إرادةُ القولِ.. وَ إرَادَةُ الفِعْلِ

حامد بن أحمد الرفاعي

هَاتَانِ الإرَادَتَانِ علَى كَافَةِ المُسْتَويَاِت.. تُعَانِيَانِ اليَوْمَ مِنْ أَزْمَةٍ وَتَأزّمٍ شَدِيدٍ.. أزْمَةُ إرَادَةِ القَوْلِ: تَتَمَثَّلُ فِي اضْطِرَابِ خِطَابِها.. وفي غُلوِ مِفْرَدَاتِها والتَعَصُبِ لَهَا.. وَتَتَمَثَّلُ في الاحْتِبَاسِ في انْتِمَاءَاتِها الفِئْويَّةِ والايِدْلُوجِيَّةِ والحِزْبِيَّةِ.. التِي تَنْتَقِلُ بِهَا مِنْ تَأزُمٍ إلى تَأْزُمٍ أعْنَفٍ وأْشَنَعٍ.. أمَّا أزْمَةُ إرَادَةِ الفِعْلِ: فَتَتَمَثَّلُ فِي نَمَطِيَّةِ سَيْرِهَا ونَقْصِهَا المَعْرِفِيِّ ..وأشَدُ ما يُمَثَّلُهَا نَزْعَتُهَا السُلْطَويَّةِ والتَسَلُطِيَّةِ.. واعْتِمَادُهَا النَهْجَ الأمْنِيِّ فِي تَحْقِيقِ غَايَاتِها.. وأخْطَرُ مَا أحْدَثَه أصْحَابُ القَرَارِ في إدَارَةِ هَذَينِ التَأْزُميِنِ.. أنْ اصْطَنَعَ أصْحَابُ إرَادَةِ القَوْلِ: لَافِتَاتٍ فِكْرِيَّةٍ وثَقَافيَّةٍ وحِزْبِيَّةٍ.. لا يَحِيدُونَ عَنْهَا فَهِي بُوصَلتُهم ومِعْيَارُهم في الحُكْمِ علَى الآخَرِينَ والتَعَامُلِ مَعَهَم إيِجَابًا أو سِلْبًا..إنَّهَا دَسْتُورُهم المُقَدَّسُ في تَقْرِيرِ طَبِيعَةِ أفْعَالِهم.. واصْطَنَعَ أصْحَابُ قَرَارِ إرَادَةِ الفْعِلِ أذْرُعًا وأدَوَاتٍ تَأتَمِرُ بِإرَادَةِ أقْوالِهم..تُحِقِقُ لَهُم مَا يُرِيِدُون ومَا يَطْمَحُون.. وهَكَذَا تَنْفَلِقُ الأمَةُ أو المُجْتَمَعُ إلى طَوْدَين مُتَضَادّين مُتَصَارِعَين.. وبِذَلِك تَتِيهُ الأمَةُ في أوْحَالِ التَنَاطُــحِ بَدَلاً مِنَ التَسَامُحِ.. وفي مَنَابرِ التَفَاضُـحِ علَى حَسَابِ فَضَائِلِ التَنَاصُحِ.. أجَلْ إنَّ أزْمَةَ وتَأزُمَ العِلَاقَةِ بَيْنَ إرَادَةِ الفِكْرِ والقَوْلِ, وبَيْنَ إرَادَةِ الأدَاءِ والفِعْلِ السيَاسِيِّ.. تَبْقى المَصْدَرَ الأخْطَرَ ,والمُنْزَلَقَ المُدَمِّرَ بِاتِجَاهِ تَخَلُفِهَا الحَضَارِيِّ.. واللهُ تَعالى يُنْذِرُ فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ:" وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ "..وَبَعْدُ.. ألَا مِنْ مُدَكِرٍ..؟ ألَا مِنْ صَحْوَةِ رُشْدٍ تَنْعَطِفُ بِالأُمَةِ نَحَو تَكَامُلِ أرَادَتِها فِي القَوْلِ والفِعْلِ ..؟ لَعَلَّهَا تُقْلِعُ مِنْ سَاحَاتِ تَخَلُّفِها وذِلَّتِها..وِتُحَلَّقَ في آفَاقِ عِزْتِها وتَألُقِهَا الحَضَارِيِّ الرَاشِدِ الآمِنِ..؟

وسوم: العدد 889