عمر وحقوق الأطفال

د. غازي مختار طليمات

د. غازي مختار طليمات – سورية

المشهد الأول

(يكشف الستار عن رجلين أحدهما طويل أصلع مهيب الطلعة، والآخر ربعة، وهما يسيران ليلاً قرب خيمة في طرف المدينة، يصدر منها ضوء خافت من سراج غير وهاج).

الطويل: أصغ يا "أسلمُ"

ما تسمع؟

أصداء أنين

أسلم: تتمطى في فضاء الليل               تبكي السامعين

الطويل: لم لم تبك؟               ألم تسمع؟

أسلم: بلى! دمعي ضنين

ليس في وجهي أجفان "أمير المؤمنين"       مع أن القلب في صدري بكاء حزين

(يقترب الرجلان من الخيمة، فيعلوا الصوت، وتسيل العبرات من أجفان الرجل الطويل).

الطويل: ابكِ، أو لا تبكِ               ما أنت ضنينٌ، بل رزين

الطويل: (مشيراً إلى صدره (عمر) المسؤول

من بين جميع الممرضين

عن أنين الخلق               عن بؤس جميع البائسين

"عمر" المسؤول               فليذرف دموع الخائفين.

من حساب الله يوم الحشر ذرف الغافلين.

أسلم: يا أبا حفص               وقاك الله إثم الآثمين

أنت لم تغفل               فلا تبك بكاء النادمين

لا، ولم تظلم               فلا يوجعك ذنب الظالمين

لم يحط علماً بأحوال جميع المسلمين...

غير رب الكون               رب الخلق رب العالمين

(يبلغ الرجلان باب الخيمة، ويشتد صوت الأنين)

عمر: أصغ هذا صوت سيف               حزَّ من قلبي الوتين

أسلم: في الورى ألف عليل               ذي عويلٍ ورنين

أفتبكيهم؟

عمر: نعم، أبكي البرايا أجمعين،

مثلما أبكيتهم               مذ صرت للحكم الرهين

ناد من في الخيمة الثكلى نداء الراحمين

علني أن أغسل الذنب بذنوب التائبين

أسلم (وهو يمد عنقه إلى باب الخيمة):

أيها النائح في الخيمة               أدميت القلوب

ما الذي يبكيك؟

أفصح،

علّنا نشفيك من داء الكروب

(تخرج من الخيمة امرأة منقبة الوجه، منتفخة البطن، وهي تتثاقل وتتهالك في مشيتها).
المرأة: أنا حبلى

ومخاضي فاجأ البعل     وقد راح يلوب

طالباً قابلة               تدفع ما ناب

وما سوف ينوب

عمر: الزمي خدرك

عمر: (متجهاً إلى أسلم): فتش عنه في كل الدروب

 وأعده يؤنس الماخض               إيناس القرين
وسآتيها بمن تقبل يا صاح الجنين

عمر: (متجهاً إلى المرأة): ارجعي، ولتلزمي خدرك               إني بالذي قلت ضمين

المرأة (وهي عائدة): أين من ينمي إلى "الخطاب"               من هذي الخطوب؟

عمر (وهو منصرف): اطمئني               أنا بالعون قمين

ودعي اللوم               فلن ينكشف الضرُّ بلوم اللائمين

أسلم: (بعد انصراف عمر): بئس ما قلت لهذا الكهل

المرأة: إني قائلة....

ما يقول الناس إن تنزل عليهم نازله

أسلم: أتظنين مخاض المرأة الحامل بلوى هائلة؟

أم تظنين أمير الناس ظئراً تكترى

أو قابله؟

المرأة: لا، ولكن قيل:       يرعى كل مولودٍ فطيم

أسلم: صدقو               فلتلدي، ولتفطمي

وهو بما قيل زعيم

أسلم (وهو منصرف): الزمي الخيمة         ولأبحث عن الهائم في الليل البهيم

المشهد الثاني

(يكشف الستار عن حجرة رثة الأثاث، فيها شابة في زي عربي قديم، وهي تفتح باباً يقرع، ثم يدخل عمر بن الخطاب).

