هل يفعلها الشيخ أيمن الظواهري ؟! أو هل يقدم عليها أبو محمد الجولاني ؟!

( فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل )

أما اقتباسي ( فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ) فهي كلمة عمرية منيرة . كتبها عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في رسالة القضاء المشهورة .

وأما توجهي بالخطاب إلى الشيخ أيمن الظواهري وإلى صاحب بيعته أبي محمد الجولاني ؛ فإن أمرنا في هذه الأمة أننا مهما اختلفنا مع الآخرين في خياراتهم أو اجتهاداتهم فإننا لا ندخل في عزم قلوبهم وبواعث نياتهم . وعالم القلوب دائما موكول إلى مالكها . وهو وحده المطلع عليه وهو وحده الذي ( يحول بين المرء وقلبه ) .

إن مما يدعوني إلى الطمع في أن يقوم الشيخ أيمن الظواهري بمراجعة شرعية لفقهه الحركي وخياراته وطرائقه وأساليبه أولا هو اعتقادي أن الإنسان منا حين يقارب السبعين ، والشيخ أيمن قد قاربها بالتأكيد ، يمتلك من الحكمة والروية ما كان يردده دائما الصالحون من سادة وقادة هذه الأمة : (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ..) تعبيرا مستقرا ماضيا على ألسنة أهل الفيئة للحق ،عما يستجد بين أيديهم من معطيات ، وما تتضح لهم من رؤية في إعادة التقدير والتقويم ...

( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ...) كلمة مروية في الصحيح عن سيدنا رسول الله ، وكان يكثر من تردادها في مواطنها الفاروق عمر منبهة على أن الإنسان في نشدانه للحق يصيب ويخطئ و يبعد ويقارب ، وتتبدى له أمور ما كان يحسبها ، وتتضح له حقائق لم تكن تخطر له على بال ..

والسبب الثاني الذي يجعلني أنتظر ( إعلان فيئة ) إلى الحق من الشيخ أيمن الظواهري هو أن الزرع الذي زرعه قد بدا ثمره فكان الثمر حنظلا وزقوما ، واستحصد فكان الحصاد صابا وغسلينا ، مما يسرُّ العدو ، ويزيد في بلوى الصديق . وإذا كان ما يسمى تنظيم الدولة، بفقهه وطرائقه ووسائله ،هو بعض ثمر ذاك الزرع فيكفي سببا للعاقل الراشد أن يقول برئت وبرئت الذمة وبرئ الدين .. .

والسبب الثالث الذي يجعلني أطمع في أوبة إلى الحق تغسل الحوبة وتجعل ما كان من الخطايا في كفة المجتهد المخطئ ، هو أن يلحظ طالب الحق الوجه الآخر للثمرة المرة في سياسات أدت إلى الإجلاب على المسلمين ، ورميهم من أعدائهم عن قوس واحدة ، تحت عنوان ، كان الشيخ أيمن وأصحابه هم الذين رفعوه ، وذريعة كان هو وأصحابه هم الذين فتحوا على المسلمين باب شرها. وقد يكون الشيخ أيمن قد أقدم على ما أقدم عليه يوما على رؤية كان يراها . أليس من حق أن يسأل حفيد الظواهري الكبير في أي صف أصحاب شعار ( الموت لأمريكا ...) اليوم ، وكيف صاروا في صفوف الأمريكان والروس إيضاعا للفتنة وإثخانا في إراقة دماء أبنائها ...وكانت فتنة الشيخ أيمن وصاحبه هي التي فتحت على المسلمين باب هذا البلاء .

 لقد اختار الشيخ أيمن الظواهري لنفسه طريقا منذ عقود اندفع ودفع فيه ، ثم بدا لكثير ممن شاركوه وواكبوه أن أقل ما يقال فيه أنه طريق غير منتج ، أو أنه من السبل التي تتفرق بالأمة عن سبيل ربها ، وتدفع بها في طريق المزيد من التشرذم والضياع فاعتزلوا أو انسحبوا وأصرّ ؟!

يستطيع الشيخ أيمن الظواهري في مكمنه أينما كان أن يعيد التأمل والتدبر والتقدير والتدبير فيما آل إليه أمر الإسلام وأمر أهله ولاسيما على أرض العراق والشام ...

يستطيع أن يعيد التأمل في المقدمات الكبرى لفقه طالما خالفه فيه علماء أثبات ، وفقهاء أولو دين وعلم وحكمة ليس من السهل على الشيخ أيمن ولا على غيره اتهامهم بالإدهان في دينهم ، أو نسبتهم إلى قلة يقين وضعف رؤية ، كما ظل هو وأصحابه طوال عقود يرددون ...

المنتظر من الشيخ أيمن وسط هذه الملحمة العنيفة التي تحيط بوجود المسلمين كأمة وجماعة وأفراد أن يعلن عودة إلى بساط أهل الحق ، فيعيد تحديد رؤيته ورسالته وأهدافه ووسائله ، وأن يعود إلى بحبوحة الدعوة إلى الدين الحق بالحق من غير بغي ولا ظلم ولا اعتساف للطريق . وأن يسحب بذلك الشرعية عن هذا النوع من الفقه العدمي الذي لم يثمر إلا مشاعر العداوة والبغضاء ومنهج القتل والتدمير ...

