هل التعددية الديمغرافية حكر على سورية أو على دول العالم العربي وحده؟؟!!

سؤال أطرحه ليكون مدخلا عمليا علميا لما يسمى القضية الوطنية، التي تتعلق في أوطاننا خاصة، بمحو هوية الأكثرية، والعدوان عليها، والإمعان في ظل كل الأنظمة "الوطنية" في تقتيل أبنائها، والعدوان على ذواتها والذهاب بحقوقها…

وحيث وجد خيط رفيع في تقليمة ثوبنا، أصبح قضية، متضخمة، أو متورمة، ووُجد وراءه داعمون ومترزقون يترزقون به وينغمسون في تضخيمه..

ومع أن أكثر أبناء مجتمعنا على مختلف انتماءاتهم طيبون وادعون لا يستشعرون أزمة، ولا يرون أنهم في مشكلة.. إلا أن أصحاب النيات الخبيثة، من البلاد البعيدة والقريبة، يجدون في مثل هذا الواقع ثغرات، وأوتادا، ومسامير مثل مسامير جحا؛ يعلقون عليها مآربهم، ومؤامراتهم.. ثم يجندون بين ظهرانينا متكسبين، يتكسبون، باسم الوطنية الخؤون، من الطعن في صدور ناسهم وقومهم وآلهم، بذرائع ودعاوى أول ما تلعن تلعن العاملين عليها..

إن خير تمثيل قرآني للحالة التي نعيش هو في قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)

وانظروا مطالبهم جميعا تجدونها تتركز في نزع اللباس، واستعملوا اللفظ بمعنييه العام والخاص، لإظهار السوآت…

وأعدى أعدائهم اليوم في الأدبيات الوطنية جميعا

الله.. والرسول.. والإسلام والعروبة…

أعطيكم كلمات مفتاحية لتبحثوا عنها في كل خطاب أو ميثاق أو بيان…باسم الوطنية الخوون..

حتى اسم "سورية" بإملائه التراثي العربي يرفضونه ويعتبرون القول فيه ما قال مترجمو الكتاب المقدس من توراة وإنجيل. في كتابه "تحت راية المصحف" يتعرض مصطفى صادق الرافعي لمشاكل ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية، ويقول إنه سأل عن سر هرب المترجمين من التعبير السوي إلى التعبير المجلغم؟؟ فأجابه إنهم يفعلون ذلك هربا من العبارة القرآنية!! وأنا قبل رحيلي مصر على أن أنبذ إلى كل من يكتب "سوريا" وليس "سورية" على سواء.

وقد يكون الاستشهاد "بهوشي منه الذي يضيء" أقرب إلى هؤلاء وأطوع على على ألسنتهم…

وأعود للسؤال!!

هل التعددية الديمغرافية، وأعني بالمشرمحي، ما دمتم تصرون عليّ أن أكتب به، هل وجود أقليات عرقية أو دينية أو مذهبية في بلداننا ، هو أمر خاص بالمجتمع العراقي أو السوري أو المصري أو البحيريني؟؟

أو أن الأمر حقيقة ديمغرافية اجتماعية وسياسية لا يكاد يخلو منها مجتمع مدني، أو كيان سياسي صرنا نسميه الدولة؟؟

هل نحن حين نواجه تجارب عيشنا المشترك المعمِّر بالألفيات، نكتشف النار أو نخترع العجلة.. أو أنه طريق كان لنا فيه تاريخ وكان لغيرنا فيه تاريخ.. والتاريخ شاهد واقعي لا يكذب، والحاضر شاهد عملي لا يبعد..!!

وأول شواهد التاريخ ما جرى على العرب والمسلمين يوم استعاد بعض الناس السيطرة العسكرية على بلد اسمه اليوم اسبانيا.. فكان التفتيش الذي تعلمون..!!

واقع الحياة الديمغرافية السياسية المتعددة في كل العالم، حقائق واقعة، ونماذج متعددة لا يجرؤ أن يكذبها دعي، وربما لو مررت بها مسرعا سوف أجعل الكثيرين من أدعياء الوطنية الكذوب يرفعون سراويلهم بهرا..!!

هل واقعنا "الوطني"، ومع الأسف أصبحت كلمة الوطنية الرائقة الجميلة المعبرة مدخلا للريبة، وجسرا للمآرب المحلية، أو العابرة للحدود، يقتل تحت عنوانها الآمنون، وتستباح تحته الدماء والأعراض والحرمات والحقوق أيضا..

