العنصرية قواسم مشتركة بين ترامب ومودي

ترمب يشيد برئيس الوزراء الهندي وقراراته العنصرية ضد المسلمين

كال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المديح لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، خلال زيارته إلى الهند يوم 24 شباط الفائت، ووصف الوضع بالهند بالأكثر تسامحا في ظل وجود ديانات مختلفة، متجاهلاً بذلك الاعتداءات التي قامت بها السلطات الهندية وعناصر هندوسية متطرفة ضد المسلمين، بسبب قانون الجنسية الجديد المثير للجدل، الذي أقرته الهند الشهر الماضي.

وبحسب التقارير المحلية الأخيرة فإن أكثر من 20 شخصًا قتلوا، في نيودلهي خلال زيارة ترامب للهند التي استغرقت يومين، في مظاهرات مناهضة لقانون يهدد بسحب الجنسية من ملايين المسلمين في الهند، ممن لم يمتلكون وثائق اثبات المواطنة.

مواقع ووكالات أمريكية تندد بمواقف ترمب العنصرية

وقد سلط موقع "ذي إنترسبت" الأمريكي على هذا التجاهل من ترامب، مشيرًا إلى إنه رغم الاحتجاجات وسقوط القتلى والمصابين المسلمين في الهند، إلا أن ترامب رحب بمودي ووصفه بـ"نصير الحرية الدينية" كما وصفه بأنه "زعيم استثنائي" متجاهلاً صور للمسلمين الذين يتعرضون للضرب حتى الموت في العاصمة من قبل المتطرفين السيخ، بموافقة وتعاون واضح من الشرطة الهندية.

وأشار الموقع الأمريكي، إلى مقطع فيديو، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لمتطرفين هندوس يتسلقون مئذنة أحد المساجد لإزالة مكبر الصوت وتعليق العلم الذي يصور الإله الهندوسي هانومان.

ويقول مراسل وكالة رويترز في الهند، "ديفيجوت جوشال": "إن الشرطة في نيودلهي، تبدو وكأنها تشجع المتطرفين الهندوس والفوضى، حيث اكتفوا بمشاهدة أعمال العنف التي يرتكبها الهنودس بحق المسلمين، وإشعال النيران في السيارات والمحال التجارية العائدة للمسلمين".

ورفض الرئيس الأمريكي، إدانة قانون الجنسية الجديد، الذي أقرته حكومة مودي، الذي وتسبب بإشعال الاحتجاجات المناهضة له، والذي يهدد ما يقرب من 200 مليون مسلم في الهند، بالمعاملة كمواطنين درجة ثانية وربما سحب الجنسية من بعضهم.

وقال ترمب أمام حشد كبير من السيخ أنصار الحزب الحاكم، تجمعوا في أكبر ملعب كريكت في العالم، بقوله إن الولايات المتحدة والهند، انضمتا إلى الحرب على الإرهاب الإسلامي المتطرف، مما شجع العديد من العنصريين السيخ لارتكاب أعمال عنف ضد المسلمين بدعم من رجال الأمن.

وهكذا التقت أفكار ترمب ومودي العنصرية في التحريض المستمر على كراهية المسلمين.

باحث هندي منصف يندد بما يقوم به العنصريون السيخ

يقول الباحث في النزاع العرقي والطائفي في الهند آشوتوش فارشني عبر "تويتر": "إن أعمال العنف التي اندلعت في دلهي، خلال الأسبوع المنصرم، بدأت وكأنها مشهدًا من مشاهد مذابح جوجارات في 2002" مضيفًا إن الشرطة الهندية لا تقوم بدورها ولا تتصرف بشكل محايد، وتنظر إلى المتطرفين وهم يشعلون الفتنة في البلاد، دون أن ترحك ساكنًا.