الشابة: قد أطلت الليلة الغيبة               ما خطبك؟
عمر: أحوال الرعية

الشابة: أولا تبقي من الليلة للأهل بقية؟

إن زوجي يسعد الناس               ويبقي الزوجة في الليل شقيه!

إن حظي منك حظ الغيم من ومضة برقٍ خُلبية

عمر: "أم كلثوم" دعي اللوم               وأصغي لي بالنفس الرضية

واذكري أنك زوجي الهاشمية

بنت خير الناس فقهاً وخصالاً نبوية

و"علي" لم يزوجني سوى بكرٍ علية

تؤثر الناس على النفس               ولو صارت ضحية

انهضي أصحبك للجنة               من غير سؤال وجواب

أم كلثوم: كيف لا أسأل؟               والجنة لا تدخل من غير حساب؟!

عمر: أحضري ما عندنا من قمط المولود

من رخص الثياب

من طعام المرضع بالدر رويه

أم كلثوم: ومتى أصبح الجنة خدراً لمخاض ورضاعة؟

وهي دار الحور والعين               فما هذي الإشاعة؟!

عمر: إنني أعطيك كنزاً

ليس يفنى               وشقي من أضاعه

إنه في هذه الدنيا متاعٌ وبضاعة

وهو للآخرة احتسابٌ وثواب

أسرعي

فالكنز قد يفلت إن أبطأت ساعة

أم كلثوم: (هامسة متسائلة): أسرعي!!

كنز!!

ثواب!!

إنه أمٌر عجاب

(ثم مصرحة متجهة إلى عمر): يا "أبا حفص"

دع الألغاز

لا تنسج على قلبي السحاب

أنا لن أخرج ما لم ينقشع هذا الضباب

أجل لي هذي الأعاجيب الخفيه

عمر: صك سمعي رجع أصواتٍ شجية

فتعقبت صداها

فإذا الأصوات أنّات صبية

حاملٌ تمخض

لا قابلةٌ ثمَّ، ولا شكوى تُجاب

أسرعي كي تقبليها

أم كلثوم: الآن قد أسمعتني فصل الخطاب

أم كلثوم (وهي تجمع القمط والثياب في صرة):
انطلق فالطلق لا يغفر للمبطئ مكثاً خلف باب

المشهد الثالث

(يكشف الستار عن خيمة المشهد الأول، وقد اقترب منها عمر وأم كلثوم يحملان صرة وقفّة).

عمر: صاحب الخيمة

أقبل ودع الماخض طوعٍ القابله

صاحب الخيمة (وهو خارج منها): مرحباً بالضيف

لا غالتك مثلي غائله

عمر: ما الذي غالك؟

الرجل: نحن بعض السابله

فوجئت زوجي بالطلق               وكانت خلف رحلي راحله

فنزلنا ههنا للمخض والوضع               وفتنا القافلة

عمر (متجهاً إلى أم كلثوم): أدركي الماخض قبل الوضع.

أم كلثوم (وهي داخلة): ها أنا ذي أمضي إليها عاجله

الرجل: مرحباً بالضيف

ممن أنت؟

عمر: من هذا البلد               من عباد الله

الرجل: لم ساعدتني؟

عمر: أحمي وليداً من نكد

الرجل: أنا أحميه               وهل يحتضن المولود إلا من ولد؟

عمر: وإذا ما ضعف الوالد؟

الرجل: يستقوي بعمٍِّ، أو بجد.

عمر: أنا هذا العم.. هذا الجد.. هل عوني يرد؟

الرجل: لا ويجزى بثناء الأهل في الدنيا.. وأجر الآجلة

عمر: إن للمولود فوق الشكر والأجر حقوقاً لا تحد

والذي يكفلها للأم والطفل الرغد

حقه الأول أن يولد حراً

الرجل: وإذا ما ولدته أمةٌ؟

عمر: لم يلق من ذلك ضُراً 

هو يعطي بعض حريته الأم

فيغدو الشر خيرا

إنها تدعى به "أم ولد"

وابنها يعصمها أن تُشترى أو تسترد

تغتدي زوجاً، وأمّاً حرةً، حتى الأبد

الرجل: قد عرفنا حقه الأول

ما الثاني؟

عمر: بقاء الطفل حياً

الرجل: هبه جاء ابن سفاح!!

