ابتكارات السيسي ضد معارضيه و”ميكي ماوس”:ب أحيلوهم إلى “شؤون الإرهاب”

فيفيان يي واليسون مكان وجوش هولدر

بعد اعتقال وليد سالم في القاهرة، الذي أجرى تحقيقاً عن جهاز القضاء في مصر، سأل المدعي العام عن تهمته، كان الجواب: العضوية في منظمة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.

“لثانية، كنت راضياً، لأنها اتهامات مضحكة؛ لم تكن هناك أي أدلة، وكان يسهل دحضها”، قال سالم، الذي يعد لشهادة الدكتوراه في جامعة واشنطن. ولكن مثلما تبين له، فإنه “من اللحظة التي يتم فيها إلصاق هذه الاتهامات بك، فستدخل إلى الصندوق الأسود”.

سجن سالم، وهو معتقل بانتظار المحاكمة. هو لم يقدم للمحاكمة ولم تقدم ضده أي لائحة اتهام. وفي كل مرة تنتهي فيها فترة اعتقاله القانونية، تقوم النيابة العامة بتمديد الاعتقال في جلسة بشكل عام لم تستمر لأكثر من دقيقة ونصف. “في الأشهر الخمسة الأولى، حاولت إقناع نفسي بأنها ستمتد خمسة أشهر”، قال. “لكن بعد مرور الخمسة أشهر، ما زلت هناك. وبدأت أخاف من الأسوأ”.

اللقاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، كان انعطافة من ناحية بايدن، الذي تعهد في السابق بمقاطعة ولي العهد السعودي بسبب المس بحقوق الإنسان. في قمة جدة، التقى بايدن زعيماً عربياً آخر، كان بايدن أيضاً قد سجل انتقاداً شديداً على سجله في موضوع حقوق الإنسان: الرئيس عبد الفتاح السيسي.

حسب منظمات حقوق إنسان والباحثين فيها، تعتقل مصر عشرات الآلاف من السياسيين. وهذا عدد ارتفع بشكل كبير عقب حملة السيسي لقمع معارضي النظام. وكان أسلاف السيسي قد سجنوا منتقدي النظام من قبل، لكن الرئيس المصري الحالي يفعل ذلك بدرجة أكبر بكثير، خصوصاً عن طريق تحويل الإجراء الإداري الروتيني للاعتقال قبل المحاكمة إلى وسيلة رئيسية في مصر لقمع الجمهور. جهود السيسي تضر بالمصريين من كل شرائح المجتمع. وقد تم وصف هؤلاء كأعداء للدولة، حتى لو وجهوا انتقادات خفيفة جداً. على سبيل المثال، أحد المعتقلين سياسي فكر بترشحه ضد السيسي، وامرأتان تم اعتقالهما عندما احتجتا في الميترو التحت أرضي في القاهرة على ارتفاع أجرة السفر، وفي حالة أخرى تم اعتقال جندي شاب بعد نشره كاريكاتيراً في “فيسبوك” ظهر فيه السيسي مع أذنين لميكي ماوس، سجناء سياسيون آخرون تم تقديمهم لمحاكمات خاطفة، ويتوقعون أحكاماً شديدة. ولم يُمنح المعتقلون قبل المحاكمة هذا الحق.

حكومة السيسي تحول الخصوم السياسيين لتتولى محاكمتهم محاكم خاصة بشؤون الإرهاب، ولا تقدم فيها السلطات أي لوائح اتهام ولا يتم عرض أدلة، وفي حالات كثيرة لا تمكن المعتقلين من الدفاع عن أنفسهم قبل إرسالهم إلى السجن.

لا يوجد توثيق رسمي لعدد المعتقلين في مثل هذا الاعتقال، لكن فحصاً أجرته “نيويورك تايمز” للسجلات القضائية التي كتبت بخط اليد وتم الاحتفاظ بها بجهد كبير بأيدي محامين يمثلون المعتقلين بشكل تطوعي، كشف للمرة الأولى تقديراً لعدد الأشخاص المحتجزين رهن الاعتقال بدون محاكمة، والإجراءات القانونية الدائرية التي تمكن من مكوثهم في السجن بدون قيد زمني.