أكذوبة أن الهند أكبر ديمقراطية في العالم

وتُعرف الهند عالمياً أنها الدولة الديمقراطية الأكبر في العالم؛ كما يروج الغرب، ولكن الأحداث الأخيرة وماسبقها من إلغاء الحكم الذاتي لمقاطعة جاموا وكشمير المسلمة وضمها إليها رسمياً، وإقرار منح الجنسية للوافدين والمهاجرين إليها من غير المسلمين، وإرغام المسلمين الهنود على إثبات أصولهم الهندية حتى يحتفظوا بالجنسية الهندية وإلا يحرمون منها، وما تبع ذلك من اضطرابات ومواجهات بين المواطنين في جاموا وكشمير والمسلمين المتواجدين بكثافة في بعض المقاطعات والمدن الهندية والقوى الأمنية، واستعمال هذه القوى الأمنية القوة المفرطة في مواجهة المظاهرات السلمية التي خرجت تندد بهذه القرارات العنصرية غير العادلة والمجحفة.

الهند وتقسيماتها الإدارية واللغات الرسمية فيها

ولابد لاستكما الصورة عن زيف مقولة أن الهند هي أكبر ديمقراطية في العالم أن أعطي صورة واضحة عن الهند وتقسيماتها الإدارية، فالهند دولة اتحادية، تضم 29 ولاية وسبعة أقاليم اتحادية في نظام برلماني ديمقراطي. تنقسم الولايات والأقاليم الاتحادية إلى مزيد من المقاطعات وإلى مزيد من التقسيمات الإدارية الأصغر. بعد الإصلاحات الاقتصادية لعام 1991، وقد أضحى الاقتصاد الهندي سابع أكبر اقتصاد في العالم، وأصبحت بفعل الكثافة السكانية ثالث أكبر قوة شرائية على الصعيد الدولي.

تعد اللغتان الهندية والإنجليزية اللغتين الرسميتين في التعامل داخل مؤسسات الدولة، إلى جانبهما يعترف الدستور الهندي ب 23 لغة، تستخدم محليا في بعض الولايات الهندية.

الديانات الهندية

في المسألة الدينية؛ لا ينص الدستور الهندي على وجود ديانة رسمية للبلد، ما يعني اعترافا ضمنيا بجميع الأديان، لكن الهندوسية تبقى الديانة السائدة في الهند، إذ تمثل نسبة انتشارها 80 في المائة بين سكانها، في حين تبقى باقي الديانات الأخرى "أقلية" بنسب ضعيفة، في مقدمتها الإسلام الذي يمثل أكثر من 13 في المائة من مجموع السكان، والمسيحية بنسبة 2.3 في المائة، ثم السيخ بنسبة 1.8 في المائة، وأقليات أخرى "البوذية، الجاينية، اليهودية، الزرادشتية، القاديانية، البهائية" بنسب لا تتجاوز 1 في المائة.

الأحزاب والمؤسسات البرلمانية

مؤسساتياً، يتألف البرلمان من مجلسين، هما: مجلس النواب "لوك سبها" الذي يضم في تركيبته 545 عضوا، يختارهم الناخبون باستثناء اثنين فقط يعينهما الرئيس الهندي من الجالية الأنجلو-هندية. ومجلس الشيوخ "راجيا سبها" أو مجلس الولايات الذي يبلغ عدد أعضائه كحد أقصى 250 عضوا، منهم 233 منتخبا من الأقاليم الاتحادية، و12 عضوا يرشحهم الرئيس الهندي، من شخصيات لها مساهمات مميزة، وفق تقدير الحكومة.

سياسيا دائما، يحتاج أي حزب أو ائتلاف حزبي إلى أغلبية داخل مجلس النواب، تقدر بـ272 مقعدا حدا أدنى، لتشكيل الحكومة المركزية، إلى جانبها توجد داخل كل ولاية من الولايات الـ29 حكومة محلية، يتم انتخابها كل خمس سنوات، باستثناء ولايتي جامو وكشمير اللتين تستمران لمدة ست سنوات، فيما تبقى سبعة أقاليم اتحادية خاضعة للحكم المباشر من قبل الحكومة المركزية.

