الحرية لمنتهى الرمحي!

لن تمنعنا الظروف، التي تمر بها الكرة الأرضية، من أن نسأل: أين منتهى الرمحي، مذيعة قناة “العربية”، التي تم الإعلان عن وقفها أسبوعين، جزاء وفاقاً على انخراطها في الضحك، وهي على الهواء، لكنها لم تظهر على الشاشة، رغم مرور أكثر من شهر على هذه الواقعة!

ما يمر به الكوكب، ليس مجرد ظروف سيئة وحسب، والعالم كله يضع يديه على قلبه في انتظار الأسوأ، وانتقلت السلطات في مصر من انكار الكارثة إلى الاعتراف بها، وتغيرت بالتالي لهجة الإعلام من المسخرة إلى الجدية، بعد أن عشنا مع الأداء البائس لبرامج “التوك شو” ووصل الحال، إلى السخرية من الفيروس ذاته، والقول إن مصر عصية عليه دون سائر دول العالم، وأجرى الإعلامي جابر القرموطي حواراً تخيليا مع الفيروس، أظهر الأخير فيه ضعفه عن مجابهة المصريين، وكان من الواضح، أن شيئا ما في أعلى الرأس قد توقف، وهذا الشيء يخص السلطة الحاكمة!

فلا يعمل “جابر” الآن في قناة نجيب ساويرس، الذي كان يفخر بأن القرموطي من اكتشافه، فهو يعمل في قناة “الحياة”، التي آلت ملكيتها من الإماراتيين لأهل الحكم في مصر، وتدار إدارة كاملة من الأجهزة الأمنية، التي تقدم لها المذكور بطلب معلن للعمل، يفيد استعداده للقيام بالمطلوب منه على أن يرحموه من التقاعد، وعلى هذا الأساس عاد مرة أخرى ليقدم برنامجه، على نحو كاشف بأن هذا الحوار المتخيل مع الفيروس، لم يكن بعيداً عن ممثلي المالك لقناة “الحياة”، الذين يديرون الإعلام المصري بالتوجيه المباشر، كما شاهدنا في تسريبات قناة “مكملين”، أو برسائل “سامسونغ”، كما نقل على الهواء مباشرة، وعندما قيل إن الإماراتيين اخترقوا هواتف أيفون، علمت لماذا يستخدم رجال الأمن في مصر أجهزة “سامسونغ”، مع أنها الأرخص سعراً، والأقل وجاهة!

ومن هنا فليس بعيداً عن المالك وممثليه هذا الاتصال الهاتفي، الذي أجراه جابر القرموطي مع “الحرس الأميري” القطري، ليسأله عن حقيقة إصابة الأمير بفيروس كورونا؟ وهو أداء هابط، وإن كان ليس الأكثر هبوطا، فالقوم لا يتورعون عن التعرض للأسر، وإذا كان السيسي أراد أن يفتح حواراً مع أمير قطر عندما التقاه في مؤتمر دولي، باعتذاره له عن ما نال “الوالدة” من هجوم، بما يوحي بأنه ليس طرفاً في الموضوع، لأن “تمام” معظم الإعلاميين المتصدرين للمشهد ليس في مصر، ولكن في أبو ظبي، فإن الرسالة الأخيرة كاشفة عن من يقف وراء هذا التجاوز.. انظر إلى من يملك قناة “الحياة” الآن يستوي لك الصف!

ما تقوله الرسالة

وما جرى يدخل في باب “لعب العيال”، عندما تصغر الأنظمة في طريقها للوصول إلى مرحلة “الجنين المستكين”.. فماذا تريد الرسالة أن تقول، و”الحياة” لم تعد مملوكة للإمارات، أو لأفراد؟!

لقد كانوا في هذه المرحلة يتبنون سياسة “الانكار”، فـ “كورونا” لم يدخل مصر، وهو يخشى من مواجهة حاسمة مع خير أجناد الأرض، وكيف يدخل البلاد التي يحكمها جنرال دكر، ولإثبات صحة هذا ذهبوا يتحدون الملل بهذا المزاح الثقيل والتسلية بمثل هذا الاتصال بمن قالوا إنه الحرس الأميري، ليسألوه عن حقيقة إصابة الأمير بمرض كورونا، في ظل حكم لا يرى خطراً في أعالي النيل، ولا يستشعر حرجاً والقادة الأثيوبيين يلوحون بالحرب وبنسف السد العالي، فلا يرون أعداء لهم في هذا العالم سوى في الدوحة وأنقرة!

