالات ومقاطع الفيديو اختلفت فيما بينها في تفسير حقيقة ما يحدث . فبعضها فُسّرَت كعلامات آخر الزمان، والبعض فسرها كنتائج لظاهرة الإحتباس الحراري وتأثيره على مناخ الكرة الأرضية ، وآخرون قالوا أن هذه الكوارث هي أمور عادية تحدث كل عام أو كل فترة وفترة . وكان لكل تفسير أتباعه الذين آمنوا بصحته وهذه حقيقة المشكلة التي يعاني منها عصرنا الحديث حيث القاعدة الثقافية العامة لكل شخص تختلف تماما عن الشخص الآخر ولهذا نجد اليوم أن التعصب بمختلف أنواعه وصل إلى مرحلة يستطيع بها تمزيق الروابط ليس فقط بين أفراد الشعب الواحد ولا أفراد المجتمع الواحد ولكن أيضا بين أفراد العائلة الواحدة ..... فما هي حقيقة هذه الكوارث الطبيعية التي تحدث ؟.

حتى نفهم حقيقة ما يحصل لا بد لنا أن نبحث في مضمون المشكلة من خلال رؤية شاملة تساعدنا في فهم حقيقة ما وصلت إليه المشكلة . ففعلا في العقود الأخيرة بدأ عدد الكوارث الطبيعية العالمية يزداد بسبب التلوث البيئي وإرتفاع مستوى غاز الكربون في الغلاف الجوي للكرة الأرضية وذلك بسبب الإعتماد بالدرجة الأولى على استخدام البترول كطاقة في تشغيل المصانع والمحركات ووسائط النقل بشكل عام . ولكن هذا النوع من تفسير أسباب المشكلة رغم أنه يبدو وكأنه تفسير علمي ولكن في الحقيقة هو تفسير سطحي يعتمد على مبدأ (العلم للعلم وليس العلم لخدمة الإنسان ) ومثل هذا النوع من تفسير الأمور وللأسف يزيد الطين بلة وهو عاجز عن حل المشكلة لأنه يتناقض مع تكوين الإنسان ، فأصحاب المصانع وأصحاب رؤوس الأموال ما يهمهم أولا هو تحقيق مصالح شركاتهم لضمان استمرار عملها طالما أنه لا يوجد بديل آخر للطاقة ، فحتى حكومات الدول المتقدمة في الصناعة والتكنولوجيا رغم أنها تريد حل مشكلة تلوث البيئة ولكن مصالح شعوبها تمنعها في اتخاذ إجراءات قوية وجريئة في هذا الموضوع لأنها تعلم تماما بأنه سيسبب لها خسارات كبيرة ستؤثر على مستواها الإقتصادي في الساحة العالمية فهي تعلم جيدا بأنه هناك تنافس عنيف بين هذه الدول وأن بعض الدول الأخرى لن تتبع هذه الإجراءات بحذافيرها لتستغل المشكلة وتحصل على مكانة أعلى على المستوى العالمي .

