تَغْرِيدَاتُ الْقُشَيْرِيِّ

(بَابُ الْهَمْزَةِ)

آثَارُ صِحَّةِ الْوُجُودِ عَلَى الْوَاجِدِينَ

"وَأَمْطَرَ الْكَأْسُ مَاءً مِنْ أَبَارِقِهَا فَأَنْبَتَ الدُّرَّ فِي أَرْضٍ مِنَ الذَّهَبِ

وَسَبَّحَ الْقَوْمُ لَمَّا أَنْ رَأَوْا عَجَبًا نُورًا مِنَ الْمَاءِ فِي نَارٍ مِنَ الْعِنَبِ

سُلَافَةٌ وَرِثَتْهَا عَادُ عَنْ إِرَمٍ كَانَتْ ذَخِيرَةَ كِسْرَى عَنْ أَبٍ فَأَبِ"!

آفَةُ الرِّضَا

"آفَةُ الْعَبْدِ رِضَاهُ مِنْ نَفْسِهِ بِمَا هُوَ فِيهِ".

آفَةُ اسْتِحْلَاءِ الْمَدْحِ

"مِنْ غَوَامِضِ آفَاتِ النَّفْسِ رُكُونُهَا إِلَى اسْتِحْلَاءِ الْمَدْحِ؛ فَإِنَّ مَنْ تَحَسَّى مِنْهُ جَرْعَةً حَمَلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى شُفْرَةٍ -هكذا، والصواب "شُفْرٍ"- مِنْ أَشْفَارِهِ؛ وَأَمَارَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ عَنْهُ ذَلِكَ الشِّرْبُ آلَ حَالُهُ إِلَى الْكَسَلِ وَالْفَشَلِ"!

الْإِبْصَارُ بِالْبُكَاءِ

"بَكَتْ عَيْنِي غَدَاةَ الْبَيْنِ دَمْعًا وَأُخْرَى بِالْبُكَا بَخِلَتْ عَلَيْنَا

فَعَاقَبْتُ الَّتِي بَخِلَتْ بِدَمْعٍ بِأَنْ غَمَّضْتُهَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا"!

أَثَرُ الصِّحَّةِ

"مَنْ صَحَّحَ بَاطِنَهُ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالْإِخْلَاصِ، زَيَّنَ اللهُ ظَاهِرَهُ بِالْمُجَاهَدَةِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ"!

اجْتِمَاعُ الْمُفْتَرِقِينَ

"وَتَحَقَّقْتُكَ فِي سِرِّي فَنَاجَاكَ لِسَانِي

فَاجْتَمَعْنَا لِمَعَانٍ وَافْتَرَقْنَا لِمَعَانِ

إِنْ يَكُنْ غَيَّبَكَ التَّعْظِيمُ عَنْ لَحْظِ عِيَانِي

فَلَقَدْ صَيَّرَكَ الْوَجْدُ مِنَ الْأَحْشَاءِ دَانِي"!

أَحَدُ الذَّاهِبِينَ إِلَى اللهِ

"حُكِيَ أَنَّ ذَا النُّونِ الْمِصْرِيَّ بَعَثَ إِنْسَانًا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى أَبِي يَزِيدَ -أي البسطامي- لِيَنْقُلَ إِلَيْهِ صِفَةَ أَبِي يَزِيدَ، فَلَمَّا جَاءَ الرَّجُلُ إِلَى بِسْطَامَ سَأَلَ عَنْ دَارِ أَبِي يَزِيدَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَه أَبُو يَزِيدَ: مَا تُرِيدُ؟

فَقَالَ: أُرِيدُ أَبَا يَزِيدَ.

فَقَالَ: مَنْ أَبُو يَزِيدَ؟ وَأَيْنَ أَبُو يَزِيدَ؟ أَنَا فِي طَلَبِ أَبِي يَزِيدَ.

فَخَرَجَ الرَّجُلُ، وَقَالَ: هَذَا مَجْنُونٌ.

وَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى ذِي النُّونِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا شَهِدَهُ؛ فَبَكَى ذُو النُّونِ، وَقَالَ:

أَخِي أَبُو يَزِيدَ ذَهَبَ فِي الذَّاهِبِينَ إِلَى اللهِ".

أَحَقُّ النَّاسِ بِالِاغْتِيَابِ

"ذُكِرَتِ الْغِيبَةُ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ؛ فَقَالَ:

لَوْ كُنْتُ مُغْتَابًا أَحَدًا لَاغْتَبْتُ وَالِدِي، لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِحَسَنَاتِي"!

إِحْيَاءُ الْحَيَاءِ

"أَحْيُوا الْحَيَاءَ بِمُجَالَسَةِ مَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ"!

اخْتِيَارُ اللهِ أَحَبُّ

"قِيلَ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا!-: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: الْفَقْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْغِنَى، وَالسَّقَمُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الصِّحَّةِ!

فَقَالَ: رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: مَنِ اتَّكَلَ عَلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ اللهِ -تَعَالَى!- لَمْ يَتَمَنَّ غَيْرَ مَا اخْتَارَهُ اللهُ -عَزَّ، وَجَلَّ!- لَهُ".

