زوال “إسرائيل” في زمن “أم هارون”… هل تصادرون حق الناس حتى في الحلم؟

clip_image001_d83b2.jpg 

بعيدًا عن سخافات “الكاميرا الخفية” ذات المَشاهد المُفبْرَكة والمتّفق عليها مسبقًا بين مُنتجي العمل وأبطاله، وبعيدًا عن السلاسل الهزلية التي تُحاول قسرًا إضحاك الجمهور، بينما هي في الواقع تضحك على ذقونهم، تظهر من حين لآخر على بعض القنوات التليفزيونية العربية إشراقات فنية، تعكس جدية في الإبداع وابتكارا في الرؤى الفنية وعمقا في الخطاب الكامن وراء العمل.

من ضمن هذه الأعمال مسلسل “النهاية” المصري الذي تبثه قناة “أون إي” الخاصة خلال شهر رمضان الحالي، ويندرج ضمن دراما “الخيال العلمي” الشائقة التي تشدّ الأنفاس.

فضلا عن قوة الأداء لدى أبطاله، وفي مقدمتهم النجم يوسف الشريف، صاحب فكرة العمل، وفضلا أيضًا عن بنائه الدرامي المُحْكم وقدرته على توظيف تقنيات عالية، فإن ما يثير في العمل كذلك جرأته في الخطاب وفي الإعلان عن الموقف منذ الحلقة الأولى، بملامسته أحد “التابوهات” السياسية الأكثر حساسية، حيث تنبّأ بزوال “إسرائيل”، قبل أن تحتفل بمرور مئة عام على غرسها فوق تراب فلسطين. ففي عام 2120، التاريخ المستقبَلي المُتخيَّل لأحداث مسلسل “النهاية” (أي بعد مئة عام من الآن) يظهر أستاذ مادة التاريخ بمعية تلاميذ متحلّقين حوله، يحكي لهم عن “معركة تحرير القدس”، التي انتصر فيها العرب على الكيان الصهيوني، بعدما اتّحدوا في ما بينهم واشتدّت شوكتهم اقتصاديا وعسكريا، خلال النصف الأول من القرن الواحد والعشرين، في الوقت الذي أصاب فيه الوهنُ الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الرئيسي لـ”إسرائيل”. وأدّت عملية تحرير القدس الشريف إلى فرار معظم “الإسرائيليين”، ورجوعهم إلى بلدانهم الأصلية.

حديث الساعة

قصة مسلسل “النهاية” تدور في القدس، حيث يحاول مهندس عربي ابتكار حلول للطاقة، لكنه يدخل في صراع مع “روبوتات” تهدد الوجود البشري على كوكب الأرض.

المسلسل صار حديث الساعة في عدة قنوات عربية وعالمية، من بينها: “بي بي سي” و”الميادين” و”الجزيرة” و”الشرق”. إذ رصدت مختلف ردود الفعل إزاءه؛ فهذا كاتب سعودي يتحدث في مداخلة تليفزيونية مع قناة روسية مهاجما مسلسل “النهاية”. إنه ـ في نظره ـ “فاشل ومبني على أوهام وخرافات وينمّ عن خيال مريض وفكر “داعشي” خطير (!) إذ يحرض على اليهود وعلى زوال دولة إسرائيل، لأن قضية فلسطين هي قضية ميتة في الأساس، وليس لها وجود!” ليس هذا الكلام بمُستغرب، ما دمُنا نعيش هذه الأيام موسم الهجوم على فلسطين والفلسطينيين والتزلف إلى بني صهيون، من طرف بعض السعوديين، انسجاما مع توجه رسمي مُغرق في التطبيع سرا وعلانية، مع أن الشعب السعودي ليس كله على قلب رجل واحد، مثل باقي الشعوب العربية.