حسب التقدير، تم احتجاز 4500 شخص رهن الاعتقال قبل المحاكمة بين أيلول 2020 وشباط 2021؛ أي في ستة أشهر فقط. والعدد الفعلي أعلى بكثير من هذا التقدير الذي لا يوفر لنا إلا صورة جزئية فقط. في هذا التقدير، لم يتم شمل المعتقلين الذين تم اعتقالهم وأطلق سراحهم قبل مرور خمسة أشهر، وهي المرة الأولى التي رأت فيها السلطات أنها ملزمة بتقديم المعتقلين للمحاكمة. ولم تشمل مواطنين اعتُقلوا خارج القاهرة، ولا يوجد أي إبلاغ رسمي عن عدد المعتقلين في مراكز الشرطة ومعسكرات الجيش أو عن معتقلين اختفوا.

“كثير جداً من المواطنين العاديين يتم أخذهم”، قال خالد علي، محام وناشط في حقوق الإنسان. وحسب قوله، فإن الاعتقال قبل المحاكمة قد يعطي السلطات وقتاً للتحقيق في الملفات، لكنه “عملياً، يعتبر عقوبة. منظمات حقوق الإنسان تقدر بأن في مصر نحو 60 ألف سجين سياسي – وهو عدد يشمل معتقلين قبل المحاكمة، وسجناء تم حكمهم وحكم عليهم بالسجن، ومشتبه فيهم بالإرهاب، ومتهمين بسبب آراء سياسية مارقة”.

مصر تنفي من سنوات كثيرة احتجازها معتقلين سياسيين من أي نوع. وحسب مصادر في النظام، فإن الأشخاص الذين تم اعتقالهم بسبب انتقاد السلطات يعرضون النظام العام للخطر. “يوجد قانون حتى ضد المظاهرات”، قال صالح سلام في مقابلة، وهو عضو سابق في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي شكلته الحكومة. وأوضح: “لا أستطيع منح شخص تآمر ضد الدولة صفة سجين سياسي”.

مؤخراً، بدأ عدد من الشخصيات الرفيعة بالاعتراف بأن السكان يتم اعتقالهم وبحق بسبب الآراء السياسية. مع ذلك، تقول هذه الشخصيات بأنه من المهم إعادة الاستقرار للدولة بعد تقلبات أحداث الربيع العربي في 2011. “أحياناً، تمر الدولة في أوقات عصيبة مثل فترة العمليات الإرهابية أو الإصلاحات الاقتصادية، وعندها يجب اتخاذ خطوات مناسبة”، قال طارق الخولي، عضو برلمان، في مقابلة أجريت معه قبل فترة قصيرة.

اعتقال دائري

الإطار القانوني للاعتقال قبل المحاكمة يعطيه غطاء كإجراء سليم، لكن وبعد مقابلات مع عشرات الأشخاص، بما في ذلك معتقلون ومعتقلون سابقون وأبناء عائلاتهم ومحامون ونشطاء وباحثون، تظهر لنا منظومة تقوم فيها النيابة العامة والقضاة بتقليص حقوق المعتقلين كأمر روتيني أو يتجاهلونهم كلياً.

في الأشهر الخمسة الأولى من الاعتقال، يسمح القانون باحتجاز المعتقل مدة أسبوعين على أساس اتهامات النيابة. وهذه الفترة قابلة للتمديد إذا طلبت النيابة ذلك من أجل استكمال التحقيق. هذا بالضبط ما يقوم به المدعون العامون في معظم الحالات. فهم يمددون الاعتقال كل أسبوعين بدون تقديم لوائح اتهام رسمية أو عرض أي أدلة. بعد انتهاء الخمسة أشهر، يحق للمعتقل المناقشة في محاكم لشؤون الإرهاب، التي هي مخولة بتمديد الاعتقال 45 يوماً في كل مرة. نظرياً، الجلسات تعطي المعتقلين فرصة للاعتراض على اعتقالهم، لكن فعلياً لا يوجد محامون، ولا يتم عرض الأدلة، هذا ما قاله معتقلون سابقون ومحامون.