ويصرخ جاهل لا يعرف معنى العناوين، نرفض المحاصصة الطائفية.. وأنا أيضا أرفض المحاصصة الطائفية، ولكن هل من معاني رفض المحاصصة الطائفية أن يذهب ثلاثة أو خمسة أو عشرة من المائة من السكان، بمقدرات وطن، وبثرواته وبفرص أبنائه الآخرين، ثم أن يعملوا في ظهور من يفترض أن يكونوا مواطنيهم، وصدورهم خناجر الغدر، فيحكمون على كل من خالفهم الرأي ولو بلعبة كرة قدم بالموت أو التهجير..

"تجربتنا الوطنية في حكم الأقلية للأكثرية" من يستطيع أن يسجل لنا هذا الموضوع رسالة تاريخية بحثية في جامعة مثل هارفاد أو أكسفورد أو السوربون؟؟

من يجرؤ

حتى يسأل مسرحي متمكن في بلدنا يوم تشرذمت البلد حتى على مستوى الأندية الرياضية:

لماذا خلق الله لابن نادي الاتحاد عينين؟؟

ويجيب لكي يقلع ابن نادي جبلة أحدهما عندما يشاء..

أحفظها منذ عشرين سنة تقريبا.. تلك هي الوطنية..

الوطنية الممثلة في "الجبهة الوطنية التقدمية" ثم كل السوريين رجعيون يطالهم حكم الإعدام

ويقول لهم الوطني الحر الشريف: لدوا للموت.. وابنوا للخراب، ثم لا يلبث أن يصدق وعيده على النحو الذي رأينا!!

يقول الجلوز المتحكم عن ابن سواده: "إنه واحد منا" هذا العنوان يعتبر عنوانا عالميا لحالات كثيرة من سيطرة بعض الخلايا السرطانية على الجسم الحي، حتى ترديه وتردى معه..

سوريتنا اليوم تعيش مخرجات أقسى تجربة عالمية على مر التاريخ ولا أبالغ، نتجت عن التوظيف القميء لعناوين الوطنية، وعيب ياشباب…

أعود فأقرر:

إن معالجة قضايا الأقليات في المجتمعات الإنسانية هي قضية إنسانية مجتمعية عالمية مدروسة في دواوين ومكتبات من كتب الفكر والعلم والسياسة والأدب أيضا…

اعفوا أنفسكم من كتب "الكذب الوطني" التي تحيط بكم…

واقرؤوها في تراث الفكر العالمي أجمع، وتأملوا وتدبروا.. تتلمذوا على مقررات الفكر السياسي والعلم السياسي والتجارب السياسية..

ابحثوا بعقل الباحث ما هي الخلفية العالمية من الشكوى من أبناء عمومتنا أبناء سيدنا اسحق…

ثم عودوا إلى الواقع مثلا ادرسوا التجربة بكل حيادية

كيف يعالجها الروس مع الأقلية الإسلامية في خمس جمهوريات محتلة؟؟

وكيف يعالجها خلفاء ماوتسي تونغ العظيم مع أقلية الإيغور؟؟

وكيف تتعامل معها أكبر ديمقراطية في العالم من سلالة غاندي في آركان وكشمير و أقلية مسلمة أقل ما تُحتسب بأنها ربع السكان..؟؟

ثم مروا على إيران شاهنشاه الولي الفقيه وابحثوا لنا عن مسجد في طهران.. واقرؤا دستورها وانظروا كيف نص الأمريكي الذي كتب الدستور على دين الدولة ومذهبها وأن هذه المواد لا تغير إلى أبد الآبدين

عرجوا على عراق بريمر تابعوا الديمقراطية الأمريكية وعنوان العرب السنة، وابحثوا فيه عن الرزايا والبلايا..

ثم ادخلوا هنا في غرب الأنوار في باريس المنيرة، ولندن الأثيرة وفي السويد وهولندا والنرويج والدنمارك..

فتشوا تحت العناوين والشعارات والقوانين والأزقة والحارات..

أنا لا أصدر أحكاما، أقول لأحفادي وأبنائي اقرؤوا وادرسوا ثم تعلموا ثم تكلموا..

فكرت منذ بضعة أعوام يوم كان فيّ بقية أن أفتح لكم الملف، وأن أكتب مقالا عن "الكذب الوطني" وقلت لكم يومها أنا أخاف..

هل بقي شيء أخاف منه؟؟ هل بقي شيء أخاف عليه؟؟

أقصدتني يا زماني

طالما كنت قصدك

وكان ما خفت منه

فاجهد الآن جهدك

وأسأل الله العافية، ولكن عافيتك أوسع لي يا رب..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1118