تعد الانتخابات في الهند هي ثاني أكثر الانتخابات تكلفة في العالم، بعد الولايات المتحدة الأمريكية. تكشف العودة إلى انتخابات 2014 أن عدد الأحزاب المشاركة فيها وصل إلى 464 حزبا سياسيا، فيما بلغ عدد المرشحين الذين تنافسوا في هذه الانتخابات ثمانية آلاف و251 مرشحا. وقد بلغ حصاد الإنفاق ما يزيد على خمسة مليارات دولار.

وتنحصر المنافسة في هذه الانتخابات بين أقوى حزبين في المشهد السياسي الهندي منذ الاستقلال، هما: حزب الشعب الهندي ذو التوجهات الهندوسية المتطرفة -وهو الحزب الحاكم منذ أيار (مايو) 2014، وبين حزب المؤتمر الهندي ذي التوجهات الليبرالية والعلمانية.

يرفع حزب الشعب؛ الحزب الحاكم، شعار "الهند للهندوس"، ويردد في أدبياته أن الإسلام والنصرانية ديانتان جاءتا من الخارج، وقد ازدادت شعبيته بداية التسعينيات، بعد هدمه مسجدا أثريا قديما "بابري مسجد" عمره أكثر من 400 عام.

حزب الشعب العنصري يحكم الهند بأفكاره المتطرفة

وبعد أن تمكن حزب الشعب الهندي من الفوز في الانتخابات الأخيرة راح ينفذ وعوده بالنسبة لجاموا وكشمير والأقلية المسلمة في الهند ومحاولة حرمانها من الجنسية الهندية، وبذلك يُسقط هذا الحزب الادعاء بأن الهند هي أكبر ديمقراطية في العالم، وأن هذه الدعوى ما هي إلا كذبة سمجة.

لقد أدرك العالم أكذوبة أن الهند أكبر ديمقراطية "عددية" في العالم، وأدرك زيف ما يروجه الغرب، بأن الهند هي المثال على تعايش الأقليات العرقية والدينية، وأدرك معها أيضاً زيف ما تنشره المؤسسات الدولية الاقتصادية عن مؤشرات التقدم الاقتصادي للدول.

في الهند الديمقراطية والمرشحة لتكون خامس قوة اقتصادية في العالم، نرى المتسولين منتشرين في شوارع المدن الكبرى، والأرصفة مسكونة بمن لا مأوى لهم من أسر كاملة تمارس كل أنشطتها اليومية الاعتيادية من أكل واغتسال وخلافه في الشارع، وهذا المشهد تجده في الأحياء الشعبية وغير الشعبية وبجوار المجمعات السكنية الراقية، في مشهد مثير للعجب، فضلاً عن مظاهر الفوضى والتلوث وانتشار القمامة ووسائل المواصلات المهترئة.

الديانة الهندوسية والعنصرية بين أفرادها وطبقاتها

لقد قسمت الديانة الهندوسية وفقاً لتعاليم الفيدا البشر إلى أربع طبقات وهي:

البراهمان Brahmans الذين خلقهم الإله براهما من رأسه فهم صفوة البشر وتتوجب خدمتهم والتذلل لهم من قبل الهندوس وهؤلاء هم سدنة المعابد والكهنة وحراس الفيدا والدين الهندوسي. الطبقة الثانية الكشاتريا Kshatriyas ، وهم الذين خلقهم الإله براهما من الجزء العلوي منه كتفيه وصدره وهم الجنود والضباط وأهل الحرب الذين يحرسون المعابد وكهنتها، ومنهم كانت سلالات ملوك الهند ولازال رئيس الهند شنكر ديال شارما بينما لا ضير إن كان رئيس الوزراء من طبقات أو أديان أخرى ، الطبقة الثالثة هم الفايشيا Vaishyas ، الذين خلقهم الإله براهما من فخذيه وهم المهرة والحرفيون وأهل الهندسة والصناعة، وعملهم خدمة ما يحتاجه الصنفان الأولان في كل أمور الحياة.

