مع الرئيس المجاهد والمُفكر المجتهد علي عزت بيجوڤيتش

في الخامسِ من نوفمبر عام ١٩٩٤م أجرت مجلة «شتيرن» الألمانية لقاء صحفياً مع الرئيس المجاهد والمُفكر المجتهد علي عزت بيجوڤيتش، فسأله مندوبها سؤالاً مستفزّاً أجابَ عليه بيجوڤيتش إجابة عبقرية أحببتُ أن أنقلها لكم، لعلّ فيها إثراء وفائدة.

سألهُ المندوب:

السيد الرئيس، أنتَ معروف كمُسلم حريص على التقاليد الأوروبية والتسامح الأوروبي، وأنكَ منفتح على العالمِ بأسره، ولكن هناك تقارير صحفية تزعم أن هناك أسْلمةٌ جارية في البوسنة والهرسك، فهل هذه مجرد شائعات؟

فهد.

وأنا أريد منكم أن تتأملوا وتقرأوا جيّدًا إجابة هذا الرجل العظيم، الذي يفهم العقلية الأوروبية، ويعرِف كيف يخاطبها بمنطق المواجهة الحَكيمة، ولا يَلجأ إلى لغةِ الاعتذار المهين والتبرير المُذل.

سوف أكون شديد الصراحة وأقول لك: لا ليست هذهِ شائعات بل حقيقة، وتفسيرها أن العودة إلى الدِّين أصبحت ظاهرة عالمية في كلِّ مكانٍ قَمَع فيه الشيوعيون الدِّين على مدى خمسين إلى سبعين سنة.

نعم هُناك أسْلَمة في البوسنة -على حدِّ وصفك- وهي صحوة إسلامية، بقدر ما فيها صحوة أرثوذكسية وكاثوليكية، ولكن الفرق هو أن عودة المسيحيين إلى دينهم لم تلفت انتباه أوروبا المسيحية، وهو أمر أفهمه ولا ألومها عليه، أما عودة المسلمين إلى دينهم فقد اعتبرَته أمرا مفزعا !

أود فقط أن أُصحِّحَ لك نقطة واحدة، وهي أن تسامحي ليس مردُّه إلى أنني أوروبي، وإنما مصدره الأصلي هو الإسلام. «فإذا كنتُ متسامحًا حقّاً فذلك لأنني أولاً وقبل كل شيء مُسلم ثم بعد ذلك لأنني أوروبي».

لقد لاحظتُ خلال حرب البوسنة أن أوروبا تسيطر عليها ضلالات وأوهام لا تستطيع التحرُّر منها رغم الحقائق الدامغة. فقد دُمِّرت في هذهِ الحرب مئات المساجد والكنائس، كلها -بلا استثناء- دمّرها مسيحيون، ولا توجد حالة واحدة لكنيسة دمّرها البشناق (المسلمون).

أسوق إليك حقيقة تاريخية أخرى: فقد حكم الأتراك العثمانيون البلقان ٥٠٠ سنة، فلم يهدموا كنيسة ولم يبيدوا شعباً، بل حافظوا على الأديرة الشهيرة في جبال فروشكا جورا (قريباً من بلجراد) لأن إسلامهم يأمرهم بهذا. ولكن هذه الآثار الدينية التاريخية لم تصمد ثلاثة أعوام فقط تحت الحكم الأوروبي!

دمّرها الشيوعيون والفاشيون خلال الحرب العالمية الثانية، وهؤلاء لم يكونوا نتاجًا آسيويا بل صناعة أوروبية، وحتى هذه اللحظة لم تُظهر أوروبا حساسية ضد الفاشية المتصاعدة في البلقان، ووقفت تتفرج على الخراب الذي أحدثه الصرب في البوسنة!

وسوم: العدد 834