فجوهر الموضوع هنا هو أن مشكلة تلوث البيئة وظاهرة الإحتباس الحراري لا تحصل بشكل فجائي ولكن بشكل تدريجي على مدى عقود عديدة من الزمن ، في حين أن أهم عيب في صفات الإنسان المعاصر هو أنه قصير النظر ، فهو يرى جيدا فقط ما يناسبه هو ، فهو ليس لديه أي إحساس بما سيحصل في المستقبل ليجعله يشعر من أعماقه بضرورة القيام بواجبه نحو أبنائه وأحفاده وأحفاد أحفاده ، فهذا النوع من المسؤولية قد دخلت في سبات عميق في التكوين الروحي للإنسان المعاصر. ولهذا نجد أن جميع العلماء ورؤساء الدول العظمى يتكلمون باستمرار عن مشكلة تلوث البيئة ولكن بدون أن تكون هناك أي محاولات جادة تكون نتيجتها إيجابية لتلك المؤتمرات العالمية رغم مرور عقود عديدة في طرح المشكلة على المستوى العالمي . فهناك فرق كبير بين أن تتكلم عن المشكلة بلسانك وبين أن تشعر بشيء ما في داخلك يدفعك غصبا عنك لتفعل شيئا ما لحل هذه المشكلة ، فمثلا أصغر طالب في المدرسة اليوم يعلم ما معنى كلمة (إحترام) ولكن في الواقع نجد أن هناك العديد من الذين يحملون شهادات دكتوراه عندما يتناقشون في مسألة معينة مع طرف معارض لآراهم نجد أسلوبهم خالي تماما من أي (إحترام) لرأي الطرف الآخر ، فمعرفة معنى (الإحترام) عقليا لا يعني أنه سيُطبق في سلوك الشخص العارف لهذا المعنى . فللاسف اليوم أصبح الإنسان المعاصر يبدو عليه وكأنه شخص مثقف جدا ولكن في الحقيقة نجد أن عقله الباطني والذي يسيطر على سلوكه في الحياة يجعله يتصرف بشكل معاكس تماما بما يناسب المصلحة العامة للمجتمع أو للإنسانية ، فالإنسان المعاصر اليوم هو من أغبى ما مر على البشرية منذ بداية التاريخ وحتى الآن . فقد أصبح الإنسان المثقف علميا اليوم أخطر بكثير على مستقبل الإنسانية من الإنسان البسيط الفطري .

كما ذكرت قبل قليل بأن نسبة الكوارث الطبيعية بدأت تتزايد بشكل تدريجي في العقود الأخيرة ، فقد أصبح معروفا اليوم أن كل عام آت سيكون أسوأ من الذي سبقه ، والذي جعل الأمور تزداد سوءا في العامين الحالي والماضي هو ظهور وباء كورونا . فعدا المشاكل الصحية والإقتصادية التي سببها هذا الوباء نجد أن الكوارث الطبيعية في هذا العام قد جعلت الأمور تأخذ شكلا مرعبا أكثر ،فرغم أن الأمور من بداية العام كانت تسير بشكل طبيعي وربما ايضا بشكل أفضل من السنوات الماضية من حيث عدد الكوارث الطبيعية عالميا ، ولكن عندما بدأت إجراءات الحجر الصحي تتحرر وتفتح الدول حدودها لاستقبال السائحين لينتعش إقتصادها ، نجد فجأة حدوث فيضانات في ألمانيا والتي تعتبر الأسوأ منذ /٦٠/ عاما على الأقل ، ثم حدوث فيضانات أيضا في الدول المجاورة لها، وقبل أن تنتهي هذه الكوارث في الدول الأوروبية ، نجد الفيضانات تحدث في الهند والصين وتركيا وبعض الدول العربية وبعض دول العالم في القارات الخمس . إذا تمعنا جيدا زمن حدوث أول هذه الفيضانات (في ألمانيا) نجد أنه قد حصلت في بداية موسم أيام الحج ، أما زمن فيضانات الهند فنجد أنها قد حصلت في بداية أيام عيد الأضحى المبارك . والغريب في الأمر أنه قبل أيام موسم الحج كانت الأمور في معظم بلدان العالم هادئة ، الجميع كانوا فرحين بسبب إنقضاء الحجر الصحي ، ولكن مع موسم الحج إنقلبت الأمور رأسا على عقب ..... هل يا ترى هذه صدفة ؟

الفيضانات عادة تحدث في الشتاء كونه موسم الأمطار ، ولكن هذا العام الأمطار التي أحدثت الفيضانات هطلت في منتصف فصل الصيف ، وكأن الأمور بدأت تحدث بعكس قوانين الطبيعة . صفحات التاريخ ذكرت هذا النوع من الشذوذ المناخي في صيف عام (٣٥٦) قبل الميلاد قبل ولادة إسكندر المقدوني (ذي القرنين) والذي استطاع الإنتصار على معظم ملوك دول العالم القديم ليحرر شعوبها من الإستعباد والظلم .... ما علاقة اسكندر المقدوني بالكوارث الطبيعية التي تحدث اليوم؟ سنفهمه بعد قليل .

