إفي بيتنا رِجْلُ فرخة

عشاق الدراما المصرية زمن الأبيض والأسود غالبا، شاهدوا الفيلم الشهير «في بيتنا رجُل» للفنان العالمي عمر الشريف، ثم جاء من بعده الفنان أحمد زكي في دور صغير في إحدى المسرحيات في بداية رحلته الفنية، لينطق اسم هذا الفيلم «في بيتنا رِجْل» على سبيل اللمسة الكوميدية.

لكن يبدو أن هذا الشعب المطحون الذي عرف بالفكاهة حتى في ذروة الأزمات، سوف يردد كثيرا هذه الأيام عبارة «في بيتنا رِجْل فرخة».

أرجل الدجاج هي حديث الساعة في مصر، وأبرز التريندات التي أخذت حيزا من الاهتمام، بعد ما اتجهت الحكومة في ظل الغلاء الفاحش الذي صاحب انهيار العملة المصرية، إلى الترويج لأرجل الدجاج، لتحل كوجبة أساسية على المائدة المصرية.

الطبقية في مصر تبرز بصورة مخيفة، معظم شرائح الشعب مهددة في أمنها الغذائي، بالإضافة لمخاوف تتعلق بالأمن المائي بعد فشل النظام في حل مشكلة سد النهضة

من خلال تتبعي للأخبار في مصر، وقفت أمام منشور غريب للمعهد القومي للتغذية في هذا البلد الشقيق، يطرح فيه أمام المصريين وجبات غذائية غنية بالبروتين والعناصر المهمة، كبديل عن اللحوم التي لم تعد في متناول الجميع، وكان من أبرز ما اقترحه المعهد في منشوره، أرجل الدجاج، على اعتبار أنها رخيصة الثمن، وظل يعدد فوائدها الخاصة بالبشرة والشعر والنضارة وتأخير علامات الشيخوخة، وغيرها من الفوائد التي حشدها المنشور، ولم يكتف بذلك، بل قدم طريقة طهي مثالية لأرجل الدجاج. الإعلام المصري بدوره شرع في الترويج لفوائد أرجل الدجاج، بل ظهر مسؤول قطاع التجارة الداخلية في وزارة التموين المصرية في مقابلة مع إحدى القنوات، وهو يتحدث عن فوائد أرجل الدجاج، وأنه يتم تصديرها إلى الصين باعتبارها مادة جيلاتينية، وأنها من أنظف الأطباق في الصين، لكن لم يذكر المسؤول أن أطباق الخفافيش والثعابين والقطط في الصين أيضا محل عناية فائقة لدى الصينيين. سألتُ بعض الأصدقاء في مصر عن أكلة أرجل الدجاج، فأخبروني أنها في الأصل لم يكن لها سعر يذكر، يشتريها بعض المعدومين، وأحيانا يهبها تجار الطيور للمتسولين والمحتاجين بلا ثمن. الأمر رغم أنه أثار سخرية في الوطن العربي، لا في مصر وحدها، لكنني شعرت باستياء شديد حيال أشقائنا المصريين، ألهذه الدرجة الوضيعة تتعامل الحكومة المصرية مع قوت الشعب؟ هل هذا ما تفتقت عنه عبقرية النظام في حل مشكلة غلاء الأسعار؟ الإعلاميون الذين يطرحون هذا الحل العبقري أمام الشعب المصري، من منهم يرضى بأن تكون أرجل الدجاج طبقا على مائدته؟ في ظل سياسات الإنفاق العقيمة التي تتجه للمشروعات الفاشلة وبناء القصور والكباري، وصفقات السلاح، على سبيل ترضية الدول الأوروبية، يُطالَب الشعب المصري بربط الأحجار على البطون، وتغدو مشكلة قوت اليوم أمرا عسيرا يواجه حياة المصريين ويهدد أمنهم الغذائي. يُطالَب الشعب المصري بأكل أرجل الفراخ في وقت يرتع فيه أعوان النظام في رغد من العيش بعد أن صارت ثروات الشعب المصري في يد الجنرالات والضباط وكبار رجال الأعمال والمطبلين للنظام وحاشيته من أهل الفن وغيرهم. النظام المصري الذي يبيع أصول الدولة من شركات ومصانع وأراض إلى دول خليجية، أسهم في شيوع البطالة، وانعدام فرص العمل، ويعمل بلا رؤية في ظل وجود زعيم لا يرى جدوى من دراسات الجدوى، ورفع الدعم عن السلع الأساسية للمصريين وتركهم نهبة لجشع التجار، ولم يجد أمامه من حل لمواجهة الأزمات المعيشية سوى أن يأتي على المطحونين ويطالبهم بأكل أرجل الدجاج.

يحكي لي الأصدقاء المصريون، أن الأسعار في ازدياد يومي، وأن الناس صاروا يترحمون على أيام حكم مبارك، الذي لم يتطرق لرفع الدعم واعتبره من الخطوط الحمر، وكيف أن الأسعار كانت تزداد بشكل يسير على مدى فترات متباعدة تصل إلى سنوات. أين الوعود البراقة؟ أين الحديث عن إغناء المصريين؟ أين الحديث عن مهلة العام والعامين لظهور آثار الإصلاح الاقتصادي المزعوم؟ وقطعا سوف يشهد السوق المصري ازديادا ملحوظا في أسعار أرجل الدجاج، بعدما وجهت الحكومة مواطنيها إلى الإقبال على هذا البديل، فالسوق يخضع للعرض والطلب، وحينها تصبح أرجل الدجاج طبقا مهما على مائدة المصريين ومطلبا حيويا لهم.

الطبقية في مصر تبرز بصورة مخيفة، وأصبحت معظم شرائح الشعب مهددة في أمنها الغذائي، والذي يشمل مخاوف أخرى تتعلق بالأمن المائي بعد أن فشل النظام في إيجاد حل لمشكلة سد النهضة.

أعلم أن هناك أزمة عالمية، لكن لم أر حكومة تتعامل مع الأزمات الاقتصادية على هذا النحو، ولا تتجه إلا للضغط على أكتاف البسطاء، وقطعا لا يخلو الأمر من تعلق بالزيادة السكانية، فمع هذا الاستخفاف بالأمن الغذائي للمصريين، يتم الضغط عليهم لتقليل الإنجاب، فزعيمهم في كل محفل يلومهم على كثرة الإنجاب، وأنهم هم المسؤولون عن هذه الأزمة بكثرة النسل، مع أن الثروة البشرية هي رأس مال البلاد، ودولة مثل اليابان من أكثر دول العالم تقدما، مساحتها أقل من مساحة مصر، وتعداد شعبها أكثر من تعداد الشعب المصري، ودولة الصين تعداد سكانها ما يقرب من مليار ونصف مليار، استطاعت من خلال هذه الثروة البشرية أن تكتسح العالم بصناعاتها ومنتجاتها. كل بلادنا تئن وتعاني، وبها أزماتها التي ستجعل بعض المتشدقين ينقمون عليّ في تناولي للشأن الداخلي المصري، لكن حقيقةً أوضاع هذا الشعب المتردية، لم تأت بصورة تدريجية، بل قفزت على هذا النحو، خلال عشر سنوات فقط، هي زمن الانقلاب الذي باع الوهم للمصريين، وبث فيهم الأمل أن مصر ستكون (أد الدنيا)، وزينت أمامهم الوعود (بكره تشوفو مصر)، لقد رأى المصريون ورأينا إلام صارت أرض الكنانة، صار أبناؤها يُوجَّهون إلى أكل أقدام الدجاج، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وسوم: العدد 1013