مطلوب من الشيخ أيمن أن يعيد التأمل : في مشروع ( القتل للقتل ) الذي مارسه البعض تحت راية كان هو الذي دعا إليها ، المشروع الذي سفكت تحت رايته الدماء الزكية المعصومة بعصمة الله ، في العراق ثم في الشام ثم في كل مكان في هذا العالم . نذكر الشيخ أيمن بحرمة النفس البشرية وثقل تبعتها في ميزان الإسلام .(( أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا )) .والنص القرآني يطلق حرمة النفس الإنسانية مجردة من كل وصف إضافي .

 لقد أصبح قتل الناس في فقه مدرستكم يا شيخ أيمن أسلوبا من أساليب التعبير عن الوجود . والإعلان عن القدرة ؛ وأصبح عنوانها ( أنا أقتل فأنا موجود ) !! كما يجري ممارسته اليوم على أيدي هؤلاء الذين هم ورثة فقهه ومنهجه وطريقته . وما كان القتل لأمة الإسلام يوما خيارا ولا طريقا ولا منهجا...

لقد خاطب القرآن الكريم الناس جميعا (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )) لتعارفوا يا شيخ أيمن وليس لتتقاتلوا أو لتتذابحوا ..

المطلوب من الشيخ أيمن أن يعيد التمييز بين ما هو شرعي رباني مطلق في كليات الشريعة الإسلامية الكبرى، و في جوهر دعوة محمد بن عبد الله (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) وبين ما هو فقهي ظرفي قرره علماء الإسلام في زمانهم ومكانهم . من مسيميات ( دار الإسلام ) و( دار الكفر) في عالم تقاربت أسفاره ، واختلط سكانه . حتى كاد يكون المجتمع الإنساني مجتمعا واحدا .

مطلوب من الشيخ أيمن أن يعلن وضع السلاح عن رقاب الناس كل الناس، وأن يكف عن إشهار الخوف فوق رؤوسهم . وأن يعيد الدعوة الإسلامية إلى ألقها الرباني (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) ...

فهل يفعلها الشيخ أيمن الظواهري في هذا السياق التاريخي المحتدم فيقلص الغطاء الشرعي عن هؤلاء الذين جعلوا من القتل هواية ، ويرد على الأمة المسلمة أمرها الذي يحاول وأصحابه اختطافه ويرد على هذه الأمة أبناءها الذين تم التغرير بهم والزج بهم في معركة تحطيم الذات تحت عنوان الجهاد الذي هو في بعده الحقيق ذروة سنام الإسلام ...

وتبقى جبهة النصرة وزعيمها أبو محمد الجولاني في ضنك الموقف الإسلامي في سورية أولى بهذا الخطاب ..

أولى بأن يستشعروا حقيقة ما يحاك لسورية وشعبها وأهلها من المستضعفين ، وأولى أن يتحسسوا حاجة الساحة السورية إلى أبنائها الحقيقيين ، حاجة المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا إلى حقيقة النصرة وليس إلى عنوانها ...

يحتاج الشعب السوري اليوم إلى الحصن والدرع وإلى رأس الرمح الذي يتقدمه فيدافع عنه ، فهل ينخرط أبو محمد الجولاني ومن معه في هذا المشروع ؟ وإن فعلوا فهم يحتاجون إلى العقل الفقهي العملي الذي يحسن التقدير والتدبير والموازنة ليقطعوا الطريق على الشرير وعلى الخب وعلى الماكر الذين يريدون أن يخمشوا وجه سورية بأظافر أبنائها الأحرار المخلصين ...

تحتاج جبهة النصرة والخطاب إلى أبي محمد الجولاني ومن حوله من العقلاء إلى المبادرة السريعة والحاسمة بإعلان قطع العلاقة جديا مع كل مشروع غير المشروع الوطني السوري القائم على الانتصار لحرية السوريين وكرامتهم ووحدتهم مجتمعا ووطنا ..وحين جد الجد وقضي الأمر قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم علاقته مع أبي جندل ، وأي الناس مثل أبي جندل ؟!

يحتاج أبو محمد الجولاني ومن معه في جبهة النصرة أن يرجعوا بعقل وقلب إلى قراءة ( صحيفة المدينة ) ليدركوا كيف أسس الرسول الكريم مجتمع المدينة المتعدد ( مسلمون ومشركون ويهود ) في إطار مدني موحد على قاعدة السواء الذي بذله الرئيس الكريم للجميع . في حاضرة كبرى من حواضر الجزيرة أسس رسول الله المجتمع المسلم الأول وليس في مجاهل جبال مثل جبال تورا بورا ...

المطلوب من جبهة النصرة ومن أبي محمد الجولاني بالذات المبادرة إلى إسقاط العنوان الفصائلي ، كما هو مأمول من كل الفصائل المقاتلة ، والالتقاء تحت عنوان واحد ( الجيش الوطني الحر ) والانغماس في مشروع وطني سوري يدفع عن المستضعفين السوريين شر الأشرار ، ويسقط من أيدي أصحاب الذرائع ذرائعهم ثم أن يتعهد الجميع بأن يكونوا في المكان الذي يردون فيه على الشعب السوري الحر الكريم أمره ..

تحديات كبرى تضع الأمة المسلمة كما تضع الشعب السوري أمام سؤال خطير : نكون أو لا نكون . والأمر جد والتحدي خطير ولله الأمر من قبل ومن بعد ...

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )).

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 643