مع إنتهاء أيام عيد الأضحى المبارك بدأ إندلاع الحرائق ، تركيا مثلا كانت المدن الشمالية تعاني من الفيضانات ، ثم تحولت الكارثة على شكل حرائق في المناطق الجنوبية الغربية التي راحت النيران فيها تلتهم غاباتها . الحجم الهائل لهذه الحرائق دفع بعض الأتراك المتطرفين بإتهام الحكومة اليونانية بأنها هي التي قامت بها بسبب نجاح موسم السياحة في تركيا . ولكن قبل أن تسيطر الحكومة التركية على الحرائق في بلادها، اندلعت الحرائق أيضا في اليونان . ورغم أنها في البداية بدت وكأنها حرائق بسيطة إعتادت عليها اليونان في كل صيف ولهذا لم تطلب الحكومة اليونانية أي مساعدة من الدول الأوربية في البداية ، ولكن الأمور سارت فجأة بشكل مرعب جدا بعكس جميع التوقعات ، ففي أيام قليلة تحولت مناطق عديدة إلى جحيم جعل الحكومة اليونانية عاجزة تماما في السيطرة عليها ، فراحت تستنجد الدول المجاورة ، ورغم ضخامة المساعدات التي أرسلتها هذه الدول من طائرات و مروحيات وعربات ورجال الإطفاء ، و من ضمنهم تركيا أيضا كانت قد أرسلت طائرتين كاندير ، ولكن بالرغم من كل ذلك كانت الحرائق في اليونان الأسوأ في تاريخها ، فقد حولت مساحة (١،٣) مليون فدان من منطقة خضراء إلى منطقة رمادية جرداء .

اليونانيون اليوم يتهمون الحكومة اليونانية بالإهمال وعدم إجراء الإحتياطات اللازمة للتعامل مع الحرائق بشكل صحيح . فلأول مرة منذ سنوات طويلة لم يتم توظيف رجال إطفاء موسميين (وعددهم ٢٠٠٠ شخص) كما كانت تفعل الحكومة اليونانية في فصل الصيف من كل عام ، وسائل الإطفاء الجوي (طائرات ومروحيات) عددها ٧١ ولكن الصالح منها للعمل كان لا يتجاوز الـ (٣٠) بعض سيارات الإطفاء لم يتم صيانتها لتستطيع العمل ، أيضا جهاز الإطفاء في اليونان كان على أسوأ حالاته في هذا العام ، والسبب أن فصل الصيف في اليونان في هذا العام كان يسير على أجمل ما يكون ، ولكن الذي حصل أنه عندما حانت فترة إجازة رجال الحكومة وأعضاء البرلمان ، ليتوقفوا عن العمل ويقضوا إجازة الصيف، فجأة إنقلبت إجازتهم إلى أسوأ ما يكون والذي دفعهم جميعا إلى قطع إجازتهم والعودة إلى مكاتبهم لإدارة هذه الكارثة .فكانت إجازة صيف هذا العام من أسوأ الإجازات بالنسبة لأعضاء البرلمان اليونانيين ، حتى أن سكان المناطق المحترقة قاموا بتهديد كل رجل سياسي من الإقتراب من مناطقهم التي بسبب إهمالهم وسوء تصرفاتهم فقدوا كل ممتلكاتهم . آلاف اليونانيين أصبحوا لاجئين في بلادهم لأن بيوتهم ومناطق سكنهم قد تدمرت عن بكرة أبيها بسبب الحرائق . قبل أيام قليلة تم القبض على فتى بعمر /١٤/ عام ، متهم بإشعال عدد كبير من الحرائق في اليونان ، وسبب إشعاله للحرائق كما صرح هو شعوره بالمتعة وهو يرى الدخان وألسنة النيران تتصاعد في السماء .

هذا ما حصل في اليونان كمثال يبين لنا ما حصل في البلدان الأخرى التي شهدت كوارث طبيعية سواء حرائق أو فيضانات . فكما يبدو أن الصدفة لا مكان لها هنا ، ولكن يبدو أن الطبيعة لها مخطط تسير عليه لتحقق هدف ما .

