لا تكسروا السوط وتتصالحوا مع الجلاد... حافظ الأسد وليس حزب العمال الكردستاني..

لا تكسروا السوط وتتصالحوا مع الجلاد... حافظ الأسد وليس حزب العمال الكردستاني..

وبشار الأسد وليس مَن تذكرون..

خلال سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وحتى عام 1989.. لم يكن في تركية لا حزب عدالة وتنمية، ولا أردوغان ولا لاجئون سوريون ولا داعش ولا ماعش ولا مشكلة جيوسياسية عابرة للحدود ...

في تلك السنوات من القرن الذى خلا قتل حافظ الأسد من الشعب التركي الشقيق، بأيدي جماعة من الإرهابيين تبناها، نحو خمسين ألف مدني تركي بريء، نتولاهم، وندعو لأرواحهم بالرحمة، ولأسرهم، أمهاتهم وأزواجهم وأيتامهم، بحسن العزاء والسلوان ...

قصير النظر على ما يقرر - الشيخ سعيد النورسي- في تحفته الخالدة "المثنوي العربي" هو الذي يرى القلم ولا يرى اليد التي تمسكه، ويرى اليد ولا يرى الرأس التي تديرها، ويرى الرأس ولا يرى العقل اللذي يدبره ..!! رحم الله عصر الكبراء!! قال العربي:

نبئت أن النار بعدك أوقدتْ ... واســـتبّ بعـــدك يا كليب المجلسُ

وتنـــازعـــوا أمـــر كـــل كبيــــــــــرة ... لو كانت حاضر أمرها، لم ينبسوا

واستمرت وتمادت وامتدت تلك العصابة التي احتواها، حافظ الأسد، ودربها في سهل البقاع، وأقام لها معسكراتها في المناطق الشمالية من سورية، وغذاها ودربها من ميزانية الشعب السوري الجائع المجوع، وسمح لقائدها أن يقيم على الأرض السورية، وأن يدير عملياته عبر الحدود من هناك، ولم يكن في ذات نفسه غير أداة...

وأخطر شيء يقع فيه السياسي أن يجعل هدفه انتقاما من أداة...كما ينتقم مجلود من سوط الجلاد!!

ومن السذاجة السياسية أن يُنسى الفاعل وتحاسب الأداة، أن نتصالح مع المجرم، ونصر على كسر العصا. الطفل الصغير عندما يرتطم رأسه بالجدار فيغضب هو الذي يصر على ضرب الجدار. وعقول الأطفال لا تدير سياسة...!!

في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي- مرة أخرى- نجحت الدبلوماسية التركية، في تصنيف هذه الأدوات كمنظمات إرهابية على مستوى الأمن العالمي، وانتزعت قرارات من مجلس الأمن تشجب وتدين وتحظر وتلاحق... والدبلوماسية التركية منذ 1011 وحتى اليوم هي التي أعطت الفرصة لهؤلاء الإرهابيين ليكونوا الحليفَ المباشر للقوة الأعظم في العالم، وما أجمل أن يراجع الإنسان نفسه. لم يكونوا أكفاء للتحالف مع الولايات المتحدة، ولكن واقعا ما دفع الولايات المتحدة إلى أن تجعلهم خيارا تراهن وتناور عليه. وأعتقد أن هذا التحالف هو أكبر انتصار حققته هذه العصابات في تاريخها الوجودي، وأكبر خسارة للدبلوماسية المناوئة. وأرجو أن يكون ذلك هو الانتصار َالأخير، والخسارةَ الأخيرة..

وأتذكر في 1998 كيف استطاعت الإدارة التركية القائمة أنذاك أن تجعل حافظ الأسد المقاوم الممانع المناضل أن يولي الدبر على مشهد ومرأى من العالم أجمع !!

.. حتى جاءت نظرية "صفر مشاكل" بكل مثاليتها وسذاجتها، والتي ظن أصحابها أن المشكلات يصنعها بعض المبتلين بها، ولم يتصوروا أنها تفرض عليهم، كما فرضت على شعوب منطقتنا هذه الحروب اللعينة التي تديرها الدولة العالمية العميقةقة بكل أدواتها.

الحرب على الأداة والنوم مع الجلاد في مضجع واحد ، ليس عمل الراشدين. ويوم كان الرئيس رجب أردوغان يستقبل "بشار الأسد وعقيلته" في بيته استقبال إخاء ومودة ووفاء،، كانت الدواهي تجري تحت السواهي.

وزرت في عام من تلك الأعوام مدينة استنبول، ليخبرني مسئول تركي وبراءة الأطفال في عينيه، أن الحكومة السورية تقدم رحلات مجانية لجيل من صناع الرأي الأتراك، وعلى كل مستوى، سياحة أسبوعية في سورية عربون صداقة ومودة ووفاء، سبياحة مع كل "الذي منه" على حساب الشعب المصلوب المقهور؛ وبريء العينين لم يدر أن تلك بعض الأساليب المخابراتية في اختراق المجتمعات... وأن هؤلاء الذين يتحركون ضد اللاجئين السوريين اليوم هم المافيا الأسدية المنظمة، على الأرض التركية، كما على كل الأرض الإنسانية. استراتيجية أبو الحسن الصباح والحشاشين مدروسة بعناية ودقة، مع كل تجليات القرن الحادي والعشرين. إن لفظة "أساسين" اخترقت اللغة العالمية كعنوان لاستراتيجيات القتل والإرهاب...

ما يزال في أذهان بعض وفود المحبة التركية - الأسدية ذكريات من تلك الرحلات. منذ سنين سألت عن صحفي تركي كان اسمه عمدة للصحفيين الأتراك الناطقين بالعربية، المناصرين للقضية الإنسانية السورية. فقيل لي أصبح من جماعة عبيد التومان، وما أجمل الفتوى تحلل المتعة!!

مرت فترة ...كلما رأينا خطيئة سياسية يقع فيها كبير، نأولها بحسب حاله، ونقول لا بد أنه أدرى منا بما يفعل، وأعلم منا أين يضع قدمه، ولكننا تعلمنا من هذه العشر العجاف أن بعض الناس يأكلون الحصرم وبعض الناس يضرسون، وتعلمنا أيضا أن أحطاء الكبار تكون كبيرة، وأن من الجنف أن لا يكون الضامن وفيا. قالوا فصدقنا، ثم اعتذروا فما نفعنا الاعتذار . ومليون شهيد ضاعوا نتيجة خطأ في الحساب..

تقول العرب: لن يستقيم الظل والعود أعوج . ولن تستقيم أوضاع المنطقة وفيها مثل بشار الأسد، لا على مستوى سورية ولا على مستوى الجوار خلا العدو الذي جعل من نظام الأسد حارسا للحدود...

بشار الأسد ليس خطرا على سورية أرضها وإنسانها فقط.. بشار الكبتاغون خطر على الإنسان والإنسانية ما خلا الأشرار ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 991