إضافة إلى ذلك، الجلسات مغلقة أمام الجمهور، وحتى عائلات المعتقلين لا يسمح لها بحضورها. يتم عرض المعتقلين بأقفاص زجاجية وباكتظاظ، ولا يسمع منها الصوت؛ لمنع سماع أقوالهم. وعلى الأغلب، لا يمكنهم حتى سماع الحكم الذي صدر بحقهم. بعد خمسة أشهر في المعتقل، أُحضر سالم إلى محكمة لشؤون الإرهاب، وهناك انتظر في قفص لا يتسرب منه الصوت إلى جانب عشرات المتهمين الآخرين. عند قراءة اسمه، ضغط القاضي على زر، وسمح له بالتحدث. “يا حضرة القاضي، لست سوى أكاديمي مثلك”، قال سالم في بداية أقواله. “لي ابنة. من فضلك، يجب أن تأخذ ذلك في الحسبان”. المحامي الذي تم تعيينه لتمثيله هو وستة معتقلين آخرين، تقدم من القاضي وقال إن النيابة لم تعرض أي أدلة، وإن لوائح الاتهام غامضة ولا أساس لها. مدد القاضي اعتقال سالم 45 يوماً.

في نهاية المطاف، تم إطلاق سراح سالم في كانون الأول 2018، تقريباً بعد مرور سبعة أشهر على اعتقاله. ولكن حظر عليه السفر للخارج، وبهذا تم منعه من الالتقاء مع ابنته ذات الـ 13 سنة التي تعيش في بولندا مع والدتها. “لقد عرفت ما الذي أنتظره”، قال. “لكن الأمل صفة حازمة”.

فترة اعتقال لـ 25 يوماً تعطى للتمديد مرة تلو الأخرى طوال سنتين. بعد ذلك، يطلب القانون إطلاق سراح المعتقل، لكن هذا لا يحدث دائماً. تقدم النيابة لائحة اتهام جديدة في مرات كثيرة، وبعد ذلك يبدأ العد لسنتين من الصفر مرة أخرى. 1764 معتقلاً على الأقل “تم تدويرهم”، من كانون الثاني 2018 وحتى كانون الأول 2021، حسب ادعاء “المركز المصري لشفافية البحث والتوثيق وادارة البيانات”، ولأكثر من ربع هؤلاء المعتقلين كان ذلك هو فترة السنتين الثانية. آخرون “أُعيد تدويرهم” بهذه الصورة حتى سبع مرات.

رغم أن هناك فرقاً جوهرياً بين اعتقال قبل المحاكمة، والسجن الفعلي، فقد تحول الاعتقال على الأغلب إلى عقوبة قاسية جداً. يُحشر المعتقلون في سجون مكتظة ومتعفنة، وأحياناً يتم احتجازهم فيها لسنين. على الأغلب، يتم منع زيارتهم وأدوات نوم وطعام وحتى علاج طبي. التعذيب أمر روتيني. وتقول منظمات حقوق الإنسان إن آلاف الأشخاص قد ماتوا في المعتقلات في مصر في السنوات الخمس الأخيرة، وذلك بالدمج بين ظروف فظيعة وتنكيل وعدم وجود علاج صحي.

شبكة تتوسع

حسب ادعاء القاهرة، فإن أحد أسباب احتجاز أشخاص في المعتقل لفترة طويلة جداً بدون محاكمة هو أن منظومة القضاء “مكتظة” بالملفات. المدعون العامون والمحاكم لا يمكنهم الصمود أمام وتيرة الجلسات وإزاء عدد المعتقلين المتزايد، خاصة منذ أن وسّعت الحكومة نطاق العمليات ضد المعارضين.

عندما سيطر السيسي على الدولة، بعد أن عزل الجيش الرئيس محمد مرسي، وعد الرئيس السيسي بالأمن والازدهار، الذي أمل به كثير من المصريين بعد سنوات من الثورة والفوضى والشرخ الاجتماعي. وقد استخدم ذريعة الاستقرار لترسيخ حكمه. في البداية، عملت حكومته ضد الإخوان المسلمين، الذين اتُّهموا بالمسؤولية عن العمليات. ولأن الإخوان المسلمين اعتبرهم نظام الحكم تهديداً سياسياً، فقد عمل أيضاً ضد كل من كان متهم بالعضوية في الحركة، وضد كل من شارك في مظاهرات الحركة.

بعد ذلك، تم اعتقال سياسيين في المعارضة وصحافيين وأكاديميين. وحسب منظمة متابعة جهاز القضاء، فإن نحو 110 نشطاء و733 من رجال الإعلام و453 أكاديمياً اعتُقلوا بين العامين 2013 – 2020. في نهاية المطاف، وصل القمع أيضاً إلى المتظاهرين والمواطنين العاديين.

وسوم: العدد 990