حول تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

الشيخ أيمن سليمان

دعاني أحد جيراني غير المسلمين لغداء عائلي بمناسبة الكريسماس، حضرة ٢٧ شخصا من أفراد عائلته( ٨ أُسَر) ، فاعتذرت لارتباطي بحضور مؤتمر إسلامي خارج الولاية التي أعيش فيها. ثم شاء الله أن يتأجل سفري للغد فقبلت دعوته، وهذا ما حدث:

-حرصت عائلة جاري على إعداد الكثير من الأطباق والمشروبات الحلال من أجلي.

-بعد الغداء تعمَّد جاري أن يسألني أمام جميع أفراد العائلة حول المسيح و موقف المسلمين منه (هو يعلم رأيي في مسألة ألوهية المسيح ومكانته في الإسلام من حوار سابق بيني وبينه).

- بدأت ببيان المكانة الرفيعة لسيدنا عيسى والسيدة مريم في ديننا وكيف احتفى القرءان بهما و تأكيد القرءان على البر بأهل الكتاب وتميزهم عن غيرهم بمكانة خاصة في ديننا.

-ثم بينت-بلطف وحكمة-موقف الإسلام من ٤ قضايا: الميلاد المعجز للمسيح ودلالته، ألوهية المسيح، صلب المسيح وبعثه من الموت وأخيرا عودة المسيح في آخر الزمان. وأكدت على أن موقف الإسلام أقرب إلى المنطق والعقل وحقائق التاريخ، واستدللت ببعض فقرات من الإنجيل تدعم روايتنا. 

وما إن انتهيت حتى تنافس الحضور في إلقاء عبارات التعجب من تسامح الإسلام وتوقيره للمسيح وأمه، والأسف لعدم معرفة غير المسلمين بذلك. بعدها انهالت الأسئلة التي تجاوزت موضوع الحوار إلى كل ما يثار حول الإسلام من اتهامات مثل مكانة المرأة، المواريث، الحجاب، التعدد، العنف، إلخ.(أخبرتهم أنه لا توجد خطوط حمراء للأسئلة؛ فليس في الإسلام ما نخجل من مناقشته) في نقاش امتد إلى حوالي ٩٠ دقيقة أجبت فيها على أسئلتهم وتعمدت أن اعقد المقارنات بين الإسلام وغيره فيما يتعلق بهذه المسائل مما يبين تميز ديننا وواقعيته.

الملاحظات:

-لم يقاطعني أحد أو يعترض على كلمة قلتها رغم مخالفة الإسلام لأصل الاحتفال الذي تجمعوا من أجله، بل أنصتوا باحترام.

-لم يتحرج الكثيرون من تأييد وجهة نظري في نقاط كثيرة رغم مخالفتها لما يعتقدون.

-لم يظهر على وجه واحد منهم علامات الضيق أو الغضب من ذاك الغريب الذي جاء (ليفسد علينا عيدنا) بل كانوا يبتسمون كلما أجبتُ على سؤال.

-لم يحاول أحد أن يهاجمني أو أن يغير موضوع الحوار بل انصتوا رغم طوله.

-أكد الكثيرون أنهم يشُكُّون أن المسيح شخصية تاريخية قد عاشت بالفعل، وأن قصته ربما تكون مجرد أسطورة كغيرها من الأساطير.

-من بين ٢٧ شخصا حضروا الغداء، ٣ فقط قالوا إنهم قد حضروا الصلاة في الكنيسة بمناسبة الكريسماس (كلهم من الجَدَّات). وبعضهم لم يدخلها بل ربما لم يُصَلِّ للمسيح منذ كان طفلا.

-الغالبية ذكرت أن علاقتهم بالكريسماس ليست أكثر من مناسبة للتجمع العائلي وفقط، ولا وجود للبعد الديني في المناسبة مطلقا. بل إن البعض استمتع بإطلاق النكات حول الإله وصَلبه وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه.

-أكثرهم لم يتحدث إليهم مسلم طوال حياتهم وكل معلوماتهم عن الإسلام هي أكاذيب الإعلام، ورغم ذلك لم تتكون لديهم مشاعر سلبية تجاه المسلمين.

- الحديث عن قُبح ثقافة تميز الرجل الأبيض كان حاضرا وربط ذلك بفلسطين مهد المسيح -رغم أن العائلة كلها من البيض-.

في نهاية الجلسة اعتذر البعض عن جهلهم بالإسلام فتلطفت معهم واعتذرت عن تقصير المسلمين في نشر الإسلام وتفنيد الشبهات التي تثار. ثم سألتهم إن كانوا يرغبون في قراءة القرءان ليتعرفوا على صحيح الإسلام فرحبوا بذلك فقمت بتوزيع ١٢ نسخة من القرءان كانت في سيارتي عليهم، ودعوتهم للاتصال بي للنقاش حول ما يقرؤن. بعضهم دعاني لزيارته في بيته للحديث أكثر عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم. 

النتيجة: 

حجم المصالح والثمرة التي تحققت في ساعتين يفوق ثمرات عملي الدعوي طوال شهور طوال وأنا من العاملين في حقل الدعوة؛ إذ يصعب- إن لم يستحيل- الوصول لهذه النوعية من الأفراد بهذا النوع من الحوار الودي المفتوح عن طريق مواقع النت، أو قوافل الدعوة في الشوارع،أو زيارة المساجد أو غيرها. 

الإخوة الأفاضل الذين يعارضون تهنئة غير المسلمين بأعيادهم-وأنا أقدر غيرتهم على دينهم- ربما يغيب عنهم الواقع والظرف الذي يتنزل عليه الحكم الشرعي عند إصدار الفتوى. التمسك بأن التهنئة مخالفة لرأي الأئمة الأربعة و أن الإمام ابن القيم حكى الإجماع لا يعني أن المسألة حُسمت؛ فلو عاشوا لزماننا لربما غيروا فتاواهم كما حدث من بعضهم. 

-ابن القيم نفسه أورد قصة استقبال النبي لوفد نصارى نجران في مسجده بل وصلاتهم فيه، فهل كان النبي يجهل أنهم يُصلّون إلى المسيح؟ وهل في هذا إقرار منه لهم على شركهم؟ أم أنها من باب المجاملة وحسن الضيافة رغبة في تأليف القلوب؟. 

- هناك خلط بين مسائل الاعتقاد (الإقرار بألوهية المسيح التي لا يعتقدها المسلم الذي يقدم التهنئة) ومسائل الفقه (حكم فعل التهنئة وإن كانت من باب المجاملة الاجتماعية). فالمسألة موضع الخلاف من مباحث الفقه لا العقيدة.

-ليس كل من يرى جواز التهنئة متهوكا ولا منهزما أمام الآخر ولا ممن يشعرون بالدونية؛ بل منهم أفاضل ذوو خلق وعلم وجهد لخدمة دينهم. 

-ادعو الأفاضل الذين يعيشون في بلاد المسلمين ذات الغالبية المسلمة أن يكتفوا بالإفتاء في واقعهم الذي يعيشونه وأن يتركوا للمسلمين في الغرب أمر فتاواهم لأنهم أعلم بواقعهم. 

- كلامي هنا عمن يقدم التهنئة من باب المجاملة الرقيقة وليس عمن يشارك بالطقوس فيشتري شجرة ويلبس ملابس الكريسماس وغيرها؛ فهذه مسألة أخرى.

وسوم: العدد 961