للأسف اليوم نعيش في عصر يعاني علماؤه من عمى البصيرة ، عبد الله رشدي - مثلا- الحائز على شهادة الدكتوراه في علوم الشريعة من جامعة الأزهر والتي تُعتبر من أرقى كليات الشريعة الإسلامية في العالم ، في أحد مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت يقول بما معناه أننا لا نعيش اليوم في أيام آخر الزمان وأن الوضع العالمي لا يتوافق مع ذلك الوضع الذي سيظهر به المهدي عليه السلام كما تصفه الأحاديث النبوية . فالحديث الشريف يذكر (.... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً ...) فيقول الدكتور عبد الله رشدي بما معناه أنه صحيح في الكثير من البلدان العربية اليوم لا يوجد بها عدالة ، ولكن في الدول الغربية المتقدمة يوجد عدالة والمواطن هناك يُطبق عليه القانون كما يطبق على الوزير تماما أو حتى على رئيس الحكومة . للأسف فهم هذا الشيخ الحاصل على دكتوراه في علوم الشريعة لمعنى العدالة المذكورة في الحديث الشريف هو فهم سطحي جدا . فهذه الدول المتقدمة التي يتكلم عنها اليوم تستهلك ٨٠ % من خيرات الكرة الأرضية ، في حين أن ٨٠% من الشعوب الأخرى تستهلك فقط ٢٠% من هذه الخيرات ، فأن يكون الأب عادلا مع اولاده فقط وظالما للآخرين هذا لا يعني أنه رجل عادل .

ففي مصر اليوم هناك عائلة لديها طفلين ، الغريب في أمرهما انهما لم يستطيعا التكلم بأي كلمة إلا بعد وصولهما إلى عامهم الثالث من عمرهما . وعندما تكلما نطقا كلمات إنكليزية فقط ، رغم أنهما يعيشان في مصر التي شعبها يتكلم اللغه العربية ، شيء ما في التكوين الروحي لهذين الطفلين يرفض تعلم اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم . هل يفهم الدكتور عبد الله رشدي وأمثاله من أولئك الشيوخ المسلمين الذين يؤكدون بأن زمن ظهور المهدي لم يأتي بعد ، ما معنى أن يشعر طفل بالمتعة وهو يرى ألسنة النار وهي تلتهم الأشجار وبيوت الناس ؟ هل يعلم هؤلاء الشيوخ ما معنى أن يولدوا أطفالا مسلمين تكوينهم الروحي يرفض تعلم اللغة العربية ؟ هل يفهم هؤلاء الشيوخ معنى أن يرتكب الطفل جريمة قتل؟ هذه الظاهرة التي لم يعرف التاريخ مثلها من قبل ، والتي الآن تحدث في مصر وجميع بلدان العالم وكأنها أمر عادي . أين العدالة في عصر يجعل الطفل يخسر هويته التي فطرها الله عليه منذ سنواته الأولى ؟ أين العدالة الإلهية التي تفرض على أطفال مصر واطفال العالم العربي أن تنظر إلى الممثل محمد رمضان كقدوة في المجتمع ؟ هناك طفل تكوينه الروحي جعله يتكلم فقط باللغة العربية الفصحى ، فبدلا من أن يكون هذا الطفل قدوة لزملائه في الصف تحول إلى طفل يسخر منه الجميع ، حتى أن معلم الصف بدلا من دعم وثناء هذا الطفل أمام زملائه في الصف كونه يجيد اللغة العربيه الفصحى بطلاقة وكونه من أشطر الطلاب في حفظ المواد الدراسية ، وكونه أفضلهم في الأخلاق وأجملهم في المظهر، للأسف بدلا من أن يفعل المعلم ذلك راح يصرخ به ليجبره على التكلم باللهجة العامية ولم يكتفي بذلك بل و قام بتنبيه أهله بضروره منعه من التكلم باللغة الفصحى ! . أين العدالة في هذا المجتمع الذي جعل موهبة هذا الطفل نقمة عليه بدلا من أن تكون نعمة، لتتحول ساعات دوامه في المدرسة إلى عذاب لا يُطاق. أين العدالة في مجتمع معظم أطفاله اليوم أصبحوا مصابين بالمرض النفسي (سيكوباتيا) ؟

