لن تنقذوا بشّار الأسد

يعمل "زاهر" ناطوراً في المبنى حيث أسكن. أتى إلى لبنان مع عائلته منذ ما يزيد على عشرة أعوام قادماً من مدينة دير الزور بعد احتلال تنظيم داعش الإرهابي لها. منذ ذلك الحين يثابر زاهر على تأمين مستلزمات سكّان البناية كي يحافظ على عمله ومسكنه وقوت عائلته، التي كانت تتألّف من ولدين وزوجة، ثمّ رُزق خلال تلك الفترة بولدين آخرين صبيّ وفتاة. لم نسمع زاهراً يوماً يتحدّث بالسياسة أو الشأنين العامّين السوري واللبناني، فأحاديثه محصورة بدوام مولّد الكهرباء أو بعطل أصاب مضخّة الماء.

قبل أيام طرقت زوجته باب منزلي باكية شاكية همّها: "لقد أوقفوا زوجي زاهراً عند حاجز البانوراما في دير الزور"، مضيفة والغصّة تكاد تأكل صوتها وأطفالها حولها ينظرون بعيون ضائعة: "لا نعرف حتى الآن مكان وجوده ولا أيّ خبر عنه...".

 

شعب ونظام

قد يكون البعض محقّاً في أنّ المعارضة السورية منذ عام 2011 أثبتت فشلها في التوحّد والمواجهة وصياغة رؤية بديلة تُقنع بها الداخل والخارج. تعثّرت في كلّ الاستحقاقات والمناسبات والتحدّيات ولم تفلح في أن تكون معارضة حقيقية. هي خلاصة فيها الكثير من الدقّة والمصداقية. لكنّ ما هو أكثر مصداقية ودقّة أنّ هناك حقيقتين تمتلكان كلّ الدقّة ومصداقية الوجود. الحقيقة الأولى أنّ هناك شعباً سوريّاً، والحقيقة الثانية أنّ هناك أيضاً نظاماً أسديّاً.

هناك ما يزيد على 7 ملايين سوري هُجّروا قسراً إلى خارج بلادهم، وما يقارب 5 ملايين آخرين نازحون داخل بلادهم، وأيضاً ما هو حقيقي جدّاً أنّ هناك نظاماً استخباريّاً لم يتوقّف ولن يتوقّف عن قمع الناس والشعب واعتقالهم وقتلهم وتعذيبهم، نظاماً قتل حتى الآن 500 ألف مدني، منهم 13 ألفاً قُتِلوا تحت التعذيب في السجون، و20 ألفاً من الأطفال.

الشعب السوري القابع في مخيّمات النزوح أو اللجوء في الأردن ولبنان وتركيا، والمنتشر بعضه في عواصم اللجوء الأوروبية من فرنسا وصولاً إلى السويد والدنمارك، لا ينتظر مصالحة العرب لبشّار الأسد، أو استعادة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لمقعده في اجتماعات الجامعة العربية كي يعود إلى مدينته وقريته ومنزله في حمص وحلب ودير الزور ودمشق وجبلة وحماه وإدلب. بل ينتظر الشعب السوري أن يتوقّف بشار الأسد ونظامه عن اعتقالهم وتعذيبهم وقتلهم ومصادرة أرزاقهم وجنى عمرهم. ينتظر هذا الشعب من هذا النظام أن ينظر إليه كإنسان وليس كحيوان. ألا تذكرون جميعاً ذاك الرجل الخمسينيّ الذي كان يصرخ تحت التعذيب في حمص باكياً: "أنا إنسان مووو حيوان".

الشعب السوريّ ينتظر

الشعب السوري ينتظر أن يعود الجامع الأمويّ أمويّاً، وأن تغادر منازله الميليشيات الأفغانية والعراقية والإيرانية. ينتظر هذا الشعب تعديلات دستورية تؤمّن له العدالة في دولة القانون والمساواة بين الناس، كلّ الناس، أمام القانون. ينتظر أن تكون العروبة نعمة وليس نقمة، وأن يكون الصراع مع إسرائيل شرفاً وعزّاً وليس وسيلة للقمع وسجناً للاعتقال يحمل اسم فلسطين.

قد يستفيد بشار الأسد من تداعيات الزلزال أو العديد من الزلازل، كما استفاد من فلسفات باراك أوباما وزواريب إيمانويل ماكرون. قد يجد في هذه المأساة فرصة لكسب الوقت ولتعزيز الوضع، لكن لن يكون ذلك طوق نجاة.

بحر الدماء الذي عاشته سوريا وشعبها لا سبيل للنجاة منه بطوق زلزاليّ، ولا بظرف إقليمي، ولا بنكايات أوكرانية. النجاة من بحر دماء الأبرياء يكون بداية بالاعتراف بالمسؤولية وبالعزم على الإصلاح والمصالحة ليس على طريقة مصالحة درعا، وقد قُتل كلّ من شارك فيها إمّا اغتيالاً أو إخفاءً، ولا على طريق مصالحات القصير وقد هُجّر كلّ من وافق عليها، بل على طريقة العدالة لسوريا وشعبها.

عزل سوريا غير ممكن لكنّ القفز فوق دماء السوريين غير ممكن أيضاً، بل جريمة لن يسكت التاريخ عنها.

وسوم: العدد 1020