عبد الله عيسى السلامة(1)

أجراها : محمد صالح حمزة   مع     عبد الله عيسى السّلامة

الذين رشفوا من أمواه الفرات، فقط، هم الذين يستطيعون الغور في شخصيّة ضيفنا الكبير الأستاذ عبد الله عيسى سلامة.

ومن صفات نهر الفرات العظيم اقتبس ضيفنا خلاله المتميّزة: عذوبة وخيراً وعطاء.. فإذا غضب للحقّ: "طمَّ نيسانُهُ العاليات" كما يقول أحد شعراء الفرات.

للحوار معه لذّة خاصّة ونادرة.. يأخذ بيد محدّثه إلى الهدف مباشرة على أجنحة ظاهرة الحجّة من الأدلة والقرائن، والمحاكمة العقليّة المتعمّقة، وبمودّة آسرة تفرض نفسها على محاوره مهما بعدت شقّة الاختلاف أو التّباين في وجهات النّظر.

ثقافته الواسعة المتنوّعة تمنح حواراته أجواءً علميّة أو أكاديميّة لا يُمكنك إلاّ أن تحمل معك منها فائدة أو فوائد محقّقة..

التقيناه في واحدة من هذه الأجواء العلميّة المفعمة بالمودّة الصافية، فجاد بهذه الأفكار النديّة:

***

هل لكم أن تقدّموا للقرّاء بطاقتكم الشّخصيّة؟

الاسم الكامل: عبد الله بيك الشيخ عيسى السّلامة

تاريخ الولادة: 1944ميلاديّة.

مكان الولادة: قرية الحديدي، التابعة لمنطقة منبج/محافظة حلب.

الدّراسة:      ليسانس في الآداب/قسم اللغة العربية/من جامعة دمشق عام /1968/.

ليسانس في الحقوق من جامعة بيروت العربية/عام 1987/.

ـ إنتاجاتكم: كتب ـ دراسات ـ دواوين شعر ـ مقالات (وفي أيّ الصّحف تنشرون) ـ المطبوع منها، والمخطوط.

أ- المطبوع:

1. الشّعر: الظلّ والحرور ـ واحة في التّيه ـ ثآليل في جبهة السّامري ـ المعاذير.

2. الرّواية: الثّعابيني ـ الغيمة الباكية.

3. قصّة قصيرة: لماذا يكذب الجزّار ـ خطّ اللقاء "بالاشتراك".

4. مقالات: نظرات في الفكر والأدب.

ب- كتب غير مطبوعة:

1. رواية: صريع الفلسفة.

2. مسرحية: مهمّة دبلوماسيّة ـ بيت العباقرة.

3. قصّة: مجموعة قصص قصيرة.

4. شعر: مجموعة شعريّة.

5. دراسة: مجموعة بحوث ومقالات.

ج- أبرز الصّحف التي نشرتُ فيها:

1. مجلّة "حضارة الإسلام" الدّمشقيّة.

2. مجلّة "الأمّة" القطريّة.

3. مجلّة "النّور" اليمنيّة.

4. جريدة (المسلمون) السّعوديّة.

5. مجلّة (الدّعوة) السّعوديّة.

6. جريدة (الصّحوة) اليمنيّة.

7. وهناك مواد متفرّقة نُشرت في بعض الصّحف الأردنيّة والخليجيّة، بالاسم الصّريح، أو بأسماء مستعارة.

الإنتاج الذي تعتزّون به أكثر من غيره.. ولماذا؟

كلّ ما أصدرته في كتب أعتزّ به بشكل عام، لأنّي في الأصل لا أصدر مادة في كتاب، ما لم أكن مقتنعاً بها.

أما ما كتبته وأكتبه لدواعي الحاجة الآنية، فتتفاوت نظرتي إليه، حسب درجة الاهتمام الذي أوليه إيّاه، وحسب موضوعه، وأهمّيته، ودرجة تأثيره..

العمل الحالي:

الكتابة والتّأليف.

مجالات العمل السّابقة:

التدريس في ثانويات حلب، بسورية، وفي كلية المجتمع الإسلامي في الأردن. ولم أمارس عملاً سوى التّدريس.