وبعيداً عن هذا، فلو كان الاتصال قد تم بالفعل، فهم وبحكم الأداء الأمني بالغ التفاهة، الذي ينطلق من نظرية ادعاء معرفة كل شيء عن أي شيء، والمعنى هنا أنهم استطاعوا الوصول إلى هاتف الحرس الأميري، فأي اختراق يعادل هذا الإنجاز الأمني الجبار؟!

وإذا كانت المكالمة بالفعل صحيحة، ومن الجائز أن تكون مفبركة لأثبات قدرة أمنية خارقة، فانهم مرة ثانية يضعون المصريين العاملين في قطر في دائرة الاشتباك، وكان ينبغي على النظام، الذي يراعي مصالح شعبه أن ينأى بهم عن ذلك، والسلطة تحاول ما استطاعت الزج بالمصريين العاملين في قطر ضمن هذه المعركة، التي لا ناقة لمصر فيها ولا جمل، فحاكم مصر مجرد سائر في الركب، عندما شارك في الحصار على قطر، وفي الحقيقة أنه كان يمني نفسه بغزو يحقق له قاعدة من حضر القسمة فليقتسم، ليكتشف الآن أنه خرج من المولد بدون حمص!

في اليوم الأول للحصار قالت وزيرة الهجرة المصرية أن هناك عمل في مصر ينتظر كل المصريين في قطر. فلماذا ادخال المصريين في قطر في “جملة مفيدة”، والدولة المحاصرة لم تدخلهم طرفا في الموضوع؟!

ثم تمادوا في غيهم بخطاب اعلامي قاده أحمد موسى، الذي لا يتحدث من تلقاء نفسه أبداً، والذي دعا المصريين في قطر، مرة لحصار الجزيرة، ومرة لحصار الديوان الأميري. فهل هذا خطاب تقدمه وترعاه سلطة مسؤولة؟!

إن السلطة المصرية، لو كانت متآمرة على المصريين العاملين في قطر، ما فعلت أكثر من هذا لإثارة الريبة القطرية في المصريين، والتعامل معهم على أنهم جنسية خطرة، قد يكرروا أخطاء وافدين من جنسيات أخرى عندما أُحتلت الكويت، ومن لدعته الشوربة لا يلام إذا نفخ في الزبادي!

وإذا كانت السلطة غير مسؤولة تريد تضييق الخناق على المصريين هناك باعتبارهم من التيار الرافض للانقلاب؟ فهل تعلم أن غالبية المصريين في قطر لم ينتخبوا الرئيس محمد مرسي ولكنهم في جولة الإعادة انتخبوا الفريق أحمد شفيق، وأن قطر لم تميز بين المصريين بسبب موقفهم السياسي؟!

واقعة عادل حمودة

فاذا صح أن الاتصال الذي قام به مذيع قناة “الحياة” صحيح، فسوف يفتح هذا الباب للوصول إلى من سرب رقم الهاتف، ودائرة الشك ستدور حول المصريين الذين لديهم علاقات بهذه الدائرة، لإعادة انتاج مأساة سابقة تضرر منها المصريون الذين يعملون في الديوان!

كان الصحافي عادل حمودة قد جاء إلى الدوحة في عهد مبارك لحضور أحد مؤتمرات القمة العربية، والتقى بالأمير في الديوان، وعاد من هناك بانطباع جيد، عن الأمير الذي استقباله بحفاوة وببساطة وبروح مصرية، وطلب منه آخر نكتة كعادة الخليجيين الذين يحبون مصر، ونشر هذا في مجلة “روزاليوسف” التي كان يشغل منصب نائب رئيس تحريرها ورئيس التحرير الفعلي، وقال إنه أجرى حواراً مع الأمير، سيقوم بنشره في الأسبوع المقبل.