وانخرطت “جوقة” الانقلابي عبد الفتاح السيسي، هي أيضا، في الهجوم على مسلسل “النهاية”، من خلال مجموعة من التدوينات والتغريدات ذات النغمة النشاز، التي ردّدها كتّاب وإعلاميون ممّن وضعوا كاتب المسلسل في الخانة الجاهزة، التي يُصنّفون فيها كل شريف ذي فكر حر مُغاير، فهو في نظرهم “إخواني”، وعمله يعكس “سلفية درامية”، تحوّل معها الخيال العلمي إلى “خيال سياسي مريض”!

اللافت للانتباه أن هذه الحملة السعودية والمصرية المُنظَّمة جاءت متزامنة مع الموقف الصادر من لدن العدو “الإسرائيلي”، الذي حرّك فيه المسلسل ضغينة لم يخمد أوارها بعد، إذْ أصدرت وزارة خارجية الكيان الصهيوني بيانا اعتبرت فيه ما جاء في المسلسل “أمرا مؤسفا وغير مقبول على الإطلاق، خاصة بين دولتين أبرمتا اتفاقية سلام منذ 41 عاما”. وظهر صهاينة في قناة “إسرائيلية” يستغربون تقديم ذلك المسلسل في قناة يملكها قبطي (وكأنّ لا حقّ للأقباط في الدفاع عن القدس) وتبثّ انطلاقا من بلد صديق (أي مصر) وليس من تركيا أو من فلسطين!

وجاء دور أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي، والذي صار ملهما للعديد من السّعوديين “المطبعين” عبر صفحته الافتراضية، فكتب تغريدة قلّل فيها من قيمة مسلسل “النهاية”، قائلا: “لا يستحق التعليق، هذا ما بقي لمن يتحدث عن نهاية إسرائيل منذ تأسيسها: يتحدثون ويعملون مسلسلات خيالية، ونحن نصنع المعجزات يوما بعد يوم، شاء من شاء وأبى من أبى، ستبقى إسرائيل إلى أبد الآبدين”.

حسنًا، إذا كنتم ـ أيها الصهاينة ـ تثقون في أنفسكم وفي قدراتكم الخارقة إلى هذه الدرجة، فلماذا تحاولون مُصادَرة حق الناس حتى في الحلم والخيال، بعدما صادرتم أراضي فلسطين وشرّدتم أهلها وقتلتم الآلاف ورميتم بآخرين في غيابات السجون؟ هل استطاع عمل إبداعي أن يستفزّكم إلى هذه الدرجة؟ ألا يعني ذلك أن ما شيّدتم من كيان هو أَوْهَن من بيت العنكبوت؟

بالنسبة لإعلاميّ قناة “الشرق”، معتز مطر، فإن ما جاء في مسلسل “النهاية” حول تحرير القدس الشريف من قبضة المحتل الغاصب، ليس محض خيال وأوهام وأحلام، وإنما هو وعد ربّاني ورد في القرآن الكريم.

ربما كان مؤلف المسلسل، عمرو سمير عاطف، يتوقع ردود فعل غاضبة من لدن “الإسرائيليين”، لأنه أصابهم في مقتل منذ الحلقة الأولى، فكان عنوان المسلسل تنبُّؤا بقرب “نهاية إسرائيل”، ولكنه كتب تدوينة حاول أن يلطّف فيها من حدة القراءة السياسية للعمل، حيث اعتبر ردة فعل الخارجية الإسرائيلية غريبةً ومبالغًا فيها، وقال: “في الخيال العلمي من الطبيعي أن تفترض بعض الأحداث، ومن قبل صُنعتْ أعمال درامية تخيّلت زوال العالم بأكمله. فلماذا يُصادرون علينا حقنا في العمل الإبداعي الحر”؟

وبالمختصر المفيد، فإن مسلسل “النهاية” أعاد الأمل إلى المُشاهد العربي في الدراما المصرية، وفي مواقف عدد من الفنانين المصريين المعروفين بمناصرتهم للقضايا العادلة. فهذه هي مصر التي نعرفها، وهؤلاء هم ناسها الشرفاء، ناس العز والكرامة والشهامة. حتى وإن سعى السيسي وأبواقه الإعلامية إلى التغطية عن هذا الوجه المشرق لأرض الكنانة!

وسوم: العدد 876