آمال عزمتم على تحقيقها. ماذا تحقّق منها، وما الذي لم يتحقّق بعد؟

ثمّة آمال خاصّة وعامّة. أمّا الخاصّة فقد حقّقت منها ما يُرضيني نسبيّاً، بحمد الله، في مجال الدّراسة، والتّأليف.. وأمّا العامة فتتعلّق بالعمل الإسلامي وآفاقه وطموحاته.. وهذا مما لا تكفي فيه الجهود الفرديّة، بيد أني أرجو الله أن يُعينني على الإسهام فيه، بقدر ما أستطيع. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

السّاحة الأدبية، تعجّ بأدعياء الأدب، ورافعي راية الحداثة، كيف تنظرون إلى هذا الواقع.. وماذا تقولون لهؤلاء؟

ساحة الأدب سوق كسائر الأسواق، فيه الغثّ والسّمين، والزّائف والأصيل.. ولا يُتوقّع أن يكون الأدب كلّه رفيعاً أصيلاً قيّماً، كما لا يمكن أن يكون كلّه زائفاً هابطاً. وحسْب الأديب أن يملك أدواته الفنيّة، ورؤيته الخاصّة، وأسلوبه المتميّز، ليشقّ طريقه في هذا الميدان، وينزل إنتاجه إلى (السّوق)، وقوانين السّوق، في مجال الأدب، تصدُق أحياناً، وتخدع أحياناً أخرى، حسب جملة من المعطيات، من أهمّها عمليّة التّسويق، والقائمون على السّوق (أجهزة الإعلام ووسائله) وغير ذلك..

وإذا كان لي من نصيحة، فإنّما أُسديها إلى الإسلاميين، قبل سواهم، وهي ألاّ يكتب أحدهم كلمة غير قادر –ولو نسبيّاً- على معرفة جدواها وقيمتها، فنيّاً وموضوعياً، كيلا يندم عليها في الدّنيا، بعد حين، أو في الآخرة، حين تكبّ النّاس في النّار حصائد ألسنتهم –أو أقلامهم-.

أمّا الحداثة، بصفتها مصطلحاً تغريبياً شاملاً لسائر مناحي الحياة ومنها الأدب، فهي شرّ متكامل الجوانب، هدفه استئصال هذه الأمّة  من سائر جوانبها (عقيدة-خلق-أدب-تاريخ-فن)..

وبناء على هذا فالأمّة كلّها مكلّفة بأن تهبّ دفاعاً عن وجودها في مواجهة هذا التّيار التغريبي الاستئصالي المدمّر، وكلّ في مجاله، ومن زاويته، الأديب في مجال الأدب، والسياسي في مجال السياسة، والمربّي في مجال الأخلاق.. وإلاّ فالكارثة بانتظار الجميع، لا قدّر الله.

أما الحداثة بمعنى الجدّة، فالأمر فيها مختلف، ولابدّ لكلّ جيل من أن يُجدّد في وسائله وأسالبيه ومناهجه وتصوّراته، بما يُناسب مقتضيات عصره، مع المحافظة على ثوابت الأمّة وقيمها والرّكائز التي تحفظ بنيانها، كالعقيدة والخلق واللغة..

أعداء الإسلام يتّهمون الإسلاميين باحتكار الحقيقة.. وبالتالي نفي الآخر.. كيف تردّون على هذه الفرية، وما هو حكم الإسلام تجاه الرّأي الآخر؟

صدق المثل العربيّ "رمتني بدائها وانسلّتِ". فما عرف العالم أمّة تحترم رأي الآخرين كالأمّة الإسلامية. والنّصوص القاطعة في كتاب الله وسنّة رسوله أكثر من أن تُحصى في هذا المجال..

فحين أمر الله المسلمين أن يُجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن، من يهود ونصارى، كان هؤلاء يُسحقون سحقاً على أيدي الأمم الأخرى، بل كان بعضهم يسحق بعضاً، لمجرد الاختلاف في الاجتهاد الفكري، وها هو ذا تاريخ الفرق النّصرانيّة القديم والحديث، يشهد على ذلك، وها هي ذي الكنيسة، حتّى وقت قريب تحرق العلماء والمفكّرين، الذين يُخالفون تصوّراتها المغلوطة للكون والحياة، حتّى اضطرّ الكثيرون من أتباعها للخروج عليها، وأبعدوها عن الحياة، ليستطيعوا التّفكير بحريّة في أمور الحياة والكون..

وما شأن محاكم التّفتيش –سيئة الصّيت- في إسبانيا، بخافٍ على أحد..

أمّا الآخرون، الذين يريدون الساحة لهم وحدهم، سياسياً، وثقافيّاً، فلا يتوقّع منهم أن يجلسوا مع الإسلاميين على مائدة مناظرة واحدة في حديث صريح حرّ، لعلمهم بضعف حجّتهم، وعجزهم عن مقارعة حُجج المسلمين.. لذا، يُلفّقون التّهم، ومنها تهمة "احتكار الحقيقة" ليُبعدوا هذه التّهم عن أنفسهم..

