عُنْجَهِيَّةُ الْبَدْوِ، وَتَعَجْرُفُ الشَّدْوِ
"وَلَّى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ صَدَقَاتِ كَلْبٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ -وَكَانَتِ الرُّومُ قَدْ نَزَعَتْهُ، وَكَانَ أَشْقَرَ غَضًّا- فَدَخَلَ أَعْرَابِيٌّ جِِلْفٌ جَافٍ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي جُفَّةِ النَّاسِ، فَلَمَّا مَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: يَا إِنْسَانُ، إِنَّكَ مُدَبَّرٌ مَرْبُوبٌ! قَالَ: أَجَلْ؛ فَمَا تَشَاءُ؟ قَالَ: قَدِ احْتَجَبْتَ بِهَذِهِ الْمَدَرَةِ، وَوَلَّيْتَ خِطَابَنَا أَصْهَبَ غَضًّا كَالْقِرْعَوْشِ طَمْطَمَانِيًّا أَطُومًا كَأَنَّ وَجْهَهُ جَهْوَة قِرْدٍ قَدْ قُشِرَ بَصَرُهَا وَكَأنَّ فَاهُ سُرْمُ أَتَانٍ قَدْ قَاشَهَا عَيْرٌ فَهِيَ تَرَمَّزُ! إِنْ كَشَرْتُ بَسَرَ، وَإِنْ خَاطَبْتُ نَهَرَ، وَإِنْ تَأَلَّفْتُ زَبَرَ؛ فَلَا الْكَلَامُ مَدْفُوعٌ، وَلَا الْقَوْلُ مَسْمُوعٌ، وَلَا الْحَقُّ مَتْبُوعٌ، وَلَا الْجَوْرُ مَرْدُوعٌ! وَلَنَا وَلَكَ مَقَامٌ فِيهِ يُنَصُّ الْخِصَامُ، وَتَرْجُفُ الْأَقْدَامُ، وَيَنْتَصِفُ الْمَظْلُومُ، وَيُنْعَشُ الْمَهْضُومُ! هَا إِنَّ مُلْكَكَ هُنَاكَ زَائِلٌ، وَعِزَّكَ حَائِلٌ، وَنَاصِرَكَ خَاذِلٌ، وَالْحَاكِمَ عَلَيْكَ عَادِلٌ! فَاكْبَأَنَّ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَتَضَاءَلَتْ أَقْطَارُهُ، وَتَرَادَّتْ عَبَرَاتُهُ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ: لِلَّهِ أَبُوكَ! أَيُّ ظُلْمٍ نَالَكَ مِنَّا حَتَّى أَجَاءَكَ إِلَى هَذَا الْمقَالِ؟ قَالَ: سَاعِيكَ فِي السَّمَاوَةِ، نَهَارُهُ لَهْوٌ، وَمَقَالُهُ لَغْوٌ، وَغَضَبُهُ سَطْوٌ، يَجْمَعُ المَبَاقِطَ، وَيَحْتَجِنُ الْمَشَائِطَ، وَيَسْتَنْجِدُ الْعَمَارِطَ! فَأَمَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِصَرْف الْعَامِلِ"،
وسوم: العدد 1128