تمعنوا جيدا في سلوك أطفال الجيل الحديث ستجدون أن معظم صفات سلوكهم تتشابه مع صفات المريض السيكوباتي والتي هي :

التمتع بقدر من الذكاء العالي..... عدم القدرة على حب الآخرين .....الاندفاعية في الكثير من الأمور.....انتهاك وتجاهل حقوق الآخرين..... تجاهل نصائح الكبار....عدم التمييز بين الصواب والخطأ......عدم إظهار التعاطف والندم على الأشياء.......الميل إلى الغش والكذب ومعاداة الآخرين.....حب إيذاء الآخرين والتلاعب بهم. ....

هذه الصفات جميعها موجودة في سلوك الممثل محمد رمضان ولهذا قوانين المجتمع جعلته أشهر فنان في العالم العربي لأنه يمثل الرمز الروحي لهذا العصر . فحتى تنجح في حياتك في عصرنا الحاضر يجب عليك أنت تكون مريض سيكوباتي فعندها تُفتح لك ابواب المجد . ولهذا كتب التاريخ في صفحاته (لم يعرف التاريخ وحشية أكثر من وحشية الإنسان المعاصر) .

من يظن أنه لا تزال توجد عدالة في هذا العالم اليوم ، هو أعمى البصيرة ، لأن الإنسان أصبح لأول مرة في تاريخ البشرية كائن مسير ولا يملك أي قوة تسمح له بالإختيار ، لهذا فإنه من الظلم اليوم أن يحاسب أي شخص على أفعاله ، لأن الوضع الروحي للمجتمع شوهت فطرته الإنسانية منذ طفولته وجعلته كائن مختلف كثيرا عن ذلك الكائن الذي خلقه الله ودعى أسمه (بني آدم) . الطفل هو مثل تلك النبتة الجميلة التي وضعت في تربة فقيرة بكل عناصر الضرورية للنمو ، فلا تلوموا هذه النبتة لأن أوراقها عليها بقع رمادية وصفراء ، وأزهارها ذابلة وبألوان باهتة ، وثمارها قبيحة لا تؤكل ، فالسبب ليس نوع النبات ولكن التربة الفقيرة التي زُرع فيها ، هكذا هو حال أطفال اليوم .

يجب أن نعلم أن القانون الإلهي الكوني يعتمد مبدأ أن الطبيعة هي مرآة درجة نقاء التكوين الروحي لكبار علماء عصرهم والذين آرائهم أصبحت القاعدة الثقافية للمجتمع ، فإذا كانت آرائهم قريبة من قوانين الطبيعة ، عندها تكون الطبيعة في أجمل أشكالها ، أما عندما تكون متناقضة معها تصبح الطبيعة في أبشع أشكالها لأنها تنظر إلى هذه الروح وكأنها عدو لها فتقوم بمحاولة تدميرها ، مثلما حصل في زمن قوم نوح وقوم لوط وثمود وعاد وغيرهم، حيث حدثت فيها كوارث طبيعية عديدة .

هناك ركن هام جدا في فهم حقيقة الإيمان ولكن للأسف معظم أتباع الديانات لا يعطونه أي أهمية . ففي الإسلام يذكر الحديث الشريف ( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، وكذلك في الإنجيل يذكر عيسى عليه السلام "«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ." (مت ٥ : ١٧). بمعنى أن الديانة المسيحية تحمل في تعاليمها ما هو موجود في الديانة اليهودية من تعاليم إلهية ، وكذلك الإسلام يحمل في تعاليمه ما هو موجود في الديانة المسيحية واليهودية أيضا. وقد ركزت الديانة الإسلامية على ما يتعلق بمكارم الأخلاق ، لأن الأخلاق هي مرآة التكوين الروحي للإنسان . ولكن الذي حصل أنه لا المسيحيون ولا مسلمي اليوم حملوا هذا الركن من الإيمان الذي وضعه الله في تعاليم الديانة اليهودية . فمن تعاليم هذه الديانة أنها فرضت عبادة الله والإيمان به من أجل أن يحقق للمؤمنين اليهود حياة سعيدة تضمن استمرار تطور شعبهم على مر العصور . فكتب التوراة لا تذكر أي آية عن يوم الحساب والعودة إلى الجنة ، فقوم موسى بعد خروجه من مصر كان لا يؤمن بوجود لا يوم الحساب ولا العودة إلى الجنة .

