مَن المَلوم : المُزَعفَرُ، أم المُشْتَمِلُ !؟

كان لمالك بن مَناة ، وأخيه سعد ، إبلٌ يَرعيانها ، وكان مالك ، هو الخبير، برعاية الإبل وسقايتها ، إلاّ أنه شُغل عن ذلك ، بزواج حديث ، فكَلّف أخاه سعداً ، بسقاية الإبل ، وكانت خبرته قليلة ، فكانت الإبل تتفلّت منه ، وتنحرف إلى البساتين ، لتأكل منها ! فقال سعد بيتاً من الرجز، حرص على أن يسمعه أخوه ، الجالس عند عروسه ! والبيت هو:

 يَظلّ ، يومَ وِردِها ، مُزَعفَرا   وهي خَناطيلُ ، تَجوسُ الخُضَرا !

المزعفَر: هو المضمّخ بالزعفران  - خناطيل : مجموعات !

فسمع مالك البيت ، ولم يعرف كيف يجيب أخاه ، فقالت له عروسه ، التي سمعت البيت ، هي أيضاً : ألاتجيب أخاك ؟ فقال لها : وبمَ أجيبه ؟ فقالت ، قل :

 أوردَها سعدٌ ، وسعدٌ مُشتملْ      ما هكذا ، ياسعدُ ، تُورَدُ الإبلْ !

ومعنى اشتمَلَ بثوبه : أداره على جسده ، كلّه ، حتّى يدُه لاتَخرج منه !

وقد ذهب بيت مالك ، مثلاً ، على كلّ مَن يقوم بعمل لايُحسنه ؛ ولا سيّما الشطر الثاني ، من البيت !

ويبقى السؤال ، هنا ، هو: مَن الملوم ، مالك ، الخبير بسقاية الإبل ، الذي ترك المهمّة ، لأخيه الغرّ الجاهل ، أم سعد ، الذي قام بعمل لايُحسنه ، وهو سقاية الإبل ؟

ثمّ : هل هذه القصّة ، بما فيها من رجز، متبادل بين الأخوين ، مقصورةٌ ، على مالك وأخيه سعد .. أم هي صالحة للتمثّل بها ، في كلّ مرّة يقعد فيها الخبير، عن أمر ما ، ويباشره غيره الذي لا يُحسنه ؛ فيُفسد العمل ، برمّته ، ويحصل الضرر للأخوين ، معاً ، ولإخوة آخرين لهم ، بل ربّما لقبيلة كاملة ، وربّما لشعب بأسره ؟ ذلك ؛ أن الأعمال كثيرة متنوّعة ، وبعضها سهل، وبعضها صعب .. كما أن بعضها ، لايخلو من تعقيد ، ويحتاج إلى خبرة ، أو حصافة ، أو فطنة .. فإذا أدّاه مَن لايُحسن أداءه ، أفسده ، وألحق الضرر ، بسائر الحريصبن على نجاحه، والمتضرّرين من فساده !

وسوم: العدد 858