هل يمكن أن يُعَدّ المغلوبون بحرارة الرأس (الحمقى): مِن ذوي الخُلق الحسَن ؟

وصف الله نبيّه محمداً ، بقوله : (وإنّكَ لعلى خُلقٍ عَظيم) .

وقال رسول الله : ألا أخبركم بأحبّكم إليّ ، وأقربكم منّي مجالسَ ، يوم القيامة ؟ أحاسنُكم أخلاقاً، الموطّؤون أكنافاً ، الذين يَألفون ويُؤلفون !

وقال رسول الله ، أيضاً : إذا جاءكم مَن تَرضون دينَه وخُلقَه ، فزوّجوه ، إلاّ تفعلوا ، تكن فتنة في الأرض ، وفساد عريض !

وإذا كانت الأخلاق الإسلامية الأساسية ، كالصدق والأمانة والوفاء .. من الدين ، يُعَدّ نقصُها نقصاً في الدين ، أو ضعفاً فيه .. فما الخُلق ؟

أهو الطبعُ ، الذي يشمل : الحِلم أو الطيش .. والحصافة أو الحماقة .. والكرم أو البخل أو التبذير..والجبن أو الشجاعة .. والنباهة أو الغفلة .. والذكاء أو الغباء .. والوعي أو البلاهة ..؟

أيْ : هل يشمل الخلق ، صفاتٍ كامنة ، في التكوين النفسي والعقلي ؛ فتختلف ، بهذا ، عن الصفات ، التي يُعَدّ نقصُها ، نقصاً في الدين ، أو ضعفا فيه؟

نحسب أن المقصود بالخلق ، هنا ، هو مجموعة الأخلاق ، ماكان نقصه نقصاً في الدين .. وما هو طبع ، داخل في التكوين النفسي والعقلي ، ممّا يُعَدّ الحسَن منه ، صفة تؤهّل صاحبها ، للعيش المحمود ، مع الآخرين ، وتريح الناس ، في العيش معه !

ونحسب أيّ عاقل ، لو خيّر، بين عبقري أحمق ، أو نابغة أحمق ، لصحبته ، أو العيش معه.. وبين إنسان حصيف ، متوسّط الذكاء ، معتدل المزاج .. فسيختار الثاني ؛ لإمكانية العيش المستقرّ معه ، أو بصحبته ، وذلك ممّا لايجده ، عند النابغة الأحمق ، مهما كانت درجة نبوغه ، أو عبقريته ! لأن هذا الأحمق ، غير مأمون الطبع ، أو الخلق ؛ فقد يكون هادئاً في ساعة ، مضطرباً ، مستثار المزاج ، لسبب تافه، في الساعة التي تليها ! فكيف يمكن للعاقل، أن يتعايش معه، أو يصاحبه، أو يزوّجه ابنته ، التي هي أمانة عنده ، والتي يبحث لها ، عن حياة هادئة مستقرّة ، مع زوج عاقل ، سليم المزاج ؟

وصف أبو حيّان التوحيدي ، وزيراً كان في عصره ، بأنه أديب بارع ، وكاتب مميّز؛ بيد أنه مغلوب بحرارة الرأس ، أيْ : أحمق !

وقال المتنبّي : لكلّ داءٍ دواءٌ يُستطبّ به     إلاّ الحماقةَ ، أعيتْ مَن يُداويها !

قد يستفاد ، من العبقري الأحمق ، في حالات معيّنة ، موقوته بزمن محدّد ، في حلّ بعض المسائل المُعضلة ، أو في استنباط بعض النتائج المتوقّعة، من جرّاء موقف ما،أو قرار معيّن.. ثمّ لاشيء ، وراء ذلك ، من : معايشة ، أو صحبة ، أو تزويج ، أو مساكنة ، أو مشاركة في عمل دائم .. حتى لو اتّصف ، ببعض الصفات المحمودة ، التي يحبّها الناس !

وسوم: العدد 854