إعرف نفسك تعرف عدوّك!

د. محمد أحمد الزعبي

إعرف نفسك تعرف عدوّك!

د. محمد أحمد الزعبي

نحتت ( بضم النون ) منذ آلاف السنين في معبد دلفي اليوناني الشهير ، ثلاث نصائح للإنسان ، كانت نصيحة " إعرف نفسك " من بينها ، بل وأهمها . ويخيل إلي هنا ، لو أن من أطلق هذه النصيحة ، وأظنه " سقراط  الحكيم " يعيش بيننا اليوم في سوريا ، ويرى بأم عينيه وبأم قلبه ما يفعله بشار الأسد وشبيحته في سورية منذ عام 2011 ، بل ما فعله في حلب الشهباء هذا الصباح بالذات ( صباح الأحد 19.04.2015 ) ، لأضاف إلى مقولته "إعرف نفسك " ممقولة أخرى هي    " إعرف عدوّك " . هذا مع العلم أن مقولة إعرف عدوك ، تنطوي بحد ذاتها على مقولة إعرف نفسك ، ذلك أن من لايعرف نفسه لايمكن أن يعرف عدوّه .

 لقد كان فنجان قهوة / الحليب الذي قدمه بشار الأسد ، لأطفال وأسر حلب هذا الصباح ، هو زخّات من البراميل المتفجرة التي قدمت (بضم القاف) موادها الأولية له من " المجتمع الدولي" ! ، وبالذات من " أصدقاء الشعب السوري " !! ،  وذلك من أجل تقديمها كقهوة صباحية لأهلنا في سورية ، بما هم إرهابيون (!!) يستحقون مثل هذه القهوة الصباحية . إن تعبير " إرهابيون " هنا ، إنما هو واقع الحال الإسم الحركي لكل الذين يعارضون " الديكتاتورية " ويطالبون بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في العالم عامة ،وفي الوطن العربي خاصة .

إن ما نرغب أن نشير إليه هنا ، وفي هذا الصباح من صباحات ثورة آذار السورية ، التي دخلت هذه الأيام عامها الخامس ، ودخلت معه أعداد الشهداء والمصابين إلى ما يتجاوز النصف مليون إنسان ، ناهيك عن ملايين النازحين والمهجرين والمشردين والغرقى والمعتقلين والمفقودين الذين تجاوزعددهم العشرة ملايين مواطن سوري، باعتراف منظمات الأمم المتحدة المعنية نفسها ،هو بصورة أساسية مايلي : 

     1. إن مسؤولية هذه الأرقام الفلكية من  الضحايا من الشعب السوري ، إنما تقع أولاً على عاتق نظام عائلة الأسد ، وثانياً على عاتق كل الداعمين لهذا النظام من كل الملل والنحل ،  ومن ضمنهم عرّابو الديموقراطية المشروطة ، التي تمثل بنظرنا نوعا من الديكتاتورية المقنّعة ، بل وتمثل تطبيقيّاً ،التأييد المباشر و/أوغيرالمباشرلنظام بشار الأسد الديكتاتوري والقاتل، سواء أدري هؤلاء " العرّابون " أم لم يدروا ، وثالثاً على عاتق الدول الكبرى المتطورة ( دول المصنع والمدفع ) التي احتكرت وتحتكر لنفسها حصيلة آلاف السنين من التراكم المعرفي والعلمي الإنساني ، أي التقنية العالية التطور، وتمنع الآخرين (بالقوة) من الوصول إليها ، وتنصب من نفسها بالتالي " الخصم والحكم " ( في كافة القضايا الدولية ) ، وذلك عبر احتكارها من جهة ،لأسلحة الدمار الشامل ( السلاح النووي ) ، ومن جهة أخرى لحق الفيتو في مجلس الأمن الدولي

     2. إن الخوف من اليقظة الديموقراطية ، التي يشهدها الوطن العربي منذ بضعة سنوات ، والمتمثلة بما بات معروفا بثورات الربيع العربي ، هو السبب الحقيقي ( بالرغم من كل نواقص هذه الثورات ) وراء هذه الثورة المضادّة التي ابتدأها عبد الفتاح السيسي في مصر، والتي منعت وتمنع ( بالقوة ) الجماهير العربية في مصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق من تحقيق أهدافها الوطنية والقومية ، المتمثلة بإقامة مجتمعات مدنية ديموقراطية ، لحمتها العدالة والمساواة في المواطنة ، وسداها الدستور والقانون وصندوق الاقتراع . إن الديموقراطية الحقيقية ، هي العدو الحقيقي لكل الذين لايريدون لشعوبنا أن تنهض وتعتمد بالتالي على نفسها في المأكل والمشرب والملبس والدفاع ، أي عملياً تتحررمن التبعية والاستجداء .

     3. تعتبر وسائل الإعلام المختلفة ، ولا سيما الفضائيات الناطقة باللغة العربية ، السلاح الأمضى  بيد الدول المتطورة وزبائنها في الوطن العربي ، وذلك في إطار عملية غسل  أدمغة المواطنين ، وخداعهم وتضليلهم ،  بحيث يختلط في وعيهم العدو مع الصديق ، وتشرع سوسة الفرقة والانقسام تنخر في بنيانهم وبنيتهم ، بحيث ينهار هذا البناء فوق رؤوس الجميع ، وتتحدد مهمة الباقين على قيد الحياة بالتوثيق وإحصاء الخسائرفي الأرواح والممتلكات واللطم وتقديم الشكاوي إلى " الأمم المتحدة " حيث سيبدي أمينها العام السيد بان كيمون بالتأكيد قلقه العميق (!!) مما يجري حوله في البر والبحر والجو من الفظائع التي يندى لها جبين الإنسانية والإنسان . إنه قلق يشكرعليه بان كيمون على أية حال ، رغم أن نتائجه على الأرض صفر على الشمال .