فالحكمة الإلهية في عدم إيمان اليهود بيوم الحساب هي أن تجعل سلوك المؤمنين فيهم أن يعبدوا الله ليبارك بأبنهم وأحفادهم ليضمنوا لنسلهم في الإستمرار والحياة سعيدة . فعبادة الله عند اليهودي كانت ليس من أجل منفعة شخصية يضمن من خلالها لنفسه الدخول إلى الجنة بعد الوفاة ، ولكن كانت من أجل الأجيال القادمة ليباركهم الله . الديانة المسيحية والإسلامية ذكرت هذا الركن من الإيمان تحت أسم (العمل الصالح) والذي ستكون نتيجته النهائية تأمين المصالح الإنسانية لتتابع تطورها نحو الأمام عبر الأجيال، لهذا الفيلسوف ابن رشد في أبحاثه الفلسفية قال بأنه يوجد نوعين من الروح : روح شخصية وروح عالمية، الروح الشخصية ليست خالدة ، فقط الروح العالمية هي الخالدة . لأن الروح العالمية هي فقط التي تساهم في تنقية الروح العالمية من الشوائب الشيطانية تدريجيا عبر مرور الأجيال. أما الروح الشخصية فهي روح تهتم بنفسها فقط ولا تساهم في تنقية الروح العالمية . وللأسف اليوم نجد أن عبادة الله عند جميع أتباع الديانات أصبحت من نوعية الروح الشخصية لأن هدفها الرئيسي هو فقط تحقيق الدخول إلى الجنة ، أما أمر مستقبل الأجيال القادمة فلا أحد يهمه هذا الأمر على الإطلاق ، ولهذا نجد أن التعصب الديني وصل إلى مستوى عال جدا فكل طرف يُكفر الطرف الآخر ولا أحد منهم ينظر إلى الإنسانية على أنها العائلة الكبيرة لآدم وحواء وأنه جميعهم أخوة في هذه العائلة وكل طرف منهم يلعب دور في المساهمة في تنقية الروح العالمية .

بسبب هذا التمزق في الروابط الإنسانية أصبحت المشاكل التي تعاني منها الإنسانية اليوم أعقد بكثير من أن يستطيع العقل البشري إيجاد حلول لها ، فرغم أن المستوى العلمي اليوم هو فعلا متقدم جدا ولكنه متقدم فقط في العلوم المادية ، أما في العلوم الروحية فهو متخلف جدا ، فسوء فهم علماء الدين للنصوص الدينية لكتبهم المقدسة حوَّل دينهم إلى دين فاشل عاجز عن حل أي مشكلة من المشاكل التي تعاني منها الإنسانية ، لهذا الكوارث الطبيعية تضرب الجميع ولا تفرق بين مسلم أو مسيحي أو يهودي أو هندوسي أو بوذي أو ملحد ، فجميعهم يشاركون اليوم في تشويه التكوين الروحي للإنسانية . الحديث الشريف يذكر "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" ، الديانات العالمية في شكلها الحالي اليوم هي مختلفة كثيرا عن شكلها الحقيقي كما أنزلها الله على أنبيائه.

خلاصة الحديث : الإنسانية اليوم بحاجة إلى تدخل إلهي ليساعدها في حل مشاكلها لتنقذ نفسها من هذا الدمار الذي تعيشه . وبدون ظهور المهدي (عيسى المسيح) هذا يعني أن الإنسانية تسير نحو الفناء ولن يستطيع أحد إيقاف ذلك. ولكن الله موجود وهو يمهل ولا يهمل ... والله أعلم .

وسوم: العدد 943