حضارتنا وحضارتهم ..من كتاب الاعتبار بتصرف كبير

هل نقول نعيما ...

أأروي من حفظ قديم عن كتاب "الاعتبار" لأسامة بن منقذ . قد يكون في غضون الرواية مخالفات شرعية ، وربما أخرى سياسية ...لست مسئولا عنها ، أحب أن ألتفت إلى المغزى العام ، والدلالة الكلية ..

وقد كان أسامة بن منقذ أميرا وفارسا عربيا من شيزر قرب حماة : وهكذا قدم لترجمته المؤرخون :

الأمير الكبير العلامة ، فارس الشام ، مجد الدين ، مؤيد الدولة أبو المظفر أسامة ابن الأمير مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني ، الشيزري .

ولد بشيزر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة .

باختصار وتصرف من كتاب الاعتبارلأسامة بن منقذ . والكتاب أشبه بسيرة ذاتية لأمير فارس من القرن الخامس الهجري  عاصر وعافس الصليبيين والحروب الصليبية .

وفي خضم الصراع الذي يكون بين البشر تنشأ علاقات عداوات وصداقات ، وهكذا نشأت صداقة بين الأمير العربي وبعض الأمراء من الصليببن . أو إذا شئت بين الفارس العربي المسلم وبين بعض الفرسان الصليبيين والمسيحيين . وهذا درس في العلاقات البشرية والإنسانية والحضارية يستحق الكثير من التأمل من قبل الدارسين ..

ذلك أن مطقتنا في ذلك العصر حولي 1200 ميلادية أصبحت أشبه بما هي عليه اليوم ،  حيث كل كبير حي ، أو مسيطر على تبة أو أكمة ، أصبح أميرا وقائدا وسياسيا وصاحب أمر ونهي . وهذا يعدو على هذا ، وهذا يسالم وهذا يصادق ..

وأعود

ودعا الأمير أسامة بن منقذ أمير قلعة شيزر يوما أحد أصدقائه من الأمراء الصليبيين إلى الحمام . ولا أريد أن أطيل عليكم بذكر جماليات حمام يدعو إليه أمير . وأبناء جيلنا يذكر ما كنا ننعم به ونحن صغار في شتوات حلب القاسية ..

وفي الحمام اطلع الأمير الصليبي - الفرنسي أو الانكليزي - على بعض تفاصيل نعمة الحمام  . ومنها دور " المكيس " الذي كان يفرك أبداننا ونحن صغار فيخرج منها كما نقول من خلايا جلدنا الميت كل فتيل .

ولكن يبدو أن الأمر في الحمام الأميري في ذلك العصر كان يتجاوز هذا الذي عشنا ، فكان المكيس يقوم بدور ما يسمى في هذا العصر - البدكير - فيزيل عن جسم الزبون كل الشعر غير المرغوب فيه مهما كان موقعه..!!

وتمت العملية والأمير الصليبي ينظر ، وهو الذي صاحَبَ شعر بدنه وآخاه منذ نشأته فأعجبته تلك النعمة ، ووجدها حسنة . فتمنى أن يحظى بمثلها لأول مرة بحياته ، فكان له ما أراد ، وسر بذلك سرورا كبيرا ..!!

يقول الأمير أسامة في كتابه وتمنى هذا الفارس الأمير أنه من تمام النعمة أن تحظى زوجته بما حظي به ؛ فأرسل إليها بعض أتباعه من مرافقيه ، وأحضرها من بيتها ، وغمسها بين الرجال في حمام النعيم  ، ثم  عرضها على البدكيري ، فصنع له ما صنع لزوجها ولمن قبله من الرجال بإزالة كل الشعر غير المرغوب فيه عن كل موقع من البدن ، وهي التي كانت كما زوجها وكل أبناء وبنات جنسها يعيشون مع هذا الشعر ويموتون أو يمتن معه ..

ويروي الأمير أسامة بن منقذ كل ذلك متعجبا ، فيقول : وجرى كل ذلك ونحن وزوجها جالسون ننظر..

ويتعجب من ذهاب النخوة والغيرة من القوم ..

هل نقول : نعيما ..

وهذه واقعة عمرها 800 عام فقط ، تاريخ قريب في عمر حضارة الإنسان ..

وسامحوني واقرؤوا كتاب الاعتبار فكم فيه من عبرة وغمرة  !!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 868