اخْتِلَاطُ الْخَوَاطِرِ

"اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ أَكْلُهُ مِنَ الْحَرَامِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَاسِ".

أَخْلَاطُ الْأَدْوِيَةِ

"مَنْ رُزِقَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ فَقَدْ نَجَا مِنَ الْآفَاتِ:

بَطْنٌ خَالٍ مَعَهُ قَلْبٌ قَانِعٌ،

وَفَقْرٌ دَائِمٌ مَعَهُ زُهْدٌ حَاضِرٌ،

وَصَبْرٌ كَامِلٌ مَعَهُ ذِكْرٌ دَائِمٌ".

أَخُو الْمَوْتِ

"قَالَ بَعْضُهُمْ: كُنْتُ عِنْدَ مَمْشَادَ الدِّينَوَرِيِّ، فَقَدِم فَقِيرٌ، وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ!

فَرَدُّوا عَلَيْهِ السَّلَامَ.

فَقَالَ: هَلْ هُنَا مَوْضِعٌ نَظِيفٌ يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَمُوتَ فِيهِ؟

فَأَشَارُوا عَلَيْهِ بِمَكَانٍ!

وَكَانَ ثَمَّ عَيْنُ مَاءٍ؛ فَجَدَّدَ الْفَقِيرُ الْوُضُوءَ، وَرَكَعَ مَا شَاءَ اللهُ -تَعَالَى!- وَمَضَى إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَشَارُوا إِلَيْهِ، وَمَدَّ رِجْلَيْهِ، وَمَاتَ"!

أَدَبُ الصُّحْبَةِ

"الصُّحْبَةُ مَعَ أَوْلِيَاءِ اللهِ -تَعَالَى!- بِالِاحْتِرَامِ وَالْخِدْمَةِ".

أَدَبُ الْغَضَبِ

"فِي الْإِنْجِيلِ: عَبْدِي، اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرْكَ حِينَ أَغْضَبْ"!

إِدْرَاكُ الْعَاجِزِ

"سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِخَلْقِهِ سَبِيلًا إِلَى مَعْرِفَتِهِ، إِلَّا بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ"!

ادِّعَاءُ الْأَحْوَالِ

"مَنْ تَكَلَّمَ عَنْ حَالٍ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا كَانَ كَلَامُهُ فِتْنَةً لِمَنْ يَسْمَعُهُ وَدَعْوَى تَتَوَلَّدُ فِي قَلْبِهِ، وَحَرَمَهُ اللهُ الْوُصُولَ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ"!

أَرْكَانُ الرِّحْلَةِ

"الدُّنْيَا بَحْرٌ، وَالْآخِرَةُ سَاحِلٌ، وَالْمَرْكَبُ التَّقْوَى، وَالنَّاسُ سَفْرٌ".

الِاسْتِهَانَةُ بِالْأَهْوَالِ

"سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الْخَوَّاصَ يَقُولُ:

مَا هَالَنِي شَيْءٌ إِلَّا رَكِبْتُهُ"!

إِسْرَارُ التَّسْلِيمِ

"مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِرٌّ فَهُوَ مُصِرٌّ".

أُسْوَةُ الْأَفَاضِلِ

"رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ!- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ!- كَانَ يَعْلِفُ الْبَعِيرَ، وَيَقُمُّ الْبَيْتَ، وَيَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَحْلُبُ الشَّاةَ، وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ، وَيَطْحَنُ مَعَهُ إِذَا أَعْيَا- وَكَانَ لَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يَحْمِلَ بِضَاعَتَهُ مِنَ السُّوقِ إِلَى أَهْلِهِ، وَكَانَ يُصَافِحُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ، وَيُسَلِّمُ مُبْتَدِئًا، وَلَا يَحْتَقِرُ مَا دُعِيَ إِلَيْهِ وَلَوْ إِلَى حَشَفِ التَّمْرِ- وَكَانَ هَيِّنَ الْمُؤْنَةِ، لَيِّنَ الْخُلُقِ، كَرِيمَ الطَّبِيعَةِ، جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ، طَلْقَ الْوَجْهِ،  بَسَّامًا مِنْ غَيْرِ ضَحِكٍ، مَحْزُونًا مِنْ غَيْرِ عُبُوسَةٍ، مُتَوَاضِعًا مِنْ غَيْرِ مَذَلَّةٍ، جَوَادًا مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ، رَقِيقَ الْقَلْبِ، رَحِيمًا بِكُلِّ مُسْلِمٍ، لَمْ يَتَجَشَّأْ قَطُّ مِنْ شِبَعٍ، وَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى طَمَعٍ".

إِشَارَاتُ الْقَوْمِ

"رُئِيَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّارَانِيُّ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟

فَقَالَ: غَفَرَ لِي، وَمَا كَانَ شَيْءٌ أَضَرَّ عَلَيَّ مِنْ إِشَارَاتِ الْقَوْمِ"!

