الأسد والزلزال: إستثمار الكارثة... ضدّ الناس

العميد الركن خالد حماده

أدخلت الكارثة الناجمة عن الزلزالين المروّعين اللذين ضربا سوريا وتركيا دينامية استثنائية على العلاقات الدولية فرضتها جسامة الأضرار وأعداد الضحايا في كلا البلدين. تعامل المجتمع الدولي بمسؤولية واضحة حيال الأزمة عبر مبادرة العديد من الدول إلى إرسال أطقم متخصّصة وتجهيزات للمشاركة في عمليات الإغاثة، وكذلك انتقال مساعد الأمين العام للأمم المتّحدة للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث إلى مسارح الكارثة في محاولة لتفعيل الإجراءات الإغاثية وتذليل العقبات في ظلّ ظروف مناخية صعبة وظروف سياسية تتعلّق بالدرجة الأولى بالتعقيدات التي تفرضها الحرب المتعدّدة الأقطاب الدائرة في سوريا منذ عام 2011 وتجاوز خرائط النفوذ المرسومة في الشمال السوري.

كانت الاندفاعة العربية واضحة في تحمّل المسؤولية تجاه الشعبيْن التركي والسوري على السواء، لكنّ تلقّف هذه الاندفاعة كان مختلفاً بين الدولتين بما يعبّر عن الفارق في إدارة الأزمة بين تركيا كدولة لها القدرة على إسقاط كلّ الاعتبارات والمواقف السياسية المسبقة لمواجهة الكارثة وبين بقايا نظام يحتضر في سوريا مصرّ على البحث عن مبرّرات وجوده على أشلاء الضحايا وحطام المنازل وآلام مواطنين شرّدتهم وحشيّته مرّات عديدة قبل الكارثة.

تجاوزت دول المنطقة العربية كلّ الخلافات العميقة مع النظام السوري، وعبّر الرؤساء العرب عن الفصل التامّ بين علاقات الدول بالنظام والموجبات التي يفرضها منطق التاريخ والاجتماع والسياسة والعلاقات الإنسانية مع الشعب السوري، فقاموا بتقديم كلّ موجبات وأدبيّات التضامن، سواء عبر موفدين أو بشكل مباشر، قبل قوافل المساعدات السخيّة التي استطاعت أن تبلغ المناطق المنكوبة أو توسّلت ذلك عبر تركيا أو من خلال الأمم المتّحدة لتجاوز تعقيدات النظام السوري وإصراره على تصنيف المواطنين السوريين على الرغم من فداحة الكارثة.

النظام السوري.. والاتجاه المعاكس

بالتوازي مع استشعار ما تعنيه ضرورة المحافظة على علاقات الجوار بين الدول ومفاعيل ذلك في الأزمات، تجاوزت أرمينيا كلّ الموروث التاريخي المؤلم مع تركيا بحضور وزير خارجيّتها آرات ميرزويان إلى تركيا و"تأكيد رغبة بلاده في إحلال السلام مع تركيا وتطبيع العلاقات بالكامل بإقامة علاقات دبلوماسية وفتح الحدود". وفي المقابل أكّد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أنّ المحادثات شملت إعادة تفعيل طريق الحرير التاريخي الأثري.

أمّا النظام السوري فقدّم نموذجاً في الاتجاه المعاكس، حيث خضع إدخال المساعدات لحسابات القوى المتصارعة في الشمال السوري. ولم يكن موقف النظام بأفضل من مواقف الفصائل المسلّحة المؤيّدة والمعارضة. ففي حين تبادل الجانبان الاتّهامات بشأن عدم السماح بعبور قوافل المساعدات من الشمال الشرقي الخاضع للأكراد إلى الشمال الغربي حيث تسيطر الفصائل المدعومة من تركيا، قال متحدّث باسم الأمم المتّحدة إنّ تسيير المساعدات من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة إلى منطقة تسيطر عليها في الغالب المعارضة تعطّلت بسبب "صعوبة الحصول على الموافقات من الحكومة". بالإضافة إلى أنّ فتح معابر إضافية بين تركيا وسوريا لدخول المساعدات خضع لمفاوضات شاقّة مع الرئيس بشار الأسد قبل إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنّ الأسد وافق على فتح معبرَي باب السلام والراعي بين تركيا وشمال غرب سوريا لفترة أوّلية مدّتها ثلاثة أشهر، وطبعاً وفقاً لشروط أملتها مسائل لا علاقة لها بعودة الاستقرار إلى سوريا أو بإنتاج السلطة فيها.

إذا كانت المقارنة لا تجوز بين الواقع السوري الأمنيّ والسياسي وما أضافته الكارثة إلى الاقتتال الداخلي والاستباحة الإقليمية المستمرَّين منذ اثنتي عشرة سنة، وبين الأزمة اللبنانية بتداعياتها التدميرية على الاقتصاد والاستقرار السياسي والتشرذم ووضع القرار الوطني في خدمة تواطؤ داخلي إقليمي، فإنّ المقارنة جائزة بل ملزمة بين النظام الذي يُحكم سيطرته على سوريا والمنظومة السياسية التي تُحكم قبضتها على لبنان. في لبنان وسوريا أزمتان مختلفتان في الشكل ومتطابقتان في المضمون، وفي كلا البلدين سلطة مجرمة تصادر الأرض والشعب.

تحاكي الاندفاعة العربية في التعامل مع الأزمة التي نتجت عن الزلزال، بوجهَيْها الأخلاقي والإنساني، زمناً جميلاً ملؤه الكبرياء والعزّة والتضحية والاعتداد بانتماء عربي حضاري يفتقده القادة العرب قبل جماهيرهم بعدما أضاعوا البوصلة لعقود وغرقوا في خضمّ نزاعات استُدرجوا إلى محاورها، وتناقِض الأزمتان في لبنان وسوريا ماضياً جميلاً حاكته نخب آمنت بعروبتها وصنعت نهضتها قبل أن يدخل البلَدان قسراً "زمن الممانعة".

وسوم: العدد 1020