عود على بدء في أمر المرجعية الوطنية في القضايا الكبرى والمفصلية؟؟

وسواء قلنا بالشورى أو بالديمقراطية، فإننا نؤكد أو يجب أن نؤكد، إسلاميين وعلمانيين؛ أن ثمة أمورا مفصلية كبرى في التأسيس لسورية الحاضر والمستقبل، لا يمكن أن ينفرد فيها شخص أو فئة أو نخبة أو فصيل..

إن الاستبداد الذي مارسه على السوريين حزب البعث، ومن ورائه حافظ وبشار الأسد، لم يكن فقط استبداد تكميم الأفواه والعسف والظلم والاعتقال والتعذيب والقسوة وتدمير الذات.. بل كان أيضا في احتكار الصواب، والانفراد بالقرارات الوطنية الكبرى، وحصر دور مؤسسة من مؤسسات الدولة الأولى "مجلس الشعب" في دور وزارتين فقط وزارة التموين ووزارة الأشغال، ولم يكادا يسلمان لهذه المؤسسة بمثل هذا!!

إن الانفراد بالرأي، في القضايا المصيرية والكبرى، سواء تم تمريره بنعومة أو بغلظة وخشونة، هو قسيم الاستبداد الذي ثار عليه الشعب السوري الحر الأبي منذ ستين عاما، وليس منذ خمسة عشر عاما فقط، كما يصر عليه لأسباب لا تخفى، بعض المصرين.. الثورة السورية الحرة انطلقت منذ كتب أحدهم في مجلة جيش الشعب الرسمية: "إن الله والإسلام والمسيحية دمى محنطة في متاحف التاريخ،". ومنذ اقتحم الرائد سليم حاطوم بدبابته باب الأموي في دمشق. ومنذ أمر محافظ حلب، بتكسير أقفال المحال التجارية المقفلة في أسواق المدينة ونهبها، ومنذ أن قصفت قوات البعث جامع السلطان في حماة…!!

وكانت ثورة هذا الشعب منذ البداية ثورة على الاستبداد.. وغضبا لمقومات الأمة وهويتها وحصنها الحصين ودرعها المتين..

وهذه حقائق لا يجوز اليوم أن تغيّب، ولا يجوز أن تغيب..

وحين نمر بمثل قوله تعالى في الكتاب العزيز (وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ) أو (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)

فإنه حري بنا أن نتوقف عند عنوان "الأمر" المقصود، حقيقته وكنهه وأبعاده وأهل الشورى فيه"

ويجب أن نكف بوصفنا مواطنين سوريين عن الاختباء وراء صراع المصطلحات، والدوران في حلقة تكاد تكون لفظية إلى حد كبير، فنرفض أن يكون دور المستشارين في وطننا، تحديد سعر ضمة البقدونس عند كل صباح.. وأتذكر صوت المذيعة والمذيع من إذاعة دمشق كل صباح تحدد لنا سعر السلع والأقوات.. في دمشق وفي حلب وفي غيرهما..

 ونذهب إلى تحليل معنى "الأمر" المنضبط في قوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى) (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) فنرى أن أبرز محطات الشورى التي نتابعها في سيرة سيدنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نراها بين يدي الغزوات الكبرى "بدر وأحد والخندق وما تبعها وما ترتب عليها"

وإنه من الأمر الذي يهم جميع السوريين في هذه الفترة التأسيسية الخاصة، من تاريخ سورية الحديث، والتي سنظل نأمل أن نراها فترة رائدة ملهمة مؤسسة لعهد شوري أو ديمقراطي، وطني، يلتقي على صناعة قراراته الكبرى نخب سورية حقيقية تمثلُ من عملَ حافظ وبشار الأسد على إقصائهم وتغييبهم من رجال الرأي على مدى نصف قرن.

لقد تعودت العرب أن تصف أيامها المصيرية الكبرى بقولها: هذا يوم له ما بعده..

وكان قادة الرأي المسلمون يقولون: "هذا يوم له ما بعده فأروا اللهَ من أنفسكم خيرا.."

وبقولهم نقول مخاطبين السوريين جميعا.

هذه أيام تأسيسية كبرى في تاريخ سورية الحديث.. فيا أيها السوريون جميعا.. أروا الله ثم أجيالكم من أنفسكم خيرا. والرجاء ثم الرجاء للراغبين في القصعة أن يصبروا على مطامحهم الفردية قليلا..

القضية عند أصحاب القضية، ليست من يجلس على كرسي الوزرارة؛ بل كيف يسير في الرعية، ويقضي في القضية!!

وإن الاصطفافات الاستراتيجية الكبرى، والمواقف المصيرية التي تقضي بالناس إلى صيرورة عز أو خزي.. لا يمكن أن ينفرد بمسؤوليتها فرد أو فريق..

النخب السورية من كل التوجهات فيها من العقلاء النصحاء القادرين، بمزيد من التسديد والمقاربة، أن يصلوا إلى صياغة المعادلات الوطنية، التي تحقق المصالح وتعظمها، وتدرأ المفاسد أو تقللها… وليس في السوريين من هو مستعجل على الهراش.

ولكن يقدم الشعب السوري أكثر من مليون شهيد على مدى ستة عقود، ليمضي شيكات على بياض، أو ليظهّر شيكات يعلم بالأصل أنها بلا رصيد…!!

يعيبون على الرئيس الشهيد محمد مرسي أنه لم يتقمص قـُمص الآخرين.. ولنا الفخر والعز ولكل حر أبي، أن الرئيس مرسي كان رجلا ولم ينزل على حكم الفسدة، ولم يتقمص قمص الآخرين.. لا الصهاينة ولا الأمريكيين..

لا ..للاستبداد .. ولا .. للتفريط.. ولا … للجري وراء رغبات الآخرين.. وأبونا إبراهيم وليس أبراهام.. لعلكم تعقلون.. واتبع الغراب يقودك إلى الخراب.

والشورى أو الديمقراطية الحقيقة عاصم، ووقاية…

ونحب أن نحب، ونحب أن نكون تحت قوس التسديد والمقاربة، ولا نغضب لنفس بل لرب .. ولدين.. ولوطن نأبى أن يهون.. وبإذن الله لن يهون

ليس تخزى أمة فيها شباب مثلنا..

نحن جيل واحد أيها الشباب ولنا باسمكم اليوم والغد..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1126