أما الطبقة الرابعة هم الشودر Shudras خلقهم الإله براهما من أقدامه أسفل جزء منه وهم المنبوذون ومن لا حق لهم في العيش والتمتع بأقل مقومات الحياة، ومن وصايا الفيدا أن التشودر لا حق له بأن يضع عينه في عين البرهمي وإن فعل ذلك فإنه يجب قلع عينه، ولو رفع صوته على البرهمي فإن لسانه يجب أن تقطع، وحسب تعاليم الفيدا فإنه لا يمكن لبشر أن يرتقي من طبقته لطبقة أعلى، ولا يصير الارتقاء عندهم إلا بتناسخ الأرواح لأن عندهم حيوات كثيرة متعاقبة يمكن للواحد منهم أن يعيشها، فإن كان الشخص خيرا ارتقت روحه في الحياة التالية لمرتبة أعلى وربما ارتفع من طبقة لطبقة البراهما ولا مانع أن يرتقي حتى يرقى إلى إله، وإن كان شريرا يتدنى من طبقته لطبقة أسفل وربما ينقلب إلى حشرة مهانة حسب سوء عمله في الحياة السابقة التي عاشها. طبقة المنبوذين "The Dalit or "Untouchable وهم الذين لا ينتمون إلى أي طبقة وخارج التصنيف وأدنى من الجميع، حيث يقومون بالأعمال الدونية كإفراغ المراحيض وجمع القمامة وغيرها من المهن المتعبة القذرة والتي تخدم كافة الطبقات الأخرى ولا يقبل هذه المهن أحد غيرهم.

كل هذه الظواهر البادية للعين عن انتشار الفقر والجهل والتمايز الطبقي تفقأ عين أكذوبة الهند الديمقراطية، وتتأكد رؤية العين ومعايشة الواقع مع الإحصاءات الرسمية لليونيسكو، والتي تحدد الهند كأكبر نسبة أمية في العالم، حيث بلغ عدد الأميين 286 مليون شخص، بحسب تقرير عام 2015. كما تفيد الإحصاءات بأن الهند بها أكبر نسبة فقر في العالم، وما زال أكثر من 250 مليون هندي محرومين من الكهرباء، فضلاً عن وجود 22 مدينة هندية من أصل 30 مدينة تعتبرها منظمة "السلام الأخضر" الأكثر تلوّثاً في العالم.

الهوس الهندوسي المتطرف

إن هذا الكم الهائل من المواطنين الأميين والمعدمين هم أيضاً أحد آليات الديمقراطية (الزائفة). فهؤلاء هم الرصيد الاستراتيجي للخطاب الشعبوي القومي الهندوسي المتطرف، وبصوتهم وصل حزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا)، القومي الهندوسي المتطرّف إلى سدة الحكم، بواسطة خطابه الشعبوي الذي يشيطن المسلمين، ويربط بين 170 مليون مسلم هندي وبين الإرهاب، ويصفهم بأنهم أصدقاء باكستان.

وفي ظل حكم هذا الحزب، أصبح هذا الرصيد الشعبي هو رأس الحربة في حالة الهوس الهندوسي ضد المسلمين، والذي بلغ حد وصف "تاج محل" من مسؤول بالحكومة على أنه مؤامرة ضد الثقافة الهندية وبناه خائنون (مسلمون).

وفي ظل ديمقراطية "مودي" تزايدت حالات اعتداء الهندوس على المسلمين، في ظل خطاب كراهية يتبناه الحزب الحاكم ويصف المسلمين بأنهم منبوذون ودخلاء على الهند.

لا عجب في ظل حكومة قومية هندوسية متطرفة، مرضيّ عنها من الغرب، وذات علاقة حميمة مع الكيان الصهيوني، أن يصمت الغرب أمام انتهاكها للقانون الدولي والمعاهدات الدولية، فضلا عن جرائمها ضد الإنسانية لمسلمي كشمير ومسلمي الهند.

وسوم: العدد 868