إنّ الذين يحتكرون الحقيقة عمليّاً لا ادّعاءً، هم الذين ينسفون هوامش الحرية، التي يُتيحونها للنّاس بين حين وآخر.. ينسفونها حين يرون الإسلاميين برزوا من خلالها، وأثبتوا وجودهم عبر الحجّة والمنطق والحوار البنّاء. وعلى هذا، فمن يحتكر الحقيقة؟ الذي يملك السلطة السياسية والإعلاميّة، ويفتح منافذ الحوار متى شاء ويُغلقها متى أراد؟ أم الذي لا يملك إلاّ المنطق الحر والفكر الحرّ؟.

إنّ المغالطة واضحة، والسّاحة تشهد على الجميع ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وسبحان القائل:
( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ).

فإذا منع الإسلام الإكراه في الدّين، فهل يُبيحه فيما دون ذلك من أفكار وتصوّرات وآراء؟

فالسّؤال إذاً يوجّه إلى فرعون مصر القائل: ( مَا أُرِيكُمْ إِلاّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ). كما يوجّه إلى سائر فراعين الأرض، القدماء والمحدثين، فراعين السياسة والثقافة والفكر والأدب والحياة..

الأمّة تمرّ بمرحلة غاية في الدّقة والخطورة.. كيف تنظرون إلى ذلك.. وما هو في رأيكم الدّاء.. ما هو الدّواء؟

الصّراع سنّة من سنن الله في خلقه، وسنّة التّدافع سنّة من سنن الله في عباده ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ.. ) والأمّة التي لا تدفع عن نفسها الأخطار، تسحقها الأمم الأخرى. والأمّة كالجسد الواحد، فيها الرّأس والقلب، وفيها الأطراف والأعضاء الأخرى. وأبناء الحركة الإسلامية اليوم، موقعهم من الأمّة بمثابة موقع الرّأس والقلب من الجسد، فإذا كان القلب قويّاً نابضاً بالحياة، غذّى الجسد كلّه بالحياة، وإذا كان الرّأس صالحاً مستنيراً، وجّه الجسد كلّه إلى ما فيه خيره وقوّته وصلاحه فعلى كلّ فرد من أبناء الحركة الإسلامية، أن يعي هذه الحقيقة، وأن يقدّر مدى مسؤوليّته عن أمّته، من خلال ما وهبه الله من طاقة، وما أوكل إليه سدّه من ثغرات، ثمّ بعد ذلك لينتظر المسلمون وعد الله بالنّصر والتّمكين، ولكل أجلٍ كتاب.

ماذا يجول في الخاطر وتودّون أن تقولوه للقارئ؟

مما يجول في الخاطر، التّذكير بحديث السّفينة، الذي ذكره رسول الله e: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقاً، فلم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً".

هذا الحديث الشّريف يوضّح لنا أنّ المجتمع كالسّفينة في البحر، وأنّ كلّ فرد فيها مسؤول عن سلامتها، وأن كلّ من يُحاول خرقها هو مجرم بحقّ الجميع، وردعه واجب على الجميع، لأنّ خرقها يُهلك كلّ فرد فيها بلا استثناء..

فعلى كلّ فرد من المسلمين عامّة، ومن دعاة الإسلام خاصّة، أن يعي هذه الحقيقة، ويُبادر إلى تحمّل مسؤوليّته تجاه الفئات أو القوى التي تُحاول العبث بحياته وحياة أهله ومجتمعه وبلده بشكل عام.

وإذا كان هذا واجباً، فمن الواجب والضّروري كذلك، أن يُدرك الفرد، ضمن مجتمعه أن ليس كلّ ما يُمارسه الأفراد، لحفظ مصيرهم ومصير مجتمعهم، من أساليب يُعدّ صالحاً بالضرورة. فربّما أفسد المرء من حيث يُريد الإصلاح، وذلك بسبب خطأ في منهج التّفكير أو أسلوب العمل أو بعض وسائله. ولابدّ من التّفكير العميق الشّامل، ضمن إطار جماعي، تُمارسه فئة مخلصة واعية.

أفراد العائلة: وهل يحمل أحد منهم اهتماماتكم وطريقة تفكيركم ومنظاركم للحياة بشكل عام؟

لي ستّة إخوة، ثلاثة منهم جامعيّون، وكلّ من هؤلاء الثلاثة يستطيع نظم الشّعر "أقول النّظم فحسب". وكان الوالد رحمه الله ينظم الشّعر النّبطي. لكنّ واحداً من هؤلاء الثّلاثة له اهتمام بالقضايا الأدبية والفكرية وشؤون الصّحافة.