عندما تدعي العاهرة الطهر والعفاف

اعتبر جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسي، أن “الإرهاب الإسلامي السني” هو أبرز تهديد لبلاده وأوروبا، وفق تعبيره، داعيا خلال زيارة إلى الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون الأمني مع واشنطن، خصوصا قبل استضافة باريس أولمبياد 2024 الصيفي.

وقال دارمانان لوكالة فرانس برس، الجمعة في نيويورك، “أتينا لنذكرهم أنه بالنسبة إلى الأوروبيين ولفرنسا، الخطر الأول هو الإرهاب الإسلامي السني، والتعاون لمكافحة الإرهاب بين أجهزة الاستخبارات هو ضروري للغاية”.

وتضم فرنسا أكبر مجتمع من المسلمين في أوروبا الغربية. ويشتكي كثيرون من أن السلطات تستخدم مبادئ العلمانية لاستهدافهم على وجه خاص، مثلما حدث في حظر الحجاب.

وفي حديثه خارج باريس يوم الجمعة، قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن الإسلام الراديكالي يشكل خطراً على فرنسا لأنه يطبق قوانينه الخاصة فوق كل القوانين الأخرى و"يؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق مجتمع مضاد".

وقال إن هذا الشكل من الطائفية غالباً ما يُترجم إلى إبعاد الأطفال عن المدارس، واستخدام الأنشطة الرياضية والثقافية وغيرها من الأنشطة المجتمعية "كذريعة لتعليم مبادئ لا تتوافق مع قوانين الجمهورية".

وحقيقة الأمر أن فرنسا هي من أشهر بلدان العالم ارتكاباً للمذابح الدينية عبر التاريخ ومثال ذلك مذبحة يوم القديس بارتولوميو عام 1572 التي كانت من تدبير الملكة كاترين ده مديتشي، والدة الملك شارل التاسع، حيث ارتكبت المذبحة بعد خمسة أيام من زفاف شقيقة الملك مارگرت على الپروتسانتي هنري الثالث من نڤارا.

بدأت المذبحة مساء 23-24 أغسطس/آب 1572 (عشية عيد بارتولوميو الرسول)، عندما قام الجيش الفرنسي بذلك اليوم بأمر من ملك فرنسا شارل التاسع ووالدته كاترين دي ميديشي بقتل كل الفرنسيين المسيحيين المعتنقين للمذهب البروتستانتي، وكان هدف ملك فرنسا أن يجعل فرنسا كاثوليكية مسيحية بدون أي أقليات حتى لو كانت أقليات مسيحية من مذاهب أخرى، وكانت هذه المجزرة بدعم من بابا الكنيسة الكاثوليكية.

تنفيذ المجزرة

اجتمع ملك فرنسا شارل التاسع ووالدته كاترين دي ميديشي وقررا إبادة كل الفرنسيين البروتستانت في عيد القديس برثولماوس في 24 أغسطس/آب، وخططوا أن تكون البداية بقتل 30 نبيل بروتستانتي قادمين إلى باريس لحضور حفل زفاف ملكي.

بالفعل تم قتل 30 نبيل بروتستانتي في قلعة اللوفر، ثم قام الجيش الفرنسي بإغلاق أبواب باريس وبدأ الجيش الفرنسي باصطياد وقتل الفرنسيين البروتستانت بما في ذلك النساء والأطفال، تم استخدام السلاسل لسد الشوارع حتى لا يتمكن البروتستانت من الهروب من منازلهم، ثم تم جمع جثث القتلى في عربات وألقيت في نهر السين.

وبعد انتشار أخبار المجزرة في باريس، قام حكام المقاطعات الفرنسية بناء على أوامر الملك التي نقلها أخيه دوق أنجو، بتنفيذ مجازر باسم الملك ضد البروتستانت في مقاطعاتهم.

وقدر هاردوين دي بومون رئيس أساقفة باريس بأن عدد القتلى بمئة ألف قتيل، وأما دوق سالي النبيل ماكسيميليان دي بيتون الناجي من المجزرة فذكر أن عدد القتلى 70000 بروتستانتي و2000 كاثوليكي.