عمر: وهب الأم بغيّا

حقه في العيش يبقى أبديا

يؤخذ الظالم لا المظلوم بالجرم.. ولو طال الأمد

الرجل: وإذا خيف عليه الجوع والإملاق؟

عمر: دعوى جاهلية

إن روح الطفل من روح الإله الأزليه

والذي يقضي على الطفل كمن يقضي على كل البريّه

يتحدى نافخ الأرواح في الأشباح.. في كل جسد

هو شيطانٌ

على الرحمن والإنسان بالقتل مرد

الرجل: لم لا تجعل هذا القتل إنقاذاً لنفسٍ من كبد؟

عمر: إنه وأدٌ... ووأد الطفل من كل خطايا الناس أدهى وأشد

وله في حقه الثالث ما يدفع أخطار المنيه

الرجل: ما الذي تعني بهذا الحق؟

عمر: ما يفرض للطفل "عمر"..
من "عطاء" يكفل الطفل... فينجاب الخطر

فلماذا يُقتل الطفل؟

وللفوت من الموت وزر؟

الرجل: قيل: لا يفرض ما يفرض إلا لفطيم

وينوب الجوع ما فيها حليمٌ أو رحيم

تفرس الراضع والمفطوم بالعض الأليم

عمر: كان هذا قبل

الرجل: واليوم؟

عمر: عطاء الطفل من يوم الولاده

فمتى جاء إلى دنياه جاءته الرفاده

رفده حقٌ على الحاكم               لا وجودٌ ومنٌ من أحد

(تخرج أم كلثوم من الخيمة، متهللة الوجه).

أم كلثوم: يا أمير المؤمنين

بشر الوالد بالمولود بالكنز الثمين

بغلام مشرق الطلعة وضاح الجبين

الرجل (ناهضاً من مكانه مرتاعاً مما سمع):

أأمير المؤمنين اليوم ضيفي؟

ولساني – قده الله – يجازي لطفه الجم بعنف؟!

وأعقّ الناس من قابل إنصافاً بحيف

عمر: لم تقل إلا الذي حق لمثلي أن يقال

ناصحاً لا جارح               والنصح يجزى بقبولٍ وامتثالٌ

وإذا لم أصغ للنصح          فأحكامي ضياعٌ وضلال

عمر (متجهاً إلى أم كلثوم): اخرجي يا "أم كلثوم"

فقلب الأب يشتاق الصبي

الرجل (وقد فوجئ مرة أخرى بسماع اسم أم كلثوم).

شرفٌ آخر هل قابلتي بنت "عليٌ"؟

عمر: دعك من هذا، كن الأتقى إذا كنت التقي..

تفضل الأعلام والأغفال               من آل "عليٍّ" و"عدي".

الرجل: أنا لا أنكر ما قلت               ولكني بما نلت حفي

أنا أزهو بالذي شرفني منك                ومن آل النبي

عمر: عد إلى أهلك والطفل رضي النفس               مقضي الرجاء

ومتى سميت مولودك               فلتأت إلى دار القضاء

وعلى الديوان أن يفرض للطفل "العطاء"

وهو حقٌ لا سخاءٌ               يقتضي منك الثناء

واقتضاء الحق حقٌ رابعٌ للطفل               من رب السماء

الرجل: قلبي المترع الخوف من اليتم               هو الآن خلي

أسلم الطفل من العدم                إلى خير وصي

عمر (وهو منصرف والستار يسدل):

قل: إلى من جعل السلطة هم               فإذا السهل عصي

وإذا الحكم ابتلاءٌ وبلاءٌ               و "أبو حفصٍ" شقي

- ستار -