أَشْأَمُ التَّوَاضُعِ

"جَاءَ فِي الْخَبَرِ: "مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ"؛ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْءَ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَنَفْسِهِ؛ فَإِذَا تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ، فَلَوِ اعْتَقَدَ فَضْلَهُ بِقَلْبِهِ كَمَا تَوَاضَعَ لَهُ بِلِسَانِهِ وَنَفْسِهِ ذَهَبَ دِينُهُ كُلُّهُ".

أَصْلُ الْفُتُوَّةِ

"أَصْلُ الْفُتُوَّةِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ سَاعِيًا أَبَدًا فِي أَمْرِ غَيْرِهِ".

إِظْهَارُ الْبَلَاءِ

"إِنَّ الصَّبْرَ حَدُّهُ أَلَّا تَعْتَرِضَ عَلَى التَّقْدِيرِ، فَأَمَّا إِظْهَارُ الْبَلَاءِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الشَّكْوَى فَلَا يُنَافِي الصَّبْرَ؛ قَالَ اللهُ -تَعَالَى!- فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ: 'إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ"، مَعَ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ -تَعَالَى!- أَنَّهُ قَالَ: "مَسَّنِيَ الضُّرُّ"".

أَكْبَرُ الْكَرَامَاتِ

"أَكْبَرُ الْكَرَامَاتِ أَنْ تُبَدِّلَ خُلُقًا مَذْمُومًا مِنْ أَخْلَاقِكَ".

اللهَ لَا النَّاسَ

"إِيَّاكَ أَنْ تَطْمَعَ فِي الْأُنْسِ بِاللهِ وَأَنْتَ تُحِبُّ الْأُنْسَ بِالنَّاسِ!

وَإِيَّاكَ أَنْ تَطْمَعَ فِي حُبِّ اللهِ وَأَنْتَ تُحِبُّ الْفُضُولَ!

وَإِيَّاكَ أَنْ تَطْمَعَ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللهِ وَأَنْتَ تُحِبُّ الْمَنْزِلَةَ عِنْدَ النَّاسِ"!

أَلْفَاظُ الصُّوفِيَّةِ

"يَسْتَعْمِلُونَ أَلْفَاظًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، قَصَدُوا بِهَا الْكَشْفَ عَنْ مَعَانِيهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالْإِجْمَالَ وَالسَّتْرَ عَلَى مَنْ بَايَنَهُمْ فِي طَرِيقَتِهِمْ، لِتَكُونَ مَعَانِي أَلْفَاظِهِم مُسْتَبْهِمَةً عَلَى الْأَجَانِبِ، غَيْرَةً مِنْهُمْ عَلَى أَسْرَارِهِمْ أَنْ تَشِيعَ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا؛ إِذْ لَيْسَتْ حَقَائِقُهُمْ مَجْمُوعَةً بِنَوْعِ تَكَلُّفٍ، أَوْ مَجْلُوبَةً بِضَرْبِ تَصَرُّفٍ، بَلْ هِيَ مَعَانٍ أَوْدَعَهَا اللهُ -تَعَالَى!- قُلُوبَ قَوْمٍ، وَاسْتَخْلَصَ لِحَقَائِقِهَا أَسْرَارَ قَوْمٍ".

أَلْوَانُ الْمَوْتِ

"مَنْ دَخَلَ فِي مَذْهَبِنَا هَذَا فَلْيَجْعَلْ فِي نَفْسِهِ أَرْبَعَ خِصَالٍ مِنَ الْمَوْتِ:

مَوْتًا أَبْيَضَ -وَهُوَ الْجُوعُ- وَمَوْتًا أَسْوَدَ -وَهُوَ احْتِمَالُ الْأَذَى مِنَ الْخَلْقِ- وَمَوْتًا أَحْمَرَ -وَهُوَ الْعَمَلُ الْخَالِصُ مِنَ الشَّوْبِ فِي مُخَالَفَةِ الْهَوَى- وَمَوْتًا أَخْضَرَ، وَهُوَ طَرْحُ الرِّقَاعِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ"!

أَهْلُ الْغَرِيبِ

"ثَلَاثُ خِصَالٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ غُرْبَةٌ:

مُجَانَبَةُ أَهْلِ الرِّيَبِ، وَحُسْنُ الْأَدَبِ، وَكَفُّ الْأَذَى".

إِيثَارُ السُّكُوتِ

"أَمَّا إِيثَارُ أَرْبَابِ الْمُجَاهَدَةِ السُّكُوتَ، فَلِمَا عَلِمُوا مَا فِي الْكَلَامِ مِنَ الْآفَاتِ، ثُمَّ مَا فِيهِ مِنْ حَظِّ النَّفْسِ وَإِظْهَارِ صِفَاتِ الْمَدْحِ وَالْمَيْلِ إِلَى أَنْ يَتَمَيَّزَ بَيْنَ أَشْكَالِهِ بِحُسْنِ النُّطْقِ، وَغَيْرِ هَذَا مِنْ آفَاتٍ فِي الْخُلُقِ. وَذَلِكَ نَعْتُ أَرْبَابِ الرِّيَاضَاتِ، وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِهِمْ فِي حُكْمِ الْمُنَازَلَةِ وَتَهْذِيبِ الْخُلُقِ".

وسوم: العدد 633