سريالية المشهد السياسي في العالم.. وفي الإقليم.. وفي سوريتنا الحبيبة

كانت الحركة السريالية هي ابنة الربع الثاني من القرن العشرين.

ومع البيان الأول لتأسيس الحركة، الذي أطلقه الشاعر الفرنسي برايتون، انطلقت الحركة من عالم الكلمة، حيث حاولت الحركة كسر الأنماط، والأساليب، وطرائق الإدراك، والتعبير.. ومن عالم الكلمة إلى عالم الرسم.. والنحت..

السريالية تعني الخلط في عوالم التلقي وعوالم التعبير… وأدواته..

في السريالية يكون الوعي بغير العقل، والرسم بالألوان الفوضوية، التي تتداخل فيها الألوان وتتغلب ببعضها بحسب طبيعتها. وحيث تصبح كتلة صماء من الصخر بنتوءات طبيعية أو محدثة تعبيراً مقروءاً

في تعابيرنا الدارجة نقول: سمك لبن تمر هندي

ونغني:

لملمت ذكرى لقاك بالأمس بالهدب..

وكنت أشم عبق الكلمات العطرة

وألمس مخملية اللفظ الساحر..

وأقرأ تضاريس الخارطة الآدمية بعيني أو أسمعها بأصابعي..

وأصغي إلى نبض الروح في قيعان قلبي…!!

دعك من هذا..

في هذه الأيام من العام، يطوي موسم حصاد القمح في الشام أيامه، هل انتهى عهد البيدر والنورج والمذراة، لا أعلم!!

حكيت لابنتي: نحن الآن في موسم حصاد القمح، انتهى منذ أسابيع وقت حرق السنابل الخضراء، لتحضير وجبة الفريكة المتفوقة، ونحن الآن في موسم صناعة البرغل، أما زال حي الصفا الحلبي صافيا؟؟

النائمون في وصيد أهل الكهف، ما زالوا ينتظرون في وطني قانونا للأحزاب..

وي أو واها…

واها على لغة من قال: واها لسلمى ثم واها .. واها..

يعيش العالم اليوم خريف عصر الأحزاب السياسية التي كانت ابنة القرن التاسع عشر نحن نركض خلف العربة الرومانية، التي كانت في عصرها إبداعا…

الأحزاب السياسية التي كانت ابنة القرن التاسع عشر.. ومؤسسات المجتمع المدني، التي كانت ابنة القرن العشرين تأفل كما أفل كوكب إبراهيم..

نحن اليوم في عصر المبادرة الذكية الرشيقة للفرد المبادر، الذي احتل مكان ما كان يسمى "اللجنة المركزية" أو "المكتب السياسي"

يكتب أحدهم تغريدة أو يعلن عن هاشتاغ فيحظى بملايين الملييكين، يدحرج أحدهم كرة بقدمه، فيدخلها بين عارضتين، فيصفق له عشرات الملايين. تقول واحدة إنها غيرت طريقة .. ف ف..

هذه طريقة فأفأة سريالية..

دخلنا في هذا العام في الربع الثاني للقرن الحادي والعشرين..

ولو كنت رساما سرياليا .. لأغرقت اللوحة المغطاة أصلا باللون الأحمر.. أو بأحد اللونين الأبيض والأسود..كنت سأغرق اللوحة بأحد اللونين الأخضر أو الأزرق.. ولو تواضعت أكثر لذهبت إلى اللون البرتقالي، وربما أختار اللون الليلكي.. أعني البنفسجي..

لم يعد هناك مكان للألوان الأحادية الصارخة.. والمكان في هذا العصر للألوان الممتزجة والمختلطة، اللون الثالث، قوس قزح أنموذج قديم، مروحة الألوان تخبرنا أن اللون الأبيض هو الأصل.. هو الأولى والأقرب..كنا في حلب نتشاءم من اللون الأصفر، نستحضره فنستحضر الخريف: صُفرة توقظ النؤوم من الشجو.. وكن النسوة يشبهنه بشيء آخر.. ثم أصبحنا نقول: موتارد..هربا..

مزج الألوان سرياليا إما أن ينجح فنقول لوحة سريالية بديعة، على سبيل المدح، أو نقول لوحة سريالية مختلطة بمعنى "تخبيص سريالي" على طريقة الذم..

أكتب هذا لأقول لكم بالطريقة التقليدية:

وخاطركم رايحين نروح واستروا ما شفتو منا

عشرتكم بترد الروح وفرقتكم صعبة عنا..

ومع ذلك أؤكد لكم أنه قد ذهب عصر الصاية والقمباز والشال والطربوش وكذا الحزب السياسي والمكتب السياسي واللجنة المركزية ومؤسسات المجتمع المدني..نحن في عصر المبادرة الذكية الجريئة الصريحة المباشرة..

وأصبح القرار الإنساني العام بين أصابع المبادرين من الأخيار أو الأشرار.. يدب أحدهم الصوت فيجيبه بحسب طبقة صوته الملايين..

عيشوا زمانكم..

واستفيدوا من أدواته..

تأكدوا أن الحق سيبقى حقا، وأن الجميل سيبقى جميلا، وأن الخير سيبقى خيرا.. وكذا بأن الباطل سيبقى باطلا..

في الزمن الذي سيطل عليكم قد يترشح رئيس الجمهورية عبر صفحته على التويتر أو التوك توك، وقد يكتسح.. بينما يكون أعضاء اللجنة المركزية، يبحثون عن صالة في فندق قديم يجتمعون فيه…!!

سريالي أنا جدا وأنا منذ خمسة عشر عاما أتشهى أن يكون لي مع نخبة برتقالية ممتزجة لقاء على الزوم على قواعد الربع الأول من القرن العشرين

أيها المسلمون.. أيها العرب.. أيها السوريون.. عيشوا عصركم، عيشوا قضاياه، واستفيدوا من أدواته..

وأنصحكم بهذا وأنا لا أزال أحب أن أغمس لقمتي في صحني.. وأنا أمص أصبعي من بقية زيت الزيتون الذي كان يطفو على وجه صحن فول..