وكانت العلاقة سيئة بين مبارك والدوحة، ولم يكن قد جاء بعد لقطر وزار الجزيرة بعد، ليطرح سؤاله: كل هذا من علبة الكبريت هذه؟! وهو يلتفت إلى وزير اعلامه صفوت الشريف، الذي عاد من هناك محملاً بعداء مع “الجزيرة” باعتبارها منافسة له شخصياً، وتبنى عملية الهجوم عليها في التلفزيون الرسمي، ولم يكن من قبل هذا طرفا في عملية العداء، فقد اعتبر أن انبهار مبارك تبكيتا له، وهو الذي يدير امبراطورية إعلامية تفشل في مواجهة علبة الكبريت؟!

وفي بعض القضايا كان صفوت الشريف يبدو مستقلا عن السلطة، إلا إذا صار هو بشخصه طرفا في الموضوع. فقد مكن مراسل الجزيرة من العمل القاهرة للعمل بدون ترخيص، وعندما كتب إبراهيم سعده يطالبه بسحب اعتماد مراسل الجزيرة، كما فعلت كثير من العواصم العربية، رد بأنه لا يوجد مراسل للجزيرة من القاهرة، معتمداً ليسحب اعتماده، وغافل الجميع واعتمد لـ”الجزيرة” مكتبا ومراسلين معتمدين. وعندما أطلق القمر الصناعي “نايل سات” ووجد أن عدم اشتراك “الجزيرة” فيه سيؤدي إلى العجز عن تسويقه، وافق على أن تبث من خلاله.

بيد أنه عاد من الدوحة بعد هذه الزيارة محملاً بحالة عداء، دفعته لعقد البرامج خصيصا في التلفزيون المصري بين الحين والآخر، في اتجاه الهجوم عليها وبكلام مكرر، فلم يمل اليساري نبيل زكي من ذكر أن المذيع قطع عليه استرساله، ذات مداخلة بدواعي الوقت. ثكلته أمه هذا المذيع!

لم ينشر الحوار

ليس هذا موضوعنا، ففي الأسبوع المقبل لم ينشر عادل حمودة حواره مع الأمير، وكان “الأمير الوالد”، “الشيخ حمد بن خليفة في الحكم. فقد تلقى عادل تعنيفا من السلطة على الكلام الجيد الذي كتبه عن أول لقاء له بأمير دولة قطر، فتراجع وكتب عن تفاصيل القصر وعدد الغرف وموقعه، كما لو كان نادية الجندي في دور “حكمت فهمي”، وهي تعمل لصالح المخابرات المصرية!

ولم ينس حمودة أن يذكر أعداد المصريين العاملين في الديوان، في سياق يوحي لو كانت مصر قد اخترقت بهم القصر، وبما يوحي أن ما أذاعه من معلومات رهيبة إنما حصل عليها منهم، وأضر هذا بهم.

وها هو الإعلام في عهد السيسي يعيد من جديد وضع المصريين في الدوحة في دائرة الشك، من أجل أن يقولوا إن مصر خالية من فيروس كورونا، لكن الخطاب تغير الآن، فقد ذكرت السلطة أن مصر أصابها ما أصاب العالم، فلا مبرر الآن لتحدي الملل، بحوار مع الحرس الأميري القطري، أو اجراء مقابلة مع الفيروس نفسه، بشكل لا بد وأن يضر بسمعة الإعلام المصري في هذه المرحلة ضرراً بالغاً أخشى معه أن يصل للإعلاميين المصريين الذين لم يشاركوا في هذه البلاهة.

ومع أنه قد ثبت أن فيروس كورونا قد وصل مصر، ولم تعد هناك دولة لم يصلها هذا الوباء، فلم ننس منتهى الرمحي، التي دخلت في نوبة ضحك على الهواء مباشرة، على زميلها “مراسل الصحراء” وهو يشير بجدية وصرامة لافتتين الى مطار مأرب، الذي تشيده السعودية كجزء من برنامجها لإعادة إعمار اليمن، فإذا بنا أمام صحراء على مدد الشوف، لا زرع فيها ولا ضرع ولا حياة!

“الحرية لمنتهى الرمحي”!

وسوم: العدد 869