وبعد المجزرة أصبحت مشاهد الجثث في الشوارع والجثث التي تطفو فوق نهر السين والرون مشاهد طبيعية، وظهرت لأشهر أزمة خانقة في مياه الشرب نتيجة رمي الجثث في الأنهار والبحيرات، وأرسل بابا الكنيسة الكاثوليكية غريغوري الثالث عشر رسالة شكر إلى ملك فرنسا ووردة ذهبية في دلالة على مباركة البابا للمجازر، وقام البروتستانت الناجون من المجزرة بعمليات تحول جماعية من البروتستانتية إلى الكاثوليكية.

المجازر التي تعرض لها المسلمون السنة

وفي قراءة لتاريخ الدولة الإسلامية السنية نجد أن المسلمين لم يرتكبوا أي نوع من المجازر بحق غير المسلمين الذين يعيشون في كنف الدولة الإسلامية السنية: الأموية والعباسية والأيوبية والمماليك والعثمانيين، التي امتدت لقرون طويلة وبسطت نفوذها على بقعة تمتد من السند والصين والهند شرقاً، وحتى باريس وروما وفينا والمحيط الأطلسي غربا.

في حين كان المسلمون السنة ضحية العشرات من المجازر التي ارتكبت بحقهم، فقد ذبح الصليبيون في صحن المسجد الأقصى أكثر من سبعين ألف مسلم سني عندما دخلوا القدس، وذبح المغول عند دخولهم بغداد نحو 800000 ألف مسلم سني، وحدث ولا حرج عن محاكم التفتيش التي نصبها مسيحيو إسبانيا بحق المسلمين السنة، الذين أقاموا في الأندلس أعظم حضارة عرفها التاريخ، وكان جزاء المسلمين السنة الذبح والتنكيل، وهذا قديماً أما التاريخ الحديث فيحدثنا عن الفظائع التي ارتكبها الفرنسيون عند احتلالهم لمصر والجزائر والمغرب وتونس وسورية ولبنان وغيرها من دول أفريقيا، كم أراقت من الدماء وكم ذبحت من المسلمين السنة وقد تجاوز عددهم الملايين.

وحديثاً وفي خلال السنين التي نعيشها نجد أن ضحايا المسلمين السنة هم بالملايين على يد أقليات نعمت في ظل حكمهم لقرون بأمن ونعيم وسلام، ومثال ذلك ما حدث في سورية على يد الطائفة العلوية، والعراق على يد الحشد الشيعي، واليمن على يد الحوثيين، ولبنان على يد روافض الضاحية الجنوبية، حيث تم ذبح المسلمين السنة من الوريد إلى الوريد، وهجّر المسلمون السنة من بيوتهم وبلدانهم بعد تدميرها على يد هذه الأقليات بدعم وتأييد من الصليبيين الذين توافقوا على قتلهم بلا رحمة ولا شفقة.

فرنسا اليوم

تدعي فرنسا اليوم بأنها مركز تنظير وتعليم مبادئ الحرية والمساواة رغم تاريخها الدموي الذي يشهد بأنها نقيض لهذه المبادئ.

-قامت فرنسا بدعم الأقليات أو باختراع أقليات دينية وقومية في البلاد التي استعمرتها رغم أن التاريخ يشهد بأنها قامت بأحد أكبر المجازر في إبادة أقلية كانت موجودة على أرضها، (مذبحة بارتولوميو) التي تحدثنا عنها.

-أرسلت فرنسا كتّابها ومؤرخيها ومستشرقيها ليقوموا بكتابة تاريخنا، وجعلت من نفسها حكما وناقدا، وعملت على تشويهه، رغم أن تاريخها هو الذي يحتاج أن يكتب بمصداقية فهي بلد شهير بسلسلة المجازر الداخلية سواء المجازر الدينية المتتالية أو مجازر عهد الإرهاب أو مجازر الملكيين والجمهوريين.

-قامت فرنسا بتكبير وتسمين الخميني وحملته إلى طهران ليقوم بتأسيس دولة طائفية حاقدة على المسلمين السنة، ليكون سيفهم البتار في ذبح المسلمين السنة في العراق وسورية ولبنان واليمن، وهذا ما يفعلونه منذ احتلال الأمريكيين لبغداد عام 2003.

للأسف في بلادنا العربية أناس مبهورين بالتجربة والنموذج الفرنسي، وكل هدفهم تنفيذ أجندات الاستعمار حتى لو كانت ضد معتقداتهم وبلادهم.

المصدر

 

*هسبريس-20/5/2023

*عربي 21-20/5/2023

*بي بي سي-2/10/2020  

*رسالة بوست-22/9/2022

وسوم: العدد 1033