التعاون الأمني والعسكري الإسرائيلي مع دول التطبيع العربية سيمضي قدماً

تَظهر أصوات عربية متفائلة بانهيار الحلم الإسرائيلي في التعاون الأمني والعسكري مع بعض الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل ، وتعلل تلك الأصوات تفاؤلها الحماسي بالتقارب الحذر  بين بعض هذه الدول وبين إيران ، مثل نية الإمارات إرسال سفير إلى طهران ، وتصريح أنور قرقاش مستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد أن بلاده تعارض أي تحالف عسكري موجه إلى إيران ، ومثل إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن الرياض مستعدة لنقل مفاوضاتها الأمنية مع بلاده إلى المستوى السياسي ما يبشر بقرب انفراج العلاقات بين البلدين الذي قد يتوجه تبادل السفراء . ويغري هذه الأصواتَ بالظهور التشاؤمُ  النسبي الذي تبديه دوائر رسمية وبحثية في إسرائيل حول تشكيل ناتو عربي _ إسرائيلي رسمي على مثال ناتو الأطلسي . وفي تقديرنا أن التعاون الأمني والعسكري الإسرائيلي مع دول التطبيع العربية الجديدة سيمضي قدما في جانبه العملي دون صيغة رسمية تجلب لهذه الدول المشكلات والإدانات والإحراجات الشعبية والإعلامية في العالم العربي .  والنتائج وصلت حتى الآن مستوى عاليا في التعاون الأمني والعسكري مع دول التطبيع الجديد ، الإمارات والبحرين والمغرب والسودان ، ومع الرياض التي لم تدخل بعدُ دائرة التطبيع الرسمي العلني . باعت إسرائيل أسلحة ب 3 مليارات دولار إلى بعض هذه الدول ، وهو مبلغ كبير إذا نظرنا إلى المدة الزمنية القصيرة التي انقضت على التطبيع ، والأسلحة تجلب معها المدربين والمستشارين العسكريين والنفوذ السياسي ، والنشاط الاستخباري  المسكوت عنه والمنسق أحيانا معه  ، والمغرب يتوسع مع إسرائيل في كل العلاقات ، ومنها العسكرية ، بسرعة الصوت جالبا  أجواء التوتر والصراع إلى محيطه  .  وولي العهد السعودي محمد بن سلمان يرى ، صادقا ، إسرائيل حليفا محتملا ، ولولا حسابات معينة يحذرها لاعترف بأن إسرائيل ليست حليفا محتملا ، بل قديما وحاليا . والسودان لا تنقطع الزيارات الاستخبارية المتبادلة بينه وبين إسرائيل ، وهذا ما نقرؤه بعد الإخبار عنه ، فماذا عما لا تأتي به الأخبار ؟! وذات الشيء يقال عن الدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل والتي لم تطبعها ، ودائما المخفى أدهى وأعظم في عالم عربي  لا يبث من أخباره إلا ما يسر حكامه ويشرفهم ويبديهم فرسان كرامة ووطنية ، وأهل كفاية وعلم وخبرة . وبناء عليه ، ترانا لا نعرف أكثر أخبار علاقة هذه الدول بإسرائيل إلا من الإعلام الغربي ، والإعلام الإسرائيلي الذي تقنن جهات أمنية نشر تلك الأخبار فيه تقنينا يساير إيقاع الأحداث والأهداف المرادة من النشر . إسرائيل تستهدف إستراتيجيا ومصيريا الاندماج في المنطقة اقتصادا وتجارة وثقافة  وسياحة ، وهذه ، في نظرها خاصة ، لا تكون قوية مجدية مأمونة الاستمرار إلا بغطاء  أمني وعسكري ، ومن فوائد هذا الغطاء أيضا أنها ، إسرائيل ، تريده جامعا لها في جبهة موحدة ضد خطر إيران الذي تهوله عليها وعلى دول الخليج ، وتجتهد في تقديم نفسها مدافعا موثوقا به عن هذه الدول في مجابهته ، ولا بأس ، بل من الأوجب والأجدى ، أن يكون دفاعها مؤتلفا مع أميركا ، وبهذه الكيفية تكون امتدادا للدفاع الأميركي التقليدي عن هذه الدول ذات الكساح الدفاعي المزمن   . وهي ، إسرائيل ، تريد استثمار كل علاقاتها مع الدول العربية في التخلص من معضلة المشكلة الفلسطينية  ذات الثبات الصخري في سبيل حرية علاقاتها وراحتها مع تلك الدول ، وعبر عن هذا الاستثمار بيني غانتس وزير دفاعها أثناء مشاركته في " منتدى أسبن " في أميركا مبينا يقينه : "  بأنه يمكننا الاستفادة من اتفاقيات إبراهيم والعلاقات مع الشركاء الإقليميين من أجل تقوية السلطة الفلسطينية وتعزيز إجراءات بناء الثقة ... " ،  وبناء الثقة سيكون بتحسينات اقتصادية ومعيشية لن ترتقي إلى أي أفق سياسي للفلسطينيين . علاقات إسرائيل  في كل تجلياتها مع دول التطبيع القديمة والجديدة والقادمة كنوز استراتيجية ومصيرية متنوعة لها  ، وهي لن تقصر في استثمار أي  منها أوفى استثمار ، ولا يهمها أن تكون في صيغ رسمية . المهم ما ينتج عنها عمليا . الرياض ، مثلا ، لم تطبع علاقتها رسميا بها ، وكل شيء يجري بين الدولتين فوق المرام ، والسماح للطيران المدني الإسرائيلي بالتحليق في أجواء بلاد الحرمين لم يحتج من الرياض إلا إلى بيان يبرره بأنه تنفيذ لاتفاقيات الطيران الدولية كأن هذه الاتفاقيات لم تكن موجودة زمن منع تحليق للطيران الإسرائيلي في تلك الأجواء . وتحسين علاقات الإمارات والرياض مع إيران مهما اتسع مداه لن يوقف تعاونهما الأمني والعسكري مع إسرائيل ، والأقرب للصواب أن هدفه التغطية على هذا التعاون وعلى سائر جوانب علاقتهما بإسرائيل . 

                                                ***  

" ليس لدي ما أقدمه سوى الدم والمثابرة والدموع والعرق . تسألونني  ما سياستنا ؟! سأجيبكم : سياستنا أن نحارب بحرا وبرا وجوا بكل قوتنا . نحارب طاغية متوحشا لم يبزه أحد في سجل الجرائم البشرية المظلم المبكي . هذه هي سياستنا . تسألونني ما هدفنا ؟! يمكنني أن أجيبكم بكلمة واحدة : النصر . " من خطاب رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل عند تقديم حكومته في 13 مايو 1940 في الحرب العالمية الثانية . هكذا تعامل الدول الحقيقية أعداءها الحقيقيين أما الدول الهلامية الملفقة  فتخضع لهم وتستسلم ، ولا تراهم أعداء ، وهذه حال دول التطبيع العربية مع إسرائيل العدو المبين للأمة العربية والإسلامية ، والأشد عداوة لها من عداوة ألمانيا لبريطانيا زمن خطاب تشرتشل ، وهتلر الذي وصفه بالطاغية المتوحش كان يتمنى التوافق مع بريطانيا في سياسته الأوروبية والعالمية اقتناعا منه بجرمانية الشعبين وتفوقهما  العرقي . ومن كلماته في تصدير كتابه " تاريخ الحرب العالمية الثانية " : " كن حازما إذا حاربت ، متحديا إذا انهزمت ، شهما إذا انتصرت ، حسن النية إذا سالمت ! " . 

وسوم: العدد 990