     4. في إطارأهداف هذه المقالة ، يرغب الكاتب أن يكرر فكرة طالما سمعها منه العديد من الأصدقاء ألا وهي ، أن الجيوش الأمريكية الجرارة ، عندما غزت العراق عام 2003 ، إنما جاءت لهدفين اثنين ، أولهما معلن،ألا وهو تخليص العراق من أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها صدام حسين (يعرفون أنها غير موجودة) ، وثانيهما مضمر، وهو مايمثل الهدف الرئيسي للغزو الأمريكي للعراق ، والمتمثل في إيقاظ فتنة نائمة عفا عليها الزمن ، ألا وهي  فتنة ، سني - شيعي من جهة ، وعربي - كردي من جهة ثانية ، وأكثرية وأقلية من جهة ثالثة ،وتهيئة الظروف الداخلية والخارجية،المدنية والعسكرية لجعلها تنتقل من العراق إلى كافة الأقطار العربية الأخرى ، وبالتالي جعلها تستمرلمدة طويلة (عشرات السنين مثلا )   بحيث يؤدي إيقاظها هذا إلى استنزاف طاقات الدول العربية المحيطة أو القريبة من دويلة " الكيان الصهيوني" عبر تقاتلها مع بعضها بعضا ، وبالتالي شل قدراتها المادية والمعنوية ، وإدخالها مرحلة اليأس من استعادة الأرض التي احتلتها " إسرائيل " عام 1967، وبالتالي محاولة استجداء حلول حفظ ماء الوجه من الغرب والشرق بل ومن الكيان الصهيوني نفسه إذا اقتضى الأمر . إن الوعي على هذه الحقيقة الملموسة والمرّة ، إنما يصب في صالح كل من السنة والشيعة والعرب والكرد ، بل وفي صالح كل من الأكثرية والأقلية في الوطن العربي ، على حد سواء ، ويجنبهم بالتالي الوقوع في الأفخاخ التي ينصبها لهم الأعداء ، الذين عادة مايتنكرون بلباس الأصدقاء  .

       5. إن السكوت المطبق وشبه المطلق ، للتحالف الأمريكي ـ الروسي ـ الإيراني ( غير المعلن )، عن احتلال الحوثيين لمدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية ، في 21 سبتمبر من العام الماضي ( 2014 ) وفرض الإقامة الجبرية على رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء ، وأيضاًعن تفاخرالحوثيين بتبعيتهم الدينية لنظام ولاية الفقيه في إيران والذي يتناقض نظرياً وعملياً مع مذهبي الأغلبية الساحقة من اليمنيين (الزيدي و الشافعي)، إنما يشي بالموقف السلبي لهذا الحلف من ثورات الربيع العربي ، ذات البعد الديموقراطي والإنساني الذي لاتخطئه العين .       6. إن حيلولة التحالف الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة ، دون انتصار ثورة آذار السورية على نظام بشار الأسد ، طيلة السنوات الأربع التي مضت من عمر الثورة ، وذلك من خلال ، توازع الأدوار بين أطراف هذا التحالف ، وأيضاً من خلال مسك الدول الكبرى فيه العصا من منتصفها وإعادة التوازن العسكري بين الثورة والنظام كلما مالت هذه العصا لصالح ثورة آذار السورية ، إنما يشي بدوره بقرارهذه الأطراف الفاعلة عسكرياً ومالياً إطالة أمد القتال في سورية وذلك بهدف استنزاف مقدرات كافة الأطراف ، لأطول مدة ممكنة . ولعل هذا مايلقي الضوء على إعلان أوباما مؤخراً إلى أن الحرب الجوية مع " داعش " يمكن أن تمتد إلى أكثر من ثلاث سنوات (!) .وهو مايعني أن وجود بشار الأسد على رأس السلطة في دمشق ( على الأقل طيلة هذه السنوات الثلاث) يعتبر شرطاً ضرورياً ، لتحقيق ذلك التحالف المشبوه  استراتيجيته الرمادية والضبابية في سورية ، من حيث إطالة أمد هذه الفتنة الطائفية ماأمكن ، وتحت ذريعة واهية ومشبوهة، ظاهرها الرحمة (محاربة الإرهاب)وباطنها العذاب (محاربة الإسلام والعروبة ) .

     7. وأرجو أن تسمح لي قيادات وقواعد ثورة آذار السورية العظيمة ، أن ألفت نظرهم في ختام هذه المقالة ، إلى أنه إذا كانت : أهداف الثورة هي الحرية والكرامة ، ووسيلتها هي الديموقراطية الحقيقية وصندوق الاقتراع النزيه والشفاف ، وخيارها الوطني هو المحبة والتسامح ، فلابد أن يكون أعداء هذه الأهداف والوسائل والخيارات ( في الداخل والخارج ) هم أعداء الثورة ، و بالتالي أعداء الربيع العربي ، وأصدقاؤها  هم أصدقاء الثورة ، وبالتالي أصدقاء الربيع العربي . لابد أن يتصالح حاضرنا مع ماضيينا ومستقبلنا ، أيها الإخوة ، كيما نصبح قادرين على التفريق بين أصدقائنا وأعدائنا ، وبالتالي حماية الأهداف والمبادئ والمثل العليا التي من أجلها قمتم وقامت الثورة ،وفي سبيلها قدمت التضحيات ، إن معرفتنا لأنفسنا هي الشرط الضروري لمعرفة أعدائنا ولكي لانصبح " كالمنبتّ ، لاأرضاً قطع ولا ظهراً أبقى".