إبراهيم عبد الفتاح طوقان

ما ألطف ذكاءك يا أستاذي : إبراهيم عبد الفتاح طوقان ، ورحمك الله وأحسن إليك وأكرمك في عليين .. ما أروع ألمعيّتك وفهمك للأمور ، وأعظم بأمة أنت من شعرائها وأدبائها الخالدين .. كنت تنظر بنور الله قبل قرن من الزمان وتصف ما جرى أيامك ومايجري الآن من تسلط ” الرويبضات الذميمة ” على مقدرات أمتنا المسكينة المقهورة . ترى بعين البصيرة تفاهة الغالب منهم وضعة نفوسهم وهم يبيعون الأمة تاريخَها وعزتها بثمن بخس (دراهم معدودة ) ( وسلطة زائفة ) ( وقيادة مهينة ) .. فتخاطبهم بقلب حزين بما يجري وألم دفين لواقع كئيب ، تخاطبهم بلسان السخرية المرة والتقزز العلقم  ، تسخر منهم ومن ضعفنا بالأسلوب السهل الممتنع ، شأن النابهين والبلغاء المتمكنين ، وقليل أمثال هؤلاء يا سيدي  . فهم الذين تصدّروا قضية فلسطين المسلمة يدافعون عنها ، بل قل : يدفعونها إلى الهاوية ، ويكذبون جهاراً نهاراً مدّعين أنهم باعوا أنفسهم فداء فلسطين ، والحقيقة أنهم عكسوا الأمر فباعوا فلسطين فداء مصالحهم الآنيّة التافهة : أنتم المخلصون للوطنية !           أنتم الحاملون عبء القضية! والحقيقة أنهم مخلصون لذواتهم الدنيّة يسعون لمكاسب دنيوية تافهة تفاهة نفوسهم الصاغرة ، فملأوا الجيوب حين اسودّت منهم القلوب ، فحمّلوا القضية عبء خيانة وضيعة وذوات رقيعة .

أنتم العاملون من غير قولٍ            بارك الله في الزنود القوية!! فهم يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون عكس ما يقولون ، هذا ما كان منهم في القرن العشرين ، أما في هذا القرن الذي ظهرت فيه الحقائق ناصعة ، وما عادت الأقنعة تنفع ، أو ما عاد للأقنعة حاجة في زمن صارت الخيانة فيه مطلباً والذلُّ هدفاً ، وأضحت الوطنية عبئاً والجهادُ معرّةً .. في هذا القرن الحادي والعشرين كانت زنودهم أداة طعن نافذة في قلوب الأحرار وأضحى قولهم عنوان العار والشنار وما أصدق تعبير الشاعر الملهم في تصوير همّتهم العليّة في الدفاع عن القضيّة !

وبيان منكم يعادل جيشاً                   بمعدّات زحفه الحربية فالعدوّ حشد الدروع والدبابات وحلّق بالطائرات وأثار الأرض غباراً والسماء ناراً ، وكان قتال أبطال أمتنا وقادتها الميامين بيانات ناريّة وخطباً  ارتجالية ، ونعيباً مدوياً ونهيقاً مجلجلاً ملأ الإذاعات والفضائيات ووسائل الإعلام ، ثم انفجر كالبالون تلاشياً ، وكلما حزب الأمر اجتمعوا في (قـُمتهم) ليخلصوا إلى تجشؤ القرارات المعروفة سابقة ، وقد حفظناها عنهم عن ظهر قلب يلوكونها دون خجل ولا حياء، فما إن ينفضّ سامرهم حتى تعود حليمة إلى عادتها القديمة !! وكأنهم قاموا بواجب حماية الأرض والدفاع عن العِرض ! وأدّوُا السنة والفرض .

واجتماع منكم يردّ علينا              غابر المجد من فتوح أميّة ولا زلت أذكر ما تفعل وسائلهم المضللة وراء كل هزيمة عربية منكرة في الخمسينات والستينات والسبعينات من أن التحرير قاب قوسين أو أدنى وأن النصر على الأبواب ، وأن محاق الدولة العبرية قد غاب ، وأن الفوز على الأبواب …

وخلاصُ البلاد صار على            الباب وجاءت أعياده الوردية فإذا ما انجلى  الصبح والليل غلب سمعَنا نعيقُ البوم ونعيبُ الغراب ، فإذا السحر على الساحر قد انقلب ، وجيشُ العرب خسر وانسحب ، وتسارعت الرويبضات إلى تل أبيب عن خوف ورهَب، أو حب ورغَب ، وسيان هذا وذاك فقد غنت الرويبضات للعدو ” أهواك  ولا أنساك ” وشاعرنا الألمعي إبراهيم طوقان لا ينسى لهؤلاء الذين جثموا على صدورنا أفضالهم في حمل القضية سنين طويلة على شدّة ولأواء ، وجهاد وشحناء ! فقد أدّوا واجبهم الذي رُسم لهم وعاشوا له أعمارهم ، فأوصلونا إلى بر الأمان! وقمة الأحزان ، فيشكرهم على هذا الجهد المشكور والنشاط المهدور ، ويسألهم أن يحققوا لأمتنا أمنيّة أخيرة ، ولا أدري إن كانوا يستطيعون التفضل بها والعمل بها :

ما جحدنا أفضالكم غير أنّا            لم تزل في نفوسنا أمنية فما هي  الأمنية التي ترجوها ونرجوها معك ، أيها الشاعر الحبيب ? أصيخوا السمع فلعلكم يا شعبنا العزيز من المحيط إلى الخليج ترجون تحقيق هذه الرغبة الغالية ؟ وما ذلك على الله بعزيز إن إبراهيم طوقان يقول :

في يدينا بقية من بلاد              فاستريحوا كي لا تطير البقية

وسوم: العدد 848